الجمعة، 19 يوليو 2019

29-شرح أصول السنة للإمام أحمد

الجنة والنار مخلوقتان

والجنة والنار مخلوقتان قد خلقتا، كما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « دخلت الجنة فرأيت قصرا ورأيت الكوثر، واطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها كذا، واطلعت في النار فرأيت كذا، وكذا »(1)
فمن زعم أنهما لم تخلقا فهو مكذب بالقرآن وأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار، ومن مات من أهل القبلة موحدا يصلى عليه ويُستغفر له، ولا يحجب عنه الاستغفار، ولا تترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرا كان أو كبيرا، أمره إلى الله تعالى، آخر الرسالة، والحمد لله وحده وصلواته على محمدٍ وآله وسلم تسليما.
اللهم صل على محمد، نعم قال المؤلف -رحمه الله-: والجنة والنار مخلوقتان، كما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم ذكر الأدلة، من الأدلة: « دخلت الجنة فرأيت قصرا، ورأيت الكوثر، واطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها كذا، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها فرأيتها كذا، وكذا »(2) هذا المبحث في إثبات الجنة والنار.
فالجنة والنار من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بالجنة والنار، فمن أنكر الجنة والنار فهو كافر؛ لأنه مكذب لله ولرسوله، قال الله تعالى عن الجنة: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾(3) وقال عن النار: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾(4) فمن أنكر الجنة والنار فهو كافر؛ لأنه مكذب لله ولرسوله، لأن الله أخبر أنه أعد للمؤمنين الجنة: ﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾(5) والكفار أعد الله لهم عذابا، فمن أنكر الجنة، من أنكر وجود الجنة وأنكر وجود النار فهو كافر؛ لأنه مكذب لله ومكذب لرسوله، ولأنه لم يؤمن باليوم الآخر، اليوم الآخر يشمل الإيمان بالبعث، والحساب، والجزاء، والجنة والنار، والصراط والميزان، كل هذا داخل في الإيمان باليوم الآخر، فمن أنكر الجنة والنار فهو مكذب لله ولرسوله، ومن كذب الله ورسوله كفر، وهو مكذب باليوم الآخر.
من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بالجنة والنار، وأنهما موجودتان الآن، مخلوقتان، فالجنة أعدها الله لأوليائه، لأوليائه المؤمنين وحزبه، والنار أعدها الله للكفار وللعصاة، فمن لم يؤمن بالجنة والنار فقد كذب الله، ومن كذب الله كفر، ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: والجنة والنار مخلوقتان، كما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم ذكر الأدلة كما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « دخلت الجنة فرأيت قصرا »(2) وهذا الحديث صحيح رواه الإمام أحمد في مسنده، ورواه أيضا الحميدي في مسنده، ورواه الإمام مسلم أيضا، ورواه البخاري أيضا، ورواه الشيخان وغيرهما، عن جابر قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا، أو دارا فسمعت فيها صوتا، فقلت لمن هذا القصر؟ فقيل لعمر، فأردت أن أدخلها فذكرت غيرتك يا أبا حفص، فبكى عمر، وقال مرة أخرى: فأخبر بها عمر، فقال: يا رسول الله، وعليك يغار؟! »(2) فهذا الدليل في أيش؟ في إثبات الجنة، قال: دخلت الجنة: « دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا »(2) هذا دليل على أن الجنة ثابتة موجودة وأنها مخلوقة الآن، مخلوقة الآن وموجودة، دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا.
كذلك الدليل الثاني على وجودها وأنها مخلوقة الآن، الحديث الثاني: وقال: ورأيت الكوثر وهذا الحديث أيضا حديث صحيح رواه البخاري والترمذي، من طريق قتادة عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: « بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف، قلت ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر »(6) رواه الإمام أحمد أيضا، الكوثر يعني الحوض، فالحوض يسمى الكوثر، ويصب فيه ميزابان من نهر الكوثر الذي في الجنة، فالذي في الجنة يسمى الكوثر، والحوض يسمى الكوثر، حوض النبي -صلى الله عليه وسلم- في موقف القيامة، ويصب فيه ميزابان من نهر الكوثر الذي في الجنة، وكل منهما يسمى كوثرا؛ ولهذا قال: « هذا الكوثر الذي أعطاك ربك »(7) وهي الحوض في موقف القيامة: « فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر »(8) طيبه، سبق أن الحوض أوانيه عدد نجوم السماء، وأن طوله مسافة شهر، وأن عرضه مسافة شهر، وأنه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأبرد من الثلج، وأطيب ريحا من المسك.
الدليل الثالث: الذي يستدل به المؤلف على وجود الجنة والنار والآن مخلوقتان، حديث قال: « واطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها كذا وكذا »(9) وهذا أيضا حديث صحيح رواه البخاري والترمذي من حديث عمران بن حصين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: « اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار، فرأيت أكثر أهلها النساء »(10) هكذا قال: اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها كذا، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها كذا، هذا حديث واحد، اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، والسبب أن الفقراء في الغالب هم الذين يستجيبون للرسل ويؤمنون بهم؛ لأنه ليس هناك مانع يمنعهم من الإيمان، بخلاف أصحاب الأموال والرئاسات، تمنعهم أموالهم وشهواتهم ومناصبهم من الانقياد لشرع الله ودينه والإيمان بالرسل، أما الفقير ما عنده شيء يمنعه، يؤمن، ولهذا صار أكثر أهل الجنة الفقراء؛ لأنهم ينقادون لشرع الله ودينه، أما الأغنياء والكبراء والرؤساء فالغالب أنهم يستكبرون، فلا ينقادون للشرع، بل رئاساتهم وأموالهم تمنعهم من الانقياد للشرع والإيمان بالله ورسوله.
« واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء »(10) جاء في الحديث الآخر سبب ذلك: أن امرأة سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: لم النساء أكثر أهل النار؟ قال: « لأنكن تكثرن اللعن، وتكفرن العشير »(11) العشير: الزوج، تكثرن اللعن سبب دخولكن، تكثرن اللعن والشتام، وتكفر العشير يعني تنكر إحسان الزوج، جاء في اللفظ الآخر: « تكفرن العشير، لو أحسن إلى إحداكن الدهر »(12) يعني الزوج، ثم رأت شيئا، قالت: ما رأيت خيرا قط، أنكرت الجميل السابق.
وجاء في الحديث الآخر: « أن أكثر النساء أكثر أهل الجنة، والنساء أكثر أهل النار »(13) فالجنة أكثر أهلها النساء؛ لأن لكل مؤمن زوجتين، كل مؤمن في الجنة له زوجتان، هذا عام، وهناك من المؤمنين من له زوجات كثيرة لكن هذا عام لكل واحد زوجتان، وليس في الجنة أعزب، ولأن أيضا في الجنة الحور العين والمؤمنات، فإذا جمعت الحور العين والمؤمنات في الجنة، وكل مؤمن له زوجتان، وهناك من لهم زوجات كثيرات، لكن هذا عام مثل ما يقال على الداني كل واحد له زوجتان هذا عام، للصغير والكبير بوجه هذا عام، فصار أكثر أهل الجنة النساء، الحور العين ونساء المؤمنين.
وأكثر أهل النار النساء أيضا لماذا؟ لأنهن يتعرضن يفعلن الأسباب التي يدخلن بها النار وهي منها كثرة اللعن والسباب وكفر العشير، كفران العشير للزوج، قال المؤلف: فمن زعم أنهما لم تخلقا فهو مكذب بالقرآن وأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار، المكذب الذي يقول: إنهما لم تخلقا الآن المعتزلة والقدرية، قالوا: إن الجنة والنار لا تخلقان الآن، وإنما تخلقان يوم القيامة، يقولون: الجنة والنار معدومتان الآن، متى تخلقان؟ إذا جاء يوم القيامة خلقهم الله، فهي شبهتهم.
المعتزلة والقدرية قلنا: إنهم يعتمدون على العقول على عقولهم الفاسدة، وآرائهم الكاسدة، ويتركون كتاب الله وراءهم ظهريا، ما دليلكم يا معتزلة؟ قالوا دليلنا: إن وجود الجنة والنار الآن، وليس هناك جزاء، ولا أحد يستفيد من الجنة والنار، الجنة ما يستفيد الآن يدخلها المؤمنون يوم القيامة، والنار يدخلها الكفار يوم القيامة، والآن ما في حاجة لخلقهما، وجودهما الآن ولا جزاء عبث، والعبث محال على الله هذه شبهة أيش؟ المعتزلة، يقولون: إن وجودهم الآن ولا جزاء عبث، والعبث محال على الله، فكيف يخلقهما الجنة والنار، وتبقى مدد طويلة من دون فائدة؟ ما في أحد في الجنة، ما في أحد، والنار ما في أحد، ما في داع ٍ لأنها تخلق، فلو خلقهما الله الآن لكان عبثا، والعبث محال على الله، الله حكيم فلا يمكن أن يخلق شيئا ويتركه عبثا، فإذا جاء يوم القيامة خلقهما الله، هذه شبهة أيش؟ المعتزلة، نقول: هذه شبهة فاسدة، هذه شبهة فاسدة مقابل النص، والرأي والقياس مقابل النص هذا رأي فاسد مصادمة للنصوص، وصادمتم كتاب الله وسنة رسوله، كيف تقولون: إنها لم تخلقا، والله أخبر أنهما خلقتا قال عن الجنة: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾(3) أعدت، أعدت انتهت، وقال عن النار: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾(4) يقول: أعدت في صيغة الماضي دليل على أنها خلقت، وأعدت النار للكافرين خلقت، كيف تصادمون النصوص؟
وكذلك أيضا الأحاديث التي ذكرها المؤلف الآن صريحة، قال: « دخلت الجنة فرأيت قصرا »(1) وهذا ليلة المعراج، ليلة المعراج أو الرؤيا، ورؤيا الأنبياء وحي، قوله: دخلت الجنة، إذا الجنة موجودة كيف يدخلها النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر شيئا غير موجود دخلت الجنة هي موجودة فرأيت قصرا، قال كذلك قوله: رأيت الكوثر، الكوثر نهر في الجنة.
وكذلك قوله: اطلعت في الجنة واطلعت في النار، كيف يطلع الرسول على شيء لم يخلق؟ اطلعت في الجنة واطلعت في النار، كذلك أيضا من الأدلة أيضا اللي لم يذكرها المؤلف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى الجنة والنار وهو يصلي بالناس الكسوف، وقال لما صلى قال: عرضت علي الجنة، وكان يصلي النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لما +صلى الكسوف تقدم كأنه+ تقدمت الصفوف، كأنه يتناول شيئا ثم تأخر وتأخرت الصفوف، كأنه يخشى من شيء، فلما سلم النبي سألوه قالوا: يا رسول الله، رأيناك تقدمت، ورأيناك تكعكعت حتى تكعكَعَت الصفُوف، فقال: « أما تقدمي فإنه عرضت علي الجنة، وقربت لي حتى رأيتني أتناول عنقودا من عنب، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، وأما تأخري، فإن النار عرضت علي وقرّبت حتى تكعكعت تأخرت وتأخرت الصفوف »(14) .
هذا دليل على أن الجنة والنار موجودتان الآن، هذا فيه الرد على المعتزلة الذي يقولون تخلقان يوم القيامة، وفي اللفظ الآخر: عرضت علي الجنة والنار في عرض هذا الحائط يعني كشف له عنها، كذلك من الأدلة على أن الجنة والنار موجودتان الآن، من الأدلة: أن أرواح المؤمنين تنعم في الجنة، وكذا أرواح الشهداء قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: « أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش »(15) كذلك أيضا روح المؤمن غير الشهيد، تكون في أيش؟ تنعم في الجنة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة »(16) يعني يأكل: « حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه »(17) .
وكذلك أيضا ثبت أن المؤمن إذا وضع في قبره، يفتح له باب من الجنة فيأتيه من ريحها وطيبها، كيف تكون عبثا من قال لكم عبث، هذا عبث ها ها؟ كيف يقول جاء الأول عبث، الحور العين أيضا في الجنة، والكافر ثبت في الحديث أنه، أو الفاجر: « يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، ويفتح له باب إلى النار يأتيه من حرها وسمومها »(18) إذا النار موجودة، والله تعالى قال في كتابه العظيم في آل فرعون: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ ﴾(19) وهذا الأمر متى؟ في البرزخ في القبر إذا موجودة يعرضون عليها غدوا وعشيا.
وقال -عليه الصلاة والسلام-: « إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده في الغداة والعشي »(20) هذه كلها دليل على وجود النار، وثبت في الترمذي، في جامع الترمذي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « لقيت أبي إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد، أقرئ أمتك السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء، وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر »(21) وقال -عليه الصلاة والسلام-: « من قال سبحان الله غرست له نخلة في الجنة »(22) إذا الجنة موجودة، والمعنى أنه يزاد في غراسها، يزاد للمؤمن، وليس المراد أنها معدومة، هي موجودة لكن يزاد، يزاد بزيادة الحسنة والثواب، يزاد له ويغرس له زيادة على ما أعد الله له.
ومن الأدلة أيضا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنه: « لما خلق الله الجنة أرسل جبرائيل فقال انظر إليها، فنظر إليها، فقال: يا رب لا يسمع بها أحد إلا دخلها، ثم حفها بالمكاره، فقال: ارجع فانظر إليها، فقال يا رب قد خشيت أن لا يدخلها أحد، ثم خلقه إلى النار صلى الله عليه وسلم+ فقال: ارجع إليها، فلما رأى ما فيها من الأهوال العظيمة، والزقوم، وأنه يأكل بعضها بعضا قال: يا رب لا يسمع بها أحد إلا لم يدخلها، ثم حفها الله بالشهوات، فقال ارجع إليها فقال: يا رب خشيت أن يدخلوها »(23) أو كما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا دليل من الأدلة على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن، هذه أدلة كلها تدل على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن، ويرد بها على المعتزلة الذين يقولون: إنهما تخلقان يوم القيامة كم أنواع الأدلة؟ كثيرة، منها قول الله تعالى عن الجنة: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾(3) وعن النار: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾(4) هذا نوع، أعدت بصيغة الماضي، ومنها: وجود الأرواح؛ أرواح الشهداء في الجنة، وأرواح المؤمنين، وأرواح الكفرة في النار، ومنها: فتح باب للميت من الجنة أو النار، ومنها: عرض مقعده عليه بالغداة والعشي، ومنها: رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- للجنة والنار، وهو يصلي بالناس الكسوف وعرضها عليه، ومنها: رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- للجنة والنار ليلة المعراج، ليلة المعراج ورأى أناسا يعذبون، رأى الزناة والزواني يعذبون في مثل التنور يأتيهم لهبٌ حتى ثم أيش؟ + وكذلك أيضا المرابي رآه يسبح في نهر الدم، والكذاب الذي يشق منخره وشدقاه، وعدد يعذبون رآهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في النار، وكذلك أيضا لما خلق الله الجنة والنار أرسل إليهما جبرائيل، كل هذه أدلة تدل على وجود الجنة والنار وأنهما موجودتان الآن، ويرد بها على المعتزلة.
وبهذا يبطل قول المعتزلة: إن وجودهما الآن ولا جزاء عبث، والعبث محال على الله، نقول من قال: إنه لا جزاء في جزاء الآن، فالمعتزلة يقولون: وجودهما الآن ولا جزاء مدد متطاولة عبث، والعبث محال على الله، نقول: هذا فهمكم السقيم، فهمكم هذا السقيم وعقولكم الكاسدة، صادمتم بها النصوص، فمن عقيدة أهل السنة والجماعة: أن الجنة والنار مخلوقتان الآن، وأنهما دائمتان لا تفنيان أبدا، لا تفنيان أبدا دائمتان لا تفنيان، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة.
وروي عن بعض السلف أن النار تفنى بعد مدد متطاولة، هذا ينسب إلى بعض السلف، ويستدلون بآثار، لكن أكثر هذه الآثار ضعيفة، منها الآثار المروية عن عمر وغيره، منها: أنه لو لبث أهل النار في النار قدر رمل عالج، عالج هذا رمل كثير لكان لهم يوما يخرجون منه، وقالوا: فرق بين خروج العصاة، وبين خروج الكفار، العصاة أخرجوا وهي باقية، والكفار أخرجوا منها بعد نهايتها، وفرق بين من يخرج من الحبس والحبس باق، وبين من يخرج من الحبس، لسقوط الحبس وانتقاضه، هم ما أخرجوا لكن هي التي انتهت، لكن هذا قول ينسب إلى بعض السلف، لكن بعض أهل العلم جمع بينهما، وقال: إن هذا يحمل ما روي عن السلف يحمل على أن النار التي تفنى هي نار العصاة، الطبقة العليا، طبقة العصاة إذا خرج العصاة انتهت فنيت، وأما طبقات الكفار باقية، وهذا القول حسن.
ما روي عن بعض السلف أن النار تفنى يحمل على نار العصاة، الطبقة اللي فيها العصاة إذا خرجوا منها فنيت؛ لأن النار دركات الدركة العليا، فيها دركة العصاة، أما الدركات دركات الكفرة فلا تفنى، وذهب الجهم بن صفوان إلى أن الجنة والنار تفنيان جميعا، فأنكر أهل السنة والجماعة وبدعوه وضللوه وصاحوا به، وهذا قول فاسد يصادم النصوص، والجهم كافر، كفر الجهمية خمسمائة عالم.
والجهم لما ناظره جماعة من فلاسفة الهند من الشمالية، شك في ربه وترك الصلاة أربعين يوما، نعوذ بالله، ثم نقش الشيطان في ذهنه أن الله موجود وجودا مطلقا، هو ينكر وجود الله ما يثبت إلا وجوده في الذهن، فلا يستغرب كونه ينكر يقول: إن الجنة والنار تفنيان.
وقال أبو الهذيل العلاف، شيخ المعتزلة في القرن الثالث الهجري: تفنى حركات أهل الجنة، والنار تجمد حركاتهم، بعد مدة طويلة يجمدون يكونون مثل الحجارة ما يتحركون، تفنى، يعني تجمد حركاتهم، ابن القيم -رحمه الله- ناقشه في النونية وفي غيرها، وشنع عليه، وقال: + إذا جاء هذا اليوم الذي تفنى على قولك على فرض قولك ما حال - ذكر صور شنع+ عليه- ما حال من يتناول عنقودا ثم فنيت الحركات يبقى هذا، ومن حال من فتح فمه ليلقمه، ثم بقي مفتوح الفم، فجأة+ فنيت الحركات، وما حال كذا، وما حال كذا، وجعل يشنع عليه، المقصود أن هذا قول فاسد، قول أبي الهذيل العلاف، أنها تفنى الحركات هذا من أبطل الباطل، وأفسد منه قول الجهم تفنيان.
والصواب قول أهل السنة والجماعة: أن الجنة والنار دائمتان أبدا لا تفنيان ولا تبيدان، قال الله تعالى في الجنة: ﴿ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾(24) ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾(25) والنار كذلك قال: ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾(26) ﴿ لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ﴾(27) ﴿ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ﴾(28) ﴿ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾(29) ﴿ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ﴾(30) ﴿ لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ﴾(27) كل هذه النصوص تدل على الدوام والاستمرار، وهذا هو الصواب الذي دلت عليه النصوص ودل عليه أهل السنة والجماعة.
قال الإمام -رحمه الله- فمن زعم أنهما لم تخلقا فهو مكذب بالقرآن، وأحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار، الإمام -رحمه الله- يقول: إن الذي يزعم أنهما لم تخلقا، يكذب بالله ورسوله، كأن الإمام يكفر المعتزلة، والمعتزلة كفرهم بعض أهل العلم، وبعض أهل العلم بدعهم، وظاهر كلام الإمام أحمد، أنه يكفرهم أليس كذلك؟ قال: فمن زعم أنهما لم تخلقا فهو مكذب بالقرآن، والمكذب بالقرآن ما حكمه؟ كافر، والمعتزلة يزعمون أنهما لم تخلقا، وتخلقان يوم القيامة، فمن زعم أنهما لم تخلقا فهو مكذب بالقرآن وأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار، ما أظنه يؤمن، لو كان يؤمن بالجنة والنار لأثبتهما وصدق، وصدق كلام الله وكلام رسوله، هذه النصوص واضحة في أنهما موجودتان، فإذا زعم أنهما لم تخلقا فقد كذب الله ورسوله، ومن كذب الله ورسوله كفر فهو لم يؤمن بالجنة والنار، يقول: ولا أحسب أنه يؤمن بالجنة والنار، لا أظن أنه يؤمن بالجنة والنار، لو كان يؤمن بالجنة والنار لآمن+، لصدق الله ورسوله في أنهما موجودتان الآن، فقوله: إنهما لم تخلقا تكذيب لله ولرسوله، وهذا يفضي به إلى أنه لا يؤمن بالجنة ولا بالنار.
قال الإمام -رحمه الله-: ومن مات من أهل القبلة موحدا يصلى عليه ويستغفر له، ولا يحجب عنه الاستغفار ولا تترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرا كان أم كبيرا وأمره إلى الله، من مات من أهل القبلة موحدا، أهل القبلة من هم؟ سبق أن أهل القبلة: هو الموحد الذي يستقبل القبلة في الصلاة يصلي ويستقبل في الصلاة، والذبح، والذكر، للحديث: « من استقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو مسلم، له ما لنا وعليه ما علينا »(31) يعني من التزم، من التزم بدين الإسلام، واستقبل القبلة في الصلاة والذبح، ولم يفعل ناقضا من نواقض الإسلام، هذا مسلم، له ما للمسلمين، وعليه ما على المسلمين، هذا تعريف المسلم، من هو المسلم؟ الموحد الملتزم في الظاهر، لا يحكم عليه بالكفر إلا إذا فعل ناقضا من نواقض الإسلام: « من استقبل قبلتنا وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا فهو مسلم له ما لنا وعليه ما علينا »(31) إلا إذا ارتكب مكفرا.
كما في حديث عبد الله بن مسعود: « لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة »(32) فهنا المؤلف -رحمه الله- يقول: ومن مات من أهل القبلة، الذين استقبلوا القبلة في الصلاة والذبح موحدا، موحدا ما معنى موحد؟ يعني شهد لله بالوحدانية، وشهد للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة، ولم يفعل ناقضا من نواقض الإسلام، والموحد هو الذي يلتزم، يلتزم بأي شيء؟ يلتزم بمقتضى التوحيد، ما هو مقتضى التوحيد؟ العمل، مقتضى التوحيد ينقاد بحقوق التوحيد، ما هي حقوق التوحيد؟ صلاة صيام زكاة حج، ترك المحرمات والكبائر، هي من شروط لا إله إلا الله، ما هي؟ الانقياد بحقوقها، وهذا هو العمل بمقتضاها والبعد عما يناقضها، يقول: لا إله إلا الله، وينقاد بالحقوق ينقاد بالصلاة والصيام والزكاة ينقاد، فإذا لم ينقد بحقوقها، صار مثل إبليس مستكبرا عن عبادة الله، إبليس ما انقاد، إبليس مؤمن مصدق في الباطن لكن ما عنده انقياد، ما عنده انقياد لله ولرسوله، عنده استكبار مستكبر.
فلا بد أن ينقاد بحقوقها، ولا بد أن يبتعد عما يناقضها، فإذا ذبح لغير الله أو أشرك، أو سب الله أو سب الرسول، أو قال الصلاة غير واجبة، أو الزنا حلال معناه فعل ناقضا من نواقض الإسلام، انتقض التوحيد والإيمان وبطل، مثل من تطهر وأحسن الطهور، وتوضأ وأحسن الوضوء، ثم خرج منه بول أو غائط أو ريح هل تبقى الطهارة ولا تزول؟ فما الذي أزالها؟ الحدث، فكذلك إذا قال: لا إله إلا الله، ثم سب الله وسب الرسول، بطل التوحيد، لو قال: لا إله الله، شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ثم قال: محمد رسول العرب خاصة، يكفر ولا ما يكفر؟ أو قال: بعده نبي، أو قال: ليس خاتم النبيين، أو دعا غير الله، أو ذبح لغير الله، أو قال: الزنى حلال، كذب الله، أو قال: الربا حلال، أو قال: عقوق الوالدين حلال، أو قال: الصلاة غير واجبة رياضة، من شاء يصلي، ومن شاء لا يصلي، هذا أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، أو قال: الزكاة غير واجبة، أو الصوم غير واجب ما حكمه؟ ينتقض توحيده وإيمانه. الإمام رحمه الله يقول: من مات من أهل القبلة موحدا إذا كان موحد، يعني ملتزم بأحكام الإسلام، ولم يعلم عنه أنه فعل ناقضا من نواقض الإسلام يصلى عليه، ويستغفر له، ولا يحجب عنه الاستغفار، ولا تترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرا كان أو كبيرا، الدليل قول الله تعالى: ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾(33) جعل العلة في كونهم لا يصلى عليهم ما هو؟ الكفر، إنهم كفروا بالله، فدل على أن الكافر لا يصلى عليه والموحد يصلى عليه، كل موحد يصلى عليه، وكل كافر لا يصلى عليه، إذا فعل الكفر الأكبر، مات على النفاق، هو نوع من أنواع الكفر الأكبر، أو نوع من أنواع الشرك الأكبر، أو نوع من أنواع، أو مات على الجهل الأكبر أو الظلم الأكبر، أو الفسق الأكبر، هذا لا يصلى عليه ولا يدعى له ولا يستغفر له ولا يحج عنه.
الدليل الآية: ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِِ ﴾(33) هات التعليل ما هو التعليل؟ ﴿ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾(33) فهذه نزلت بعد ما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- على عبد الله بن أبي، أنزلت هذه الآية: ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾(33) غير الكافر اللي ما فعل الكفر الأكبر يسمى موحدا يصلى عليه ويدعى له، وإذا فعل ذنبا، إذا مات على ذنب، على الغيبة، أو على نميمة أو على كبيرة يصلى عليه أو لا يصلى عليه، يدعى له أو لا يدعى له؟ يدعى له، ولهذا قال: ولا يحجب عنه الاستغفار ولا تترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرا أو كبيرا، سواء كبيرا أو غيره، أمره إلى الله تعالى، لكن جاء في بعض الكبائر أنه لا يصلى عليه، يتأخر، في بعض الكبائر أنه لا يصلي عليه أهل الحل والعقد، أهل العلم والبصيرة، مثل ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصل على من قتل نفسه، وثبت أنه لم يصل على من عليه دين في أول الأمر، وقال: « صلوا على صاحبكم »(34) لكن يصلي عليه عامة الناس، لكن يتأخر، وكذلك القاتل نفسه.
قال العلماء: لا يصلي عليه أهل العلم؛ تحذيرا للأحياء أن لا يفعلوا مثل فعله، لكن يصلي عليه عامة الناس، ليس بكافر لكن تحذير، التحذير لتحذير الأحياء أن يعملوا مثل عمله، جاء في بعض الأحاديث أن النبي تأخر عن +لم يصل على الزاني، وفي بعضها على من قتل نفسه، والشاقص، فهذا إذا تأخر عنه أهل العلم؛ تحذيرا للأحياء حسن، لكن يصلي عليه عامة الناس، يصلي عليه عامة الناس.
والمقصود أنه يصلى عليه ما دام أنه لم يفعل الكفر الأكبر، لم يفعل الكفر الأكبر، ولا النفاق الأكبر، ولا الشرك الأكبر، ولا الظلم الأكبر، ولا الفسق الأكبر، ولا الجهل الأكبر يصلى عليه، ولو كان له ذنب، ولو كان له ذنب صغير أو كبير، الكبير الكبائر معروفة عرفنا أن الكبائر جمع كبيرة، والكبيرة ما هي؟ كل ذنب ترتب عليه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة بالنار أو الغضب أو اللعنة، أو نفي عن صاحبه الإيمان، أو قال: فيه النبي ليس منا، أو تبرأ منه النبي -صلى الله عليه وسلم- برئ النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصالقة والحالقة والشاقة فالصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة: التي تشق ثوبها عند المصيبة، هذه من الكبائر، الذي يفعل الكبائر، أو يأتي+ ذنبا، يموت على ذنب كبير أو صغير، الكبائر والصغائر يصلى عليه؛ لأنه ليس بكافر، والذي مات على الكفر الأكبر، أو النفاق الأكبر لا يصلى عليه؛ الدليل آية التوبة: ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ﴾(33) نهاه الله عن الصلاة على أحد منهم، يعني الكفرة، ولا تقم على قبره للدعاء بعد الدفن، يعني لا تصلي عليه ولا تدعوا له بعد الدفن، ما هي العلة؟ ﴿ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾(33) هذه هي العلة، من كفر بالله ورسوله فلا يصلى عليه ولا يقام على قبره، ومن لم يكفر بالله ورسوله، يصلى عليه ويدعى له على قبره، ولو فعل ذنبا دون الكفر صغيرا أو كبيرا، هذا معنى قول الإمام -رحمه الله-: ومن مات من أهل القبلة موحدا، انظر موحدا: مات على التوحيد، يعني ولم يفعل ناقضا، إذا فعل ناقضا بطل التوحيد وانتقض.
ومن مات من أهل القبلة موحدا يصلى عليه، ويستغفر له، اللهم اغفر له اللهم ارحمه، وكذلك يدعى له بعد الدفن، يقام على قبره ويدعى له، ولا يحجب عنه الاستغفار.
وكذلك أيضا يجوز الحج عنه ويعتمر عنه، ويتصدق عنه؛ لأنه مؤمن، ولا تترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرا أو كبيرا؛ لأنه ذنب يعني دون الكفر، بدليل أنه قال: موحدا، فهل المراد بالذنب هنا يشمل الكفر؟ لا، ولا تترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرا أو كبيرا، يعني الذنب الذي هو دون الكفر، بدليل قوله: مات موحدا؛ لأنه لو كان الذنب هو الكفر لم يكن موحدا، انتقض توحيده، ومن مات من أهل القبلة موحدا يصلى عليه ويستغفر له، متى يصلى عليه، المقصود من صلاة الجنازة ما هو؟ المقصود منها الدعاء، ولهذا يجوز الصلاة، المقصود الأعظم من الصلاة على الميت الدعاء، ولهذا يصلى في المقبرة، الصلاة في المقبرة منهي عنها من وسائل الشرك، لكن الصلاة المنهي عنها في المقبرة الصلاة التي لها ركوع وسجود، أما صلاة الجنازة فليس لها ركوع ولا سجود، والمقصود منها الدعاء، فلهذا يصلى على الميت في المقبرة، ولو بعد الدفن، من لم يصل عليه.
والدليل على هذا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما مات هذا الرجل، أو المرأة التي كانت تقم المسجد، ودفنوه ليلا وأخبروه قال: « دلوني على قبره »(35) فذهب إلى قبره فصلى عليه، فهذا دليل على أن صلاة الجنازة المقصود منها الدعاء، أما الصلاة التي لها ركوع وسجود فلا تجوز في المقبرة، قال -عليه الصلاة والسلام-: « لا تجلسوا إلى القبور »36 فهذه من باطن الغلبة، لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها، ولما رأى بعض الصحابة رجلا يصلي وهو لم يعلم، قالوا: القبر القبر، يعني +ابتعد عن القبر، وهل يدخل في قوله: ومن مات من أهل القبلة المنافقون، ومن مات من أهل القبلة موحدا يصلى عليه، أو لا يدخل؟ نعم، إذا لم يظهر كفره، فإنه يصلى عليه ويغسل ويدفن في مقابر المسلمين ويرث ويورث.
أما إذا أظهر كفره، فإنه لا يصلى عليه؛ لأن المنافقين تجرى عليهم أحكام الإسلام، تجرى عليهم أحكام الإسلام في أيش؟ في الظاهر، ومن أظهر منهم نفاقه قتل، ومن لم يظهر نفاقه يعامل معاملة المسلمين في الدنيا، ولكن لا يفيده هذا في الآخرة، في الآخرة يكون في الدرك الأسفل من النار، نسأل الله السلامة والعافية، وبهذا نكون انتهينا من هذه الرسالة، نسأل الله للجميع العلم النافع، والعمل الصالح، وفق الله الجميع لطاعته، وثبت الله الجميع على هداه، وصلى الله على محمد وآله وصحبه نعم. +الأسئلة.
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين يقول السائل: فضيلة الشيخ يحفظكم الله، ذكر في درس سابق أن القدرية منهم المشركية والإبليسية، والمجوسية، هل هذه الثلاثة تدخل في القدرية الأولى والمتوسطة والجبرية؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
القدرية الأولى التي انقرضت هؤلاء كفرهم العلماء، وكفرهم الصحابة؛ لأنهم نسبوا الله إلى الجهل نعوذ بالله؛ لأنهم قالوا: إن الله لا يعلم بالأشياء حتى تقع، وقالوا يقولون: إن الأمر أنف مستأنف وجديد، هؤلاء كفرة انقرضوا كفرهم ابن عمر وغيره من الصحابة، وقال ابن عمر لما أخبر بذلك: إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني، والذي أقسم ابن عمر بيده: " لو أنفق أحد منهم مثل أحدٍ ذهبا ما قبله الله منه " والذي لا يقبل منه العمل هو الكافر.
وأما القدرية، بأقسامها الثلاثة، الذين جاءوا بعد القدرية النفاة، فهم كما سبق ثلاث طوائف: القدرية المجوسية، وهم القدرية النفاة، وهم يؤمنون، هؤلاء يؤمنون بالشرع، ولكن مكذبون بالقدر، والطائفة المشركية: يؤمنون بالقدر ويكذبون بالشرع، وقلنا: إن الطائفة المجوسية أقرب إلى الحق وهم مبتدعة، والعلماء ما كفروهم، العلماء سموهم مبتدعة ليسوا كالقدرية الأولى، وأما المشركية: الذين يحتجون بالقدر على الشرك، فهؤلاء قد يكفرون؛ لأنهم يحتجون على المعاصي بالقدر، ويقول أحدهم: أنا مجبور، ويقول أحدهم: أنا إن عصيت أمر الله الشرعي، فقد وافقت أمره القدري، فهم يعذرون أنفسهم بالمعاصي، قد يصلوا إلى الكفر.
وأما الإبليسية معروفون أنهم كفار، شيخهم إبليس الذين يؤمنون بالقدر والشرع، ويقولون: إن الرب متناقض، قالوا: يؤمنون بالقدر ويؤمنون بالشرع، ولكن الرب متناقض والعياذ بالله، فالشرع ينقض القدر، والقدر ينقض الشرع، نسأل الله العافية، هؤلاء لا شك في كفرهم، والمشركية جبرية، إذا كانوا يحتجون على شركهم وعلى معاصيهم بالقدر، فهم كفرة، نسأل الله العافية، أما القدرية المجوسية هم مبتدعة، وهم أحسن حال منهم، فرق بين القدرية المشركية، والقدرية المجوسية، القدرية المجوسية: هم يعظمون الشرع، يعظمون الشرائع، يعظمون الشرع، ويعظمون الرسول، ويؤمنون بالشرع، لكن حصلت لهم شبهة، فقالوا: إن الله لم يقدر أفعال العباد، ولم يخلقها للشبهة التي عرضت لهم، بخلاف المشركية، فإنهم يعطلون الشرع، فإنهم مثلا تقول: الشرع عبث، والرسل عبث؛ لأنهم يحتجون بالقدر، نعم، نسأل الله السلامة والعافية، نعم.
أحسن الله إليكم يقول السائل: هل يجوز الصلاة على الزيدي؟
إذا كان ممن لم يقل، لا يعتقد ما يعتقده الرافضة هم معروف الزيدية، الأصل الزيدية سلسلة زيد بن علي بن الحسين، لكن المعروف أن الزيدية أنهم يفضلون عليا على عثمان، وعندهم نوع من التشيع، هؤلاء مبتدعة إلا إذا كانوا يقولون بقول الرافضة، يكفرون الصحابة، ويقولون: إن القرآن غير محفوظ؛ لأنه قد يكون زيديا، ويعتقد ما يعتقده الرافضة، العبرة بالعقيدة، إن كان يعتقد ما يعتقد الرافضة، فلا كفر +بعد، وإن كان لا يعتقد ما يعتقده الرافضة وإنما يفضل عليا على عثمان فهو مبتدع، نعم.
أحس الله إليكم يقول: وهل يجوز الصلاة خلف أئمة الزيدية، سواء فرض أو صلاة الميت؟
هذا الجواب جوابه السؤال السابق، إن كان الزيدي يعتقد كفرا، يعتقد ما يعتقده الرافضة فلا يصلى خلفه، والصلاة خلفه باطلة، وإن كان يعتقد البدعة ما يعتقد هذا، فهو مسلم مبتدع، والمبتدع، والفاسق في خلاف في الصلاة خلفه، المبتدع، الأئمة أقسام:
القسم الأول: الإمام الكافر، الذي يفعل الكفر، مما يسب الله أو يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يدعو غير الله، هذا لا تصح الصلاة خلفه بالإجماع، وإذا صلى خلفه فإنه يعيد، ولو بعد مائة سنة.
الثاني: الإمام الثاني المستور الحال، الذي لا يعلم منه بدعة ولا فجور وهذا يصلى خلفه مستور الحال.
الإمام الثالث: الإمام الفاسق، ظاهر الفسق، أو المبتدع ظاهر البدعة، فهذا إذا كان إمام المسلمين يصلى خلفه، أو كان لا يوجد في البلد إلا هو، إلا مسجد يصلى خلفه، ولا يصلي وحده، ما تجد في البلد إلا هذا الإمام الفاسق، ما في إلا جمعة واحدة، يؤمها الفاسق تصلي خلفه، ولا تصلي وحده، أو يترتب على ترك الصلاة خلفه مفسدة، تصلي خلفه.
أما إذا وجد غيره ولا يترتب عليه مفسدة، فهل يصلى خلفه أو لا؟ فيه خلاف من العلماء من قال: يصلى خلفه، ومنهم من قال: لا يصلى خلفه، ومنهم من قال: تصح وتعاد، والصواب أنها صحيحة؛ لأنه مسلم، ولكن الصلاة خلف العدل أولى؛ لأن الصحابة كانوا يصلون خلف الحجاج، وكان فاسقا ظالما، لكن لأنه أمير، الأمير أمير البلد، أو الوالي يصلى خلفه، نعم.
أحسن الله إليكم يقول السائل في الحديث: « رأيت قوما لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم »37 وغيرها، هل هذا دليل على أن الجنة والنار يسكنها الآن أحد؟
لا، هذا دليل على العذاب في البرزخ، وأن هؤلاء رآهم يعذبون، رأى بعضهم يعذب في النار، ورآهم يعذبون في البرزخ، مثل آكل الربا الذي يسبح في نهر الدم، وهؤلاء يخمشون وجوههم وصدورهم؛ لأنهم يأكلون لحوم الناس، هذا دليل على إثبات العذاب في البرزخ قبل يوم القيامة، وفق الله الجميع لطاعته وثبت الله الجميع على هداه وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

(1) البخاري : بدء الخلق (3241) والنكاح (5198) والرقاق (6449 ,6546) , ومسلم : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2737 ,2738) , والترمذي : صفة جهنم (2603) , وأحمد (4/429).
(2) البخاري : بدء الخلق (3241) , ومسلم : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2738) , والترمذي : صفة جهنم (2603) , وأحمد (4/429 ,4/437 ,4/443).
(3) سورة آل عمران (سورة رقم: 3)؛ آية رقم:133
(4) سورة البقرة (سورة رقم: 2)؛ آية رقم:24
(5) سورة التوبة (سورة رقم: 9)؛ آية رقم:89
(6) البخاري : الرقاق (6581) , والترمذي : تفسير القرآن (3360).
(7) البخاري : الرقاق (6581) , والترمذي : تفسير القرآن (3360).
(8) البخاري : الرقاق (6581) , والترمذي : تفسير القرآن (3360) , وأحمد (3/191).
(9) البخاري : بدء الخلق (3241) , ومسلم : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2738) , والترمذي : صفة جهنم (2603) , وأحمد (4/437).
(10) البخاري : بدء الخلق (3241) , ومسلم : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2738) , والترمذي : صفة جهنم (2603) , وأحمد (4/429).
(11) البخاري : الحيض (304) , ومسلم : الإيمان (80).
(12) البخاري : الإيمان (29) , ومسلم : الكسوف (907) , والنسائي : الكسوف (1493) , وأحمد (1/298) , ومالك : النداء للصلاة (445).
(13) البخاري : بدء الخلق (3241) , ومسلم : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2738) , والترمذي : صفة جهنم (2603) , وأحمد (4/437).
(14) البخاري : الأذان (748) , ومسلم : الكسوف (907) , والنسائي : الكسوف (1493) , وأحمد (1/298) , ومالك : النداء للصلاة (445).
(15) مسلم : الإمارة (1887) , والترمذي : تفسير القرآن (3011) , وابن ماجه : الجهاد (2801) , والدارمي : الجهاد (2410).
(16) النسائي : الجنائز (2073) , وابن ماجه : الزهد (4271) , وأحمد (3/456) , ومالك : الجنائز (566).
(17) النسائي : الجنائز (2073) , وأحمد (3/455) , ومالك : الجنائز (566).
(18) أبو داود : السنة (4753) , وأحمد (4/287).
(19) سورة غافر (سورة رقم: 40)؛ آية رقم:46
(20) البخاري : الجنائز (1379) , ومسلم : الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2866) , والترمذي : الجنائز (1072) , والنسائي : الجنائز (2070) , وابن ماجه : الزهد (4270) , وأحمد (2/113) , ومالك : الجنائز (564).
(21) الترمذي : الدعوات (3462).
(22) الترمذي : الدعوات (3464).
(23) الترمذي : صفة الجنة (2560) , والنسائي : الأيمان والنذور (3763) , وأحمد (2/332).
(24) سورة هود (سورة رقم: 11)؛ آية رقم:108
(25) سورة النساء (سورة رقم: 4)؛ آية رقم:57
(26) سورة الأحزاب (سورة رقم: 33)؛ آية رقم:65
(27) سورة النبأ (سورة رقم: 78)؛ آية رقم:23
(28) سورة الحجر (سورة رقم: 15)؛ آية رقم:48
(29) سورة البقرة (سورة رقم: 2)؛ آية رقم:167
(30) سورة الإسراء (سورة رقم: 17)؛ آية رقم:97
(31) النسائي : تحريم الدم (3968).
(32) البخاري : الديات (6878) , ومسلم : القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1676) , والترمذي : الديات (1402) , والنسائي : تحريم الدم (4016) , وأبو داود : الحدود (4352) , وابن ماجه : الحدود (2534) , وأحمد (1/444) , والدارمي : الحدود (2298).
(33) سورة التوبة (سورة رقم: 9)؛ آية رقم:84
(34) البخاري : الحوالات (2291) , والنسائي : الجنائز (1961) , وأحمد (4/50).
(35) : البخاري : الصلاة (458) , ومسلم : الجنائز (956) , وأبو داود : الجنائز (3203) , وابن ماجه : ما جاء في الجنائز (1527) , وأحمد (2/388).
(36) : مسلم : الجنائز (972) , والترمذي : الجنائز (1050) , والنسائي : القبلة (760) , وأبو داود : الجنائز (3229) , وأحمد (4/135).
(37) : أبو داود : الأدب (4878).

= هنا =

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق