الجمعة، 19 يوليو 2019

17- شرح أصول السنة للإمام أحمد

كفر تارك الصلاة

ومن ترك الصلاة فقد كفر، وليس من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة، من تركها فهو كافر، وقد أحل الله قتله.

نعم هذه من أصول السنة يقول الإمام أحمد: أن من ترك الصلاة كفر، وليس من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة فمن تركها فهو كافر، وقد أحل الله قتله، هذا دليل على أن الإمام أحمد -رحمه الله- يكفر تارك الصلاة، يقول من ترك الصلاة فقد كفر يعني كفر أكبر مخرج من الملة، وليس من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة، يعني وليس من الأعمال شيء تركه كفر مخرج من الملة إلا الصلاة، فهذا دليل على أن الإمام أحمد يرى كفر تارك الصلاة وأنه خارج من الملة؛ لأن هناك من الأعمال تركه كفر لكنه لا يخرج من الملة مثل « اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت »1
سماها النبي - عليه الصلاة والسلام - كفرا ولكن لا يخرج من الملة، فقوله: وليس من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة، هذا دليل على أنه الإمام أحمد يكفر تارك الصلاة "وقد أحل الله قتله" أما من صلى فلا يقتل، ولهذا قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: « نهيت عن قتل المصلي »2 فدل على أن الذي لا يصلي لم ينه عن قتله، وإنما يقتل.
وترك الصلاة فيه تفصيل للعلماء، أما ترك الصلاة، ترك الصلاة على نوعين:
النوع الأول: أن يتركها جحدا لوجوبها، إذا تركها جاحدا لوجوبها، فهذا كافر بإجماع المسلمين من غير خلاف، إذا تركها يرى أنها غير واجبة، لماذا؟ لأنه أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة وجوبه، وهذه قاعدة عند أهل العلم أن من أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة وجوبه كفر، ومثله لو أنكر عدم وجوب الزكاة، اعتقد أن الزكاة غير واجبة، يكفر، أو أنكر وجوب الصوم يكفر، أو أنكر وجوب الحج يكفر؛ لأن هذه أمور معلوم من الدين بالضرورة وجوبها، ما في أحد خالف في وجوب الصلاة أو في وجوب الزكاة أو في وجوب الصوم أو في وجوب الحج، ما أحد خالف.
لكن لو أنكر إنسان وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل هل يكفر؟ لا يكفر؛ لأن فيه خلاف بين أهل العلم، بعض العلماء يرى أنك تتوضأ وبعضهم لا يرى أنك تتوضأ، ما هم مجمعون عليه، لكن الصلاة، هل في أحد قال: إن الصلاة غير واجبة، ما في أحد قال الصلاة واجبة والصلاة غير واجبة، وكذلك الزكاة، ما في أحد قال إن الزكاة واجبة أو غير واجبة، وكذلك الصوم، وكذلك الحج، الأمر معلوم من الدين بالضرورة وجوبه، ومثله لو أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة تحريمه، كما لو أنكر تحريم الخمر، هذا يكفي لماذا؟ لأنه مجمع على تحريمها، ما في أحد قال إن الخمر حلال، أو أنكر تحريم الربا، أو تحريم الزنا أو تحريم عقوق الوالدين، أو تحريم قطيعة الرحم، أو تحريم الغيبة، أو تحريم النميمة، هذه مجمع عليها إذا أنكر تحريم واحد منها فإنه يكفر بإجماع المسلمين.
لكن لو أنكر تحريم الدخان، قال: الدخان ليس بحرام، هل يكفر، هه؟ لماذا إذا أنكر تحريم الخمر يكفر، وإذا أنكر تحريم الدخان لا يكفر؟ لأن تحريم الخمر مجمع على تحريمه، وأما الدخان ففيه شبهة، فيه شبهة؛ لأن بعض الناس يجد من يفتيه بأن الدخان ليس بحرام، فتكون شبهة له، وإلا الصواب أن الدخان حرام، وأنه لا شك في تحريمه؛ لأنه ضار بالصحة والمال والبدن ولأنه منتن الرائحة، ولأن فيه من تضييع المال، ومن الناس من يرى أنه يسكر، وذلك أنه إذا تأخر عن شربه ثم شربه فإنه يحصل له غيبوبة، وهذا نوع من السكر، لكن صاحبه له شبهة، فإذا أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة وجوبه أو تحريمه فإنه يكفر.
الحالة الثانية: أن يترك الصلاة مع الإقرار بوجوبها، يعتقد أن الصلاة واجبة، ويرى أنها واجبة، ويعتقد أنها فرض , ويرى أنه مستحق للعقوبة، لكن تركها كسلا وتهاونا من باب الكسل والتهاون، فهل يكفر أو لا يكفر؟ هذا محل خلاف. الإمام أحمد هنا يقول يكفر، الإمام أحمد هنا يرى أيش أنه يكفر ولو لم يجحد وجوبها، ولهذا قال أيش ومن ترك الصلاة فقد كفر، "وليس من الأعمال شيء تركه كفر -الأعمال- إلا الصلاة، من تركها فهو كافر، وقد أحل الله قتله".
وهذا القول الذي ذهب إليه الإمام أحمد، أن ترك الصلاة كسلا يعتبر كفر، هو الذي أجمع عليه الصحابة، وأشار الإمام أحمد إلى الإجماع الذي نقله عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل يقول: ما كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، ما كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يرون شيئا من الأعمال تركه كفرٌ إلا الصلاة.
ونقل الإجماع أيضا إسحاق بن راهويه، والإمام أبو محمد بن حزم، فقالوا: إجماع العلماء على أن ترك الصلاة كسلا وتهاونا يكون كفرا مخرج من الملة، فإذا إجماع الصحابة على هذا، وكذلك أيضا رواه الحاكم في مستدركه أن ترك الصلاة كفر، عن بعض الصحابة، أو حديث في هذا مع قول عبد الله بن شقيق العقيلي، يكون...، وأيضا استدلوا بالنصوص التي فيها الدلالة الواضحة على كفر تارك الصلاة، كحديث بريدة بن حصين الذي رواه الإمام البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله »3 والذي يحبط عمله هو الكافر.
قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾4 وبما رواه الإمام مسلم أيضا من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة »5 فجعل ترك الصلاة حد فاصل بين الإسلام وبين الكفر، والبينية تفصل ما بين الشيء والشيء.
وكذلك استدلوا بالحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن بسند جيد، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر »6 جعل الصلاة حدا فاصل وبحديث: « من ترك صلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله »7 واستدلوا أيضا بحديث: النهي عن الخروج على الأمرا، قال النبي - عليه الصلاة والسلام - نهى عن الخروج على الأمراء قال: « إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان »8 إلا أن تروا كفرا بواحا يعني واضحا لا لبس فيه.
ثم قال في الحديث الآخر في حديث الذي رواه الإمام مسلم، من حديث عوف بن مالك الأشجعي « خيار أئمتكم الولاة الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم -يعني تدعون لهم ويدعون لكم- وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف، قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة »9 قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة نهى عن الخروج عليهم لا+ إلا ما أقاموا الصلاة ودل على أنهم إذا لم يقيموا الصلاة فيجوز الخروج عليهم.
فإذا ضممت هذا الحديث: « لا ما أقاموا فيكم الصلاة »10 وفي لفظ: لا ما صلوا مع أحاديث النهي عن الخروج على الأمراء إلا أن تروا كفرا بواحا، إذا جمعت بينهما دل على أن ترك الصلاة كفرٌ بواح , ولذلك قال: لا تخرج إلا إذا رأيت كفرا بواح، وهناك قال: لا ما أقاموا الصلاة، فدل على أنهم إذا لم يقيموا الصلاة فقد أتوا كفرا بواحا، ومن ترك الصلاة فإنه يقتل، يقتل يستتاب فإن تاب وإلا قتل كفرا، وحينئذ لا يغسل ولا يصلى عليه لما دلت عليه هذه الأدلة، لا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم، بل ترمى جيفته كجيفة الحمار أو الكلب والعياذ بالله، ويحفر له حفرة حتى لا يؤذي الناس بنتنه.
وذهب بعض الفقهاء المتأخرين , وذهب الفقهاء المتأخرون إلى أن ترك الصلاة كسلا وتهاونا لا يكون كفرا أكبر وإنما يكون كفرا أصغر، يكون كفرا أصغر، وقالوا واستدلوا بأن معه شعبة من شعب الإيمان وهو التصديق، فكيف نجعله مثل المكذب، المكذب هذا جاحد كافر، وهذا مؤمن يصدق يقول: أنا أشهد أن الصلاة واجبة، لكن تركها كسلا، فمعه شعبة من شعب التصديق، ولأن هذه عمل، فلا يكون كفره كفرا مخرجا من الملة، ويرمى بالكفر الأصغر ويستتاب فإن تاب وإلا قتل حدا، يقتل حدا وإذا قتل فإنه يصلى عليه، يقتل ويصلى عليه، يقتل لأنه قتل حدا.
هذا ما ذهب إليه كثير من الفقهاء المتأخرين من الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة، يرون أن ترك الصلاة كسلا وتهاونا لا يخرج من الملة، لكن أي القولين أصوب، إذا الله تعالى يقول: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾11 وإذا رددنا هذه المسألة إلى النصوص وجدنا أن النصوص تؤيد أيش تؤيد القولين، تؤيد أي القولين؟ تؤيد القول الأول وهو القول بكفر تارك الصلاة.
وحكم الحاكم عند أهل العلم يرفع الخلاف، إذا رفع إلى القاضي إلى المحكمة رجل لا يصلي، فهذا حكم الحاكم يرفع الخلاف، إن حكم عليه بالكفر الأكبر وقتله على أنه مرتد يكون مرتدا، وإن حكم عليه بأنه يقتل حدا يكون أيش يكون كفره كفرا أصغر، لأن القاعدة عند أهل العلم أن حكم الحاكم، يرفع الخلاف، إذا حكم الحاكم عليه بإحدى، أو بأحد القولين، فإن حكمه يرفع الخلاف، وهل وعلى القول بأنه يكفر تارك الصلاة يكفر، هل يكفر بترك الصلوات كلها، لا بد أن يترك الصلوات كلها، أو بترك بعضها؟ على قولين:
قال بعض العلماء إنه لا يكفر حتى يترك الصلوات كلها، أما إذا كان يصلي ويخلي فلا يكفر، بل لا بد أن يترك الصلوات كلها.
وقال آخرون من أهل العلم: إنه يكفر ولو ترك فرضا واحدا عامدا متعمدا إذا خرج الوقت إذا صلى إذا ترك صلاة واحدة فرضا واحدا متعمدا حتى خرج الوقت، وليس له عذر في ذلك ليس متأولا ولا ناسيا ولا نائما نوم يعذر فيه، قالوا: فإنه يكفر، وعلى هذا فالذي يؤخر صلاة الفجر ولا يصليها إلا بعد الشمس متعمدا كما يفعل بعض الناس، يكفر على هذا القول، بعض الناس يركب الساعة على العمل ولا يستيقظ إلا مرة واحدة في صلاته ونومه، باستمرار ديدنه ذلك وعادته ذلك، حتى إذا نبه ما انتبه هذا متعمد، هذا متعمد، فيكفر عند جمع من أهل العلم، قالوا: إنه يكفر والعياذ بالله وأفتى بذلك شيخنا الشيخ سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- أفتى بأن الذي يؤخر الصلاة عن وقتها الفجر عن وقتها باستمرار ديدنه ذلك وعادته ذلك فإنه يكفر والعياذ بالله.
فالأمر في هذا خطير فالواجب على المسلم أن تشتد عنايته بالصلاة وأن يحافظ عليها، وأن يؤديها في الوقت، ويؤديها في الجماعة، ويحرص على الخشوع وحضور القلب والطمأنينة، ومتابعة الإمام؛ لأن الصلاة هي آخر ما يفقد من الدين، ولأن حظ المسلم من الإسلام على قدر حظه من الصلاة، ولأن من حافظ على الصلاة فإنه لما سواها أحفظ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وليس بعد ذهابها إسلام ولا دين، ولأن المسلم إذا أقام الصلاة وأداها وأقامها كما أمر الله نهته عن الفحشاء والمنكر، كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾12 وصلاة الجماعة واجبة لا يجوز للمسلم أن يتخلف عن الجماعة إلا بعذر، ومن تخلف عنها من غير عذر فقد تشبه بالمنافقين.
ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: « من سمع النداء ثم لم يجب فلا صلاة له إلا من عذر »13 وثبت في الصحيح أن رجلا أعمى سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو عبد الله بن أم مكتوم، وقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يلائمني، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي، فقال: « هل تسمع النداء قال: نعم، قال: أجب فإني لا أجد لك رخصة »14 وفي لفظ: أنه رخص له أولا ثم رده ثانيا. وقال: هل تسمع النداء، قال نعم: قال فأجب فإني لا أجد لك رخصة.
إذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يجد رخصة، لهذا الأعمى الضرير الذي ليس له قائد يلائمه، فكيف يجد الإنسان لنفسه رخصة وهو صحيح ليس به علة، وفي الحديث: « ما من ثلاثة في قرية ولا وادي لا تقام فيهم الجامعة إلا استحوذ عليهم الشيطان »15 أو كما قال - عليه الصلاة والسلام - وقد هم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يحرق بيوت قوم بالنار لا يشهدون الجماعة فقال: « والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيحتطب حطبا ثم آمر برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم »16 يعني بالنار، وفي لفظ: « لولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقتها عليهم »17 .
وثبت عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، قوله: لو تركتم سنة نبيكم لضللتم هذا دليل على أن من ترك الجماعة يقال له ضال، وفي رواية: لكفرتم. لكن فيها ضعف.
وفيه دليل على أن الصحابة كانوا يحرصون على الجماعة حتى إن المريض يهادى بين اثنين حتى يقام في الصف، وفيه أن التخلف عن الجماعة من علامات النفاق، ولهذا قال -رضي الله عنه: ولقد رأيتنا يعني معشر الصحابة، وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، وقال - عليه الصلاة والسلام: « أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا »18 قال: "أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا" فالجماعة والاجتماع في الصلاة شأنه عظيم؛ لأن فيه إشعار فيه إظهار لهذه الشعيرة العظيمة، وفيه اجتماع المسلمين وتآلفهم وترابطهم، وتعاونهم، والائتلاف والاجتماع قوة أمام الأعداء، هذه من محاسن الشريعة الاجتماع للصلاة والتآلف والترابط والتراحم، بين المسلمين، فهذه الصلاة التي أضاعها الكثير من الناس وتهاونوا بها , وجعلوها من آخر أمورهم، يصليها في وقت الفراغ.
والصحابة والسلف رضوان الله عليهم كانوا يعتنون بها عناية عظيمة كان كثير من السلف يحرص على تكبيرة الإحرام لا تفوته تمضي عليه مدة لم تفته تكبيرة الإحرام، ابتلي الناس في هذا الزمن بالعوائق والصوارف التي تصرف الناس عن الصلاة وخصوصا صلاة الفجر، فلا تكاد تجد المحافظين على الصلاة إلا قلة، فالمحافظين على الصلاة صلاة الفجر قلة، بسبب ما ابتلي الناس به من السهر، ابتلوا الناس بالسهر، ابتلوا الناس بالسهر على آلات اللهو ومشاهدة القنوات الفضائية , والشبكة المعلوماتية , وما ينشر فيها من الشرور والبلاء، والفتن والتشكيك في دين الإسلام والتفسخ والعري وتعليم الإجرام، والزندقة في الدشوش، وهذه أمور كلها كانت سببا في تضييع صلاة الفجر وتأخيرها عن وقتها، وسبب في انتشار الفساد وفساد الخلق وحلول الشرور والفتن التي تنذر بخطر وشر كثير إن لم يتدارك الناس أنفسهم، وإن لم يتدارك العقلاء ويأخذوا على أيدي السفهاء كلٌ الآن يعمل ما يشاء، وكل يستعمل ما يشاء كل بيده مفاتيح الشرور من هذه القنوات الفضائية التي مئات المواقع، مئات المواقع الآن يدخل عليها الناس، مواقع تشكك في دين الإسلام، مواقع تنشر تدعو إلى النصرانية تنصر الناس، مواقع تشكك في دين الإسلام، مواقع تدعوا إلى الرذيلة والتفسخ والعري، مواقع تفسد العقيدة، وتؤثر على عقائد الناس وتصوراتهم حتى يعتقدوا الباطل، ويعتقدوا ما يخالف الحق إلى غير ذلك من الشرور والفتن، فنسأل الله أن يعصمنا وإياكم جميعا من الفتن.
والواجب على المسلم في وقت الفتن أن يقبل على العلم الشرعي وعلى العبادة، العصمة من الفتن سببها لزوم الكتاب والسنة، لزوم الكتاب والسنة والاعتصام بهما ولزوم العبادة، ولزوم أهل الخير والبعد عن الأشرار، وعن مواقع الشر والفتن وذلك بتطهير البيت من آلات هذه الخبيثة، والبعد عن المواقع السيئة، وعدم استعمال الأشرطة السيئة، وتواصي الناس بالحق وحث الناس بعضهم بعضا على الخير، وتحذيرهم من الشر، حتى يسلموا من هذه الشرور والفتن، هذه الشرور والفتن لها آثار.
إن استمر الناس على ذلك فإنه يخشى عليهم من العقوبات والمصائب والنكبات وحلول المثلات « إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشكوا أن يعمهم الله بعقاب من عنده »19 فنسأل الله أن يكفينا الشرور والفتن وأن يعصمنا من الفتن ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يثبتنا على الدين القويم، ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا للعمل الصالح الذي يرضيه، وأن يجعلنا من أنصار دينه وحماة شريعته، ومن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا من المتعاونين على البر والتقوى، حتى نسلم من شرور هذه الفتن والمصائب في الدنيا والآخرة.
فإنه العقوبات والمصائب والنكبات كلها من آثار الذنوب والمعاصي، فما الذي أخرج الأبوين من الجنة لا للذة والسرور إلا الذنوب والمعاصي، ما الذي أغرق أهل الأرض في زمن نوح حتى علا الماء على رءوس الجبال إلا الكفر والذنوب والمعاصي، ما الذي أهلك عادا بالريح العقيم إلا الذنوب والمعاصي ﴿ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ﴾20 ما الذي أهلك ثمود بالصيحة، حتى تقطعت أمعاءهم في أجوافهم إلا الذنوب والمعاصي.
ما الذي أغرق فرعون وقومه إلا الذنوب والمعاصي، ما الذي أرسل على قوم بني إسرائيل قوما سلطهم عليهم فجاثوا خلال الديار وخربوا الديار ونهبوا الأموال إلا الذنوب والمعاصي، قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري حديث زينب -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال « استيقظ ليلة فزعا يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بين أصابعه السبابة، وحلق بين أصابعه الوسطى أو السبابة والتي تليها، فقالت زينب: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث »21 .
والخبث هي المعاصي، فنسأل الله لنا جميعا الثبات على دينه والاستقامة عليه حتى الممات إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين. نعم.


1 : مسلم : الإيمان (67) , والترمذي : الجنائز (1001) , وأحمد (2/496).
2 : أبو داود : الأدب (4928).
3 : البخاري : مواقيت الصلاة (553) , والنسائي : الصلاة (474) , وابن ماجه : الصلاة (694) , وأحمد (5/357).
4 : سورة المائدة (سورة رقم: 5)؛ آية رقم:5
5 : مسلم : الإيمان (82) , والترمذي : الإيمان (2620) , وأبو داود : السنة (4678) , وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) , وأحمد (3/389) , والدارمي : الصلاة (1233).
6 : الترمذي : الإيمان (2621) , والنسائي : الصلاة (463) , وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) , وأحمد (5/346).
7 : أحمد (5/238).
8 : البخاري : الفتن (7056).
9 : مسلم : الإمارة (1855) , وأحمد (6/24) , والدارمي : الرقاق (2797).
10 : مسلم : الإمارة (1855) , وأحمد (6/24) , والدارمي : الرقاق (2797).
11 : سورة النساء (سورة رقم: 4)؛ آية رقم:59
12 : سورة العنكبوت (سورة رقم: 29)؛ آية رقم:45
13 : أبو داود : الصلاة (551) , وابن ماجه : المساجد والجماعات (793).
14 : النسائي : الإمامة (851) , وأبو داود : الصلاة (552) , وابن ماجه : المساجد والجماعات (792).
15 : النسائي : الإمامة (847) , وأبو داود : الصلاة (547) , وأحمد (6/445).
16 : البخاري : الأذان (644) , ومسلم : المساجد ومواضع الصلاة (651) , والترمذي : الصلاة (217) , والنسائي : الإمامة (848) , وأبو داود : الصلاة (548) , وابن ماجه : المساجد والجماعات (791) , وأحمد (2/537) , ومالك : النداء للصلاة (292) , والدارمي : الصلاة (1212).
17 : أحمد (2/367).
18 : البخاري : الأذان (657) , ومسلم : المساجد ومواضع الصلاة (651) , وأحمد (2/472).
19 : الترمذي : تفسير القرآن (3057) , وأبو داود : الملاحم (4338) , وابن ماجه : الفتن (4005) , وأحمد (1/5).
20 : سورة الذاريات (سورة رقم: 51)؛ آية رقم:42
21 : البخاري : الفتن (7059) , ومسلم : الفتن وأشراط الساعة (2880) , والترمذي : الفتن (2187) , وابن ماجه : الفتن (3953) , وأحمد (6/428).


= هنا =

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق