الأربعاء، 16 أكتوبر 2013

اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ الهُدى والتُّقى والعَفافَ والغِنى




 اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ الهُدى والتُّقى والعَفافَ والغِنى

-1   كان سعدُ بن أبي وقاصٍ في إبلِه . فجاءه ابنُه عمرُ . فلما رآه سعدٌ قال : أعوذ باللهِ من شرِّ هذا الراكبِ . فنزل . فقال له : أَنَزلتَ في إبلِك وغنمِك وتركت الناسَ يتنازعون المُلكَ بينهم ؟ فضرب سعدٌ في صدرِه فقال : اسكتْ . سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول " إنَّ اللهَ يحبُّ العبدَ التَّقيَّ ، الغنيَّ ، الخفيَّ " .
الراوي: سعد بن أبي وقاص المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم 2965 -خلاصة حكم المحدث: صحيح

 -5 - اللهم إني أسألُك الهُدَى و التُّقَى ، و العفافَ و الغِنى
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1275
خلاصة حكم المحدث: صحيح


11 - أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ يَدعو: "اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ الهُدى والتُّقى والعَفافَ والغِنى"
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3489
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وأما معنى الحديث فهو كما قال السيوطي في الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج: إن الله يحب العبد التقي الغني أي غني النفس. الخفي بالخاء المعجمة أي الخامل المنقطع إلى العبادة والاشتغال بأمور نفسه، وروي بالمهملة "الحفي"أي الوصول للرحم اللطيف بهم وبغيرهم. وقال النووي في كتابه رياض الصالحين: باب استحباب العزلة عند فساد الزمان أو لخوف من فتنة في الدين أو وقوع في حرام وشبهات ونحوها ..وذكر الحديث، وقال الصنعاني في سبل السلام: والتقي هو الآتي بما يجب عليه المجتنب لما يحرم عليه، والغني هو غني النفس فإنه الغنى المحبوب، قال صلى الله عليه وسلم  ليس الغنى بكثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس،  وأشار عياض إلى أن المراد به غنى المال وهو محتمل. والخفي بالخاء المعجمة والفاء أي الخامل المنقطع إلى عبادة الله والاشتغال بأمور نفسه، وضبطه بعض رواة مسلم بالحاء المهملة ذكره القاضي عياض، والمراد به الوصول للرحم اللطيف بهم وبغيرهم من الضعفاء، وفيه دليل على تفضيل الاعتزال وترك الاختلاط . انتهى
بين النبي عليه الصلاة والسلام فضل الرجل الذي يحبه الله عز وجلَّ فقال: (( إن الله يحبّ العبد التقي الغني الخفي)).

التقي :الذي يتقي الله عزَّ وجلَّ، فيقوم بأوامره، ويجتنب نواهيه؛ يقوم بأوامره من فعل الصلاة وأدائها في جماعة، يقوم بأوامره من أداء الزكاة وإعطائها مستحقيها، يصوم رمضان، ويحج البيت، يبر والديه، يصل أرحامه، يحسن إلى جيرانه، يحسن إلى اليتامى، إلى غير ذلك من أنواع التقى والبر وأبواب الخير.

الغني: الذي استغنى بنفسه عن الناس، غني الله عزّ وجلّ عمن سواه، لا يسأل الناس شيئاً، ولا يتعرض للناس بتذلل؛ بل هو غني عن الناس، عارف نفسه، مستغن بربه، لا يلتفت إلى غيره.

الخفي : هو الذي لا يظهر نفسه، ولا يهتم أن يظهر عند الناس، أو يشار إليه بالبنان، أو يتحدث الناس عنه، تجده من بيته إلى المسجد، ومن مسجده إلى بيته، ومن بيته إلى أقاربه وإخوانه خفي، يخفي نفسه.

ولكن لا يعني ذلك أن الإنسان إذا أعطاه الله علماً أن يتقوقع في بيته ولا يُعلم الناس، هذا يعارض التقى، فتعليمه الناس خيرٌ من كونه يقبع في بيته ولا ينفع الناس بعلمه، أو يقعد في بيته ولا ينفع الناس بماله.

لكن إذا دار الأمر بين أن يلمَّع نفسه ويظهر نفسه ويبين نفسه، وبين أن يخفيها، فحينئذٍ يختار الخفاء، أما إذا كان لا بد من إظهار نفسه فلا بد أن يظهرها، هذا ممن يحبه الله عزّ وجلّ، وفيه الحث على أن الإنسان يكون خفياً، يكون غنياً عن غيره عن غير الله عزّ وجلّ، يكون تقياً لربه سبحانه وتعالى حتى يعبد الله سبحانه وتعالى في خير وعافية.




المكتبة المقروءة : الحديث : شرح رياض الصالحين المجلد الثالث - العثيمين
باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان
هنا  

      اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى، وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ، وَالْغِنَى))([1]).
الشرح:
هذا الدعاء العظيم، شامل لأربعة مطالب عظيمة، وجليلة، لا غنى عنها لأي عبد سائر إلى اللَّه عز وجل لما فيها من أهم مطالب الدنيا والآخرة.
فبدأ بسؤال (الهدى) وهو أعظم مطلوب للعباد، لا غنى لهم عنه في هذه الدار؛ لأن الهدى: هو طلب الهداية، وهي كلمة شاملة تتناول كل ما ينبغي أن يُهتدى إليه من أمر الدنيا والآخرة من حسن الاعتقاد، وصلاح الأعمال، والأقوال، والأخلاق .
قوله: (التُّقَى): أي التقوى: وهو اسم جامع لفعل ما أمر اللَّه به، وترك ما نهى عنه، ((قال الطيبي: أطلق الهدى والتقى؛ ليتناول كل ما ينبغي أن يهتدي إليه من أمر المعاش والمعاد ومكارم الأخلاق، وكل ما يجب أن يتقي منه من الشرك، والمعاصي، ورذائل الأخلاق، وطلب العفاف))([2]). وأصل الكلمة من التوقي، وهو أن تجعل بينك وبين عقوبة اللَّه تعالى وقاية, ويكون بفعل الطاعات، واجتناب المحرمات .
قوله: (العفاف):هو التنزُّه عما لا يُباح, والصيانة عن مطامع الدنيا، فيشمل العفاف بكل أنواعه ((العفاف عن الزنا كله بأنواعه: زنى النظر، وزنى اللمس، وزنى الاستماع، وزنى الفرج))([3])، والتعفُّف عن الكسب، والرزق الحرام.
قوله: (الغنى): وهو غنى النفس بأن يستغني العبد عن الناس، وعمّا في أيديهم، فيستغني العبد بما أعطاه اللَّه، سواء أُعطي قليلاً أو كثيراً، وهذه الصفة يحبها اللَّه عز وجل قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ، الْغَنِيَّ، الْخَفِيَّ))([4])، وسؤال اللَّه (العفاف والغنى)، وهما داخلان في الهدى والتقى من باب التخصيص بعد التعميم، وذلك لعظم شأنهما، وشدة احتياج الخلائق لهما.
قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه اللَّه عن هذا الحديث، فقال: ((هذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها، وهو يتضمن سؤال خير الدين وخير الدنيا، فإن الهدى هو: العلم النافع، والتقى: العمل الصالح، وترك ما نهى عنه اللَّه ورسوله، وبذلك يصلح الدين، فإن الدين علوم نافعة ومعارف صادقة فهو (الهُدَى)، وقيام بطاعة اللَّه ورسوله، فهو (التقى), والعفاف، والغنى يتضمّن العفاف عن الخلق، وعدم تعليق القلب بهم، والغنى باللَّه وبرزقه، والقناعة بما فيه، وحصول ما يطمئن به القلب من الكفاية، وبذلك تتم سعادة الحياة الدنيا، والراحة القلبية، وهي الحياة الطيبة، فمن رُزِقَ الهُدى، والتقى، والعفاف، والغنى نال السعادتين، وحصل على كل مطلوب، ونجا من كل مرهوب([5]).
وهذا الدعاء المبارك من جوامع الكلم التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم التي تجمع فيها قلة الألفاظ والمباني، وكثرة المعاني، وسعة مدلولاتها، ومقاصدها في الدارين .


([1]) أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل، برقم 2721.
([2])  نقلاً عن شرح صحيح الأدب المفرد، للشيخ حسين العوايشة، 2/ 333.
([3])  شرح رياض الصالحين للعلامة ابن عثيمين رحمه الله، 4/ 58.
([4])  صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ما بين النفختين، برقم 2965.
([5])  بهجة قلوب الأبرار، ص 249.

هنا 

الخميس، 10 أكتوبر 2013

كن مفتاحاً للخير


- إنَّ هذا الخيرَ خزائنُ ، ولتلكَ الخزائنُ مفاتيحَ ، فطوبَى لعبدٍ جعلهُ اللهُ مِفتاحًا للخيرِ مِغلاقًا للشرِّ ، وويلٌ لعبدٍ جعله اللهُ مِفتاحًا للشرِّ مِغلاقًا للخيرِ
الراوي: سهل بن سعد الساعدي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 1/96خلاصة حكم المحدث: حسن 
 
- عند اللهِ خزائنُ الخيرِ والشرِّ ، مفاتيحُها الرجالُ ، فطُوبى لمن جعله اللهُ مِفتاحًا للخيرِ ، مِغلاقًا للشرِّ ، وويلٌ لمن جعله اللهُ مِفتاحًا للشرِّ مِغلاقًا للخيرِ
الراوي: أنس بن مالك و سهل بن سعد المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 4108
خلاصة حكم المحدث: حسن 
 
 
 الدرر السنية

كن مفتاحاً للخير

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ،وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه، ومبلغ الناس شرعه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
عباد الله:
اتقوا الله تعالى، فإن تقوى الله جلّ وعلا أساس السعادة، وسبيل الفوز في الدنيا والآخرة، والعاقبة دائما وأبدا لأهل التقوى، عباد الله لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن ابن ماجة وغيره من حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إن من الناس ناسا مفاتيح للخير مغاليق للشر،  ومن الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير"، فطوبى لمن جعل الله مفتاح الخير على يديه،  وويل لمن جعل مفتاح الشر على يديه"،وطوبى عباد الله قيل هي الجنة، وقيل هي شجرة في الجنة لا يقطعها الراكب إلا في مئة عام، وويل عباد الله قيل هي النار، وقيل العذاب الشديد والنكال الأليم، حمانا الله وإياكم ووقانا ووقاكم، عباد الله لنتأمل هذا الحديث العظيم والوصية الجامعة عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، الناس فريقان فريق مفتاح للخير مغلاق للشر،وفريق على العكس من ذلك مفتاح للشر مغلاق للخير، هل تأمل كل واحد منا حاله وأمره وشأنه في هذا المقام العظيم، هل هو من مفاتيح الخير مغاليق الشر، أو أنه على العكس من ذلك، عباد الله لابد من وقفة صادقة ومحاسبة جادة، وتأمل للتاريخ أعني تاريخ كل واحد منا، ينظر في حاله في سلوكه ومعاملاته، في مخالطته للناس ما شأنه في هذا الأمر، أهو من مفاتيح الخير مغاليق الشر أم أنه على العكس من ذلك، لا بد عباد الله من محاسبة للنفس في هذه الحياة قبل أن نحاسب عندما نقف بين يدي الله جلّ وعلا،  فما ثم إلا مسلكان إما إلى طوبى وإما إلى ويل، محاسبة جادة عباد الله تفوز بها وتربح من ورائها، تفكَّر في أمرك وحالك هل أنت من مفاتيح الخير أم أنك من مفاتيح الشر، وكل ذلك لا يظهر لك إلا بتأمل دقيق، ونظر جميل إلى حالك وأقوالك ومعاملاتك مع عباد الله ومع نفسك، هل أنت تفتح على نفسك وعلى غيرك أبواب الخير وسبله، وتغلق أبواب الشر وسبله ووسائله، أم أنك على العكس من ذلك.
عباد الله:
ووقفة نقفها مع هذا الحديث، لأن كل واحد منا إذا سمع هذا الحديث لا بد أن تتحرك نفسه شوقا وطمعا، بأن يكون من مفاتيح الخير مغاليق الشر، من أهل طوبى، وإني والله لأرجو لنفسي ولكل من يسمعني أن يكون كذلك، اللهم اجعلنا من مفاتيح الخير مغاليق الشر،  اللهم اجعلنا من مفاتيح الخير مغاليق الشر، اللهم اجعلنا من مفاتيح الخير مغاليق الشر،  عباد الله ثمة أمور أنبه عليها، من جد واجتهد في القيام بها وتحقيقها، فإنه بإذن الله يكون من مفاتيح الخير مغاليق الشر.
أما الأول عباد الله فالإخلاص لله جلّ وعلا في الأقوال والأعمال، لا تعمل أي عمل ولا تقل قولا إلا وأنت ترجو به ثواب الله، فالمخلصون عباد الله صادقون في أقوالهم وأعمالهم، جادّون فيما يأتون ويذرون، مأمونة منهم الغائلة، سبيلهم إلى الخير ومآلهم إلى الصلاح والإصلاح، والله جلّ وعلا لا يقبل من العمل إلا الخالص لوجهه جلّ وعلا: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5]، ومن نعمة الله عزّ وجل على عبده المخلص، أن يصرف عنه سبيل الشر، وأن يهديه إلى سبيل الخير، وقد قال الله عزّ وجل عن نبيه يوسف عليه السلام: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24].
أما الثاني عباد الله فالدعاء والإلحاح على الله بالسؤال والطلب، بأن يجعلك من مفاتيح الخير مغاليق الشر، والدعاء عباد الله نفسه مفتاح الخير، كما قال ذلك أئمة العلم وأئمة الهدى، الدعاء مفتاح الخير، والله جلّ وعلا لا يخيب عبدا دعاه، ولا يرد عبدا ناداه، ومن أدعية ﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ [الأعراف: 89]، ومن أسماء الله العظيمة الفتّاح، فاسأل الله جلّ وعلا، توسل إليه بهذا الاسم وبأسمائه الحسنى وصفاته العلا بأن يجعلك من مفاتيح الخير ومغاليق الشر.
أما الثالث عباد الله فالإقبال على عبادة الله جلّ وعلا ولاسيما الفرائض وبخاصة الصلاة، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وإذا كان هذا شأن العبد محافظا على أوامر الله، مقبلا على طاعة الله مجدا مجتهدا في التقرب إلى الله، فإنه بأذن الله عزّ وجل يكون مفتاحا للخير مغلاقا للشر.
الرابع عباد الله التحلي بمكارم الأخلاق ورفيعها، والبعد عن سفساف الأخلاق ورديئها، فصاحب الخلق الكريم يحجزه خلقه عن الرذائل، ويبعده عن العظائم بخلاف سيء الخلق رديء الخلق، فإن خلقه السيئ يسوقه إلى القبائح والعظائم.
عباد الله خامسا مجالسة الأخيار ومصاحبتهم ومرافقتهم، وليس للمؤمن أن يجلس مع من شاء، كما جاء في سنن أبي داوود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"،مجالسة الأخيار غنيمة، فإن مجالسهم تغشاها الرحمة وتتنـزل عليها الملائكة، بخلاف مجالس الأشرار فإنها متنزل الشياطين﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾ [الشعراء: 221 - 223]، كيف يرضى مؤمن لنفسه بمجالسة أناس مجالسهم متنزل الشياطين، كيف يرضى مؤمن لنفسه بالدون،  فيجالس من في مجالستهم شر عليه ووبال،  ولهذا الواجب على العاقل الذي يريد لنفسه الخير أن يحرص على مجالسة الأخيار، والله يقول: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].
سادسا عباد الله النصيحة لعباد الله،  فلا تحمل في قلبك تجاه أيّ مؤمن إلا النصيحة، وقد قال عليه الصلاة والسلام وكرَّر وأعاد:"الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة "،والناصح عباد الله هو من يريد الخير لإخوانه، ويسعى في تحقيقه لهم جهده ومستطاعه، فالنصيحة عباد الله إذا وُجدت بين الناس عمّت بينهم الفضيلة، وانتشر بينهم الخير، ولا يكون الإنسان مفتاحا للخير مغلاقا للشر إلا إذا كان ناصحا لعباد الله. سابعا عباد الله تذكّر يوم المعاد والوقوف بين يدي رب العباد، تذكر أنك ستقف يوما سوف تقف بين يدي الله جلّ وعلا، يحاسبك فيه على أعمالك ويجازيك على ما قدمت في هذه الحياة، فطوبى لمن جعل مفتاح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفتاح الشر على يديه.
اللهم وفقنا لما تحب وترضى، وأعنا على البر والتقوى، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين يا ذا الجلال والإكرام،  اللهم إنا نتوجه إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا ونسألك بأنك أنت الفتاح وأنت خير الفاتحين أن تجعلنا من مفاتيح الخير مغاليق الشر، اللهم اجعلنا من مفاتيح الخير مغاليق الشر، اللهم اجعلنا من مفاتيح الخير مغاليق الشر،  وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانيه

الحمد لله الفتاح العليم،  أحمده جلّ وعلا وهو خير الفاتحين،  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليما كثير.
أما بعد:
عباد الله:
اتقوا الله تعالى، جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه راو الحديث المتقدم أنه قال:"إن ثابت البناني من مفاتيح الخير"،وثابت عباد الله هو من أجلة التابعين و علماء المسلمين حملة الدين وأنصار السنة، وقد وصفه هذا الصحابي الجليل بأنه من مفاتيح الخير، وما ذاك عباد الله إلا أن ثابتا رحمه الله كان إماما معلما ناصحا مرشدا، دالا عباد الله إلى الخير، معلما لهم مفقها في دين الله، فوصفه أنس رضي الله عنه بهذه الصفة العظيمة فقال:"إن ثابتا من مفاتيح الخير"، عباد الله وهكذا شأن العلماء الناصحين والدعاة المصلحين في كل زمان وأوان، وفي كل وقت وحين، هم مفاتيح للخير مغاليق للشر، يدلون الناس إلى الهدى وينهونهم عن سبيل الردى، يعلمون الجاهل ويذكرون الغافل، ويرشدون الحائر ويفتون السائل، وينصحون لعباد الله، فما أعظم أثرهم على الناس وما أعظم خيرهم ونفعهم، وهذا في كل زمان وحين، أفلا عرفنا عباد الله لأهل العلم مكانتهم وقدرهم ومنزلتهم، يقول صلى الله عليه وسلم :"ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه"،إن جهود أهل العلم في كل زمان وأوان، علماء السنة ودعاة الخير جهود عظيمة في تبصير الناس وتفقيههم في دين الله، وقد قال بعض أهل العلم قديما:"لولا العلماء لأصبح الناس مثل البهائم"، أي لا يعرفون شيئا من دين الله جلّ وعلا، إلا أن الله جلّّ وعلا قيض في الناس علماء مصلحين ودعاة ناصحين، يبينون للناس دين الله، ويفقهونهم في شريعة الله، ويبينون لهم أحكام الله، والواجب عل كل مسلم أن يعرف للعلماء قدرهم، وأن يحفظ لهم مكانتهم، وأن ينزلهم منازلهم، وأن يحرص تمام الحرص على حسن الاستفادة منهم، والأدب معهم وتلقي الخير عنهم وعدم الافتيات عليهم.
ونسأل الله جلّ وعلا أن يجزي عنا علماءنا خير الجزاء، علماءنا في القديم والحديث أن يجزيهم عنا خير الجزاء على نصرهم للسنة، وحفظهم للدين وتعليمهم لعباد الله المؤمنين، وأن يوفقنا للأدب معهم وحسن الاستفادة منهم، إن ربي لسميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وصلوا وسلموا رعاكم الله على إمام الهداة ومفتاح الخير محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال:﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليم ا﴾ [الأحزاب: ٥٦] وقال صلى الله عليه وسلم :"من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا"،وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم الحث من الإكثار من الصلاة والسلام عليه في ليلة الجمعة ويومها، ولهذا يقول الإمام الشافعي رحمه الله:"إني أحب الصلاة والسلام على رسول الله في كل وقت وحين، ولكنه في ليلة الجمعة ويومها أحب إلي"، فأكثروا في هذا اليوم المبارك من الصلاة والسلام على رسول الله.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وأبي السبطين علي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه على البر والتقوى، وسدده في أقواله وأعماله، وألبسه ثوب الصحة والعافية، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة ورأفة على عبادك المؤمنين، اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة والنجاة من النار، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأموالنا وأزواجنا وذرياتنا واجعلنا مباركين أينما كنا، اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك مستعملين لها في طاعتك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفقنا لما تحب وترضى وأعنا على البر والتقوى، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله أوله وآخره سره وعلنه، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم والمؤخر لا إله إلا أنت، اللهم اغفر ذنوب المذنبين من المسلمين، وتب على التائبين، واكتب الصحة والسلامة والعافية لعموم المسلمين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم اسقنا وأغثنا،  اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، اللهم غيثا مغيثا هنيئا مريئا سحا طبقا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، عباد الله اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر لله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

 الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر 

**************** 

طوبى لمن كان مفتاحا للخير مغلاقا للشر

الحمد لله الذي أمر بالتعاون على الخيرات , ونهى عن التفرق والاختلاف والمشاحنات , وأشهد أن لا إله إلا الله , وحده , لا شريك له ,
فاطر الأرض والسموات , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , سيد الرسل وأكمل المخلوقات , اللهم صل على محمد , وعلى آله وأصحابه أولي الفضائل والكرمات , وسلم تسليما . أما بعد , أيها الناس , اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم , وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين , وقوموا بالنصيحة بين عباد الله فإن الله لا يضيع أجر المحسنين . قال تعالى : { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما } [ سورة النساء : الآية 114 ] وقال صلى الله عليه وسلم : ( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة ؟ إصلاح ذات البين . فإن فساد ذات البين هي الحالقة . لا أقول تحلق الشعر . ولكن تحلق الدين ) فرحم الله امرأ رأى بين اثنين عداوة فقام بتقريب بعضهم إلى بعض بالتأليف والإصلاح ; ويا ويح من أغرى بين الناس فلقح العداوة  وغذاها بالتفريق بين المتصافيين وراح . أما علمتم أن من أصلح بين الناس أصلح الله باله ؟ ومن فرق بينهم فرق الله أمره وشتت أحواله ؟ فطوبى لمن كان مفتاحا للخير مغلاقا للشر , وويل لمن كان مفتاحا للشر مغلاقا للخير . أما سمعتم بأن النمام عليه العقوبة الشنيعة يوم البعث والنشور ؟ فإنه ينقل الكلام بين الناس فيحدث البغضاء ويوغر الصدور ; يجيئ النمام إلى قلوب متآلفة متفقة فيفرقها , وإلى صداقات وصلات بين الناس فيمزقها ; قد انسلخ من أعمال أهل الصلاح المصلحين , ورضي لنفسه أن يكون من المفسدين . ألا وإن المصلحين بين عباد الله لهم الرتب السامية والمحل الأعلى , وقد حازوا الشرف والأجور الكثيرة ورضى المولى ; يأتون إلى المتباعدين فيقربونهم , وإلى الذين فرقتهم الأغراض الدنيئة فيؤلفون بين قلوبهم ويجمعونهم ; فلله درهم ما أفضل أعمالهم , وما أرفع مكانهم وأكمل أحوالهم ; فكم حصل بسعيهم المشكور من خيرات وبركات , وكم اندفع بعملهم المبرور من شرور ومفاسد وآفات ; وكم قمعوا من ضغائن وإحن , وكم أخمدوا بإصلاحهم ولطفهم من شرور وفتن ; فيا فوزهم بمكارم الأخلاق , ويا سعادتهم عند لقاء الملك الخلاق ; ويا فلاحهم إذا أكرموا بجنات النعيم , ووقوا من عذاب الجحيم , فتمت لهم حينئذ العيشة الراضية , في جنة عالية , قطوفها دانية , وقيل لهم { كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية } [ سورة الحاقة : الآية 24 ] بارك الله لي ولكم . للاستزادة كتاب مجموع خطب الشيخ في المواضيع النافعة 

للشيخ عبدالرحمن السعدي 

هنا  

******************** 

طوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه
د. خالد سعد النجار

بسم الله الرحمن الرحيم

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( إنَّ من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإنَّ من الناس ناساً مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه ) [1]

العمل الصالح من آثار العقيدة السليمة. فالمؤمن يخاف الله ويطيعه، ويخالف نفسه ويعصى هواه، ويقًدم الآخرة الباقية على الدنيا الفانية، هذا في تعامله مع الله تعالى، أما مع الناس فهو مفتاح خير، ودلال معروف، وسفير هداية، ورسول صلاح .. مغلاق شرِّ، ودافع بلاء، ومانع نقمة، وصمام أمان من غضب الرحمن.
والإسلام عندما أمرنا وكلفنا بالعمل الصالح، لم يجعله ماليا فقط يختص به الأغنياء، ولا علميا يختص به المثقفون، ولا بدنيا ينفرد به الأقوياء، ولكنه جعله عملا إنسانيا عاما يتقرب به كل إنسان من الله تعالى على قدر طاقته، يشترك فيه الفقير والغني، والأمي والمتعلم، والضعيف والقوي والمؤمن دائما مفتاح للخير، مغلاق للشر، راغب في رحمة الله وجنته، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( عند الله خزائن الخير والشر، مفاتيحها الرجال، فطوبى لمن جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر، وويل لمن جعله الله مفتاحا للشر مغلاقا للخير ) [2]
قال الراغب: الخير ما يرغب فيه الكل، كالعقل مثلاً والعدل والفضل، والشر ضده، والخير قد يكون خيراً لواحد شراً لآخر والشر كذلك، كالمال الذي ربما يكون خيراً لزيد وشراً لعمرو، ولذلك وصفه اللّه بالأمرين.

قال الطيبي: والمعنى الذي يحتوي على خيرية المال وعلى كونه شراً هو المشبه بالخزائن، فمن توسل بفتح ذلك المعنى وأخرج المال منها وأنفق في سبيل اللّه ولا ينفقه في سبيل الشيطان، فهو مفتاح للخير مغلاق للشر، ومن توسل بإغلاق ذلك الباب في إنفاقه في سبيل اللّه وفتحه في سبيل الشيطان فهو مغلاق للخير، ومفتاح للشر.
قال المناوي في التعليق على هذا الحديث الجليل: ( إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس ناساً مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى ) أي حسنى أو خيراً وهو من الطيب أي عيش طيب ( لمن جعل اللّه مفاتيح الخير على يديه، وويل ) شدة حسرة ودمار وهلاك ( لمن جعل اللّه مفاتيح الشر على يديه ) قال الحكيم: فالخير مرضاة اللّه والشر سخطه، فإذا رضي اللّه عن عبد فعلامة رضاه أن يجعله مفتاحاً للخير، فإن رؤى ذُكر الخير برؤيته، وإن حضر حضر الخير معه، وإن نطق نطق بخير، وعليه من اللّه سمات ظاهرة لأنه يتقلب في الخير، يعمل خير وينطق بخير ويفكر في خير ويضمر خيراً فهو مفتاح الخير حسبما حضر وسبب الخير لكل من صحبه، والآخر يتقلب في شر ويعمل شراً وينطق بشر ويفكر في شر ويضمر شراً، فهو مفتاح الشر لذلك فصحبة الأول دواء والثاني داء [3]

وما أكثر ما تكاثرت الأحاديث النبوية حول هذا المعني، فقال -صلى الله عليه وسلم-:
- ( دليل الخير كفاعله ) [4]
- ( إن الدال على الخير كفاعله ) [5] يعني في مطلق حصول الثواب وإن اختلف الكم والكيف، قال الراغب: والدلالة ما يتوصل به إلى معرفة الشيء.
- ( إن لله تعالى ملائكة في الأرض تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر ) [6] أي كأنها تركب ألسنتها على ألسنتهم بما في المرء من الخير والشر، لأن مادة الطهارة إذا غلبت في شخص واستحكمت صار مظهراً للأفعال الجميلة التي هي عنوان السعادة، فيستفيض ذلك على الألسنة، وضده من استحكمت فيه مادة الخبث، ومن ثم لم تزل سنة اللّه جارية في عبيده بإطلاق الألسنة بالثناء والمدح للطيبين الأخيار وبالثناء والذم للخبيثين الأشرار {ليميز اللّه الخبيث من الطيب} في هذه الدار وينكشف الغطاء بالكلية يوم القرار.
- ( والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير ) [7]
- ( إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتق الشر يوقه ) [8] أي ومن يجتهد في تحصيل الخير يعطه اللّه تعالى إياه.
وكون الإنسان مفتاحاً للخير ومغلاقاً للشر معناه أن يحفظ نفسه ووقته وجهده وما يستطيع لمنفعة الآخرين من المسلمين أيضاً، فزيادة على أن يستقيم في ذاته ينفع الله تعالى به المسلمين ومن حوله من الناس، بحيث يكون -كما كان أنبياء الله عز وجل- رحمة للعالمين، كما أخبر الله تبارك وتعالى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو رحمة لأقوامهم ومن حولهم كما كان كل الأنبياء.
وبهذا يعيش المسلم في مجتمعه ينبوعاً يفيض بالخير والرحمة، ويتدفق بالنفع والبركة، يفعل الخير ويدعو إليه؛ ويبذل المعروف ويدل عليه، فهو مفتاح للخير، ومغلاق للشر.
ومعرفة مفاتيح الخير والشر، باب عظيم من أنفع أبواب العلم، لا يوفق لمعرفته ومراعاته إلا من عظم حظه وتوفيقه، فإن الله -سبحانه وتعالى- جعل لكل خير وشر مفتاحاً وباباً يدخل منه إليه، فجعل الطاعة مفتاحا لسكينة النفس، والاستغفار مفتاحا لاستجلاب الخيرات، والتذلل بين يديه جل وعلا مفتاحا لرحمته ومغفرته، والصدقة مفتاحا لإطفاء الخطيئة، والصدق مفتاحا للبر.
كما جعل الشرك والكبر والإعراض عما بعث الله به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحاً للنار، وجعل الخمر مفتاح كل إثم، وجعل الغي مفتاح الزنا، وجعل إطلاق النظر في الصور مفتاح الطلب والعشق، وجعل الكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان، وجعل المعاصي مفتاح الكفر، وجعل الكذب مفتاح النفاق، وجعل الشح والحرص مفتاح البخل، وقطيعة الرحم وأخذ المال من غير حلّه، وجعل الإعراض عما جاء به الرسول مفتاح كل بدعة وضلال.
وهذه الأمور لا يصدق بها إلا كل من له بصيرة صحيحة، وعقل يعرف به ما في نفسه وما في الوجود من الخير والشر. فينبغي للعبد أن يعتني كل الاعتناء بمعرفة المفاتيح وما جعلت المفاتيح له، والله من وراء توفيقه وعدله، له الملك وله الحمد وله النعمة والفضل، لا يسال عما يفعل وهم يسألون.

الهوامش
[1] رواه ابن ماجة (195)، السلسلة الصحيحة (1332) [2] ( حسن ) حديث 4108 صحيح الجامع [3] فيض القدير للمناوي 1/254 [4]( حسن ) حديث 3390 صحيح الجامع [5] رواه الترمذي عن أنس( صحيح ) حديث 1605 صحيح الجامع [6] رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم وأقره الذهبي ( صحيح ) حديث 2175 صحيح الجامع [7]( صحيح ) حديث 7085 صحيح الجامع [8] ( حسن ) حديث 2328 صحيح الجامع
 

 

الجمعة، 4 أكتوبر 2013

07- شرح حلية طالب العلم

المجلس السابع
شرح حلية طالب العلم
فلمَّا قبِلتُ الصُّرَّةَ سُلبتُه

من متن حلية طال العلم:
زلة العالمِ مضروبٌ لها الطبل، وعن سفيان رحمه الله تعالى أنه قال: كنتُ
أوتيتُ فهم القرآن فلمَّا قبِلتُ الصُّرَّةَ سُلبتُه، فاستمسك رحمك الله تعالى بالعروة الوثقى العاصمة من هذه الشوائب


*شرح الشيخ العثيمين:

هذا سفيان يقول كنت أوتيت فهم القرآن فلما قبلت الصرة سلبته، الصرة يعني من السلطان ،لما أعطاه سُلِب فهم القرآن وهؤلاء هم الذين يدركون الأمور ولهذا يتحرز
السلف من عطايا السلطان ويقولون إنهم لا يعطوننا إلا ليشتروا ديننا بدنياهم فتجدهم لا يقبلونه، ثم إن السلاطين فيما سبق قد تكون أموالهم مأخوذة من غير حلها فيتورعون عنها أيضًا من هذه الناحية، ومن المعلوم أنه لا يجوز للعالم أن يقبل هدية السلطان إذا كان السلطان يريد أن تكون هذه العطية مطيةً له يركبها متى شاء بالنسبة لهذا العالم، أما إذا كانت أموال السلطان نزيهة ولم يكن يقبل الهدية منه ليبيع دينه بها فقد قال النبي صلى عليه وعلى آله وسلم لعمر"ما أتاكَ مِن هذا المالِ وأنتَ غيرُ مستشرِفٍ ولا سائلٍ فخُذْهُ. وما لا فلا تُتبعْهُ نفسَكَ"
الراوي: عمر بن الخطاب المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 473-خلاصة حكم المحدث: صحيحالدرر السنية
"، وغرض سفيان رحمه الله تعالى من ذلك *التحذير* من هذا وتبكيت نفسه على ما صنع.

المتن :
فاستمسك رحمك
الله تعالى بالعروة الوثقى العاصمة من هذه الشوائب بأن تكون مع بذل الجهد في الإخلاص شديد الخوف من نواقضه عظيم الافتقار والالتجاء إليه سبحانه
ويؤْثَر عن سفيان بن سعيد الثوري رحمه الله تعالى قوله
"ما عالجت شيئا أشد عليَّ من نيتي "
*شرح الشيخ العثيمين:

وفي معنى ذلك ما أدري هل هو قول آخر أو نقل بالمعنى ، يقول "ما عالجت نفسي على شيءٍ أشد من معالجتها على الإخلاص " بمعنى كلام سفيان لأن الإخلاص شديد ولهذا من قال لا إله إلا الله خالصًا وهذا من قلبه فإنه يدخل الجنة وهو أسعد الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وعلى
آله وسلم ا.هـ
ومن شرح الشيخ عبد الرحيم السلمي:
وهو يريد رحمه الله أن يبين أن الإنسان إذا كان نزيهًا وبعيدًا عن الدخول على السلاطين وبعيدًا عن أخذ أعطياتهم، وبعيدًا عن مجاملتهم، فإن الله عز وجل يوفقه ويكون أقرب إلى الإخلاص، بينما إذا كان يقبل أعطيات السلاطين وهباتهم فإن هذا يجعل عينه كسيرة عندهم، فإذا رأى منكرًا من المنكرات لا يستطيع أن ينكره، وبهذه الطريقة يضعف علمه، ويخفت وهج الإخلاص لديه.
ومسألة الدخول على السلاطين مسألة دقيقة وحساسة وفيها تفصيل، فهي ليست مسألة مطلقة، فلا يقال: لا يصح الدخول على السلطان مطلقًا، أو يصح الدخول مطلقا، وإنما يختلف الناس باختلاف قدراتهم وإمكاناتهم. والأصل في ذلك أنه إذا تحققت المصلحة الشرعية واستطاع الإنسان أن يدخل على السلطان وينصحه، ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، مع استخدام الأسلوب الطيب دون مجاملة في حد من حدود الله سبحانه وتعالى، فإذا كان الوضع كذلك فإنه يجوز له أن يدخل عنده، بينما قد يوجد إنسان لا يتحمل مثل هذه الأشياء، ويخاف على نفسه أنه قد يجامل وقد يداهن في الحق، فمثل هذا لا ينبغي له الدخول.

قال المؤلف رحمه الله تعالى:فاستمسك رحمك الله تعالى بالعروة الوثقى العاصمة من هذه الشوائب بأن تكون مع بذل الجهد في الإخلاص شديد الخوف من نواقضه عظيم الافتقار والالتجاء إليه سبحانه
ويؤْثَر عن سفيان بن سعيد الثوري رحمه الله تعالى قوله
"ما عالجت شيئا أشد عليَّ من نيتي "

ا.هـ .
محنة الإمام أحمد :
عُرضت عليه الدنيا فأباها ، والبدعة فنفاها .
فقد تعرض الإمام للفتنة من أربعة من الخلفاء ، وهم المأمون ، والمعتصم ، والواثق ، والمتوكل .
وقد كانت الأمة قبل ذلك ترتفع فيها راية السنة إلى عهد الخليفة " هارون الرشيد " رحمه الله ، فكان أهل البدع يستخفون ببدعتهم ، ولا يجهرون بباطلهم .
ولما وليَ المأمون أبو جعفر بن هارون الرشيد ، وكانت ولايته في المحرم وقيل في رجب سنة ثمان وتسعين ومائة ، صار إليه قوم من المعتزلة وأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل ، وحسنوا له قبيح القول بخلق القرآن ونفي صفة الكلام عن الله .
فالمعتزلة رفضوا الإيمان بصفة الكلام لاعتقادهم التشبيه وقياس صفات الله على خلقه في الحكم ، فكذَّبُوا بالآيات التي تدل على ثبوت الصفة لله ، فقالوا " لا يتكلم ولا يكلم " . تعالى اللهُ عن قولِهم علوًّا كبيرًا .
وحاول المأمون أن يجبر العلماء والقضاة على القول بمذهبه ، فأجابه أكثرهم تقية ، وقُتل مَن قُتِل في المحنة ، ووقف الإمام أحمد كأنه جبل شامخ تكسرت عليه المحن وانهزمت على قدميه الفتن .
ولما هلك " المأمون " تبِعَهُ " المعتصم " فجلد الإمام وحبسه ثمانية وعشرين شهرًا على أن يلين . فثبت على الحق حتى هلك " المعتصم " ، ومَنْ بعده " الواثق " .
ثم أشرقت عليه خلافة " المتوكل " ، وكان من أهل السنة ، فَرُفِعَتْ أعلام السنة ونُكست أعلام البدعة ، وأهلك الله عز وجل كل من شارك في المحنة .
ولكن الإمام أحمد لم يَسْلَم في زمن " المتوكل " من الفتنة ولكنها فتنة من نوع جديد ، إنها فتنة الدنيا ، فتنة المال والجاه والدخول على السلطان .
فقد حاول " المتوكل " أن يُغْدِقَ على الإمام الأموال ، ولكن إمامَنا وعالمَنا لم ترهبه السياط والتعذيب ، ولم يجذبه بريق المال والسلطان .
فقال الإمام ـ رحمه الله : أسلم من هؤلاء ستين سنة ثم ابتلى بهم ، فما قَبِلَ من ذلك شيئًا ، وعاش بقية عمره زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة ، فازداد ارتفاعًا في قلوب الخلق ... .
من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 218 / بتصرف .
المتن:
وعن عمر بن ذر أنه قال لوالده
يا أبي مالك إذا وعظت الناس أخذهم البكاء وإذا وعظهم غيرك لا يبكون ؟فقال:
يا بني ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة.

*شرح الشيخ العثيمين:


الله أكبر ،هذا مثلٌ عظيم ، النائحة الثكلى يعني التي فقدت ولدها هذه تبكي بكاءً من القلب ، والنائحة المستأجرة ما يؤثر نوحها ولا بكاؤها لأنها تصطنع البكاء، ولكن مثل هذا الكلام الذي يَرِد عن السلف يجب أن يُحْسَن الظن بهم وأنهم لايريدون بذلك مدح أنفسهم وإنما يريدون بذلك حث الناس على إخلاص النية ،والبعد عن الرياء وما أشبه ذلك وإلا لكان هذا تزكيةً للنفس واضحة والله عز
وجل يقول
" الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى" .الآية 32 من سورة النجم.
لكن السلف رحمهم الله لعلمنا بمقامهم وإخلاصهم يجب أن نحمل ما ورد عنهم مما يحتمل هذا المعنى الفاسد أن نحمله على المعنى الصحيح. ا.هـ بتصرف قليل -

ومن شرح الشيخ عبد الرحيم السلمي:
المقصود من هذا أن النائحة الثكلى -وهي النائحة التي أصابتها المصيبة- ليست مثل المستأجرة؛ لأن العرب قديمًا كانوا يميزون بين العظماء وغير العظماء بأن العظيم هو الذي يكثر عليه البكاء ويشتد عليه النواح، وكلما كثر البكاء دل هذا على عظمته، ومكانته، وعدم استغناء الناس عنه، فكان بعضهم ربما استأجر نساء ينحن على والده أو أخيه أو نحو ذلك، فكان هناك بعض الناس يمتهن مثل هذا العمل، فقد تبكي وهي لا دخل لها بالقضية لا من قريب ولا من بعيد، وإنما تبكي من أجل المال، والناس الذين يأتون من الخارج لا يعرفون مَنِ القريبة له ومَنِ المستأجرة. وعلاقة هذا الموضوع بكلام عمر بن ذر هو أن الإنسان الذي يتكلم وهو يشعر بكلامه يختلف عن الإنسان المستأجر الذي يتكلم من أجل أجرة ودنيا، وهذا نجده حتى على مستوى الخطباء، فتجد الخطيب الذي يتكلم وهو صادق فيما يقول ويتكلم عن حرقة ورغبة في إصلاح الناس ليس مثل الخطيب الذي يتكلم من أجل أن يبقى خطيبًا، ومن أجل أن يكون له مكافأة لهذا المسجد أو نحو ذلك. فالإخلاص ليس له مثل أبدًا، فينبغي للإنسان أن ينقب نفسه بشكل مستمر.ا.هـ.
اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل.
= تعقيب مقتبس:الإخلاص والتجرد :
إن أهم ما ينبغي لطالب العلم أن يعتني بتحقيقه، والحذرِ من نقيضه: الإخلاص،فإنه أصل التوحيد، ورأس الأعمال، وعليه تدور رَحى القبول، وبه ينجو العبد في الدنيا والآخرة.
وإن الحديث أمام الناس، والتصدُّر للخَطَابة والوعظ والتذكير=مظنةُ الفتنة، والإعجابِ بالنفس، فقد يتبع الناسُ الواعظ والمحدِّث والخطيب، ويلتفون حوله، ويبالغون في مدحه والثناء عليه، والنفوس بطبعها تميل إلى هذا وتحبه، فمن لم ينتبه لهذا زلَّت قدمُه، ولهذا كان السلف -رحمهم الله- يفرون من الحديث ومجالس الوعظ إن أعجبتهم أنفسهم.
قال عبد الرحمن بن أبي ليلى" أدركت مائة وعشرين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فما كان منهم -رضي الله عنهم محدث إلا ويود أن أخاه كفاه الحديث، ولا مفتٍ إلا ويود أن أخاه كفاه الفُتيا".

قال ابن القيم :
وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى ، ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره : فإذا رأى بها قد تعينت عليه بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة أو قول الخلفاء الراشدين ثم أفتى .
وقال عبد الله بن المبارك : حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أراه قال في المسجد ، فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث ، ولا مفت إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا.
وقال الإمام أحمد : حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم رجل يسأل عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه ، ولا يحدث حديثًا إلا ود أن أخاه كفاه . الإسلام سؤال وجواب=

وقال الإمام الذهبي -رحمه الله " ينبغي للعالم أن يتكلم بنية وحسنِ قصد، فإن أعجبه كلامه فليصمت، فإن أعجبه الصمت فلينطق، ولا يفتُر عن محاسبة نفسه، فإنها تحب الظهور والثناء " سير أعلام النبلاء :4/494.
وقد يسلك بعض الخطباء مسلك الوعظ والخطابة رجاء المنصب، أو الحصول على الوظيفة ونيل أعراض الدنيا، أو طلب المحمدة عند الناس، وغير ذلك مما يشوب النوايا، وهذا لعمر الله مسلك خطير ينتهي بالإنسان إلى الهلاك والعياذ بالله.
"إنَّ اللهَ إذا كان يومُ القيامةِ ينزلُ إلى العبادِ لِيقضيَ بينهم , وكلُّ أمةٍ جاثيةٌ , فأولُ مَن يدعو به رجلٌ جمعَ القرآنَ, ورجلٌ قُتِلَ في سبيل اللهِ, ورجلٌ كثيرُ المالِ, فيقولُ اللهُ للقارىءِ : ألم أُعلِّمْك ما أَنزلتُ على رسولي قال : بلى يا ربِّ قال : فماذا عمِلتَ فيما علمتَ ؟ قال : كنتُ أقوم به آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ , فيقولُ اللهُ له : كذَبْتَ , وتقول له الملائكةُ : كذَبْتَ , ويقول اللهُ له : بل أردتَ أن يقال فلانٌ قارىءٌ , فقد قيل ذلك. ويُؤتَى بصاحبِ المالِ فيقولُ اللهُ له : ألم أُوَسِّعْ عليك حتى لم أَدَعَكَ تحتاجُ إلى أحدٍ ؟ قال : بلى يا ربِّ , قال : فماذا عملْتَ فيما آتيتُك ؟ قال : كنتُ أَصِلُ الرَّحِمَ , وأتصدَّقُ , فيقولُ اللهُ له : كذَبْتَ , وتقولُ الملائكةُ : كذَبْتَ , ويقول اللهُ : بل أردتَ أن يُقال : فلانٌ جوَادٌ , فقد قيل ذلك, ويُؤتَى بالذي قُتِلَ في سبيل اللهِ فيقولُ اللهُ : في ماذا قُتِلْتَ ؟ فيقول : أَمرْتَ بالجهادِ في سبيلِك فقاتلتُ حتى قُتِلْتُ , فيقولُ اللهُ له : كذَبْتَ , وتقولُ الملائكةُ : كذَبْتَ , ويقولُ اللهُ : بل أردتَ أن يقالَ فلانٌ جريءٌ , فقد قيل ذلك . يا أبا هريرةَ أولئك الثلاثةُ أولُ خَلْقِ اللهِ تُسَعَّرُ بهم النَّارُ يومَ القيامةِ ".
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1713- خلاصة حكم المحدث: صحيح-الدرر السنية


"أوَّلُ النَّاسِ يُقضَى لَهُم يومَ القيامةِ ثلاثةٌ
: رجلٌ استُشْهِدَ فأتيَ بِهِ فعرَّفَهُ نعمَهُ فعرفَها ، قالَ : فما عمِلتَ فيها ؟ قالَ : قاتلتُ فيكَ حتَّى استُشهِدتُ ، قالَ : كذَبتَ ، ولَكِنَّكَ قاتلتَ ليقالَ فلانٌ جريءٌ ، فقد قيلَ ، ثمَّ أمرَ بِهِ ، فسُحِبَ على وجهِهِ حتَّى أُلْقيَ في النَّارِ ، ورجلٌ تعلَّمَ العِلمَ وعلَّمَهُ ، وقرأَ القرآنَ فأتيَ بِهِ فعرَّفَهُ نعمَهُ فعرفَها ، قالَ : فما عمِلتَ فيها ؟ قالَ : تعلَّمتُ العلمَ وعلَّمتُهُ ، وقرأتُ فيكَ القرآنَ ، قالَ : كذبتَ ، ولَكِنَّكَ تعلَّمتَ العلمَ ليقالَ عالمٌ ، وقرأتَ القرآنَ ليقالَ قارئٌ ، فقد قيلَ ، ثمَّ أمرَ بِهِ ، فسُحِبَ على وجهِهِ حتَّى أُلْقيَ في النَّارِ ، ورجلٌ وسَّعَ اللَّهُ علَيهِ وأعطاهُ من أصنافِ المالِ كلِّهِ ، فأتيَ بِهِ فعرَّفَهُ نعمَهُ ، فعرفَها ، فقالَ : ما عمِلتَ فيها ؟ قالَ : ما ترَكْتُ من سبيلٍ تحبُّ قالَ أبو عبدِ الرَّحمنِ : ولم أفهَم تحبُّ كما أردتُ أن ينفقَ فيها إلَّا أنفقتُ فيها لَكَ ، قالَ : كذَبتَ ولَكِن ليقالَ إنَّهُ جوادٌ ، فقد قيلَ ، ثمَّ أمرَ بِهِ ، فسُحِبَ علَى وجهِهِ ، فأُلْقيَ في النَّارِ

الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 3137 -خلاصة حكم المحدث: صحيح - الدرر السنية

أعوذ بالله من موقف الرياء والسمعة
قال السندي " موقف رياء وسمعة " أي: موقفًا يجزيه فيه جزاء الرياء والسمعة، أو يَظهر فيه رياؤه وسمعته، أو موقفًا يظهر له فيه أنه كرامة، ويكون فيه فضيحة يسمع بها الخلق، والله - تعالى -أعلم " .مسند أحمد -25/476حاشية.
فتأمل -رحمك الله- هذا الخزي العظيم على رؤوس الأشهاد يوم القيامة، فما من شيء أدعى لقبول كلام العبد عند الله وعند العباد من تجريد الإخلاص، وتصحيح النية، فكلام المخلصين ووعظُهم يخالط القلوب، ويحرك النفوس، وكلام المخلِّطين تأباه النفوس ولو كان بليغًا فصيحًا.
قال عامر بن عبد قيس " الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان"
البيان والتبين :1/84، 83.
وسمع الحسن رجلاً يعظ فلم تقع موعظته بموضع من قلبه، ولم يرِقَّ عندها، فقال " يا هذا إن بقلبك لشرًا أو بقلبي "
البيان والتبين: 1/84.

وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال
"يا أبا بكرٍ ، لَلشِّركُ فيكم أخْفى من دبيبِ النَّملِ والذي نفسي بيدِه ، لَلشِّركُ أخْفى من دَبيبِ النَّملِ ، ألا أدُلُّك على شيءٍ إذا فعلتَه ذهب عنك قليلهُ و كثيرهُ ؟ قل : اللهم إني أعوذُ بك أن أشرِكَ بك و أنا أعلمُ ، و أستغفِرُك لما لا أَعلمُ"

الراوي: معقل بن يسار المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الأدب المفرد - الصفحة أو الرقم: 551-خلاصة حكم المحدث: صحيح.

"الشركُ فيكم أخفى من دبيبِ النملِ ، و سأدلُك على شيءٍ إذا فعلتَه أذْهَبَ عنك صَغارُ الشركِ و كبارُه ، تقولُ : اللهمَّ إني أعوذُ بك أنْ أُشرِكَ بك و أنا أعلمُ ، و أستغفرُك لما لا أعلمُ . . ."
الراوي: أبو بكر الصديق المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 3731-خلاصة حكم المحدث: صحيح -الدرر السنية

فينبغي للمؤمن أن يهتمَّ بالإخلاص لله في أعماله، وأن يَحْذر الرياء فإنه أخفى من دبيب النمل، وليسْتَعِن بالله على تطهير قلبه منه، وليرق نفسه بهذه الرقية من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها إن أُخِذَتْ بصدق نفعت صاحبها بإذن الله تعالى ،
فواجب علينا جميعًا أن نخلص العمل، ونحذر الرياء وكل ما يخل أو ينقص أجر العمل، نسأل الله أن يجعل أعمالنا كلها صالحة، وأن يجعلها لوجهه خالصة.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار
.وفقك الله لرشدك آمين .
المتن:
*
الشرط الثاني:

الخصلة الجامعة لخيري الدنيا والآخرة :
محبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم وتحقيقها بتمحض المتابعة وقفو الأثر للمعصوم
قال الله تعالى :
"قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" .الآية 31 من سورة آل عمران.
وبالجملة فهذا أصل.

*شرح الشيخ العثيمين:

لا شك أن المحبة لها أثر عظيم في الدفع والمنع إذ أن المحب يسعى غاية جهده في الوصول إلى المحبوب فيطلب ما يرضيه وما يقربه منه، ويسعى غاية جهده في اجتناب ما يكرهه محبوبه ويبتعد عنه ولهذا ذكر ابن القيم في روضة المحبين أن كل الحركات مبنية على المحبة كل حركات الإنسان وهذا صحيح.
مبنية على المحبة، كل هذا صحيح لأن الإرادة لا تقع من شخص عاقل إلا لشيء يرجونفعه أو يدفع ضرره، وكل إنسان يحب ما ينفعه، ويكره ما يضره، فالمحبة في
الواقع هي القائد والسائق إلى الله عزوجل تقود الإنسان وتسوقه، وانظر إلى الذين كرهوا ما أنزل الله، كيفَ قال الله:

"
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه فَأَحْبَطَ أَعْمَالهم"
محمد: 9.
صارت نتيجتهم الكفر، لأنهم كرهوا ما أنزل الله، فالمحبة كما قال الشيخ هي: الجامعة لخيري الدنيا والآخرة.
أما محبة الرسول عليه الصلاة والسلام فإنها تحملك على متابعته ظاهرًا
وباطنًا لأن الحبيب يُقلِّد محبوبه حتى في أمور الدنيا، تجده مثلاً يقلده في اللباس.. في الكلام، حتى في الخط، نحن نذكر بعض الطلبة في زماننا كانوا يُقلِّدون الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في خطه، مع أن خطه- رحمه الله- ضعيف، ما تقدر تقرأه، لكن من شدة محبتهم له، فالإنسان كلما أحب شخصًا حاول أن يكون مثله في خصاله.
فإذا أحببت النبي صلى الله عليه وسلم فإن هذه المحبة سوف تقودك إلى اتباعه صلوات الله وسلامه عليه.
ثم ذكر الآية التي يسميها علماء السلف آية المحنة، يعني الامتحان، لأن قومًا ادَّعوا أنهم يحبون الله فقال الله تعالى

"
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي"
آل عمران: 31.
أين الجواب؟

الجواب المتوقع: فاتبعوني تصْدُقوا في دعواكم، لأن الشرط والمشروط، إن كنتم تحبون الله فاتبعوني تصدقوا في دعواكم، لكن جاء الجواب: فاتبعوني يحببكم الله، إشارة إلى أن الشأن كل الشأن أن يحبك الله عزوجل، هذا هو الثمرة، وهو المقصود، لا أن تحب الله، لأن كل إنسان يدَّعي ذلك وربما يكون ظاهرك محبة الله، لكن في قلبك شيء، لا يقتضي أن الله يحبك، فتبقى غير حاصل على الثمرة.ا.هـ بتصرف يسير.
ومن شرح الشيخ عبد الرحيم السلمي:
الخصلة الثانية مع الخصلة الأولى هما شرطان في كل عمل من العبادات، يعني: يشترط لها إخلاص النية، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم. قال المؤلف رحمه الله تعالى: وبالجملة؛ فهذان أصل هذه الحلية، ويقعان منها موقع التاج من الحلة. فيا أيها الطلاب! هأنتم هؤلاء تربعتم للدرس، وتعلقتم بأنفس علق :طلب العلم، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلانية، فهي العدة، وهى مهبط الفضائل، ومتنزل المحامد، وهي مبعث القوة، ومعراج السمو، والرابط الوثيق على القلوب عن الفتن، فلا تفرطوا. إذًا النقطة الأولى هي: أن العلم عبادة، وأن العبادة يشترط لها الإخلاص والمتابعة، ومن أعظم الأهداف التي يبارك الله عز وجل بها لطالب العلم أن يبارك له في علمه وفيما يكتبه، مثلاً: هذا الكتاب الصغير الذي كتبه الشيخ بكر أبو زيد أنا أعتقد أنه أفضل من مئات الآلاف من الكتب الموجودة .ا.هـ