الخميس، 11 يوليو 2019

28- حلية طالب العلم



المجلس الثامن والعشرون
شرح حلية طالب العلم
تابع
-7 التَّحَلِّي برَوْنَقِ العِلْمِ
التَّحَلِّي بـ " رَوْنَقِ العِلْمِ " حُسْنِ السمْتِ ، والْهَدْيِ الصالحِ ، من دَوامِ السكينةِ والوَقارِ والخشوعِ والتواضُعِ ولزومِ الْمَحَجَّةِ بعِمارةِ الظاهِرِ والباطنِ والتَّخَلِّي عن نواقِضِها .
أهم الأسباب المعينة على اكتساب حسن السمت والتحلي به ، ومنها:
أولًا: تعمير الباطن بالإخلاص لله وتنقية الباطن مما يبغضه الله تعالى
فهذا أصل التحلي بحسن السمت في الظاهر ، إذ ما يُسِرُّه العبد يظهر عليه علانية شاء أم أبى كما قيل: ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها علانية إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.
ومن هنا لا سبيل إلى التماس السمت الحسن بدون إصلاح القلب،ولعل هذا هو ما عناه بعضهم بقوله: أظهر السمت في الليل فإنه أشرف من إظهاره بالنهار؛ لأن  إظهارالسمت بالنهار للمخلوقين وإظهار السمت بالليل لرب العالمين.
ثانيا:التزام العمل الصالح  وحفظ الجوارح:
وهذا من أحسن ما يتزين به المؤمنون فتراهم يقيمون فرائض الله ويتبعونها بالنوافل ، ويراقبون جوارحهم فيحفظونها من المعاصي ومخالفة أمر الله تعالى ، بل يمنعونها الفضول ، وهي الأمور الزائدة عن الحاجة.
ثالثا: تعمير الظاهر باتباع السنة:
فخير الهدي هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
إن عظيم الهمة لا يقنع بملء وقتِه بالطاعات إنما يفكر أن لا تموت حسناته بموته.
 حسن السمت من أخلاق الأنبياء :
 "السَّمتُ الحسَنُ، والتُّؤَدةُ والاقتِصادُ جزءٌ من أربعَةٍ وعِشرينَ جزءًا منَ النُّبوَّةِ" الراوي: عبدالله بن سرجس المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم- 2010:خلاصة حكم المحدث: حسن-الدرر السنية  

 *عن أبيه قال الأعمشُ راويه : ولا أعلُمه إلا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : التُؤْدَةُ في كلِّ شيءٍ ، إلا في عملِ الآخرةِ.
الراوي: سعد بن أبي وقاص المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 4810 : خلاصة حكم المحدث: صحيح - الدرر السنية  
وفي المنتقى شرح الموطأ: وَقَوْلُهُ : وَحُسْنُ السَّمْتِ يُرِيدُ الطَّرِيقَةَ وَالدِّينَ وَأَصْلُ السَّمْتِ الطَّرِيقُ وَقَوْلُهُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ وَصِفَاتِهِمْ الَّتِي طُبِعُوا عَلَيْهَا وَأُمِرُوا بِهَا وَجُبِلُوا عَلَى الْتِزَامِهَا وَيُعْتَقَدُ أَنَّ هَذِهِ التَّجْزِئَةَ عَلَى مَا قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَلَا يُدْرَى وَجْهُ ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَقَالَ : عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَنْ كَانَ عَلَى هَذَا وَقَلَّ كَلَامُهُ إِلَّا بِمَا يَعْنِيهِ كَانَ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ .اهـ    ملتقى أهل الحديث 

حسن السمت من الصفات اللازمة للداعية والمربي :
  قال عبد الرّحمن بن مهديّ- رحمه اللّه تعالى-: كنّا نأتي الرّجل ما نريد علمه ليس إلّا أن نتعلّم من هديه وسمته ودلّه.الآداب الشرعية :2/ 149 .
  قال المروذيّ- رحمه اللّه تعالى-: لم أر الفقير في مجلس أعزّ منه في مجلس أبي عبد اللّه ، كان مائلا إليهم مقصرا عن أهل الدّنيا، وكان فيه حلم، ولم يكن بالعجول، وكان كثير التّواضع تعلوه السّكينة والوقار، إذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلّم حتّى يٌسأل، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدّر، يقعد حيث انتهى به المجلس. سير أعلام النبلاء 11/ 218.
  قال ابن مفلح- رحمه اللّه تعالى-: كان يحضر مجلس أحمد زهاء خمسة آلاف أو يزيدون، أقلّ من خمسمائة يكتبون، والباقي يتعلّمون منه حسن الأدب وحسن السّمت. الآداب الشرعية 2/ 12 .

  قال البدر العينيّ صاحب عمدة القاري على صحيح البخاريّ- رحمه اللّه تعالى-: ينبغي للنّاس الاقتداء بأهل الفضل والصّلاح في جميع أحوالهم في هيئتهم وتواضعهم للخَلقِ ورحمتهم وإنصافهم من أنفسهم وفي مأكلهم ومشربهم واقتصادهم في أمورهم تبرّكا بذلك . عمدة القاري شرح صحيح البخاري 22 154 .. هنا 

"
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالَ لأشجِّ عبدالقيس : إنَّ فيكَ خَصلتينِ يحبُّهُما اللَّهُ: الحِلمُ، والأَناةُ"  الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2011 -خلاصة حكم المحدث: صحيح -الدرر السنية  
يا نبيَّ اللَّهِ إنَّا حيٌّ من ربيعةَ وبينَنا وبينَكَ كفَّارُ مُضرَ ولا نقدرُ عليكَ إلَّا في أشهرِ الحرمِ فمرنا بأمرٍ نأمرُ بهِ من وراءنا وندخلُ بهِ الجنَّةَ إذا نحنُ أخذْنا بهِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ آمرُكم بأربعٍ وأنهاكم عن أربعٍ اعبدوا اللَّهَ ولا تُشرِكوا بهِ شيئًا وأقيموا الصَّلاةَ وآتوا الزَّكاةَ وصوموا رمضانَ وأعطوا الخمُسَ منَ الغنائمِ وأنهاكم عن أربعٍ عنِ الدُّبَّاءِ والحَنتمِ والمزفَّتِ والنَّقيرِ قالوا يا نبيَّ اللَّهِ ما عِلمُكَم بالنَّقيرِ قالَ بلى جِذعٌ تنقرونهُ فتقذِفونَ فيهِ منَ القُطيعاءِ - قالَ سعيدٌ أو قالَ منَ التَّمرِ - ثمَّ تصبُّونَ فيهِ منَ الماءِ حتَّى إذا سكنَ غليانُهُ شربتموهُ حتَّى إنَّ أحدَكم أو إنَّ أحدَهم ليضربُ ابنَ عمِّهِ بالسَّيفِ قالَ وفي القومِ رجلٌ أصابتْهُ جراحةٌ كذلِكَ قالَ وكنتُ أَخبَأُها حياءً من رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقلتُ ففيمَ نشربُ يا رسولَ اللَّهِ قالَ في أسقيةِ الأدَمِ الَّتي يُلاثُ على أفواهِها قالوا يا رسولَ اللَّهِ إنَّ أرضَنا كثيرةُ الجُرذانِ ولا تبقى بها أسقِيةُ الأدمِ فقالَ نبيُّ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وإن أكلَتْها الجرذانُ وإن أكلَتْها الجرذانُ وإن أكلَتْها الجرذان قالَ وقالَ نبيُّ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لأشجِّ عبدِ القيسِ إنَّ فيكَ لَخَصْلَتينِ يحبُّهُما اللَّهُ الحِلمُ والأناةُ وذَكرَ أبا نضرةَ عن أبي سعيدٍ الخدريِّ أنَّ وفدَ عبدِ القيسِ لمَّا قدِموا على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بمثلِ حديثِ ابنِ عُليَّةَ غيرَ أنَّ فيهِ وتُذِيفونَ فيهِ منَ القُطَيعاءِ أوِ التَّمرِ والماءِ ولم يقُل قال سعيدٌ أوِ قال من التَّمرِ "الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم- 18خلاصة حكم المحدث: صحيح- الدرر السنية  
 والأناة هي التثبت وترك العجلة , وسبب قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك له ما جاء في حديث الوفد أنهم لما وصلوا إلى المدينة بادروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقام الأشج عند رحالهم , فجمعها وعقل ناقته ولبس أحسن ثيابه , ثم أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقربه النبي صلى الله عليه وسلم وأجلسه إلى جانبههنا  
لما قدمنا المدينةَ، فجعلْنا نتبادرُ من رواحِلنا، فنقبِّل يدَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ورجلَه، وانتظر المنذر الأشج حتى أتى عيبته فلبس ثوبيه ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له إن فيك خلتين يحبهما الله الحلم والأناة . قال : يا رسول اللهِ ! أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما ؟ قال : بل الله جبلك عليهما . قال : الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله.
الراوي : زارع بن عامر بن عبدالقيس العبدي -المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود -الصفحة أو الرقم- 5225  خلاصة حكم المحدث : حسن دون ذكر الرجلين = الدرر =

 آدابـ الإمام أحمد وأخلاقه :

* عن أبي داود السجستاني قال : لم يكن " أحمد بن حنبل " يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا ، فإذا ذُكر العلم تكلم . وقال مجالسة " أحمد بن حنبل " مجالسة الآخرة ، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا .
وعن أبي بكر المطوعي قال : اختلفت إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل اثنى عشرة سنة وهو يقرأ المسند على أولاده ، فما كتبتُ منه حديثًا واحدًا ، وإنما كنت أنظر إلى هديه وأخلاقه وآدابه .
من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 232
ومن أخلاقه
*
كان يحضر مجلس الإمام أحمد خمسة آلاف طالب ،  خمسمائة  كانوا يكتبون العلم ، والبقية ينظرون إلى أدبه وأخلاقه وسَمْتِهِ .

*
قال يحيى بن معين : ما رأيتُ مثـل أحمد ، صحبناه خمسين سنة فما افتخر علينا بشيء ممَّا كان فيه من الخير .
*
كان الإمام أحمد مائلاً إلى الفقـراء ، وكان فيه حِلْمْ ، ولم يكن بالعجول ، وكان كثير التواضع ، وكانت تعلوه السكينة والوقار .
*
قال رجل للإمام أحمد : جزاك الله عن الإسلام خيرًا ، فقال الإمام أحمد : بل جزى الله الإسلام عني خيرًا ، مَنْ أنا ؟ وما أنا ؟
*
كان الإمام أحمد شديد الحياء ، وأكرم الناس ، وأحسنهم عِشْرةً وأدبًا ، لمْ يُسمع عنه إلَّا المُذاكرة للحديث ، وذِكْر الصالحين ، وكان عليه   وقارٌ وسكينة ، ولفْظٌ حَسَنْ .
منقول
وصايا الصالحين
من أسباب الثبات الدعاء بأن يقيض الله للمرء رجلًا صالحًا يعظه فيثبته الله وينفعه بتلك الكلمات ، فتنبني نفسه ، وتُسدَّد خطاه يوم يتعرض لفتنة أو بلاء من ربه ليمحصه به .
ها هو الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ يساق إلى المأمون مقيدًا بالأغلال ، وقد توعده وعيدًا شديدًا قبل أن يصل إليه حتى قال خادمه : يعز عليَّ يا أبا عبد الله أن المأمون قد سلَّ سيفًا لم يسلَّه قبل ذلك ، -وأنه أقسم بقرابته من رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لا يجوز القسم إلا بالله أو بصفاته سبحانه فقط  ـ لئن لم تجبه ليقتلنك بذلك السيف . وهنا يأتي الصالحون ، أهل البصيرة لينتهزوا الفرصة ليلقوا بالوصايا التي تثبت في المواقف الحرجة ، ففي السِّيَرِ11 / 241  : :  :
أن أبا جعفر الأنباري قال : لما حُمل الإمام أحمد إلى المأمون أُخبرتُ ، فعبرتُ الفرات ، وجئتَهُ ، فسلمتُ عليه ، وقلتُ : يا إمام أنت اليوم رأس ، والناس يقتدون بك ؛ فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبنَّ خلق كثير ، وإن لم تجب ليمتنعن خلق كثير ، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت ، لابد من الموت فاتق الله ولا تجبه .
والإمام أحمد في سياق رحلته إلى المأمون يقول : وصلنا إلى رحبة - رحبة : تقع بين الرقة وبغداد على شاطئ الفرات- ، ورحلنا منها في جوف الليل ، قال : فعرض لنا رجل ، فقال : أيكم أحمد بن حنبل ؟ فقيل هذا . فقال : يا هذا ماعليك أن تُقْتَل ها هنا وتدخل الجنة . ثم قال : أستودعك الله ، ومضى .
 وأعرابي يعترضه ، ويقول : يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤمًا عليهم ، إنك رأس الناس فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه ؛ فيجيبوا فتحمل أوزارهم يوم القيامة ، إن كنت تحب الله فاصبر ، فوالله ما بينك وبين الجنة إلا أن تُقتل .
ويقول الإمام أحمد : ما سمعت كلمة مُذ وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها في " طوق " ، قال : يا أحمد إن يقتلك الحق مت شهيدًا ، وإن عشت عشت حميدًا فقوَّى بها قلبي
فإن أردت بناء نفسك أخي الكريم ـ فاحرص على طلب الوصية من الصالحين ، اعقلها إذا تُلِيَت عليك ، اطلبها قبل سفر إذا خشيت مما يقع فيه ـ من المعاصي ..... ، اطلبها أثناء ابتلاء ، أو قبل حدوث محنة متوقعة ، اطلبها إذا عُيِّنْتَ في منصب صَغُرَ أو كَبُرَ ، أو ورثت مالًا وصرت ذا غنى ، اطلبها في الشدة والرخاء والعسر واليسر لتنبني نفسك ـ على الحق ـ وينبني بها غيرك والله ولي المؤمنين .
عوامل بناء النفس / ص : 55 .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق