الجمعة، 19 يوليو 2019

13- شرح أصول السنة للإمام أحمد


الإيمان بعذاب القبر

وقال -رحمه الله تعالى- "والإيمان بعذاب القبر وأن هذه الأمة تفتتن في قبورها وتسأل عن الإيمان والإسلام ومن ربه ومن نبيه ويأتيه منكر ونكير كيف شاء الله -عز وجل- وكيف أراد والإيمان به والتصديق به".

نعم، من أصول أهل السنة الإيمان بعذاب القبر، يعني ونعيمه، الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، هذا ما صحت به الأخبار. من أصول أهل السنة، كما قرر الإمام أحمد في هذه الرسالة، من أصول أهل السنة الإيمان بعذاب القبر، والإيمان بعذاب القبر ونعيمه مما عليه أهل السنة الإيمان بعذاب القبر ونعيمه.
وقد دلت النصوص من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- على إثبات عذاب القبر ونعيمه، من ذلك قول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾(1) اليوم عند خروج الروح اليوم تجزون عذاب الهون، هذا فيه إثبات عذاب القبر، اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون، يقول: اليوم تجزون عذاب الهون هذا فتنة عذاب القبر.
قيل المراد من العذاب الأدنى عذاب القبر، دون العذاب الأكبر وهو عذاب يوم القيامة، وقيل المراد بالعذاب الأدنى ما أصابهم يوم بدر، ما أصاب الكفار القتل، ما أصابهم من القتل والأسر يوم بدر، قيل هو العذاب الأدنى وقيل هو عذاب القبر.
ومن الأدلة على عذاب القبر وهو من الأدلة الصريحة الواضحة، قول الله تعالى في آل فرعون: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ﴾(4) آل فرعون، ثم قال: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾(4) إذًا العرض هذا قبل قيام الساعة ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ﴾(4) بعدما ذكر الله قصة المؤمن من آل فرعون ﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴾(5) فوقاه الله، يعني الرجل المؤمن من آل فرعون ﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴾(5) ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ﴾(4) متى يكون هذا العرض؟ في القبر، الدليل أنه قال بعدها: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾(4) إذًا العرض هذا قبل قيام الساعة، العرض قبل قيام الساعة، النار يعرضون عليها غدوًا وعشيًا، ويوم تقوم الساعة يقال لهم أدخلوا آل فرعون أشد العذاب، هذا صريح في إثبات عذاب القبر، وأنهم يعذبون غدوًّا وعشيًّا.
ومن الأدلة أيضًا على نعيم القبر قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾(6) ﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾(7) ﴿ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾(8) هذه البشارة، يبشر المؤمن بثلاث بشارات، عند خروج الروح، ألا تخافوا، تبشرهم الملائكة تتنزل عليهم، ألا تخافوا، لا تخافوا من المستقبل، لا تخافوا من أهوال يوم القيامة، لا تخافوا من الشدائد، لا تخافوا من عذاب القبر، لا تخافوا من عذاب النار، تؤمن روعهم الملائكة، من هم هؤلاء؟ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾(6) يعني قالوا ربنا إلهنا ومعبودنا بالحق هو الله ﴿ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾(6) بالعمل، هذا جزاؤهم ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾(6) يعني معبودنا وإلهنا هو الله، ثم استقاموا بالعمل ﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا ﴾(6) هذه البشارة الأولى، لا تخافوا من المستقبل، من عذاب القبر، ولا من عذاب النار، ولا من الأهوال الشديدة يوم القيامة، ولا من شدائد يوم القيامة.
البشارة الثانية: ﴿ وَلَا تَحْزَنُوا ﴾(6) على ما خلفتم من أموال وأولاد فنحن نخلفكم فيه.
ومن الأدلة ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: - في الحديث الصحيح في الصحيحين وغيرهما -: « إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال »(10) وهذا حديث ثابت في الصحيحين وغيرهما، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أن يُتعوذ في التشهد الأخير من أربع، إذا تشهد أحدكم وصلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال، وهذا سنة عند جمهور العلماء، استعاذ من هذه الأربع، سنة مستحبة مؤكدة، سنة مؤكدة، والواجب التشهد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله اللهم صل على محمد، هذا الواجب، وأما الدعاء فهو مستحب.
وذهب بعض العلماء، كطاوس بن كيسان اليماني، من التابعين إلى وجوب التعوذ بالله من هذه الأربع، قال يجب على كل مصل أن يتعوذ بالله من هذه الأربع، وثبت عنه طاوس أنه قال لابنه مرة لما صلى: هل استعذت بالله من أربع؟ قال: لا، قال: أعد صلاتك، أمره أن يعيد الصلاة، فدل على أنه يرى وجوب التعوذ بالله من هذه الأربع، ولكن جمهور العلماء على أنه ليس بواجب وإنما مستحب، والشاهد قوله: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، هذا فيه إثبات، من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، إثبات عذاب القبر.
ومن ذلك حديث البراء بن عازب المشهور الطويل قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنازة، جنازة رجل من الأنصار، قال: فانتهينا إلى القبر ولما يلحد له، فجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- وجلسنا حوله، وكأن على رءوسنا الطير وفي يده عود ينكت به الأرض، فرفع رأسه فقال: « استعيذوا بالله من عذاب القبر، - مرتين أو ثلاثًا، هذا دليل على ثبوت عذاب القبر، ثم قال: - إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا عند رأسه، فيقول - يعني ملك الموت -: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان.
قال: فتخرج - يعني الروح - تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء - القطرة من فم القربة، السقاء، - فيأخذها يعني ملك الموت، فإذا أخذها لم يدعوها - يعني الملائكة الذين يعاونونه - في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط - في بعض ألفاظ الحديث: "يؤتى بحنوط من حنوط الجنة وكفن من أكفان الجنة" - ويخرج منها - يعني من الروح - كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها - يعني إلى السماء - فلا يمرون - يعني - بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون لها فيفتح لهم، فيشيعها بكل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى يؤتى بها إلى السماء السابعة فيقول الله -عز وجل-: اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى.
قال: فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان له: وما علمك؟ - يعني وما علمك بذلك - فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابًا إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، قال: ويأتي رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي »
(11) .
هذا فيه إثبات نعيم القبر، وفيه إثبات السؤال، وأن هذه الأمة تفتن في قبورها، يسأل عن ربه وعن دينه، وعن نبيه، « قال: وإن العبد الكافر - وفي لفظ الفاجر - إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح - كفن أسود - فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتتفرق في جسده فينتزعها - يعني ملك الموت - كما ينتزع السفود من الصوف المبلول - الشوك من الصوف المبلول من يستطيع يستخرجه - فيأخذها فإذا أخذها - يعني ملك الموت - لم يدعوها في يده طرفة عين - يعني الملائكة الذين معه - حتى يجعلوها في تلك المسوح الكفن، ويخرج منها - من هذه الروح - كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض - رائحة خبيثة - فيصعدون بها - يعني هذه الروح - فلا يمرون بها على ملإ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى يُنتهى بها إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له.
ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ »(11) فيقول الله -عز وجل-: اكتبوا كتابه في سجين - في الأرض السفلى - فتطرح روحه طرحًا، ثم قرأ رسول الله ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾(13) فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ها ها لا أدري، فقولان: له ما دينك؟ فيقول: ها ها لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: ها ها لا أدري، فينادي منادٍ من السماء أن كذب فافرشوا له من النار وافتحوا له بابًا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث فيقول: رب لا تقم الساعة .
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند وابنه عبد الله في السنة، وأبو داود، وسنده حسن، هذا الحديث فيه إثبات عذاب القبر ونعيمه، وفيه إثبات الفتنة في القبر، سؤال منكر ونكير، منكر ونكير ملكان، يقال لأحدهما منكر والثاني نكير، هذا يدل لما قاله المؤلف وهو الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، وأن هذه الأمة تفتن في قبورها، تفتن يعني تسأل، الفتنة هي السؤال، تختبر وتمتحن، ويسأل عن الإسلام وعن الإيمان، ما دينك يقال له ما دينك، ومن ربك ومن نبيك، فيثبت الله المؤمن ويضل الله الكافر والفاجر.
فلا بد من الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، ولا بد من الإيمان بفتنة القبر وهي سؤال منكر ونكير، ولهذا قال المؤلف: ويأتيه منكر ونكير، منكر ملك ونكير ملك آخر، وفي لفظ الحديث: ويأتيه ملكان يقال لأحدهما المنكر ويقال للآخر النكير، وفي حديث آخر: « ويأتيه ملكان أزرقان أسودان فيسألانه من ربك وما دينك »(14) .
والمؤلف الإمام أحمد -رحمه الله- قال: ويأتيه منكر ونكير كيف شاء وكيف أراد، يعني لا نسأل عن الكيفية، كيف شاء، يعني كيف شاء الله، وكيف أراد يعني على أي طريقة أراد الله سبحانه وتعالى، فلا بد من الإيمان بذلك، يجب اعتقاد ذلك والإيمان به، ولهذا قال الطحاوي -رحمه الله- في عقيدته، وشارح الطحاوية ابن أبي العز: وقد تواترت الأخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلًا، وسؤال الملكين، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به، ولا يتكلم في كيفيته.
إذًا تواترت الأخبار، الأخبار متواترة، فمن أنكر المتواتر والمعلوم من الدين بالضرورة، بغير شبهة، كفر، وقد تواترت الأخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلًا، وسؤال الملكين، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به، ولا يتكلم في كيفيته، إذ ليس للعقل وقوفٌ على كيفيته، ما نستطيع أن نعرف، ليس للعقل وقوف على كيفيته، لكونه لا عهد له به في هذه الدار، ما يستطيع الإنسان أن يعرف الكيفية.
يقول شارح الطحاوية: والشرع لا يأتي بما تحيله العقول، ولكن يأتي بما تحار فيه العقول، يعني الشريعة ما تأتي بشيء تنكره العقول وتحيله، لكن الشريعة تأتي بشيء تتحير فيه العقول ولا تدركه على انفراده، الشريعة لا تأتي بشيء تنكره العقول وتنفيه، لكن تأتي بشيء تتحير فيه العقول ولا تدركه على انفراده، وهذا هو معنى قول العلماء: الشريعة تأتي بمحاراة العقول، لا بمحالاتها، الشريعة تأتي بأيش، تأتي بمحاراة العقول، لا بمحالاتها، يعني الشريعة تأتي بما تتحير فيه العقول، ولا تدركه على انفرادها، ولكن لا تأتي بشيء تحيله العقول وتنكره، فالعقل الصحيح الصريح يوافق النقل الصحيح.
ولهذا ألف أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كتابا عظيما سماه "موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول" وبين أن العقل لا يخالف النقل، سماه بعض العلماء كتاب العقل والنقل، يعني أنه إذا كان أن لا يمكن أن يتعارض نقل صحيح وعقل صريح أبدا، وإذا وجد أن العقل يخالف النص فهذا لأحد أمرين: إما أن النقل غير صحيح، ما صح، حديث ضعيف، أو أن العقل غير صريح فيه شبهة وشهوة، العقل الصريح هو السالم من الشبهات والشهوات، إما أن العقل ليس بصريح، بل هو أيش عنده شبهات وشهوات، أو إن العقل صريح ولكن النقل غير صحيح، أما نقلٌ صحيح وعقل صريح فلا يمكن أن يتعارضا أبدًا، لا يمكن أن يتعارضا، ولهذا اسم الكتاب عند شيخ الإسلام "موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول" فلا بد من الإيمان بعذاب القبر ونعيمه. وكذلك الإيمان بضمة القبر، ثبت أن للقبر ضمة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: « إن للقبر ضمة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ الذي اهتز له عرش الرحمن »(15) قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح لما مات سعد بن معاذ: « اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ »(16) ومع ذلك ما سلم من الضمة، ضمه القبر، ضمة في أول ما + تضمه ثم يفرج الله له، للقبر ضمة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ.
عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، وأن العذاب يكون للروح والجسد، الروح تعذب وتنعم مفردة ومتصلة بالجسد، روح المؤمن تنعم في الجنة وحدها، روح المؤمن هي طائر +، ولا صلة لها بالجسد، لأن الروح سريعة الطيران، بسرعة تذهب وتأتي تطير، ولهذا، النائم تجد روحه خرجت لكن مجرد إذا ضربت رجله جاءت من بعيد، وكذلك الكافر تعذب روحه في النار ولا صلة بالجسد، والجسد يبلى والروح باقية في نعيم أو في عذاب.
وذهب المعتزلة إلى أن العذاب والنعيم يكون للروح، قالوا أما الجسد فلا يعذب ولا ينعم، وهذا باطل، أنكروا عذاب القبر ونعيمه للجسد، قالوا كيف، وأنكروا السؤال، وأنكروا تضييق القبر وتوسيعه المؤمن، ثبت في الأحاديث أن المؤمن يوسع له في قبره مد بصره، ويفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من ريحها وطيبها، والكافر يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، ويفتح له باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها.
أنكر العقلانيون، أنكروا عذاب القبر ونعيمه، قالوا كيف، ما يعذب في القبر، ما يعذب ولا ينعم، قالوا لو فتحنا القبر ما وجدنا فيه، ما وجدنا فيه نارًا تشتعل، ولا وجدنا الميت يأكل ولا يشرب ولا يأتيه نعيم ولا شيء، لا يأتيه شيء من ثمر الجنة ولا شيء، وقالوا كيف ينعم هذا ويعذب هذا، ولو فتحنا القبر ما وجدنا لا عذابا ولا نعيما، ما وجدنا نارا ولا شيء، وكيف يعذب من صلب على خشبة، وكيف يعذب وينعم من أكلته الطيور أو أكلته السباع ومن أكلته الحيتان، والمقبرة التي زرعت فصارت حبوبا وثمارا كيف يعذب وكيف ينعم؟
نقول لهم: أمور الآخرة، هذه أمور الآخرة لا تعلمون كيفيتها، لا تدركون كنهها ولا كيفيتها، الواجب على المسلم أن يسلم، هذه أمور الغيب يسلم لها، لا نعلم الكيفية والكنه، فالميت ينعم ويعذب لأنه في البرزخ، لكن أنت لست في البرزخ، أنت لو كشفت عن قبر ما ووضعت يدك ما أحسست بذلك لأنك في الدنيا لكن هو يحس، أمور الآخرة لا نعلم كيفيتها، الواجب التسليم، يجب على المؤمن أن يسلم لله ولرسوله، ويؤمن بعذاب القبر ونعيمه، فالميت يناله العذاب عذاب القبر ونعيمه، حتى ولو كان مصلوبا على خشبة، حتى ولو غرق في البحار، حتى ولو أكلته السباع، ولو أكلته الحوت، والحوت أكله يناله ما قدر له، يناله سؤال منكر ونكير، ويناله العذاب والنعيم وتناله ضمة القبر، لكن الله أعلم بكيفيتها ما نكيف لكن نؤمن بذلك.
كل من مات، لا بد أن يسأل عن ربه وعن دينه وعن نبيه، ولا بد أن يعذب أو ينعم، ويضيق عليه قبره أو يوسع له قبره، ولو كان مصلوبًا على خشبة، ولو أكلته السباع، ولو أكلته الحيتان، يناله ما قدر له من النعيم والعذاب والسؤال وضمة القبر، وسؤال منكر ونكير.
هذا هو الصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة، قال -عليه الصلاة والسلام-: « لولا ألا تدافعوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع »(17) يعني لولا أن لا تدافعوا، من رحمة الله أن الإنسان لا يسمع أصوات المعذبين وإلا لما قر له قرار، ولما عاش الناس، ولهذا كما جاء في الحديث: « أن المعذب في قبره يضرب، يضربه الملكان ضربة يصيح منها صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين »(18) إلا الجن والإنس، إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق، ولما عاش بعدها، ولو كنا نسمع أصوات المعذبين هل تقر للناس قرار، بكاءهم وصياحهم وصراخهم، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: « لولا ألا تدافعوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع »(17) .
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول للجيش من الجيوش التي تربي الخيول وتهيأها وتعدها للجهاد، لأن الناس ما كان عندهم المخترعات الحديثة، ما عندهم صواريخ ولا عندهم سيارات ولا طائرات، السلاح ما هو، الحرب بالسلاح ووسيلة النقل هي الخيول، الخيل المضمر هو الخيل تعد وتهيأ، الخيل المعدة للجهاد تضمر، يعني تحبس في مكان أربعين يومًا وتطعم طعاما خاصا، وتهيأ فيخرج منها العرق ويزول منها الضخامة، وتخرج بعد المدة نقية قوية مفتولة الساعدين قوية، عندها استعداد للجهاد والركوب، وكذلك إذا مرضت يعالجونها، يعالجونها بالإسهال، فكان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول إذا أصاب يعني الخيول ألم في بطونها: ائتوا بها إلى قبور الرافضة أو قبور اليهود، فيأتون بها فتسمع أصوات المعذبين فيخرج منها إسهال، تسمع أصوات المعذبين فيخرج من بطونها الإسهال فيكون هذا فيه علاج لها، ينزل ما في بطنها بسبب سماعها لأصوات المعذبين، قبور الرافضة وقبور اليهود، يقول الشيخ: ائتوا بها إلى قبور الرافضة وقبور اليهود تسمع المعذبين، فيخرج منها يعني الروث من بطنها ويكون هذا فيه علاج وشفاء لها.
وفق الله الجميع لطاعته وصلى الله على محمد وآله وصحبه.
والآن يأتي دور الأسئلة.
أحسن الله إليكم، هذا سائل يسأل يقول القدرية ينكرون علم الله، فهل يلزم من ذلك أنهم ينكرون أن الله خلق أفعال العباد - فهل يلزم إيش - فهل يلزم من ذلك أنهم ينكرون أن الله خلق أفعال العباد؟
لأ، القدرية المتوسطون وهم القدرية المجوسية، يقولون إن الله خلق كل شيء إلا أفعال العباد، فالعباد هم الذين خلقوها، هم يقولون: إن الله خلق الإنسان وأعطاه القوى، لكن الإنسان هو الذي خلق فعله خيرا أو شرا طاعة ومعصية، فرارًا من القول بأن الله خلق المعاصي وعذب عليها حتى لا يكون الله ظالما+، هم يعترفون بأن الله خلق الإنسان وأعطاه القوى لكن يقولون هو الذي خلق فعله، ولهذا يوجبون على الله أن يثيب المطيع لأنهم عندهم أصل من أصولهم إنفاذ الوعيد، يوجبون على الله أن يثيب المطيع، وأن يعاقب العاصي؛ لأنه هو الذي خلق فعله، فيجب على الله أن يثيب المطيع، كما يستحق الثواب على الله كما يستحق الأجير أجرته، ويجب عليه أن ينفذ الوعيد في العاصي وليس له أن يعفوا عنه، هكذا هم والمعتزلة، لأنه هو الذي خلق فعله، خلق فعله يعني يستحق الأجر يجب أن يعطى أجره، هكذا يوجبون على الله، ويجب أن يعاقب العاصي وليس له أن يعفوا عنه تعالى الله عما يقولون. نعم.
أحسن الله إليكم، يقول السائل: قال المؤلف - رحمه الله: وليس في السنة قياس، أليس قياس الأولى من القياس العقلي وقد أثبته المحققون في صفات الله؟
بلى، القياس، ليس في السنة قياسٌ لا يستدل إلى نص، قياس في العقول يعني، لا يقيس الإنسان بعقله، أما قياس الأولى أو قياس أنا بينت هذا في أثناء هذا، قلت: إن القياس الشرعي لا يكون في هذا؛ لأنه مستند إلى الشرع، المراد القياس المستند إلى العقل المجرد. نعم.
أحسن الله إليكم، يقول السائل: ما معنى قول المؤلف: ترك الجلوس مع أهل الأهواء؟
يعني ترك الجلوس مع أهل البدع، أهل الأهواء هم أهل البدع، أن لا تجالس أهل البدع لأنهم يضرونك يشبهون عليك يلبسون عليك، قد يلبسون عليك ويوردون عليك شبهة، ولا تستطيع ردها، ولهذا كما سمع عن بعض السلف لما قال له بعض أهل البدع كما مر أيوب السختياني، قالوا: كلمه كلمة، قال ولا نصف كلمة، ولا نصف كلمة، ما يريد أن يتكلم مع أهل البدع، قد تكون هذه الكلمة اللي يكلمه فيها شبهة، فتتمكن من نفسه ولا يستطيع ردها، فلا تجالس أهل الأهواء، أهل الأهواء أهل البدع. نعم.
أحسن الله إليكم، يقول السائل: يجب علينا أن نؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره من الله، فكيف تفسر قول الله -عز وجل: ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾(19) ؟
ما أصابك من حسنة فمن الله يعني فبفضل الله وتوفيقه، وما أصابك سيئة فبسبب ذنوبك فبسبب ذنوب كسبتها، والله تعالى قدر الجميع، ولهذا قال بعدها: ﴿ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾(20) ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾(19) ثم قال بعدها: ﴿ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ﴾(20) وقال: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ ﴾(21) نعم.
أحسن الله إليكم، يقول السائل هل الأشعري معتزلي، والعكس؟
لأ، الأشعري له مذهب والمعتزلي له مذهب، مذهب المعتزلة ينكرون جميع الصفات، ولا يثبتون إلا الأسماء، يقولون مذهبهم أن إثبات أسماء الله لكن بدون معاني، والرحمن بدون رحمة، عليم بلا علم قدير بلا قدرة، سميع بلا سمع بصير بلا بصر، وأما الأشاعرة فهم يثبتون الأسماء ويثبتون سبع صفات، الحياة والكلام والبصر والسمع والعلم والقدرة والإرادة، والباقي يئولونه، ومنهم من يثبت عشرين صفة، ومنهم من يثبت أربعين، لكن المشهور عنهم سبع صفات الحياة والكلام، والبصر، والسمع والعلم والقدرة والإرادة، هذا في الصفات، وفي القدر الأشعرية جبرية، والمعتزلة قدرية، نعم فتجد يقال الأشاعرة ينكرون الأسباب مثل الجهمية، وأما المعتزلة فهم يعتمدون على الأسباب ضد الأشعرية، نعم.
أحسن الله إليكم، يقول السائل: من الذي قال إن الكلام هو حروف وألفاظ؟
حروف وألفاظ ومعاني، أهل السنة والجماعة يقولون الكلام: حروف وألفاظ ومعاني، الحروف والألفاظ واحد، حروف ومعاني، شيخ الإسلام يقول في العقيدة الواسطية: وكلام الله، والقرآن كلام الله، حروفه ومعانيه، الحروف هي الألفاظ، ليس كلام الله الحروف دون المعاني كما يقوله أبو المعالي الجويني، ولا المعاني دون الحروف كما يقوله الأشاعرة.
أحسن الله إليكم، هذا السائل يسأل عن قول النصارى في عيسى ابن مريم؟
نعم، النصارى يقولون عيسى ابن الله، جعلوه جزء من الله، تعالى الله عما يقولون، غلوا في عيسى حتى رفعوه من مقام العبودية والنبوة إلى مقام الألوهية، فقالوا عيسى ابن الله، وقالوا فسروا قوله تعالى: ﴿ وَكَلِمَتُهُ ﴾(22) قالوا هو نفس الكلمة، هو جزء من الله، وأما أهل السنة فيقولون عيسى كلمة الله يعني مخلوق بالكلمة خلقه الله بكلمة كن. نعم.
أحسن الله إليكم، يقول السائل: إن تخلل حياة الصحابي ردة هل يعتبر صحابيا؟
إذا مات على الإسلام نعم، إذا مات على الإسلام فإنه لا يضره هذه الردة، وكذلك الإنسان إذا تخلل عمله ردة ثم تاب ومات على الإسلام لا يبطل عمله، يحرزه بتوبته، أما إذا مات على الكفر والعياذ بالله فإنه تبطل أعماله كلها، لكن إذا تاب الله عليه وتاب ومات على الإسلام بقيت أعماله، أحرزها، قال الله تعالى في كتابه العظيم: ﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾(23) فاشترط لحبوط العمل الموت على الكفر، وقال - سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾(24) نعم.
أحسن الله إليكم، هذا سائل من فرنسا يقول: جاء في الحديث « أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه »(25) ما صحة هذا الحديث، وهل ترك الجدال في أمور الدين ولو كان الحق معك يدخل في مفهوم هذا الحديث؟
نعم، الحديث صحيح، أنا زعيم يعني كفيل، كفيل وضامن ببيت في الجنة في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، ترك المراء الجدال في الدين، ولو كان على حق؛ لأن الجدال قد يفضي به إلى مثلًا إلى ما لا تحمد عقباه، وأقل ما فيه أن تماري صاحبك وتغضبه، ويكون حزازات في النفوس، وإحن وضغائن، فترك المراء مطلوب، ترك المراء والجدال مطلوب، فلا ينبغي للإنسان أن يماري، ومن ذلك قول الله تعالى في الحج: ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾(26) الجدال هو المراء. قيل: أن تماري صاحبك حتى تغضبه. نعم.
أحسن الله إليكم، هذا السائل يقول: ما المقصود بقوله: ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله، فقد كفي ذلك وأحكم له؟
نعم، ومن لم يبلغ تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كفي ذلك يعني عليه أن يسلم لما بلغ تفسير الحديث ولم يبلغه عقله يسلم لله ولرسوله، وقد كفي ذلك، فسرت الأحاديث فسرت، فسرها النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين العلماء معانيها فهي معلومة لغيرك إذا كنت أنت لا تعلمها فيعلمها غيرك، فأنت مكفي، مكفي عليك أن تسلم وتؤمن تقول: آمنت بالله، وبما جاء عن الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله، كما روي هذا عن الإمام الشافعي أنه قال: آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله عليه الصلاة والسلام. نعم.
أحسن الله إليكم، يقول السائل: هل نكفر الأشاعرة بسبب تذبذبهم بين أهل السنة والمعتزلة؟
لأ، الأشاعرة ما كفرهم العلماء؛ لأنهم مبتدعة لأنهم متأولون، فرق بين الجاحد والمتأول، الجاحد الذي يجحد كافر، شخص يقول يجحد ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾(27) ينكر، يقول: الرب لم يستو على العرش، هذا كافر، لماذا؟ لأنه كذب الله ومن كذب الله كفر، لكن شخص يقول الرحمن على العرش استوى على العين والرأس، هذا كلام الله أؤمن به، لكن معنى استوى، استولي، لأنه لا يليق بالله أن يستوي، شبهة، هذا ما يكفر؛ لأنه متأول هذا، متأول شبهة حصلت له، يقول: لا أنا أؤمن بكلام الله لكن استوى ما يليق بالله أن يستوي، معناه استولى لأنه إذا استوى شابه المخلوق، شبهة، هذا مبتدع لكن ما يكفر، لكن الأول يقول ينكر الاستواء يقول لا ما استوى على العرش، هذا كافر لأنه مكذب لله، كذب القرآن ومن كذب الله كفر، كذلك الأشاعرة متأولون، الأشاعرة متأولون لهم شبهة، والمتأول لا يكفر. نعم.
أحسن الله إليك، يقول: هل ثبت أن أبا الحسن الأشعري رجع عن قوله أم لا وهل ترحم عليه شيخ الإسلام رحمه الله؟
نعم، ثبت أن أبا الحسن الأشعري -رحمه الله- رجع عن معتقد الأشاعرة، وأبو الحسن الأشعري له أطوار، كان في الأول على مذهب ابن كلَّاب، كان على مذهب المعتزلة، جالس المعتزلية مدة طويلة يقال ما يقرب من أربعين سنة، ثم أعلن رجوعه، وجلس على منبر الجامع، وقال لهم: إني راجع عن مذهبي وإني منخلع من الأقوال والآراء التي قلتها كما أخلع هذا الثوب، وخلع ثوبًا عليه، ثم صار على مذهب ابن كلاب، وهو إثبات الصفات الذاتية، وتأويل الصفات الفعلية، ثم تحول إلى مذهب أهل السنة والجماعة في كتابه الإبانة آخر ما كتب كتاب "الإبانة في أصول الديانة" وقال إنه على معتقد الإمام أحمد بن حنبل، وقال إنه وأثنى على الإمام أحمد وقال: إنه الإمام الكبير الإمام المبجل والإمام المفخم، رحمه الله ورضي عنه نحن على مذهبه في كذا وكذا وكذا، في كتابه الإبانة في أصول الديانة.
لكن بقيت عليه أشياء يسيرة، أشياء يسيرة بقيت عليه، بسبب طول مكثه في المذهب الأول، أشياء يسيرة، وإلا في الجملة رجع إلى معتقد أهل السنة والجماعة لكن أتباعه بعضهم ما رجعوا استمروا على المذهب السابق. نعم.
أحسن الله إليكم، يقول السائل: لو ترشدونا إلى أفضل الكتب في أصول المعتزلة والأشاعرة والجهمية؟
ما ننصحك بأن تذهب إلى أصول الأشاعرة والمعتزلة، لماذا؟ لا تقرأ فيها أصلًا ننصحك بكتب أهل السنة والجماعة، أصول المعتزلة معروفة في كتب المعتزلة، وكتب الأشاعرة تجدها في المكتبات موجودة، تجد في بعض المكتبات في دواليب خاصة، المعتزلة لهم أصولهم الخمسة، والقاضي عبد الجبار المعتزلي معروف، فلا ننصحك أن يكفي أن تعرف عن المعتزلة من كتب أهل السنة والجماعة حينما يردون عليهم ويبينون مذاهبم الباطلة، فلا ننصحه يرجع إلى كتبهم إلا إنسان طالب علم، أو عالم من أهل العلم، يريد أن يرد عليهم لا بأس يرجع إلى كتبهم، أما إنسان طالب علم يذهب إلى كتب الأشاعرة وكتب المعتزلة، لا، قد تزل وتضل، قد يلبِّسون عليك تقرأ شبههم ولا تستطيع فهم الرد عليهم، أو لا تجد الرد عليهم، نعم.
أحسن الله إليكم، يقول السائل: ما هي الكتب التي تنصحونا بها فيما يتعلق بسيرة الصحابة رضي الله عنهم؟
سيرة الصحابة رضوان الله عليهم تأخذها من القرآن ومن السنة، من القرآن الكريم الله تعالى ذكر سيرهم، قال: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾(28) ترجع إلى سيرهم في كتب السنة في الأحاديث في الصحيحين في البخاري ومسلم، ذكر فيها مناقب الصحابة، مناقب الصديق، مناقب عمر، مناقب عثمان، مناقب علي رضي الله عنه.
وكذلك أيضًا في مسند الإمام أحمد وفي السنن الأربع، وكذلك في كتب السير، سيرة ابن هشام، من أمثل ما كتب في هذا، وكذلك أيضًا البداية والنهاية لابن كثير، فيها ذكر سير الصحابة، وكذلك العواصم من القواصم، لابن عربي، كتاب جيد، ذكر فيه ما حصل للصحابة، وكذلك مختصر السيرة، مختصر سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- للإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كتاب عظيم في السيرة، وفي سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وكذلك مختصر السيرة لابنه عبد الله وغير ذلك. وفق الله الجميع لطاعته وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.


(1) سورة الأنعام (سورة رقم: 6)؛ آية رقم:93
(2) سورة الأنفال (سورة رقم: 8)؛ آية رقم:50
(3) سورة السجدة (سورة رقم: 32)؛ آية رقم:21
(4) سورة غافر (سورة رقم: 40)؛ آية رقم:46
(5) سورة غافر (سورة رقم: 40)؛ آية رقم:45
(6) سورة فصلت (سورة رقم: 41)؛ آية رقم:30
(7) سورة فصلت (سورة رقم: 41)؛ آية رقم:31
(8) سورة فصلت (سورة رقم: 41)؛ آية رقم:32
(9) البخاري : الدعوات (6366) , ومسلم : المساجد ومواضع الصلاة (586) , والنسائي : الجنائز (2067).
(10) البخاري : الجنائز (1377) , ومسلم : المساجد ومواضع الصلاة (588) , والترمذي : الدعوات (3604) , والنسائي : السهو (1310) , وأبو داود : الصلاة (983) , وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (909) , وأحمد (2/477) , والدارمي : الصلاة (1344).
(11) أبو داود : السنة (4753) , وأحمد (4/287).
(12) سورة الأعراف (سورة رقم: 7)؛ آية رقم:40
(13) سورة الحج (سورة رقم: 22)؛ آية رقم:31
(14) الترمذي : الجنائز (1071).
(15) أحمد (6/98).
(16) البخاري : المناقب (3803) , ومسلم : فضائل الصحابة (2466) , والترمذي : المناقب (3848) , وابن ماجه : المقدمة (158) , وأحمد (3/316).
(17) مسلم : الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2868) , والنسائي : الجنائز (2058) , وأحمد (3/175).
(18) البخاري : الجنائز (1338) , والنسائي : الجنائز (2051) , وأبو داود : السنة (4751) , وأحمد (3/126).
(19) سورة النساء (سورة رقم: 4)؛ آية رقم:79
(20) سورة النساء (سورة رقم: 4)؛ آية رقم:78
(21) سورة الحديد (سورة رقم: 57)؛ آية رقم:22
(22) سورة النساء (سورة رقم: 4)؛ آية رقم:171
(23) سورة البقرة (سورة رقم: 2)؛ آية رقم:217
(24) سورة المائدة (سورة رقم: 5)؛ آية رقم:5
(25) أبو داود : الأدب (4800).
(26) سورة البقرة (سورة رقم: 2)؛ آية رقم:197
(27) سورة طه (سورة رقم: 20)؛ آية رقم:5
(28) سورة الفتح (سورة رقم: 48)؛ آية رقم:29

= هنا =

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق