الإيمان بالرؤية يوم القيامة
والإيمان بالرؤية يوم القيامة كما روي عن النبي -صلى الله
عليه وسلم- من الأحاديث الصحاح، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد رأى
ربه، فإنه مأثور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صحيحا رواه قتادة، عن
عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- ورواه الحاكم بن أبان عن عكرمة عن ابن
عباس -رضي الله عنهما- ورواه علي بن زيد عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس
-رضي الله عنهما- والحديث عندنا على ظاهره كما جاء عن النبي صلى الله عليه
وسلم.
الكلام في الرؤية سبق الكلام في الرؤية والإيمان بالرؤية
يوم القيامة يعني رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، يعني من عقيدة أهل
السنة والجماعة ومن أصول السنة عند أهل السنة الإيمان بالرؤية يوم القيامة،
يعني برؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وأن المؤمنين يرون ربهم كما يرون
القمر ليلة البدر، فالمؤمن يرى ربه بعيني رأسه، يراه من فوقه، ترون ربكم
كما ترون القمر، ونحن نرى القمر من فوقنا، فنحن نرى الله من فوقنا ترون
ربكم كما ترون القمر هذا تشبيه للرؤية بالرؤية، وليس تشبيها للمرئي
بالمرئي، ليس تشبيها لله بالقمر، الله لا يشبه أحدا من خلقه، وإنما تشبيه
للرؤية يعني ترون ربكم رؤية واضحة من فوقكم كما ترون القمر رؤية واضحة من
فوقكم، وليس المراد أن الله مثل القمر تعالى الله.
سبق النصوص في هذا وأن الرؤية وأن رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ثابتة بالنصوص من القرآن: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾(1) ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾(2) ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾(3) ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾(4) والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم، وكذلك: ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾(3)
والنصوص من السنة متواترة كما ذكر العلامة ابن القيم في كتاب الروح، أنها
متواترة أنه رواها وأنها مروية في الصحاح والسنن والمسانيد، وأنه رواها نحو
ثلاثين صحابيا، وفيها أنهم يرون ربهم كما يرون القمر، وفيها أنكم ترون
ربكم كما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب، وأن النصوص في الرؤية متواترة؛
ولهذا قال الإمام أحمد وغيره، قالوا: من أنكر رؤية الله فهو كافر.
من قال أن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر؛ لأنه مكذب لله
والآيات القرآنية صريحة في هذا ولأنه مكذب للأحاديث المتواترة؛ ولهذا قال
الإمام هنا: والإيمان بالرؤية يوم القيامة يعني: من أصول أهل السنة الإيمان
بالرؤية يوم القيامة، كما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأحاديث
الصحاح، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد رأى ربه، فإنه مأثور عن رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- صحيح.
والذين أنكروا الرؤية هم الجهمية والمعتزلة، بماذا تأولوا
نصوص الرؤية؟ قالوا: معنى الرؤية العلم، العلم ترون ربكم كما ترون القمر
وتعلمون ربكم كما تعلمون القمر، تعلمون أن لكم ربا، كما تعلمون أن القمر
قمر، فسروا الرؤية بإيش؟ بالعلم، وهذا باطل، في قوله: "ترون ربكم كما ترون
الشمس صحوا ليس دونها سحاب" هذا علم ولا رؤية بالبصر، كما ترون الشمس صحوا
ليس دونها سحاب هذا رؤية البصر ولا رؤية القلب؟ رؤية البصر فالنصوص صريحة
في ذلك.
وأما الأشاعرة فإنهم أثبتوا الرؤية ونفوا الجهة، قالوا: يرى
لكن في غير جهة بدون جهة، لم يحددوا الجهة كيف ترون ربكم؟ قالوا: ما نحدد
الجهة، لا، بلا مواجهة، وهذا باطل، وأهل السنة أثبتوا الرؤية وأثبتوا
العلو، وأن المؤمنين يرون ربهم من فوقهم؛ لأنا نرى القمر من فوقنا، قالوا:
وأما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد رأى ربه، فإنه مأثور عن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- صحيح رواه قتادة عن عكرمة عن ابن عباس، وهذا أخرجه
الإمام أحمد في مسنده وابن أبي عاصم في السنة، وغيرهم عن ابن عباس -رضي
الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « رأيت ربي -عز وجل- »(5)
ورواه الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس أيضا أخرجه ابن أبي عاصم في
السنة والترمذي والنسائي، عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه، قلت: أليس الله
يقول: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾(6) سأل عكرمة سأل ابن عباس، أليس الله يقول: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ﴾(6)
يقول عكرمة لابن عباس: فقال ابن عباس قال: ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي
هو نوره، وقال: أريه مرتين. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه،
ورواه علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس يعني رؤية النبي -صلى الله
عليه وسلم- لربه مأثورا.
ولهذا قال الإمام، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد رأى ربه
فإنه مأثور عن رسول الله صحيح، وفي حديث ابن عباس، رأيت ربي -عز وجل- وفي
الحديث الآخر: « رأيت ربي في أحسن صورة »(7) لكن هل هذه الرؤية بالبصر ولا بالفؤاد، وهذه الرؤية أو الرؤية في المنام؟
أما ليلة المعراج فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أسري
به من مكة إلى بيت المقدس عرج به إلى السماء وجاوز السبع الطباق، ورأى في
كل سماء أنبياء رأى في السماء الأولى آدم، وفي الثانية يحيى وعيسى ابني
الخالة، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة هارون، وفي الخامسة إدريس، أو
الرابعة إدريس، وفي الخامسة أو في السادسة هارون، وفي السادسة موسى، وفي
السابعة إبراهيم، ثم جاوز السبع الطباق حتى وصل إلى مكان يسمع فيه صريف
الأقلام، فكلمه الله وخاطبه من دون واسطة، وسمع كلام الله كما سمعه موسى
وفرض رب العزة والجلال عليه الصلاة خمسين صلاة في ذلك المقام الأعلى الذي
يسمع فيه صريف الأقلام، ثم نزل وبصحبة جبرائيل.
هبط به جبرائيل حتى مر على موسى في السماء السادسة فسأله
ماذا فرض عليك ربك؟ قال: خمسين صلاة في اليوم والليلة، فقال: ارجع إلى ربك
فاسأله التخفيف لأمتك؛ فإن أمتك لا تطيق خمسين صلاة في اليوم والليلة، فرجع
استشار جبريل فأشار إليه، وسأل ربه التخفيف حتى وضع عنه عشرا، وفي بعض
الروايات أنه وضع خمسا ثم رجع مرة أخرى فأمره موسى أن يرجع، فجعل يتردد بين
ربه وبين موسى إذا وصل إلى موسى قال اسأل ربك التخفيف أمتك ضعيفة لا تطيق
أربعين صلاة ثم صارت ثلاثين قال: لا تطيق ثلاثين صلاة، ثم صارت عشرين فقال:
لا تطيق عشرين صلاة، ثم صارت عشرة، فقال لا تطيق عشرة، وفي بعض الروايات
أنه في كل مرة يخفف عنه خمسا، من خمسين إلى خمس، حتى وصلت إلى خمس، فقال له
لما خففت إلى خمس، قال ماذا فرض عليك ربك موسى في السماء السادسة، قال فرض
خمس صلوات، قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك ضعيفة لا تطيق خمس
صلوات في اليوم والليلة، فقال -عليه الصلاة والسلام- إني سألت ربي حتى
استحييت، ولكن أرضى وأسلم، فنادى مناد من السماء أن أمضيت فريضتي وخففت عن
عبادي ﴿ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ ﴾(8)
هي خمس في العدد وخمسون في الميزان والأجر، الحسنة بعشر أمثالها، فلله
الحمد وهذا فيه نسخ، النسخ قبل التكليف نسخ تكليف من خمسين إلى خمس صلوات.
هل رأى محمد ربه ليلة المعراج؟ أما سماعه كلامه فهذا لا
إشكال فيه، سمع كلام الله من دون واسطة، كما سمع موسى كلام الله من دون
واسطة، ولهذا موسى يسمى كليم الله، لأنه سمع كلام الله من دون واسطة،
وشاركه نبينا في التكليم فسمع كلام الله من دون واسطة، وإبراهيم خليل
الرحمن وشاركه نبينا في الخلة فيسمى أيضا خليل الرحمن، فالخليلان إبراهيم
ومحمد، وكذلك الكليمان موسى ومحمد، بقي الرؤيا بعين الرأس هل رأى الرسول
-صلى الله عليه وسلم- ربه بعين رأسه؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أن
النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بعيني رأسه وقالوا هذا من خصوصياته،
وأما غير النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يره أحد بالاتفاق، اتفق العلماء
على أنه لم ير أحد ربه في الدنيا لا موسى ولا غيره؛ ولذا لما سأله الرؤيا
منعه الله، وقال: ﴿ لَنْ تَرَانِي ﴾(9)
ما تستطيع في الدنيا ما تتحمل ولا تثبت من التجلي ولهذا ما ثبت الجبل،
اتفق العلماء على أنه لم ير أحد ربه في الدنيا من الأنبياء ولا غيرهم مطلقا
لا في الأرض ولا في السماء إلا نبينا -صلى الله عليه وسلم- فاختلفوا فيه
على قولين:
فقالت طائفة:
إنه رأى ربه بعيني رأسه وهذا من خصوصياته، لم تحصل لنبي من الأنبياء ولا
غيرهم، ولهذا قال بعض العلماء: التكليم لموسى، والخلة لإبراهيم، والرؤية
لمحمد هذه خصوصيات، التكليم لموسى كلمه من دون واسطة، والخلة لإبراهيم هو
خليل الرحمن، والرؤيا لمحمد رأى ربه بعيني رأسه.
والقول الثاني:
أنه لم ير ربه بعيني رأسه، ولكن رآه بعيني قلبه وفؤاده، والذين قالوا رأى
ربه بعيني رأسه استدلوا بما روي عن ابن عباس، أنه قال: رأى ربه، وفي رواية
أخرى: أنه رآه بفؤاده، وكذلك استدلوا بما روي عن الإمام أحمد أنه قال رأى
ربه، ورواية أخرى أنه رآه بفؤاده واستدلوا بقوله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ﴾(10) قال: هي رؤيا عين أريها النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه.
والقول الثاني:
أنه لم ير ربه بعيني رأسه، وإنما رآه بعين فؤاده، وهذا هو الصواب، وهو قول
المحققين، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة وقول جمع من الصحابة
منهم عائشة -رضي الله عنها- أنها أنكرت على مسروق -مسروق التابعي- أنكرت
عليه لما سألها قال: هل رأى محمد ربه بعيني رأسه ليلة المعراج؟ فقالت
عائشة: « لقد قف شعري مما قلت »(11) لقد قف شعري مما قلت ثم قالت: « من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب »(12) واستدلت بقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾(13) قالت: سمع كلامه من وراء حجاب، وأجابوا عن استدلال من قال بالرؤية.
أما ما روي عن ابن عباس قالوا: أنه رآه فيحمل على رؤية
الفؤاد بدليل الرواية الأخرى قال: رآه بفؤاده، فالمطلق يحمل على المقيد
وكذلك ما روي عن الإمام أحمد أنه قال: رآه يحمل على قوله على الرواية
الأخرى المقيدة رآه بفؤاده، وهذا هو الصواب أنه لم ير ربه بعيني رأسه وإنما
رآه فؤاده.
ومن الأدلة على ذلك: ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي ذر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سئل هل رأيت ربك قال: « نور أنى أراه »(14) يعني: كيف أراه والنور حجاب يمنعني من رؤيته.
والدليل الثاني: حديث أبي موسى الأشعري عند مسلم أيضا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، حجابه النور -وفي لفظ النار- لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه »(15)
يعني: أن الله تعالى يحتجب عن خلقه بالنور، لو كشف هذا الحجاب لاحترق
الخلق كلهم، ومنهم محمد أليس من خلقه؟ لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى
إليه بصره من خلقه ومحمد من خلقه؛ ولأن البشر لا يستطيعون أن يثبتوا لرؤية
الله ولا يستطيع أن يثبتوا لتجلي الله في الدنيا، بدليل أن موسى لما سمع
كلام الله في الدنيا طمع في رؤيته وقال: رب سمعت كلامك أرني ﴿ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ﴾(9) قال الله لموسى: ﴿ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ﴾(9) فلما تجلى الله للجبل ماذا حصل؟ اندك تدكدك وانساخ ﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا ﴾(9) صعق وغشي عليه ﴿ فَلَمَّا أَفَاقَ ﴾(9) من غشيته ﴿ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾(9)
إنه لا يراك في الدنيا أحد إلا مات ولا جبل إلا تدهده، فلا يستطيع أحد أن
يثبت لرؤية الله في الدنيا، لكن في يوم القيامة ينشأ الناس تنشئة قوية
يثبتون فيها لرؤية الله فيراه المؤمنون، ولأن رؤية الله نعيم، نعيم ادخره
الله لأهل الجنة، ليس لأهل الدنيا، بل أعظم نعيم يعطاه أهل الجنة هو رؤيتهم
لربهم -عز وجل- فإذا كشف الحجاب -سبحانه وتعالى- ورآه المؤمنون نسوا ما هم
فيه من النعيم من عظمه وهو الزيادة التي قال الله: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾(4) .
فلهذه النصوص الصواب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير
ربه بعيني رأسه، وإنما رآه بعيني فؤاده يعني يعطى زيادة أعطاه الله زيادة
علم لفؤاده، ومن العلماء من قال: جعل الله له عينين لفؤاده، وأما قول بعض
العلماء: التكليم لموسى، والخلة لإبراهيم، والرؤية لمحمد، فهذا ليس بصحيح،
بل التكليم لموسى ولمحمد، والخلة لإبراهيم ولمحمد، والرؤية ليست لأحد هذا
هو الصواب.
ولهذا قال المؤلف -رحمه الله- والنبي -صلى الله عليه وسلم-
قد رأى ربه فإنه مأثور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأما قول النبي
صلى الله عليه وسلم: « رأيت ربي في أحسن صورة »(7)
هذا رؤيته في المنام، رؤية الله في المنام هذه ثابتة، رؤية الله في المنام
حق أثبتها جميع الطوائف، كما قال الشيخ جميع الطوائف تثبت رؤية الله في
المنام إلا الجهمية من شدة إنكارهم لرؤية الله أنكروا رؤيته في المنام.
والرؤية في المنام لا يلزم منها المشابهة فقرر شيخ الإسلام
ابن تيمية -رحمه الله- أن الإنسان يرى ربه على حسب معتقده، فإن كان اعتقاده
سليما رأى ربه في صورة حسنة، وإن كان اعتقاده سيئا رأى ربه في صورة تناسب
اعتقاده، ولا يلزم من ذلك التشبيه، ولما كان النبي -صلى الله عليه وسلم-
أصح الناس اعتقادا قال: « رأيت ربي في أحسن صورة »(7)
فقال: يا محمد، بم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: لا أدري يا رب، فوضع كفه بين
كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي فعلمت، فقلت: يختصم الملأ الأعلى في
إسباغ الوضوء على المكاره، ونقل الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد
الصلاة، وشرح الحافظ ابن رجب في رسالة تسمى شرح حديث اختصام الملأ الأعلى
في رسالة مستقلة.
هذا هو معنى قول المؤلف وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد
رأى ربه فإنه مأثور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صحيح رواه قتادة عن
عكرمة عن ابن عباس، ورواه الحاكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله
عنهما - ورواه علي بن زيد عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس.
قال المؤلف -رحمه الله-: والحديث عندنا على ظاهره كما جاء
عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الحديث على ظاهره في إثبات الرؤية وأن
المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة؛ فالحديث يعمل على ظاهره كما جاء عن النبي
-صلى الله عليه وسلم- والكلام فيه بدعة، ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره،
ولا نناظر فيه أحدا.
يقول: هذا الكلام يؤيد ما قاله شيخ الإسلام -رحمه الله- وما
قاله ابن القيم -رحمه الله- من أن الإمام أحمد -رحمه الله- لم يقل بأن
الرسول قد رأى ربه بعيني رأسه، قال: إنما قال: والنبي -صلى الله عليه وسلم-
قد رأى ربه، رأى ربه مجملا يعني رأى ربه بفؤاده لا بعين رأسه، وقال -رحمه
الله- وليس قول ابن عباس أنه رآه نقضا لهذا ولا قوله رآه بفؤاده وقد صح عنه
أنه قال: « رأيت ربي تبارك وتعالى »(16) فكما قال المؤلف -رحمه الله- الإمام الحديث على ظاهره.
الأحاديث كلها تجرى على ظاهرها ولا يتكلم فيه، والكلام فيه
بدعة، الكلام الذي يخالف قول السلف يخالف ظاهر الحديث فهو بدعة، قال: ولكن
نؤمن به كما جاء على ظاهره، نقول: إن الرسول رأى ربه، ولكن عند التحقيق
نبين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمعا بين النصوص أنه لم ير ربه بعيني
رأسه، ولهذا قال: « نور أنى أراه »(14) وقال: « لو كشف الحجاب لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه »(17)
ولا نناظر فيه أحدا، لا نناظر ولا نجادل، وكما سبق أن الجدال والخصومات في
الدين منهي عنها، لهذا قال الإمام -رحمه الله- لا تخاصموا ولا تجالسوا من
يخاصم، نعم.
(2) سورة المطففين (سورة رقم: 83)؛ آية رقم:15
(3) سورة ق (سورة رقم: 50)؛ آية رقم:35
(4) سورة يونس (سورة رقم: 10)؛ آية رقم:26
(5) البخاري : تفسير القرآن (4476) , ومسلم : الإيمان (193) , وابن ماجه : الزهد (4312) , وأحمد (3/116) , والدارمي : المقدمة (52).
(6) سورة الأنعام (سورة رقم: 6)؛ آية رقم:103
(7) الترمذي : تفسير القرآن (3233).
(8) سورة ق (سورة رقم: 50)؛ آية رقم:29
(9) سورة الأعراف (سورة رقم: 7)؛ آية رقم:143
(10) سورة الإسراء (سورة رقم: 17)؛ آية رقم:60
(11) البخاري : تفسير القرآن (4855) , والترمذي : تفسير القرآن (3278).
(12) البخاري : تفسير القرآن (4855) , ومسلم : الإيمان (177) , والترمذي : تفسير القرآن (3068).
(13) سورة الشورى (سورة رقم: 42)؛ آية رقم:51
(14) مسلم : الإيمان (178) , والترمذي : تفسير القرآن (3282) , وأحمد (5/175).
(15) مسلم : الإيمان (179) , وأحمد (4/405).
(16) أحمد (1/285).
(17) مسلم : الإيمان (179) , وأحمد (4/405).
=هنا =
= هنا =
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق