الجمعة، 19 يوليو 2019

24-- شرح أصول السنة للإمام أحمد

الشهادة للمعين بالجنة أو النار

وقال رحمه الله تعالى: ولا نشهد على أحد من أهل القبلة بعمل يعمله بجنة ولا نار نرجو للصالح ونخاف عليه ونخاف على المسيء المذنب ونرجو له رحمة الله.

نعم هذه المسألة وهي الشهادة على أحد من أهل القبلة بالجنة أو النار، هذه المعروفة بالشهادة للمعين، الشهادة للمعين من أهل القبلة، والمراد من أهل القبلة من التزم بأحكام الإسلام واستقبل القبلة في الصلاة، والدعاء والذبح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو مسلم له ما لنا وعليه ما علينا »(1) .
هذا المسلم الذي التزم بأحكام الإسلام في الظاهر، ولم يفعل ناقضا من نواقض الإسلام يحكم عليه بالإسلام في الظاهر، ولا يشهد عليه بجنة ولا نار بعينه، لكن يشهد على العموم، فيقال: كل مؤمن في الجنة، وكل كافر في النار، على العموم، لا يشهد على معين من أهل القبلة بجنة ولا نار، نرجو للصالح ونخاف على المسيء المذنب ونرجو رحمة الله.
هذه عقيدة أهل السنة والجماعة لا يشهدون للمعين بجنة ولا نار، لكن يرجون للمحسن ويخافون على المسيء، من رأيناه مستقيما على طاعة الله، وعمل الطاعات نرجو له الجنة لكن ما نشهد له بالجنة بعينه، ومن رأيناه يعمل المعاصي والمخالفات نخاف عليه من النار، ولكن لا نشهد له بالنار بعينه، ولكن نشهد بالعموم، فنقول: كل مؤمن في الجنة، وكل كافر في النار.
أما المعين فهل يشهد له؟ فيه ثلاثة أقوال لأهل العلم في الشهادة للمعين بالجنة:
القول الأول: أنه لا يشهد للمعين إلا لمن شهدت له النصوص، فمن شهد له بالجنة فإنه يشهد له بالجنة، مثل العشرة المبشرين بالجنة نشهد لهم بالجنة، الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، يُشهد لهم بالجنة، ابن عمر، عكاشة بن محصن، عبد الله بن سلام، وغيرهم، والعشرة المبشرين بالجنة.
هذا هو الصواب وهذا هو الراجح، أنه لا يشهد للمعين بالجنة إلا لمن شهدت له النصوص كالعشرة المبشرين بالجنة، وكذلك أهل بدر بالعموم، لا يدخل النار أحد، وأهل بيعة الشجرة، لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، أهل بيعة الرضوان، كذلك شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أيضا أهل بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم: « قال لعمر: وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم »(2) .
القول الثاني: أنه لا يشهد إلا للأنبياء فقط، لا يشهد إلا للأنبياء.
القول الثالث: أنه يشهد لمن شهدت له النصوص، ولمن شهد له اثنان عدلان، لمن شهد له عدلان، شخصان عدلان إذا شهدا له بالجنة يشهد له بالجنة، ومن ذلك أن أبا ثور كان يشهد للإمام أحمد بالجنة.
الدليل الثاني: قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: « يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار، قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: بالثناء الحسن، والثناء السيئ »(4) بالثناء الحسن، والثناء السيئ، قالوا: هذا دليل على أنه يشهد بالجنة لمن شهد له أهل الخير وأهل العدل دون الفساق، الفساق ما لهم، الفساق وأهل التفريط ما لهم، لكن من شهد له أهل الخير أهل الصلاح والتقى، شهدوا له بالخير، هذا دليل على أنه من أهل الجنة.
والصواب: القول الأول: إنه لا يشهد بالجنة إلا لمن شهد له النصوص، للأنبياء، ولمن شهد له النصوص، النبي، الأنبياء في الجنة، وكذلك من شهد له النصوص، مثل العشرة المبشرين بالجنة، لا يشهد إلا لمن شهدت له النصوص هذا هو الصواب في المسألة؛ لأنه لو كان يشهد لكل شخص، معناه لم يكن هناك ميزة للمبشرين بالجنة، كل واحد يشهد له اثنان بالجنة وصار مثل المبشرين بالجنة.
وأما الحديث أجيب عنه، أجاب عنه بعض العلماء، قال بعضهم: إنه خاص بالصحابة، بهؤلاء الذين زكاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وعدلهم، يعني هذا في مسائل خاصة، فالصواب أنه لا يشهد بالجنة والنار إلا لمن شهدت له النصوص، لا يشهد بالجنة إلا لمن شهدت له النصوص.
والنار كذلك، من شهد له النصوص كأبي لهب وأبي جهل نشهد له بالنار، وأما عداهم فإذا علمنا أنه إذا مات على الكفر ولم يكن له شبهة قامت عليه الحجة، علمنا أنه مات على الكفر هذا نشهد له بالكفر ونشهد عليه بالنار، إذا علمت خاتمته وليس له شبهة، مثل شخص حضرته الوفاة وهو يفعل الشرك، ونهيته عن الشرك، فقال: لا، أريد الشرك، ومات على ذلك، وتعلم هذا وبلغته الحجة، هذا يشهد له بالكفر ويشهد له بالنار، من شهد بالكفر شهد له بالنار فالنار مثوى الكافرين، نعوذ بالله.
أما ما لم تعلم حاله ما أدري عنه هل هو له شبهة، ما له شبهة، قامت عليه الحجة، يمكن جاهل، يمكن عنده شبهة؟ نقول: اشهد بالعموم يكفيك بالعموم، كل كافر في النار، وكل مؤمن في الجنة، ومن ذلك: « أنه لما مات طفل قالت عائشة: يا رسول الله طوبى له عصفور من عصافير الجنة، قال: وما يدريك يا عائشة إن الله خلق للجنة أقواما خلقهم وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أقواما خلقهم وهم في أصلاب آبائهم »(5) أنكر عليها لأنها شهدت له بعينه، معين، وإن كان يعني النصوص دلت على أن الأطفال في الجنة.
فإذا عقيدة أهل السنة والجماعة لا يشهد على أحد من أهل القبلة، القبلة عرفنا من هم أهل القبلة الذي يستقبل في الصلاة والذبح، والذكر، الحديث: « من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو مسلم، له ما لنا وعليه ما علينا »(1) أهل القبلة، يعني المسلمين، من التزم بأحكام الإسلام لا يشهد عليه بجنة ولا نار إلا من شهدت له النصوص.
أما من فعل ناقضا من نواقض الإسلام فإنه يحكم عليه، يفعل ناقضا من نواقض الإسلام يقال هذا كفر، وأما الشخص فلا يكفر المعين إلا إذا قامت عليه الحجة إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، نعم.


(1) النسائي : تحريم الدم (3968).
(2) البخاري : الجهاد والسير (3007) , ومسلم : فضائل الصحابة (2494) , والترمذي : تفسير القرآن (3305) , وأبو داود : الجهاد (2650) , وأحمد (1/105).
(3) البخاري : الجنائز (1367) , ومسلم : الجنائز (949) , والترمذي : الجنائز (1058) , والنسائي : الجنائز (1932) , وابن ماجه : ما جاء في الجنائز (1491) , وأحمد (3/186).
(4) ابن ماجه : الزهد (4221).
(5) مسلم : القدر (2662) , والنسائي : الجنائز (1947) , وأبو داود : السنة (4713) , وابن ماجه : المقدمة (82) , وأحمد (6/208).
= هنا =


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق