الخميس، 18 يوليو 2019

05- شرح أصول السنة للإمام أحمد

الإيمان بما جاء في الأحاديث الشريفة


ومثل ما كان مثله في القدر ومثل أحاديث الرؤية كلها، وإن نأت عن الأسماع واستوحش منها المستمع، وإنما عليه الإيمان بها، وأن لا يرد منها حرفًا واحدًا، وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقات.

نعم. يعني يقول المؤلف رحمه الله: على المسلم أن يسلم الأحاديث ويؤمن بها ويسلم ولا يعترض ولا يسأل عن الأفعال بلم ولا عن الصفات بكيف، مثل حديث الصادق المصدوق في القدر هذا؛ يسلم بأن هذا قدره، إن الله تعالى كتب الرزق والأجل والعمل، والشقاوة والسعادة، فلا تسأل فالله حكيم الله عليم بالذوات التي تصلح لغرس الكرامة، فلا تسأل لماذا قدر على هذا الشقاوة، ولماذا قدر على هذا السعادة، ولماذا قدر الفقر على هذا، ولماذا قدر الغنى على هذا، ولماذا كان رزقه هكذا، هذا عامل، وهذا بنا وهذا تاجر وهذا مزارع، ربك حكيم عليم، فلا تعترض على الله بل عليك الإيمان والتسليم.
"ومثله ما كان مثله في القدر" يعني كذلك كل ما كان في القدر فلا تسأل، سلم لله؛ ولهذا قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته: فمن سأل لم فعل فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين، قال: القدر سر الله في خلقه، لا يسأل عما يفعل فمن سأل لم فعل فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.
"ومثل أحاديث الرؤية كلها وإن نأت عن الأسماع واستوحش منها المستمع وإنما عليه الإيمان بها وأن لا يرد منها حرفًا واحدًا وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقات" يعني على الإنسان أن يسلم بأحاديث الرؤية؛ والمراد بأحاديث الرؤية يعني رؤية الله؛ رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة يؤمن بها؛ عرفنا أن من لم يؤمن بالقدر كافر، كذلك من لم يؤمن برؤية الله يوم القيامة فهو كافر؛ كفره الأئمة الإمام أحمد وغيره، قالوا: ومن لم يؤمن بأن الله يرى في الآخرة فهو كافر.
والمراد الكفر على العموم هذا الحكم على العموم. أما فلان بن فلان الذي أنكر الرؤية لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة؛ الشخص المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة؛ الشخص المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة يعني بلغه الدليل ثم عاند يكفر في هذه الحالة. أما من أنكر الرؤية فيقال: إنه كافر على العموم، كل من أنكر رؤية الله فهو كافر، لكن فلان بن فلان الذي ينكر رؤية الله، لا يكفر إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع إذا قامت عليه الحجة.
أحاديث الرؤية أو نصوص الرؤية وردت في الكتاب العزيز وفي السنة المطهرة. في الكتاب العزيز: قال الله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾(1) فأسند النظر إلى الوجه الذي هو محله، وعداه بأداة "إلى" الدالة على النظر بالعين المجردة إلى الرب ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ﴾(2) وآخر المقام الكلام عن قرينة تدل على خلاف الموضوع وحقيقته، فدل على أن المراد النظر بالعين التي في الوجه إلى الرب جل جلاله ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾(1) قال سبحانه: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾(3) جاء في صحيح مسلم في حديث صهيب تفسير الزيادة بأنها النظر إلى وجهه الكريم.
وقال سبحانه: ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾(4) استدل الإمام الشافعي -رحمه الله- بهذه الآية على وجوب رؤية المؤمنين لربهم، استدل بهذا على رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، قال: لما أن حجب هؤلاء في السخط دل على أن المؤمنين يرونه في الرضا، ولو كان المؤمنون لا يرون ربهم لاستووا هم والكفار في الحجب، فلما حجب هؤلاء عن الرؤيا دل على أن المؤمنين يرونه.
وأما الأحاديث الصحيحة فهي متواترة، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتاب الروح: متواترة في الصحاح والسنن والمسانيد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ثلاثين صحابيًا كلها تثبت رؤية المؤمنين لربهم عز وجل منها: حديث جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- الذي رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم، قال: « كنا جلوسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال: " أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا »(5) يعني العصر والفجر، ثم قرأ جرير ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ﴾(6) وهذا يدل على أن المحافظة على هاتين الصلاتين الفجر والعصر لها مدخل في رؤية الله يوم القيامة.
ومن ذلك حديث أبي موسى الأشعري الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن »(10) ؛ ولهذا قال روى أبو بكر الخلال في السنة والآجري في الشريعة بسند صحيح عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال: وذكرت عنده هذه الأحاديث في الرؤية هذه عندنا حق نقلها الناس بعضهم عن بعض.
وأقوال أهل العلم في وجوب الإيمان والتصديق لرؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة أكثر من أن تحصى، كثيرة ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "مثل أحاديث الرؤية كلها، وإن نأت عن الأسماع واستوحش منها المستمع" اللي يستوحشها أهل البدع، أهل البدع: من الجهمية والمعتزلة أنكروا رؤية الله يوم القيامة مع أن الآيات صريحة والنصوص واضحة، وأولوها وقالوا: المراد بالرؤية العلم؛ يقول المعتزلة: "إنكم ترون ربكم كما ترون القمر" إنكم تعلمون ربكم كما تعلمون هذا القمر أنه قمر، لا تشكون في العلم به، تعلمون ربكم كما تعلمون أن هذا القمر قمر، كيف يفسر بهذا؟!!
العلم زائل عن جميع الناس يوم القيامة، ما فيه إشكال حتى الكفرة الذين ينكرون وجود الله يؤمنون يوم القيامة، يكون تحصيل حاصل، يكون الأحاديث ما لها بعد ميش من تأويلهم، تقول: إنكم ترون ربكم يعني تعلمون ربكم، الرؤية معناها العلم، مثل: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾(11) يعني ألم تعلم، الأحاديث صريحة: « إنكم ترون ربكم كما ترون الشمس صحوًا ليس دونها سحاب »(12) هذا علم ولا رؤية بصر؟ ومع ذلك أنكرها المعتزلة أنكروا رؤية الله وأنكروا علوه، أنكروا كونه فوق السماوات وفوق العرش، وأنكروا العلو، وأهل السنة آمنوا بالعلو؛ بعلو الله وأن الله فوق العرش، وآمنوا برؤية الله يوم القيامة.
والأشاعرة مذبذبون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، دائمًا الأشاعرة تجدهم وسط بين أيش؟ بين المعتزلة وبين أهل السنة؛ هم يريدون أن يكونوا مع أهل السنة، أرادوا أن يكونوا مع أهل السنة في الرؤية، ومع المعتزلة في إنكار العلو، فصاروا مع هؤلاء ومع هؤلاء، فأثبتوا رؤية الله يوم القيامة؛ أثبتها الأشاعرة كما أثبتها أهل السنة، لكن أنكروا رؤية الله وأنكروا علو الله، أنكروا أن يكون الله فوق العرش، أين يرى ربنا يا أشعرية؟ قالوا: يرى لا في جهة، أين يرى من فوق؟ قالوا: لا. من تحت؟ لا. أمام؟ لا. خلف؟ لا، يمين؟ لا، شمال؟ لا. أين يرى؟ يقولون: يرى لا في جهة، فأنكر عليهم أهل السنة وبدعوهم، وحتى أنكر عليهم الصبيان وضحكوا من قول الأشاعرة: إن الرؤية تكون بلا مقابلة، قالوا: ما يمكن أن تكون الرؤية إلا بمقابلة من المرئي، فالمرئي لا بد أن يكون مقابلًا للرائي مواجها له مباينًا له، أما رؤية بدون جهة، بدون مقابلة، ما يمكن؛ ولهذا سماهم بعض أهل العلم خناثى كالخنثى لا أنثى ولا ذكر ليسوا من أهل السنة، وليسوا من المعتزلة، أرادوا أن يكونوا مع المعتزلة في إنكار العلو، وأرادوا أن يكونوا مع أهل السنة في الرؤية فعجزوا عن ذلك، فلجئوا إلى حجج سوفسطائية وهي التي مموهة وهي التي تشبه الحجة وليست حجة.
فقالوا من حججهم: إن فيه عندنا دليل عندنا دليل أنه يمكن الرؤية بلا مواجهة. ما هي؟ قالوا: رؤية الإنسان وجهه في المرآة يرى بلا جهة.
نقول لهم: أولًا: الرؤية في المرآة ليست ثابتة، وثانيًا: أنه بالمواجهة، إذا واجه الإنسان في المرآة صارت أمامه رأى صورته في المرآة، وبهذا يكون أهل السنة والجماعة آمنوا بعلو الله وأنه فوق العرش وبالرؤية، والمعتزلة أنكروا الأمرين أنكروا علو الله وأنكروا الرؤية فسروها بالعلم، والأشاعرة آمنوا بالرؤية وأنكروا العلو، فصاروا مع المعتزلة في إنكار العلو، ومع أهل السنة، في إثبات الرؤية..
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "يجب الإيمان بها وإن نأت عن الأسماع واستوحش منها المستمع" من الذي يستوحش منها؟ أهل البدع. "وإنما عليه الإيمان بها، وأن لا يرد منها حرفًا واحدًا" يقول الإمام أحمد: لا ترد ولا حرفا واحدا، آمن بالنصوص من الكتاب والسنة لا ترد حرف، من رد حرفا من القرآن كفر، وكذلك السنة.
"وألا يرد منها حرفًا وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقات" يعني كل الأحاديث التي أثرت ورويت عن الثقات الأثبات يجب الإيمان بها. نعم.


(1) سورة القيامة (سورة رقم: 75)؛ آية رقم:22 - 23
(2) سورة القيامة (سورة رقم: 75)؛ آية رقم:22
(3) سورة يونس (سورة رقم: 10)؛ آية رقم:26
(4) سورة المطففين (سورة رقم: 83)؛ آية رقم:15
(5) البخاري : مواقيت الصلاة (573) , ومسلم : المساجد ومواضع الصلاة (633) , والترمذي : صفة الجنة (2551) , وأبو داود : السنة (4729) , وابن ماجه : المقدمة (177) , وأحمد (4/360).
(6) سورة طه (سورة رقم: 20)؛ آية رقم:130
(7) البخاري : تفسير القرآن (4581) , ومسلم : الزهد والرقائق (2968) , وأبو داود : السنة (4730) , وابن ماجه : المقدمة (178) , وأحمد (2/293).
(8) البخاري : التوحيد (7440) , ومسلم : الإيمان (183) , وأحمد (2/275).
(9) مسلم : الإيمان (181) , والترمذي : صفة الجنة (2552) , وابن ماجه : المقدمة (187) , وأحمد (4/332).
(10) البخاري : تفسير القرآن (4878) , ومسلم : الإيمان (180) , وأحمد (4/416) , والدارمي : الرقاق (2822).
(11) سورة الفيل (سورة رقم: 105)؛ آية رقم:1
(12) البخاري : الأذان (806) , ومسلم : الإيمان (182) , وأحمد (2/275) , والدارمي : الرقاق (2801). 


= هنا =

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق