الأربعاء، 10 يوليو 2019

27- حلية طالب العلم



المجلس السابع والعشرون
شرح حلية طالب العلم
تابع
-7 التَّحَلِّي برَوْنَقِ العِلْمِ
كيف تكتسب حسن السمت
أهم الأسباب المعينة على اكتساب حسن السمت والتحلي به ، ومنها:
أولًا: تعمير الباطن بالإخلاص لله وتنقية الباطن مما يبغضه الله تعالى
فهذا أصل التحلي بحسن السمت في الظاهر ، إذ ما يُسِرُّه العبد يظهر عليه علانية شاء أم أبى كما قيل: ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها علانية إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر. ومن هنا لا سبيل إلى التماس السمت الحسن بدون إصلاح القلب،ولعل هذا هو ما عناه بعضهم بقوله: أظهر السمت في الليل فإنه أشرف من إظهاره بالنهار؛ لأن  إظهارالسمت بالنهار للمخلوقين وإظهار السمت بالليل لرب العالمين.إن من أجمل ما يتزين به العبد ويكتسب به السمت الحسن تحقيقه لتقوى الله عز وجل ،وهي في أساسها عمل قلبي ينعكس على الجوارح ، وقد نبه الله عباده على هذا المعنى الجليل حين قال "يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ" الأعراف:26.

ثانيا:التزام العمل الصالح  وحفظ الجوارح:
وهذا من أحسن ما يتزين به المؤمنون فتراهم يقيمون فرائض الله ويتبعونها بالنوافل ، ويراقبون جوارحهم فيحفظونها من المعاصي ومخالفة أمر الله تعالى ، بل يمنعونها الفضول ، وهي الأمور الزائدة عن الحاجة. ومن أهم الجوارح التي ينبغي الاعتناء بها وحفظها اللسان ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت". وقد كان الصالحون يرون أن كثرة الكلام تذهب الوقار. وكان يحي بن أبي كثير رحمه الله يقول:خصلتان إذا رأيتهما في الرجل فاعلم أن ما وراءهما خيرٌ منهما:إذا كان حابسًا لسانه محافظًا على صلاته.

وذكر بعضهم أبياتا نسبها لابن المبارك رحمه الله  يقول فيها:
الصمت زينٌ للفتى        من منطقٍ في غير حينه
والصدق أجمل للفتى        في العقـد عند يمينه
وعلى الفتى بوقاره         سمتٌ يلوح على جبينه

كما يحفظ بصره من إطلاقه إلى ما حرم الله تعالى  ، وفي الجملة يتنزه عن ارتكاب المحظورات بجوارحه ويعلم أنها ستشهد عليه وستنطق بما فعلت بين يدي الله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية.كما لا يكثر من الالتفات والعبث بثوبه أو لحيته عند مجالسة القوم.

ثالثا: تعمير الظاهر باتباع السنة:
فخير الهدي هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومن الاقتداء به اتباع سنته في الهدي الظاهر بإعفاء اللحية وحف الشارب ولبس الثياب البيض ، والعناية بنظافتها من غير تكلف ولا كبر ولا خيلاء ، استمع في هذا المقام إلى وصية العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله إذ يقول في حلية طالب العلم" لا تسترسل في التنعم والرفاهية، فإن "البذاذة من الإيمان"، وخذ بوصية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتابه المشهور، وفيه:
"وإياكم والتنعم وزي العجم، وتمعددوا، واخشوشنوا ".وعليه،
وعليه فازْوَرَّ عن زَيْفِ الحضارةِ فإنه يُؤَنِّثُ الطِّباعَ ويُرْخِي الأعصابَ ويُقَيِّدُك بِخَيْطِ الأَوْهَامِ ويَصِلُ المُجِدُّونَ لغاياتِهم وأنتَ لم تَبْرَحْ مكَانكَ مَشْغُولٌ بالتأَنُّقِ في مَلْبَسِكَ .
فإياك ثم إياك والتشبه بالكافرين في زيهم وشاراتهم فإن هذا ليس من سمت الصالحين ولا من هدي المسلمين وفي الحديث " ومن تشبه بقوم فهو منهم".

رابعا:صحبة ذوي السمت الحسن
من العلماء والصالحين فإن مصاحبتهم والخلطة بهم تؤدي إلى الاستفادة منهم في هديهم وسمتهم وأخلاقهم ، وقد كان الصحابة يجالسون النبي صلى الله عليه وسلم ويستفيدون من لحظه ولفظه ويتشبهون به في هديه وسمته ، كما كان من بعدهم يسأل عن أشبه الناس هديا وسمتا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليأخذوا عنه كما ورد في ذلك أن عبد الرحمن بن زيد – رحمه الله – قال : "سألتُ حذيفةَ عن رجل قريب السَّمْتِ والهَدي والدَّلِّ من رسولِ الله –صلى الله عليه وسلم- حتى نأخذَ عنه ؟ فقال : ما نعلم أحدًا أقربَ سَمْتا وهَدْيا ودَلاّ بالنبيِّ –صلى الله عليه وسلم- من ابنِ أمِّ عبد ، حتى يتوارى بجدار بيته ، ولقد عَلِمَ المحفُوظُون من أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم : أن ابن أم عبد أقربُهم إلى الله وسيلة".ولعل علقمة رحمه الله تعالى قد حرص على صحبة ابن مسعود رحمه الله تعالى لأجل هذا المعنى، فقد أورد الذهبي في السير أنه لازم ابن مسعود حتى رأس في العلم والعمل، وتفقه به العلماء، وبَعُد صيتُه.وكان يشبه بابن مسعود في هديه ودله وسمته.

نسأل الله الكريم بمنه أن يرزقنا حسن السمت وأن يزيننا بزينة الإيمان ، وأن يجعل سرنا خيرًا من علانيتنا وأن يسترنا بستره الجميل الطيب في الدنيا والآخرة ، والحمد لله رب العالمين

هنا

 

إن عظيم الهمة لا يقنع بملء وقتِه بالطاعات إنما يفكر أن لا تموت حسناته بموته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق