الجمعة، 19 يوليو 2019

22-- شرح أصول السنة للإمام أحمد

الخروج على الأئمة

ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية، ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق.

نعم يقول المؤلف -رحمه الله- هذا في حكم الخروج على ولاة الأمور قال: ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كانوا اجتمعوا عليه، وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة، فقد شق هذا الغالب عصا المسلمين، وخالف الآثار عن الرسول، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية.
من خرج على إمام من أئمة المسلمين بعد أن اجتمعت الأمة عليه، كانوا اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان، يعني بواحدة من الأمور الثلاثة، ما هي؟ إما باختيار أهل الحل والعقد، أو بولاية العهد، أو بالقوة والغلبة، ولهذا قال بأي وجه كان، بالرضا أو بالغضب، بالرضا هذا بالاختيار والانتخاب، أو بولاية العهد، أو بالغلبة غلبهم بسيفه وسلطانه حتى ثبتت له الخلافة لا يجوز الخروج عليه، ومن خرج عليه ما حكمه قال: فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله، خالف الأحاديث يكون مبتدعا، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية.
والدليل على هذا الأحاديث الصحيحة، من ذلك ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية »(1) وهذا وعيد شديد يدل على أنه مرتكب للكبيرة، مات ميتة جاهلية، ظاهر الحديث الكفر اللي يموت على الجاهلية كافر هذا الأصل لكن ليس المراد الكفر، المراد هنا الوعيد الشديد، وأنه مرتكب الكبيرة.
إذا الخروج على ولاة الأمور ما حكمه؟ من كبائر الذنوب، انظر الحديث: « من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر »(1) اصبر، الصبر يحتاج إلى تحمل، ولو رأيت معاصي لا تخرج « من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية »(1) وإذا مات فهو على هذه الحال، وكذلك إذا قاتل ولي الأمر ومات فهو على هذه الحال.
ومن الأحاديث ما رواه الإمام أحمد والنسائي من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبية، أو يدعوا إلى عصبة أو ينصر العصبة، فقتل فقتلة الجاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه »(2) ومن ذلك حديث أبي ذر الذي رواه الإمام مسلم، قال: « إن خليلي أوصاني -يعني رسول الله- أن أسمع وأطيع، وإن كان عبدا مجدع الأطراف »(3) وفي لفظ: « ولو لحبشيٍ كأن رأسه زبيبة »(4) ولو كان الإمام عبدا مجدعا مقطوع الأنف والأذن، يجب السمع له والطاعة، والخروج عليه حكمه أيش؟ من كبائر الذنوب وهو من شعار أهل البدع الذين يخرجون على ولاة الأمور مبتدعة.
عقيدة الخوارج الخروج على ولي الأمر، الخوارج يرون أن الإنسان إذا فعل كبيرة فهو كافر، زنى أو سرق أو شرب الخمر أو تعامل بالربا أو اغتاب أو عق والديه كفر، فالخوارج يرون الخروج على ولاة الأمور إذا فعل كبيرة؛ لأنه إذا فعل كبيرة يقولون يجب قتله وخلعه وإخراجه من الإمامة لكفره.
وكذلك المعتزلة يرون الخروج على ولاة الأمور إذا فعل أيش ولي الأمر؟ إذا فعل كبيرة، لأن عندهم أصل من أصولهم، قلت لكم أصول المعتزلة ما هي؟ خمسة: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكل أصل ستروا تحته معنى فاسدا باطلا، هذه أصول الدين عند المعتزلة.
وأصول الدين عند أهل السنة، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، بدلها المعتزلة: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد، والأمر بالمعروف.
التوحيد ستروا تحته نفي الصفات والقول بخلق القرآن وأن الله لا يرى في الآخرة. والعدل ستروا تحته التكذيب بالقدر، وأن الله لا يقدر أن يهدي ظالما ولا يظلم مهتديا. والمنزلة بين المنزلتين ستروا تحته أن مرتكب الكبيرة خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، صار في منزلة بين الإيمان والكفر. وإنفاذ الوعيد ستروا تحته القول بخلود العصاة في النار. والأمر بالمعروف إلزام الناس بآرائهم الفاسدة، كما ألزموا الناس في زمن المأمون بالقول بخلق القرآن. والنهي عن المنكر ستروا تحته الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي، يسمونه نهيا عن المنكر، فإذا الخروج على ولاة الأمور هذا من فعل أهل البدع، الخوارج والمعتزلة.
وكذلك الروافض يرون الخروج على ولاة الأمور، الرافضة؛ لأن الرافضة لا تصح الإمامة، ولا يكون إماما إلا إذا كان معصوما، لا تصح الإمامة إلا للإمام المعصوم، وعلى هذا كل الأئمة إمامتهم باطلة عندهم يجوز الخروج عليهم.
من هو الإمام المعصوم؟ قالوا: اثنا عشر، نص عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- الإمام المعصوم الأول علي بن أبي طالب، ثم الإمام الثاني المعصوم، الحسن بن علي، ثم الحسين بن علي، ثم علي بن الحسين زين العابدين، ثم محمد بن علي الباقر، ثم موسى بن جعفر الكاظم، ثم علي بن موسى الرضا، ثم محمد بن علي الجواد، ثم علي بن محمد الهادي، ثم الحسن بن علي العسكري، ثم محمد بن الحسن الذي دخل سرداب سامراء وهو المهدي المنتظر، هؤلاء الأئمة الاثنا عشرية، أئمة منصوصون معصومون، هذا الإمام المعصوم، وما عدا الأئمة فولايتهم باطلة.
فإذا الخروج على ولاة الأمور من عقيدة أهل البدع ولَّا من عقيدة أهل السنة؟ من عقيدة أهل البدع، من عقيدة الخوارج، وعقيدة المعتزلة، وعقيدة الروافض، الرافضة، هؤلاء يرون الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي.
وأما أهل السنة والجماعة فلا يرون الخروج على ولاة الأمور إلا بخمسة شروط، إذا وجدت خمسة شروط جاز الخروج على ولي الأمر احفظوها:
الشرط الأول: أن يفعل ولي الأمر كفرا لا معصية.
الأمر الثاني: أن يكون هذا الكفر صريحا واضحا لا لبس فيه، ما فيه إشكال، إن كان فيه إشكال وشبهة فلا.
الشرط الثالث: أن يكون دليل هذا الكفر واضحا من الكتاب والسنة.
الشرط الرابع: وجود البديل المسلم الذي يحل محله؛ لأنه إذا كان يزال كافر ويؤتى بدله كافر مثل الحكومات العسكرية، والجمهوريات، انقلاب عسكري وحكومة بدل حكومة كافرة ما ينفع.
الشرط الخامس: وجود القدرة والاستطاعة، لقوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾(5) إذا وجدت خمسة شروط جاز الخروج وإلا فلا:
أن يفعل ولي الأمر كفرا لا معاصي.
الثاني: أن يكون الكفر دليله واضحا لا لبس فيه ولا شبهة فيه.
الشرط الثالث: أن يكون دليله واضحا من الكتاب والسنة، والدليل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: « إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان »(6) كفرا هذا الشرط الأول، بواحا هذا الشرط الثاني، عندكم من الله برهان هذا الشرط الثالث.
الشرط الرابع: وجود البديل المسلم الذي يحل محله.
الشرط الخامس: القدرة والاستطاعة.
قال شخص في بلد تحكمه دولة كافرة أنا ما أستطيع، نقول ما كلفك الله، الحمد لله، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، لست ملزما بالخروج، تعاون معهم في الخير، وخفف من الشر ما استطعت ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، قال الإمام رحمه الله: ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين، وقد كانوا اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان، بالرضا أو الغلبة يعني بأي وجه ثبت له الخلافة، بالرضا، كأن يكون ثبت له الخلافة بالاختيار والانتخاب أو بالغلبة إذا غلبهم بقوته وسيفه وسلطانه، ومن خرج عليه بعد أن تمت له البيعة واستتب له فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار النصوص، والأحاديث كما سمعتم في صحيح مسلم: « من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية »(1) وخالف الآثار، يعني الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى وسلم- فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية.
قال المؤلف رحمه الله: ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق، لا يحل قتال السلطان، يعني إمام المسلمين، لا يحل لإنسان أن يقاتله ولا الخروج عليه لأحد من الناس، ولو فعل كبيرة؟ ولو، لو فعل ولي الأمر صار مبتدعا فعل بدعة أو فعل كبيرة، شرب الخمر أو قتل بعض الناس بغير حق، أو سجن بعض الناس بغير حق أو ما أشبه ذلك، يجوز الخروج ولّا ما يجوز؟ ما يجوز.
متى يجوز الخروج؟ إذا وجدت خمسة شروط التي سمعتم، خمسة شروط إذا تحققت جاز الخروج وليس بواجب، أو قد يقال: إنه إذا وجدت الشروط وتحققت، ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن قاتله وخرج عليه، قال فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق لأيش؟ لماذا كان مبتدعا، لأنه وافق الخوارج والمعتزلة والروافض وهؤلاء أهل بدع.
من خرج على السلطان بالمعاصي والجور والظلم فهو مبتدع لموافقته لأهل البدع، وهم الخوارج والمعتزلة والروافض، هؤلاء الطوائف الثلاث يرون الخروج على ولي الأمر فهم مبتدعة، وأهل السنة لا يوافقون المبتدعة.
ما الحكمة في عدم الخروج على ولي الأمر إذا فعل المعاصي والكبائر، لماذا لا يخرج عليه؟ الحكمة أن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها وبدرء المفاسد وتقليلها وذلك أن الخروج من قواعد الشريعة أنه إذا اجتمع مفسدتان كبرى وصغرى لا يستطاع تركهما لا بد من فعل واحدة من المفسدتين نرتكب المفسدة الصغرى لفوات الكبرى.
وإذا وجد مصلحتان، كبرى وصغرى، لا نستطيع فعلهما فإننا نفوت المصلحة الصغرى ونفعل المصلحة الكبرى، هذه قاعدة من قواعد الشرع، قواعد هذه من قواعد الشرع، دل عليها نصوص كثيرة، من أدلة هذه القواعد أو هذه القاعدة قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح لعائشة: « لولا قومك حديثو عهد بكفر لنقضت الكعبة وأدخلت الحجر، وجعلت لها بابين »(7) يعني لولا خوف الكفر، يعني لولا أن قريشا أسلموا حديثا ولا تتحمل قلوبهم ذلك، ويخشى عليهم من الردة لفعلت ذلك؛ لأن الكعبة الآن الكعبة بنيت على بناء الجاهلية.
أهل الجاهلية لما تصدعت الكعبة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة بخمس سنين هدموا الكعبة وبنوها، وقالوا أهل الجاهلية على كفرهم، لا نريد أن نبني الكعبة إلا بدراهم حلال ليس فيها حرام، كل شيء يكون في الكعبة بالدرهم يكون حلالا، الطين والخشب وغيرها، فجمعوا مالا حلالا فلم يجدوا مالا من الحلال يكفي لبناء الكعبة كل الأرض طبقها الحرام، كلها زنى وسرقة وربا، أرادوا أن يجمعوا مالا حلالا ما كفى ما يكفي لبناء الكعبة، فقالوا نبني بعضها ونخرج بعضها، فبنوا بعضها وأخرجوا الحجر ستة أذرع أو سبعة أذرع ما أدخلوها في الكعبة لماذا؟ ما وجدوا مالا حلالا يبنونها.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لما فتحت مكة في السنة الثامنة من الهجرة أسلمت قريش حديثا ما تمكن الإيمان من قلوبهم، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يريد أن يدخل الحجر، قريش أخرجت الحجر، وجعلت بابا واحدا، بابا شرقيا، وكان مرفوعا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لولا أن قلوب الناس تنكر هذا ويخشى عليهم من الردة لأدخلت الحجر، ولجعلت لها بابين شرقيا وغربيا، بابا يدخل منه الناس، وبابا يخرج منه الناس، وخفضت الباب الأعلى.
وقال النبي لعائشة: أترين لماذا فعل قومك، رفعوا الباب، قال إذا صعد أحد وهم لا يريدون دخوله تركوه أخذوا السلم وتركوه يسقط، فلولا قوم حديثو عهد لنزلت الباب فيكون في الأرض بناصية الأرض وجعلت بابا أرضيا لكي يدخل منه الناس ويخرج منه الناس، هذا فيه مفسدتان ما هما؟ عندنا الآن مفسدة بقاء الكعبة، بعضها خارج، ومفسدة الكفر، أيهما أعظم؟ مفسدة الكفر، ولهذا ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- الكعبة، واضح هذا.
ولهذا لما تمكن الإيمان من قلوب الناس في زمن عبد الله بن الزبير لما تولى الخلافة طبق الحديث، ماذا فعل؟ أدخل الحجر، ونزَّل الباب الشرقي وفتح بابا غربيا وصار عبد الله بن الزبير يستلم الأركان الأربعة كلها، لماذا استلم الركن اليماني والحجر الأسود؟ لأنهما على قواعد إبراهيم، أما الركن الشامي والعراقي ليسا على قواعد إبراهيم، فلما أدخلت الحجر صارت الأركان كلها على قواعد إبراهيم، فصار يستلم الأركان الأربعة كلها.
لكن نازع عبد الله بن الزبير عبد الملك بن مروان، وإلا ابن الزبير استتب له الأمر أخذ الحجاز وأخذ الشام كذلك، ولم يبق..، وكاد مروان بن الحكم أن يبايعه لم يبق لهم إلا بلدة واحدة في الشام، ثم تولى عبد الملك وجعل يأخذ الشام بلدة بلدة حتى توسع ثم أخذ العراق، ثم ولى الحجاج، وجعل يقاتل، جعل المهمة قتال ابن الزبير إلى الحجاج، وصار الحجاج يبعث الجيوش إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير، وفي النهاية غلبه الحجاج، فقتل عبدَ الله بن الزبير وصلبه على خشبة، وهدم الكعبة بالمنجنيق، وأخرج الحجر ورفع الباب وسد الباب الغربي، وأعادها على ما كانت عليه في الجاهلية كما هي الآن.
وأبو جعفر المنصور استشار الإمام مالك -رحمه الله- هل يعيد الكعبة، يدخل الكعبة، يدخل الحجر كما فعل عبد الله بن الزبير أو يتركها على حالها فأشار إليه الإمام مالك بتركها على حالها فقال: لماذا؟ قال أخشى أن تكون الكعبة ملعبة للملوك، فبقيت على ما كانت عليه.
فكان رأي الإمام مالك موفقا يعني سدا للعبث حتى لا يعبث فيها الملوك، وكل واحد يبني، كل واحد يأتي كل ملك يأتي كل خليفة يريد أن يبني ويهدم، فتكون الكعبة ملعبة للملوك فسد الباب، قال رأيت سد الباب، فتركت على حالها، فهذه مثال المفسدة.
من ذلك الخروج على ولاة الأمور الآن، المعصية التي يفعلها ولي الأمر مفسدة أليس كذلك؟، كونه يظلم بعض الناس، أو يشتم بعض الناس، أو يقتل بعض الناس، أو كونه يفعل بعض المعاصي هذه مفسدة لكن الخروج عليه يترتب عليه مفسدة أكبر، ما الذي يترتب عليه؟ اختلال الأمن وانشقاق عصا الطاعة، وانقسام الناس، قسم مع ولي الأمر وقسم مع غيره، وإراقة الدماء، واختلال الأمن واختلال أحوال الناس المعيشية الزراعة والتجارة، والتعليم والصناعة، كلها تختل، وتربص الأعداء بهم الدوائر، تدخل الدول الأجنبية وغيرها، أي أعظم هذه المفاسد ولا مفسدة المعصية.
كونه عاصيا أو فعل بعض المعاصي، أو قتل بعض الناس، أي المفسدة ترتكب؟ المفسدة الصغرى، تصبر على جوره وظلمه هذا أسهل من الخروج عليه، لأن الخروج فيه إراقة الدماء وفتن ومصائب واختلال الأمن وفتن تقضي على الأخضر واليابس؛ فلهذا جاء الإسلام بالمنع من الخروج على ولاة الأمور، لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة، أما كون ولي الأمر جائرا، كونه فيه ظلم، كونه فيه بعض المعاصي، هذه معصية، مفسدة صحيح، لكن أقل المفاسد ترتكب.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: « من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر »(8) يصبر يتحمل، فكأنك على الجمر، اصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات ميتته جاهلية، والنصيحة مبذولة من قبل أهل الحل والعقد، ومن قبل العلماء وغيرهم يبلغون، فإن قَبِل والحمد لله، وإن لم يقبل فقد أدوا ما عليهم، ولا وليس له بدلا لكن ليس عليهم شيء.
أما الخروج فلا، يترتب على هذا المفاسد العظيمة التي سمعتم، هذا معنى قول المؤلف رحمه الله: ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كانوا اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وسيلة كانت بالرضا أو بالغلبة فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية.
ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق، لماذا؟ لأنه وافق أهل البدع وهم الخوارج والمعتزلة والروافض، نعم.


(1) البخاري : الفتن (7054) , ومسلم : الإمارة (1849) , وأحمد (1/297) , والدارمي : السير (2519).
(2) مسلم : الإمارة (1848) , والنسائي : تحريم الدم (4114) , وابن ماجه : الفتن (3948) , وأحمد (2/306).
(3) مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (648) , وأحمد (5/171).
(4) البخاري : الأذان (696) , وابن ماجه : الجهاد (2860) , وأحمد (3/114).
(5) سورة التغابن (سورة رقم: 64)؛ آية رقم:16
(6) البخاري : الفتن (7056).
(7) البخاري : العلم (126) , ومسلم : الحج (1333) , والترمذي : الحج (875) , والنسائي : مناسك الحج (2903) , وابن ماجه : المناسك (2955) , وأحمد (6/253) , ومالك : الحج (813) , والدارمي : المناسك (1868).
(8) البخاري : الفتن (7054) , ومسلم : الإمارة (1849) , وأحمد (1/297) , والدارمي : السير (2519).

= هنا =

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق