الخميس، 18 يوليو 2019

03- شرح أصول السنة للإمام أحمد

معنى السنة وعلاقتها بالقرآن

والسنة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسنة تفسر القرآن وهي دلائل القرآن وليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء إنما هو الاتباع وترك الهوى.

نعم. يقول المؤلف -رحمه الله- وهو الإمام أحمد: السنة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم. آثار رسول الله، والآثار: هي أقواله وأفعاله وتقريراته، ما أثر عنه عليه الصلاة والسلام من قول أو فعل أو تقرير، هذه هي السنة، والسنة -يقول- عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والسنة تفسر القرآن وهي دلائل القرآن، السنة تفسر القرآن وتوضحه، فإذا كان الدليل من القرآن مجمل فالسنة تفصل هذا المجمل، وإذا كان مبهم فالسنة توضحه، وإذا كان عام فالسنة تخصصه؛ فالسنة لها مع القرآن ثلاثة أحوال: السنة لها مع القرآن ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: أن تأتي السنة بأحكام تماثل الأحكام التي جاءت في القرآن. فهذا من باب تناصر الأدلة وتضافرها.
فمثلًا: أوجب الله في القرآن الصلاة جاء في القرآن وجوب الصلاة، وجاء في السنة وجوب الصلاة، جاء في القرآن وجوب الزكاة، وجاء في السنة وجوب الزكاة، جاء في القرآن وجوب الصيام؛ صيام رمضان، وجاء في السنة وجوب صيام رمضان، جاء في القرآن وجوب الحج، وجاء في السنة وجوب الحج، جاء في الكتاب بر الوالدين، وجاء في السنة بر الوالدين، جاء في الكتاب صلة الأرحام، وجاء في السنة صلة الأرحام، هذا من باب تضافر الأدلة وتناصرها، فأتت السنة بأحكام مثل الأحكام التي أتت في القرآن.
الحالة الثانية: أن يأتي القرآن بأحكام مجملة، أو أحكام مطلقة، أو أحكام عامة فتأتي السنة بأحكام تبين المجمل، وبأحكام تقيد المطلق، وبأحكام تخصص العام، فتكون السنة مخصصة للعمومات التي جاءت في القرآن؛ تخصص العمومات التي جاءت في القرآن: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ﴾(1) ﴿ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ ﴾(1) هذا عام، والمراد بهم الكفار، الذين قال لهم الناس المؤمنون، قال لهم الناس الكفار، أو يأتي الحكم في القرآن مجمل فتأتي السنة وتبينه، أو يأتي الحكم في القرآن مطلق، فتأتي السنة فتقيده.
النوع الثالث: أن تأتي السنة بأحكام جديدة ليست في القرآن فيجب العمل بها، يعني يأتي في السنة أحكام جديدة ليست في القرآن مثل: تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، وتحريم الجمع بين المرأة وخالتها، هذا حكم ليس في القرآن، لا يجوز للرجل أن يتزوج المرأة وعمتها أو المرأة وخالتها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم »(2) جاء في السنة تحريم كل ذي ناب من السباع، وتحريم كل ذي مخلب من الطير، هذا ليس في القرآن فيجب العمل به. جاء في السنة العقل الديات « ولا يقتل مسلم بكافر »(3) وهكذا؛ ولهذا قال الإمام -رحمه الله- والسنة تفسر القرآن وهي دلائل القرآن؛ يعني تدل عليه.
"وليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء إنما هو الاتباع وترك الهوى" ليس في السنة قياس تقيس شيء على شيء. أما القياس الشرعي القياس الذي مستند إلى النصوص فهذا ليس من الأقيسة العقلية، المراد هنا ما يسمى بالقياس العقلي، أما القياس الشرعي كأن تقيس مثلا: جاء الشرع بتحريم الربا مثلًا في البر، فيأتي الفقيه ويقيس عليه الرز، فيقول الأرز كالبر في جوانب الربا في كل منهما بجامع الطعم، أو بجامع الادخار أو بجامع الكيل والوزن، هذا قياس شرعي، لكن "ليس في السنة قياس" يعني قياس عقلي، السنة ليس فيها قياس، لا يقاس فيها بالعقول.
"ولا تضرب لها الأمثال -ليس في السنة- ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء إنما هو الاتباع وترك الهوى".
جاء عن الأوزاعي -رحمه الله- أنه قال: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك بالقول" هذا رواه الآجري في الشريعة بإسناد صحيح كما قال المحقق..
وقال أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري، إمام أهل السنة والجماعة في عصره قال: واعلم رحمك الله أنه ليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تتبع فيها الأهواء، بل هو التصديق بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا كيف ولا شرح، ولا يقال: لم ولا كيف" وسيأتي كلام الإمام أحمد في تفسير: ولا يقال: لم؛ لا يقال: لم يعني في الأفعال؛ لم فعل الله كذا؟ ولا يقال: كيف في الصفات؟ لا يقال: كيفية الصفات كذا، ولا يقال: كيفية صفات الله كذا كيفية الاستواء كذا. لا. لا يقال: كيف. لا يسأل عن الصفات بكيف، ولا يسأل عن الأفعال بلم، لا يقال: لم ولا كيف؛ فالكلام والخصومات والجدال والمراء في الدين محدث؛ لأنه يقدح الشك في القلب؛ لأنه يقدح في القلب؛ فلهذا ينبغي ترك الخصومات والجدال؛ فالسنة ليس فيها قياس عقلي، وليس فيها جدال، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول والأهواء، إنما هو الاتباع -اتباع الدليل الكتاب والسنة- وترك الهوى -ما يهواه الإنسان ويميل إليه وما يوافق عقله وهواه ومما يبتدع في دين الله. نعم.


(1) سورة آل عمران (سورة رقم: 3)؛ آية رقم:173
(2) البخاري : النكاح (5109) , ومسلم : النكاح (1408) , والترمذي : النكاح (1126) , والنسائي : النكاح (3291) , وأبو داود : النكاح (2066) , وابن ماجه : النكاح (1929) , وأحمد (2/452) , ومالك : النكاح (1129) , والدارمي : النكاح (2179).
(3) البخاري : العلم (111) , والنسائي : القسامة (4744) , وابن ماجه : الديات (2658) , وأحمد (1/79) , والدارمي : الديات (2356).


= هنا =

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق