الخميس، 22 نوفمبر 2018

14-حلية طالب العلم

المجلس الرابع عشر
شرح حلية طالب العلم

 -4دوامُ الْمُراقَبَةِ
التحَلِّي بدوامِ المراقَبَةِ للهِ تعالى في السرِّ والعَلَنِ سائرًا إلى ربِّك بينَ الخوفِ والرجاءِ فإنهما للمسلِمِ كالْجَناحَيْنِ للطائرِ
فأَقْبِلْ على اللهِ بكُلِّيَّتِكَ ولْيَمْتَلِئْ قلْبُك بِمَحبَّتِه ولسانُك بذِكْرِه والاستبشارِ والفرْحِ والسرورِ بأحكامِه وحُكْمِه سبحانَه
الشيخ:
نعم . فمن المهم دوام المراقبة لله وهذا من ثمرات الخشية أن الإنسان يكون مع الله دائما يعبد الله كأنه يراه يقوم للصلاة فيتوضأ وكأنه ينفذ قول الله تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ"يقوم يتوضأ وكأنه ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يتوضأ ويقول من توضأ نحو وضوئي هذا كمال المراقبة وهذا أمر مهم وقوله" يكون سائرًا بين الخوف والرجاء فإنهما للمسلم كالجناحين للطائر". هذا أحد الأقوال في هذه المسألة وهي هل الأولى للإنسان أن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء أو يغلب جانب الخوف أو يغلب جانب الرجاء ؟
-
الإمام أحمد رحمه الله يقول : ينبغي أن يكون خوفه ورجائه واحدًا فأيهما غلب هلك صاحبه.
-
ومن العلماء من يفصل ويقول : إذا هممت بطاعة فغلب جانب الرجاء إنك إذا فعلتها قبل الله منك ورفعك بها درجات من أجل أن تقوى وإذا هممت بمعصية فغلب جانب الخوف حتى لا تقع فيها فعلى هذا يكون التغليب لأحدهما بحسب حال الإنسان
-
ومنهم من قال إنه بحسب الحال على وجه آخر فقال : أما في المرض فيغلب جانب الرجاء لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه "ولأنه إذا غلَّب في حال المرض جانب الخوف فربما يدفعه ذلك إلى القنوط من رحمة الله في حال الصحة يغلب جانب الخوف لأن الصحة مدعاة للفساد كما قال الشاعر الحكيم:
إن الشباب والفراغ والجدة = مفسدة للمرء أي مفسدة
يعني مفسدة عظيمة والذي أرى أن الإنسان يجب أن يعامل حاله بما تقتضيه الحال وأن أقرب الأقوال في ذلك أنه إذا عمل خيرا فليغلب جانب الرجاء وإذا هم بسيء فليغلب جانب الخوف هذا أحسن ما أراه في هذه المسألة الخطيرة العظيمة (طيب) إذا قال قائل تغليب جانب الرجاء هل يجب أن يكون مبنيًا على سبب صالح للرجاء أو يكون رجاء المفلسين ؟ الأول يعني إنسان مثلا يعصي الله دائما وأبدًا ويقول رحمه الله واسعة هذا غلط لأن إحسان الظن بالله ورجاء الله لا بد أن يكون هناك سبب ينبني عليه الرجاء وإحسان الظن وإلا كان مجرد أمنية والتمني كما يقول عامة أهل نجد يعني العوام من أهل نجد يقولون : التمني رأس مال المفاليس، تعرفون المفاليس ؟ من هم؟ الذين ليس عندهم شيء (...) وعندي أموال وأشياء عظيمة (...) هكذا حكيت لنا والله أعلم هل تصح أم لا، لكن يعني حال الأولين وبلاهتهم يعني يمكن أن تكون هكذا والله أعلم . نعم .
الرقيب:
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب و السنة وما تتضمنه من معاني جليلة وأسرار بديعة لمن أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد وتقوية يقينه، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة –رحمه الله-"ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه".درء تعارض العقل و النقل:3/331.
فعلى قدر معرفة العبد لربه أيها الأحبة يكون تعظيم الباري جل جلاه في قلبه،يقول الشيخ السعدي-رحمه الله- "وبحسب معرفته- أي العبد-بربه يكون إيمانه،فكلما ازداد معرفة بربه ازداد إيمانه،وكلما نقص نقص،وأقرب طريق يوصله إلى ذلك:تدبر صفاته و أسمائه من القرآن".تفسير السعدي:1/24.
فأسماء الباري سبحانه الحسنى الثابتة بالكتاب و السنة الصحيحة ينبغي للعبد المؤمن دائما أن يستحضرها ويتدبر معانيها، ومن هذه الأسماء الكريمة،اسم يدل على عظمة الله جل جلاله وإطلاعه على كل شيء،وأنه لا تخفى عليه خافية مهما كان حجمها ، يعلم مكان عبده ويسمع كلامه ألا وهو اسم"الرقيب"،قال سبحانه" إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا"  النساء:1.
قال الشيخ السعدي–رحمه الله-" أي:مطلع على العباد، في حال حركاتهم وسكونهم،وسرهم وعلنهم،وجميع الأحوال ، مراقبا لهم فيها،مما يوجب مراقبته،وشدة الحياء منه،بلزوم تقواه ".تفسير السعدي:ص163.
أما معنى هذا الاسم الجليل،فيقول الزجاجي-رحمه الله "الرقيب" هو: الحافظ الذي لا يغيب عما يحفظه". تفسير أسماء الله الحسنى:ص51.
ويقول الإمام ابن القيم في نونيته :البيت :3248:
هو الرقيبُ على الخَواطِر و اللَّوا حظ كَيفَ بالأفعالِ بالأركَانِ
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- "كيف بالأفعال بالأركان: أي أنه إذا كان الله – عز وجل-رقيبًا على دقائق الخفيات ، مطلعًا على السرائر و النيات كان من باب أولى شهيدًا على الظواهر و الجليات،وهي الأفعال التي تفعل بالأركان أي الجوارح".شرح القصيدة النونية للسعدي :ص89.
وقال الشيخ الفوزان-حفظه الله-"الرقيب:الذي يراقب عباده ويراهم ويسمعهم ولا يخفون عليه،بل لا تخفى عليه ضمائرهم ونياتهم،لا يخفى عليه شيء من أمورهم".التعليق المختصر على القصيدة النونية:2/781.
إن الإيمان بهذا الاسم الجليل وتدبر معانيه أيها الأفاضل ينبت في قلب العبد المؤمن ثمارا مستطابة نافعة له،يقول العز بن عبد السلام -رحمه الله- :" معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العليا هي أفضل الأعمال شرفًا و ثمرًا ". شجرة المعارف و الأحوال للعز بن عبد السلام : ص18.
إن الثمار الزكية المقتطفة من تحقيق الإيمان بهذا الاسم الكريم منها ما ينالها العبد في الدار العاجلة ومنها ما يُدخر له ليناله في الدار الآجلة بإذنه سبحانه،ومن هذه الثمار الطيبة :
1- إثبات صفة المراقبة لله عز وجل إثباتا يليق به سبحانه لا يشبهه في ذلك أحد من خلقه ولا يدانيه كما في قوله سبحانه"" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "الشورى:11.
، فالمراقبة هي من صفات الله الذاتية وهي صفة مدح و كمال،و المخلوق لا يدرك حقيقتها لا تفكيرا و لا تصويرا.
قال الشيخ السعدي-رحمه الله-"الرقيب والشهيد من أسمائه الحسنى هما مترادفان،وكلاهما يدل على إحاطة سمع الله بالمسموعات،وبصره بالمبصرات،وعلمه بجميع المعلومات الجلية والخفية وهو الرقيب على ما دار في الخواطر ، وما تحركت به اللواحظ،ومن باب أولى الأفعال الظاهرة بالأركان". الحق الواضح المبين :ص58.
2-التعبد لله سبحانه ودعائه بمقتضى اسمه الرقيب.يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-"إن مسألة الله بأسمائه وصفاته وكلماته جائز مشروع كما جاءت به الأحاديث......".تلخيص كتاب الاستغاثة:1/181.
3-استشعار مراقبة الله في الليل والنهار والخلوة و الجلوة وفي كل وقت وحين،يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- " فمن راقب الله في سره:حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته، والمراقبة هي التعبد باسمه الرقيب الحفيظ العليم السميع البصير فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها:حصلت له المراقبة".مدارج السالكين : 2/ 66.
إن العبد إذا استشعر مراقبة الباري سبحانه له اتقاه وابتعد عن معصيته خاصة في الخلوات، فيتذكر عند قدرته على المعصية في السر وغياب أعين البشر عنه!أن هناك من يراه،ويعلم سره وجهره،لا يخفى عليه شيء مهما كان حجمه،فيستحي منه ويتقيه،ألا وهو رب العزة جل جلاله.
ولقد أحسن من قال :
إذا ما خلوتَ الدَّهر يوما فلا تقل خلوتُ ولكن قُل عليَّ رقيبُ
وعلى العبد أن يعلم ويتيقن أنه سبحانه لحلمه الكامل لم يُعاجله بالعقوبة مع قدرته على ذلك،وأن في إمهاله له فرصة للرجوع والتوبة.
قال الشيخ السعدي-رحمه الله-"وسبحان الحليم،الذي لا يعاجل العاصين بالعقوبة،بل يعافيهم ويرزقهم،كأنهم ما عصوه مع قدرته عليهم".تفسير السعدي:ص: 790.
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا وإياكم لتحقيق ثمرات الإيمان بكل أسمائه تعالى الجليلة و صفاته الكريمة،فهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.هنا =
فادع الله باسمه الرقيب دعاء مسألة وطلب ، وقل :
يا رقيب.. اجعلنا نخشاك كأننا نراك، ولا تجعل مراقبتنا لأحد سواك..يا رقيب.. أنت الرقيب لحركات الأكوان، العليم بِخطوات قلوب الإنس والجان، أنت الرقيب على أعمالنا فأحسنها، وأنت الرقيب على نياتنا فأخلصنا،وأنت الرقيب على جوارحنا فمن ذنوبنا خلِّصنا. = هنا=


13- حلية طالب العلم



المجلس الثالث عشر
شرح حلية طالب العلم

تابع- -3 مُلازَمَةُ خَشيةِ اللهِ تعالى

القارئ:
مُلازَمَةُ خَشيةِ اللهِ تعالى
التَّحَلِّي بعِمارةِ الظاهِرِ والباطِنِ بخشْيَةِ اللهِ تعالى: مُحافِظًا على شعائرِ الإسلامِ وإظهارِ السُّنَّةِ ونَشرِها بالعَمَلِ بها والدعوةِ إليها دَالًّا على اللهِ بعِلْمِكَ وسَمْتِكَ وعَمَلِكَ مُتَحَلِّيًا بالرجولةِ والمساهَلَةِ والسمْتِ الصالحِ .ومِلاكُ ذلك خَشيةُ اللهِ تعالى ، ولهذا قالَ الإمامُ أحمدُ رَحِمَه اللهُ تعالى"أَصْلُ الْعِلْمِ خَشْيَةُ اللهِ تَعَالَى"
الشيخ:
وهذا الذي قاله الإمام أحمد صحيح أصل العلم خشية الله وخشية الله هي الخوف المبني على العلم والتعظيم ولهذا قال الله تعالى"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"فالإنسان إذا علم الله عز وجل حق العلم وعرفه حق المعرفة فلا بد أن يقوم في قلبه خشية الله لأنه إذا علم ذلك علم عن رب عظيم عن رب قوي عن رب قاهر عن رب عالم بما يسر ويخفي الإنسان فتجده يقوم بطاعة الله عز وجل أتم قيام"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"قال العلماء : والفرق بين الخشية والخوف أن الخشية تكون من عظم المخشي ،والخوف من ضعف الخائف الخوف يكون من ضعف الخائف وإن لم يكن المخوف عظيمًا.
القارئ:
فالْزَمْ خَشيةَ اللهِ في السرِّ والعَلَنِ فإنَّ خيرَ الْبَرِيَّةِ مَن يَخْشَى اللهَ تعالى،وما يَخشاهُ إلا عالِمٌ، إِذَنْ فخيرُ البَرِيَّةِ هو العالِمُ ولا يَغِبْ عن بَالِكَ أنَّ العالِمَ لا يُعَدُّ عالِمًا إلا إذا كان عامِلًا ولا يَعْمَلُ العالِمُ بعِلْمِه إلا إذا لَزِمَتْه خَشيةُ اللهِ .
وأَسْنَدَ الْخَطيبُ البَغداديُّ رَحِمَه اللهُ تعالى بسَنَدٍ فيه لَطيفةٌ إسناديَّةٌ برِوايةِ آباءٍ تِسعةٍ فقالَ : أَخبَرَنا أبو الفَرَجِ عبدُ الوَهَّابِ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ الحارثِ بنِ أَسَدِ بنِ الليثِ بنِ سُليمانَ بنِ الأَسْوَدِ بنِ سُفيانَ بنِ زَيدِ بنِ أُكَينةَبنِ عبدِ اللهِ التميميُّ من حِفْظِه ، قالَ : سَمِعْتُ أبي يقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سمعتُ أبي يَقولُ : سَمِعتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ عليَّ بنَ أبي طالبٍ يقولُ " هَتَفَ العلْمُ بالعَمَلِ ، فإنْ أَجابَه وإلا ارْتَحَلَ " اهـ .
وهذا اللفظُ بنَحوِه مَرْوِيٌّ عن سُفيانَ الثوريِّ رَحِمَه اللهُ تعالى .
الشيخ:
قوله وفقه الله : لا يعد عالما يعني: عالمًا ربانيًا وأما كونه عالما ضد الجاهل فهذا يقال، يقال إن الذي ألف المنجد رجل نصراني وفيه من معرفة اللغة العربية شيء كثير وإن كان غلطات كثيرة وأشياء تؤخذ عليه من الناحية الدينية لكن العالم الذي يعمل بعلمه هو الذي يصدق عليه أنه عالم رباني لأنه يربي نفسه أولًا ثم يربي غيره ثانيًا .
إذن لا بد من العمل بما عَلِم لأنه إذا لم يعمل بعلمِهِ صار من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة
°وعالم بعلمه لم يعملن = معذب من قبل عباد الوثن
هذه واحدة إذا لم يعمل بعلمه أُرث الفشل في العلم وعدم البركة ونسيان العلم لقول الله تعالى"فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ"بعدها"وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ"وهذا النسيان يشمل النسيان الذهني والعملي قد يكون بمعنى ينسونه دينيا أوينسونه يتركونه لأن النسيان في اللغة العربية يطلق بمعنى الترك أما إذا عمل الإنسان بعلمه فإن الله تعالى يزيده هدى قال الله تعالى"وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى"ويزيده تقوى ولهذا قال"وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ "إذا عمل بعلمه ورثه الله تعالى علم ما لم يعلم ولهذا روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل. وتروى هذه اللفظة العلم يهتف بالعمل (يعني يدعوه) فإن أجابه وإلا ارتحل. ما الذي يرتحل ؟ العلم وهذا واضح لأنك إذا عملت بالعلم تذكرته كلما عملت وأضرب لكم مثلا برجل عرف صفة الصلاة من السنة وصار يعمل بها كلما صلى هل ينسى ما علم ؟ لا ينسى لأنه تكرر عليه لكن لو ترك العمل به نسي، وهذا دليل محسوس على أن العمل بالعلم يوجب ثبات العلم ولا ينساه . نعم .

12 حلية طالب العلم

المجلس الثاني عشر
شرح حلية طالب العلم

 -3 مُلازَمَةُ خَشيةِ اللهِ تعالى

القارئ:
مُلازَمَةُ خَشيةِ اللهِ تعالى
التَّحَلِّي بعِمارةِ الظاهِرِ والباطِنِ بخشْيَةِ اللهِ تعالى: مُحافِظًا على شعائرِ الإسلامِ وإظهارِ السُّنَّةِ ونَشرِها بالعَمَلِ بها والدعوةِ إليها دَالًّا على اللهِ بعِلْمِكَ وسَمْتِكَ وعَمَلِكَ مُتَحَلِّيًا بالرجولةِ والمساهَلَةِ والسمْتِ الصالحِ .ومِلاكُ ذلك خَشيةُ اللهِ تعالى ، ولهذا قالَ الإمامُ أحمدُ رَحِمَه اللهُ تعالى"أَصْلُ الْعِلْمِ خَشْيَةُ اللهِ تَعَالَى"
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ

وهذا الذي قاله الإمام أحمد صحيح أصل العلم خشية الله وخشية الله هي الخوف المبني على العلم والتعظيم ولهذا قال الله تعالى"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"فالإنسان إذا علم الله عز وجل حق العلم وعرفه حق المعرفة فلا بد أن يقوم في قلبه خشية الله لأنه إذا علم ذلك عَلم عن رب عظيم عن رب قوي عن رب قاهر عن رب عالم بما يسر ويخفي الإنسان فتجده يقوم بطاعة الله عز وجل أتم قيام"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"قال العلماء : والفرق بين الخشية والخوف أن الخشية تكون من عظم المخشي ،والخوف من ضعف الخائف الخوف يكون من ضعف الخائف وإن لم يكن المخوف عظيمًا ولهذا يخاف الصبي من فتى أكبر منه قليلا لكن الأكبر من هذا الفتى يخاف من هذا الفتى أم لا؟ يا جماعة الصبي الصغير له سنتان يخاف من صبي له ست سنوات صحيح؟ طيب ، لعظم المخوف وأم لقصر الخائف؟ لقصر الخائف (طيب) هذا الذي له ست سنوات يخاف ممن له عشر سنوات إذن ليس عظيما فالفرق بين الخشية والخوف أن الخشية تكون من عظم المخشي والخوف من نقص الخائف ولهذا بعض الناس يخاف من لا شيء لأنه رعديد تعرفون الرعديد؟ جبان يخاف من كل شيء ولهذا يضرب المثل بالرجل يقال هو يخاف من ظلاله يمشي مثلا في القمر فيرى الظلال فيقول هذا واحد يلاحقني ثم يهرب وهذا الظلال معه رجليه وهو يقول أنا نجوت من هذا الرجل لأنه جبان فالحاصل أن الخشية أعظم من الخوف ولكن قد يقال خَفِ الله"فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"وهذا في مقابلة فعل هؤلاء الذين يخافون من الناس .
قال ابن القيم رحمه الله : الوجل والخوف والخشية والرهبة ألفاظ متقاربة غير مُترادفـة .
وقال : وقيل الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره والخشية أخصّ من الخوف .
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ"الأعراف:97-99.
وبذلك هو يخاف مكر الله سبحانه وتعالى وأخذه، فلا يغفل عنه ولا يتجاسر على معصيته؛ لأن بينه وبين المعصية حاجزاً يمنعه منها.
وهذا الحاجز الناس فيه على أربعة أقسام:
القسم الأول: بينهم وبين المعصية حاجز كالجبل، فلا يسمعون صوتها، ولا يجدون ريحها، ولا يرون ألوانها، ولا يستمعون إلى أصواتها، فلا يتأثرون بها ولا يحبونها، ولا تتعلق بها نفوسهم، فلا تحب أعينهم النظر إلى الحرام، ولا تحب آذانهم سماع الحرام، ولا تحب قلوبهم التعلق بالحرام، فبينهم وبين الحرام حاجز عظيم، وهؤلاء حجب الله جوارحهم من المعصية، ووفقهم لاستغلالها في الطاعة.
والنوع الثاني: الحاجز بينهم وبين المعصية كالزجاج، لا يستطيعون اختراقه؛ ولكن مع ذلك يرون ألوان المعصية وحركاتها، وهؤلاء أقل شأنًا من القسم الأول.
ودونهم قوم آخرون: الحاجز بينهم وبين المعصية كالماء، يمكن أن يخترقوه بصعوبة، وهؤلاء أقل منزلة أيضًا من القسم السابق.
والقسم الرابع: الحاجز بينهم وبين المعصية كالهواء، فهم مع المعصية في لحاف واحد، كلما عرضت معصية إذا هم من أهلها، نسأل الله السلامة والعافية، وهؤلاء يخشى عليهم أن ينادى عليهم يوم القيامة من أبواب جنهم السبعة، بأن توجد أسماؤهم في كل باب من أبواب جهنم، فأبوابها سبعة" لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ"الحجر:44 ، وهذا الجزء هم أهل تلك الكبيرة التي كتب الله لها ذلك الباب من الأبواب، فباب الشرك، وباب الزنا، وباب شرب الخمر والمخدرات، وباب عقوق الأمهات والآباء، وباب قذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وباب الكذب .. إلخ، هذه أبواب جهنم، فالذين لا يخشون الله تعالى، قد يقعون في كل هذه المعاصي، فتدون أسماؤهم في كل باب من أبواب جهنم، نسأل الله السلامة والعافية.
والذين يخشون الله تعالى: يجدون حاجزًا عظيمًا بينهم وبين هذه المعاصي، فهي أثقل عليهم من حمل الجبال، لو كلف أحدهم أن يفعل معصية لفكر ألف تفكير قبل أن يقدم عليها، بخلاف الذين تسهل عليهم من الذين لا يخشون الله، فلو أرادوا الطاعة لفكروا ألف تفكير قبل أن يفعلوها، أما المعصية فهي أسهل عليهم من شرب الماء، نسأل الله السلامة والعافية هنا=.