الأربعاء، 16 يناير 2019

23- حلية طالب العلم



المجلس الثالث والعشرون
شرح حلية طالب العلم
القناعةُ والزَّهادةُ-6

التَّحَلِّي بالقَناعةِ والزَّهادةِ ، وحقيقةُ الزهْدِ الزهْدُ بالحرامِ والابتعادُ عن حِمَاهُ ، بالكَفِّ عن الْمُشتَبِهَاتِ وعن التَّطَلُّعِ إلى ما في أيدي الناسِ .
ويُؤْثَرُ عن الإمامِ الشافعيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى " لو أَوْصَى إنسانٌ لأَعْقَلِ الناسِ صُرِفَ إلى الزهَّادِ " وعن مُحَمَّدِ بنِ الحسَنِ الشيبانيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى لَمَّا قِيلَ له : أَلَا تُصَنِّفُ كتابًا في الزهْدِ ؟ قال " قد صَنَّفْتُ كِتابًا في البُيوعِ .
يعني" الزاهدُ مَن يَتَحَرَّزُ عن الشُّبُهاتِ والمكروهاتِ في التجاراتِ وكذلك في سائرِ الْمُعاملاتِ والْحِرَفِ " اهـ .
وعليه فليكنْ مُعْتَدِلًا في مَعاشِه بما لا يُشِينُه بحيثُ يَصونُ نفسَه ومَن يَعولُ ولا يَرِدُ مَواطِنَ الذلَّةِ والْهُونِ .
وقد كان شيخُنا مُحَمَّدٌ الأمينُ الشِّنقيطيُّ الْمُتَوَفَّى في 17/12/1393 هـ رَحِمَه اللهُ تعالى متَقَلِّلًا من الدنيا وقد شاهَدْتُه لا يَعرِفُ فِئاتِ العُملةِ الوَرَقِيَّةِ وقد شافَهَنِي بقولِه :
لقد جِئْتُ من البلادِ – شِنقيطَ – ومعي كَنْزٌ قلَّ أن يُوجدَ عندَ أحدٍ وهو : القَناعةُ ، ولوأرَدْتُ المناصِبَ لعَرَفْتُ الطريقَ إليها ولكني لا أُؤْثِرُ الدنيا على الآخِرةِ ولا أَبْذُلُ العلْمَ لنَيْلِ المآرِبِ الدُّنيويَّةِ . فرَحِمَه اللهُ تَعَالَى رَحمةً واسعةً آمِينَ .هنا
*شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : مفرغ
القارئ :
الأمر السادس: القناعة والزهادة
التَّحَلِّي بالقَناعةِ والزَّهادةِ ، وحقيقةُ الزهْدِ : الزهْدُ بالحرامِ والابتعادُ عن حِمَاهُ ، بالكَفِّ عن الْمُشتَبِهَاتِ وعن التَّطَلُّعِ إلى ما في أيدي الناسِ
الشيخ :
التحلي بالقناعة من أهم خصال طالب العلم يعني أن يقتنع بما أتاه الله عزوجل ولايطلب أن يكون في مصاف الأغنياء والمترفين، لأن بعض طلبة العلم وغيرهم تجده يريد أن يكون في مصاف الأغنياء والمترفين فيتكلف النفقات في المأكل والمشرب والملبس والمفرش ثم يثقل كاهله بالديون وهذا خطأ بل عليك بالقناعة فإنها خير زاد للمسلم .
وأما الزهادة فيقول حقيقة الزهد : الزهد بالحرام والابتعاد عن حماه بالكف عن المشتبهات وكأنه أراد بالزهد هنا الورع لأن هناك ورعًا وزهدًا، والزهد أعلى مقامًا من الورع لأن الورع ترك ما يضر في الآخرة والزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، وبينهما فرق الفرق الذي بينهما المرتبة التي ليس فيها ضرر وليس فيها نفع فالورِع لا يتحاشاها والزاهد يتحاشاها ويتركها لأنه لا يريد إلا ما ينفعه في الآخرة.

وقفة :
لابد للمسلم في هذه الحياة من وقفات يقفها مع نفسه ، يعيد فيها تقويم أمورَهُ ، ويتفكر في مصيره ، ويصحح بها مسارَهُ ، فقطار الحياة يمضي بنا شئنا أم أبينا ، ولابد من وقت نتركه فيه كما تركه مَن سَبَقَنَا .

لقد سبقنا إلى القبور أُناسٌ كثيرون ، لهم أحلام وطموحات مثلنا ، يُمْسون ويصبحون عليها ، وفجأة جاءهم ملك الموت ، في هذه اللحظات العصيبة ، انكشفت لهم حقيقة الوجود في الدنيا ، وأنها مرحلة من رحلة طويلة . رحلة العودة إلى الله . وتمنوا في هذه اللحظات أن ينصرف عنهم ملك الموت ولو للحظة يصلحون فيها ما أفسدوا .
قال تعالى " حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ" سورة المؤمنون / آية : 99 ، 100 .
فإذا كان هذا هو حال الكثير ممن سبقنا إلى لقاء الموت فلماذا لا نعتبر بهم حتى لا نقع فيما وقعوا فيه ؟
إن من فضل الله علينا أننا مازلنا في الأمنية التي يتمناها هؤلاء في العودة إلى الدنيا .فهل لنا أن نفعل ما يتمنون فعله لو كانوا مكاننا ؟ !
هل لنا أن نبدأ في تصحيح المسار ، ووضع الدنيا في حجمها الصحيح ، والزهد فيها ، والتعامل معها على أنها مزرعة للآخرة ؟ !
ولنحذر من حب الدنيا والحرص عليها فحب الدنيا هو الذي عَمَّرَ النار بأهلها ، والزهد في الدنيا هو الذي عَمَّرَ الجنة بأهلها .
ومما يعين على الزهد فيها ، والعمل للآخرة :
ذكر الموت ، وكفى بالموت واعظًا .
"الرِّزقُ أشدُّ طلبًا للعبدِ من أجَلِه"الراوي : أبو الدرداء - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع -الصفحة أو الرقم 3551: - خلاصة حكم المحدث : حسن = الدرر =
الموت جلاء للقلب حديث ضعيف:
إنَّ هذِهِ القلوبَ تَصدأُ كما يَصدأُ الحديدُ إذا أصابَهُ الماءُ. قيلَ وما جِلاؤُها؟ قالَ: كثرةُ ذِكْرِ الموتِ وتلاوةِ القرآنِ
الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : الألباني - المصدر : السلسلة الضعيفة -الصفحة أو الرقم-  6096  خلاصة حكم المحدث : منكر = الدرر =
فلنتدبر أحوال الميت بعد نزع روحه ، وقد تصلبت أطرافه ، وشخص بصره ، واستسلم جسدُه ليد المُغَسِّل ، فلا كلام ، ولا حِراك ، ولا اعتراض ، وبعد تكفينه يُحمل على الأكتاف فيصلى عليه ، ثم يوضع في حفرة ضيقة من الأرض ، ويُهَال عليه التراب ، فلا منفذ يبقى للهواء ولا للضياء ، ثم بعد فترة يتحلل اللحم ويتساقط من فوق العظام ، وشيئًا فشيئًا تتحول العظام إلى تراب .
والله أعلم بحاله أمُنَعَّم أم غير ذلك ؟ !
لا فرق في هذا بين الجميل والدميم ، والشاب والهرم ، والغني والفقير .
فهي رحلة بدايتها هذه الحياة ثم الموت والقبر والنشور ؛ثم الجنة أو النار .
فالدنيا دار امتحان ، ونهاية الامتحان هي اللحظة التي قدرها الله لنهاية حياة العبد ، فيأتي ملك الموت ومن ورائه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب ..... يأتي ملك الموت لنزع الروح وإنهاء الوجود في دار الامتحان ؛ في هذه اللحظات يرى العبد الملائكة لأول مرة في حياته ؛يُرْفع الستار بين عالَمِ الغيبِ وعَالَمِ الشهادةِ وتنكشفُ الحقيقةُ :
قال تعالى " لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ " . سورة ق / آية : 22 .
"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ" فصلت 30 .
القارئ :
ويُؤْثَرُ عن الإمامِ الشافعيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى : لو أَوْصَى إنسانٌ لأَعْقَلِ الناسِ صُرِفَ إلى الزهَّادِ.
الشيخ :
الله أكبر يعني في الوصية لو قال: أوصيت لأعقل الناس، يصرف إلى من؟ إلى الزهاد لأن الزهاد هم أعقل الناس حيث تجنبوا ما لا ينفعهم في الآخرة, وهذا الذي قاله رحمه الله ليس على إطلاق لأن الوصايا والأوقاف والهبات والرهون وغيرها ترجع إلى معناها في العرف فإذا كان أعقل الناس في عرفنا هم الزهاد صرف لهم وإذا كان أعقل الناس هم ذوو المروءة والوقار والكرم بالمال والنفس صرف إليهم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق