الأربعاء، 16 يناير 2019

22- حلية طالب العلم



المجلس الثاني والعشرون
شرح حلية طالب العلم
تابع :- 5خَفْضُ الْجَناحِ ونَبذُ الْخُيلاءِ والكِبرياءِ

المتن:فَالزَمْ رَحِمَكَ الله- اللُّصوقَ إِلى الأَرْضِ، وَالإِزْراءَ عَلى نَفْسِكَ، وَهَضْمِها، وَمُراغَمَتِها عِنْدَ الاسْتِشْرافِ لِكِبْرياءٍ أَوْ غَطْرَسَةٍ، أَوْ حُبِّ ظُهورٍ، أَوْ عُجُبٍ.. وَنَحْوِ ذلكَ مِنْ آفاتِ الْعِلْمِ الْقاتِلَةِ لَهُ، الْمُذْهِبَةِ لِهَيْبَتِهِ، الْمُطْفِئَةِ لنِورِهِ، وَكُلَّما ازْدَدَتْ عِلْمًا أَوْ رِفْعَةً في وِلايَةٍ، فَالزَمْ ذلكِ؛ تَحْرُزْ سَعادَةً عُظْمى، وَمَقامًا يُغْبِطُكَ عَلَيْهِ النّاسُ.
وعن عبد الله ابن الإمام الحجة الراوية في الكتب السنة بكر بن عبد الله المزني رحمهما الله تعالى، قال:
"
سمعت إنسانًا يحدث عن أبي، أنه كان واقفًا بعرفة، فَرَقَّ، فقال: لولا أني فيهم، لقُلتُ: قد غفر لهم"
خرجه الذهبي ، ثم قال: "قلت: كذلك ينبغي للعبد أن يزري على نفسه ويهضمها"اهـ.وانظر كلامًا نفيسًا لشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى" (14/160 ..

الشيخ:
وهذه العبارات التي تطلق عن السلف، من مثل هذا يريدون به التواضع، وليسوا يريدون أنهم يُغَلِّبون جانب سوء الظن بالله عزوجل أبدًا، لكنهم إذا رأوا ما هم عليه خافوا وحذروا وجرت منهم هذه الكلمات، وإلا فإن الأولى بالإنسان أن يُحسن الظن بالله ولا سيما في هذا المقام – عرفة -.

التواضع

فما هو التواضع؟
التعريف لغة:
التواضع مأخوذ من مادة :وضع، التي تدل على الخفض للشيء وحطه، يقال: وضعته بالأرض وضعًا، ووضعت المرأة ولدها.
وأما في الاصطلاح فهو: إظهار التنزل عن المرتبة لمن يُراد تعظيمه.
وفي مدارج السالكين: 2/329: قال الجنيد بن محمد رحمه الله: "التواضع هو خفض الجناح ولين الجانب".
وفيه :2/329 : "سئل الفضيل بن عياض- رحمه الله عن التواضع؟ فقال: يخضع للحق، وينقاد له ويقبله ممن قاله، ولو سمعه من صبي قبله، ولو سمعه من أجهل الناس قبله. وقال أبو يزيد البسطامي: هو أن لا يرى لنفسه مقامًا ولا حالا، ولا يرى في الخلق شرا منه. وقال ابن عطاء: هو قبول الحق"

*الأمر به:
"ما نَقَصتْ صدقةٌ من مالٍ وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلَّا عزًّا . وما تواضَع أحدٌ للهِ إلَّا رفعه اللهُ"الراوي : أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم 2588  -خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =
قال تعالى" وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" سبأ: 39.
أي يجعل بدله خَلَفًا.فلا تظن أنك لو أنفقت عشرة من مئة أنها تنقصه بل تزيده بركة .
*جلسَ جبريلُ إلى النبيِّ فَنظرَ إلى السَّماءِ ، فإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ ، فقال لهُ جبريلُ : هذا المَلَكُ ما نزلَ مُنْذُ خُلِقَ قبلَ هذه السَّاعَةِ ، فلمَّا نزلَ قال : يا محمدُ ! أَرْسَلَنِي إليكَ رَبُّكَ ؛ أَمَلَكًا جعلكَ ، أَمْ عبدًا رَسُولًا ؟ قال لهُ جبريلُ : تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يا محمدُ ! فقال رسولُ اللهِ : لا بَلْ عبدًا رَسُولًا .الراوي : أبو هريرة -المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم  3280:  - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =
 
"ما من آدميٍّ إلا في رأسِه حَكَمَةٌ بيدِ مَلَكٍ ، فإذا تواضَع قِيلَ للملَكِ ارْفَعْ حَكَمَتَه ، وإذا تكبَّر قيل للملَكِ : ضَعْ حَكَمَتَه .
الراوي : عبدالله بن عباس -المحدث : الألباني - المصدر : صحيح -الترغيب - الصفحة أو الرقم-  2895  :خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره =الدرر=
الحدث كناية عن التواضع .

َقَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ : الْحَكَمَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْكَافِ هِيَ مَا يُجْعَلُ فِي رَأْسِ الدَّابَّةِ كَاللِّجَامِ وَنَحْوِهِ . الآداب الشرعية

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب/محمد بن أحمد بن سالم السفاريني = هنا =

" إلا في رأسِه حَكَمَةٌ" وهي: ما يُجْعَل تحت حنكِ الدابةِ يمنعُها المخالفة كاللجام، والحنك متصل بالرأس " حَكَمَةٌ بيدِ مَلَكٍ" موكل به " فإذا تواضَع" للحق والخلق " قِيلَ للملَكِ ارْفَعْ حَكَمَتَه" من قبل اللّه تعالى " ارْفَعْ حَكَمَتَه" " أي قدره ومنزلته، يقال: فلان عالي الحَكَمَة، فرفعها كناية عن الإعزاز "، وإذا تكبَّر قيل للملَكِ : ضَعْ حَكَمَتَه" كناية عن إذلاله، فإن من صفة الذليل تنكيس رأسه، فثمرة التكبر في الدنيا الذِّلة بين عبادِ اللّهِ، وفي الآخرةِ نار الإيثار، وهي عصارة أهل النار كما جاء في بعض الأخبار.

"لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ"  الحجر :88  .هنا  

فالتّواضع كان خُلُقًا مُلازمًا لرسول الله صلى الله عليه وسَلَم،وهو من الأخلاق التي ينبغي على المسلم أن يتحلى بها و يحرص عليها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم كي ينال خيريِّ الدنيا والآخرة.

*أتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ رجلٌ ، فَكَلَّمَهُ ، فجَعلَ ترعدُ فرائصُهُ ، فقالَ لَهُ " هوِّن عليكَ ، فإنِّي لستُ بملِكٍ ، إنَّما أَنا ابنُ امرأةٍ تأكُلُ القَديدَ"الراوي : عقبة بن عمرو بن ثعلبة أبو مسعود -المحدث : الألباني -المصدر : صحيح ابن ماجه -الصفحة أو الرقم-  2693  خلاصة حكم المحدث : صحيحالدرر =

ـ والقديد هو اللحم المجفف - وهذا من تمام تواضعه صلى الله عليه وسلم حيث بين له أنه ليس بملِك، وذكر له ما كانت تأكله أمه لبيان أنه رجل منهم ، وليس بمتجبر يُخاف منه.

"تأكُلُ القَديدَ"، أنَّهم لم يَكُنْ عندهم درَجةُ الرَّفاهيةِ الَّتي تكونُ في أبناءِ المُلوكِ؛ فربَّما أكلوا اللَّحمَ المخزَّنَ مِن ذَبائحِهم وليس الطَّازَجَ.
*عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ»
حكم الألبانى : صحيح ابن ماجه: 4214 // صحيح الجامع :1725 ، الصحيحة :570
 / هنا  //
كان عليه الصلاة والسلام إذا مرَّ على الصبيان والصغار سلَّمَ عليهم، وداعبهم بكلمة طيبة، أو لاطفهم بلمسة حانية .
*قالَ ثابتٌ: كُنتُ معَ أنسٍ، فمرَّ على صبيانٍ فسلَّمَ عليهم، وقالَ أنسٌ: كنتُ معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فمرَّ على صبيانٍ فسلَّمَ علَيهِم"الراوي : أنس بن مالك- المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي -الصفحة أو الرقم-  2696  خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =
فالتواضع كان سمة  ملازمة له صلى الله عليه وسلم في حياتهِ كلِّها ، في ركوبِهِ وفي أكلِهِ وفي شأنِهِ كلِّهِ،
"آكُلُ كما يأكلُ العبدُ ، وأجلِسُ كما يجلِسُ العبدُ"الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع -الصفحة أو الرقم  7 -خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =
وفي ركوبه :يركب ما يركب عامة الناس ، فركبَ البعير والحمار والبغلة والفرس  .
كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يركبُ الحمارَ ويلبسُ الصُّوفَ ويعتقلُ الشاةَ ويأتي مُراعاةَ الضَّيفِ
الراوي : أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس - المحدث : الألباني - المصدر : السلسلة الصحيحة على شرط الشيخين
وهكذا الأنبياء:
"صلَّى في مسجدِ الخَيْفِ سَبعونَ نبيًّا منهُم موسَى ، كأنِّي أنظرُ إليه وعليهِ عباءتانِ قَطوانِيَّتانِ وهوَ مُحرِمٌ ، على بعيرٍ من إبلِ شَنوءَةَ مَخطومٍ بخطامِ ليفٍ ، لهُ ضَفيرَتانِ" .الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب -الصفحة أو الرقم  1127  -خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره = الدرر=
" مسجدِ الخَيْفِ "  هو مسجد منى، سُمِّي بذلك لأنّه في سفح جبلها، والخيف هو ما ارتفع عن مجرى السّيل وانحدر.
" قَطَوَانِيَّتَانِ" نسبةً إلى قطوان - بفتح القاف والطاء المهملة جميعًا -، وهو موضع بالكوفة تنسب إليه العُبِيّ والأكسية، كما قال الإمام المنذريّ رحمه الله.
- شَنُوءَةٍ: قبيلة مِن اليَمن، وهم بنو كعب بن الحارث ينتهون إلى الأزد.
قال المناوي في " فيض القدير "" والشنوءة -بفتح الشين-: التّباعد من الأدناس، لُقِّب به حيّ من اليمن لطهارة نسبهم وحسن سيرتهم ".
والشّاهد من هذا الحديث بيان تواضع الأنبياء في الحجّ، وذلك من وجوه:
- أنّ موسى عليه السّلام ما حجّ على فرس، ولا على محمل أو هودج.
- أنّه حجّ وعليه عباءتان ممّا يلبسه سائر النّاس.
- وكان بعيره مخطومًا بخطام من ليف، وليس من جلد كما هو حال أهل التّرف.
والخِطام يوضع في : أنف البعير ، لينقاد إلى صاحبه، لذلك يسمّى أنِفًا، كما في الحديث الّذي رواه ابن ماجه عن العرباضِ بن سارية رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال" فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ" . هنا   .
-كان صلى الله عليه وسلم : يعود المريض ويشهد الجنازة
-ومن تواضعه أنه كان يشارك في خدمة أهله في البيت :
"سأَلْتُ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها : ما كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يصنعُ في البيتِ ؟ قالتْ : كان يكونُ في مهنةِ أهلهِ ، فإذا سمِعَ الآذانَ خرجَ" .الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم- 5363 : خلاصة حكم المحدث : صحيحالدرر =   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق