المجلس التاسع عشر
شرح حلية طالب العلم
تابع
:- 5خَفْضُ
الْجَناحِ ونَبذُ الْخُيلاءِ والكِبرياءِ
تَحَلَّ
بآدابِ النفْسِ من العَفافِ والحِلْمِ والصبرِ والتواضُعِ للحَقِّ وسكونِ الطائرِ
من الوَقارِ لعزة العلم والرزانةِ وخَفْضِ الْجَناحِ مُتَحَمِّلًا ذُلَّ التعلُّمِ
لعِزَّةِ العِلْمِ ذَليلًا للحَقِّ .
وعليه
: فاحْذَرْ
نَواقِضَ هذه الآدابِ فإنَّها مع الإثْمِ تُقيمُ على نَفْسِكَ شاهدًا على أنَّ في
العَقْلِ عِلَّةً . وعلى حِرمانٍ من العلْمِ والعملِ به ، فإيَّاكَ والْخُيلاءَ
فإنه نِفاقٌ وكِبرياءُ وقد بَلَغَ من شِدَّةِ التَّوَقِّي منه عندَ السلَفِ
مَبْلَغًا : ومن دقيقِه ما أَسنَدَه الذهبيُّ في تَرجمةِ عمرِو بنِ الأسودِ
العَنْسِيِّ الْمُتَوَفَّى في خِلافةِ عبدِ الْمَلِكِ بنِ مَرْوانَ رَحِمَه اللهُ
تعالى : أنه
كان إذا خَرَجَ من المسجدِ قَبَضَ بيمينِه على شِمالِه فُسِئَل عن ذلك ؟ فقال :
مَخافةَ أن تُنافِقَ يَدِي .
قلتُ :يُمْسِكُها خَوفًا من أن يَخْطُرَ بيدِه في مِشيتِه ، فإنَّه من الْخُيلاءِ. اهـ .
وهذا العارِضُ عَرَضَ للعَنْسِيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى .
قلتُ :يُمْسِكُها خَوفًا من أن يَخْطُرَ بيدِه في مِشيتِه ، فإنَّه من الْخُيلاءِ. اهـ .
وهذا العارِضُ عَرَضَ للعَنْسِيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى .
*تابع تداخل خارج شرح الكتاب:
*تابع
الإعجاب بالنفس:
رابعًا :
مظاهر الإعجاب بالنفس : ويمكن اكتشاف هذا الداء من خلال المظاهر التالية :
1-تزكية النفس : أي أن المظهر الأول للإعجاب بالنفس ، إنما هو دوام التزكية
للنفس و الثناء عليها ، مع نسيان أو تناسي قول الله عز وجل "فَلَا تُزَكُّوا
أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى
" النجم:32 .
2-الاستعصاء على النصيحة : و
المظهر الثاني للإعجاب بالنفس ، إنما هو الاستعصاء على النصيحة بل و النفور منها ،
مع أنه لا خير في قوم لا يتناصحون ولا يقبلون النصيحة .قال تعالى" وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" العصر: 3.
3- الفرح بسماع عيوب الآخرين لاسيما أقرانه :
و المظهر الثالث للإعجاب بالنفس إنما هو الفرح بسماع عيوب الآخرين
لاسيما أقرانه ، حتى قال الفُضَيل بن عياض - رحمه الله - إن من علامة المنافق : أن يفرح إذا سمع بعيب
أحد من أقرانه .
خامسًا :
الطريق لعلاج الإعجاب بالنفس : وما دمنا
قد وقفنا على أسباب وباعث الإعجاب بالنفس ، فإن من السهل معرفة طريق علاج واقتلاع
هذا الداء ، بل الوقاية منه ، وتتلخص في : 1- التذكير دائمًا بحقيقة النفس الإنسانية ، وذلك بأن يفهم المعجب بنفسه أن نفسه التي بين جنبيه لولا
ما فيها من النفخة الإلهية ما كانت تساوى شيئًا ، فقد خُلقت من تراب تدوسه الأقدام
، ثم من ماء مهين يأنف الناظر إليه من رؤيته ، وستُرد إلى هذا التراب مرة أخرى ،
فتصير جيفة منتنة ، يفر الخلق كلهم من رائحتِها ، وهي بين البدء والإعادة تحمل في
بطنها العذرة أي الفضلات ذات الروائح الكريهة ، ولا تستريح ولا تهدأ إلا إذا تخلصت
من هذه الفضلات . إذ أن مثل هذا التذكير يساعد كثيرًا في ردع النفس ، وردها عن
غيها ، واقتلاع داء الإعجاب منها ، بل وحمايتها من التورط فيه مرة أخرى . وقد لفت
أحد السلف النظر إلى هذه الوسيلة حين سمع معجبًا بنفسه قائلًا : أتعرف من أنا ؟
فرد عليه بقوله : نعم : أعرف من أنت ، لقد كنت نطفة قذرة وستصير جيفة قذرة ، وأنت
بين هذا وذاك تحمل العذرة .
2- التذكير دائما بحقيقة الدنيا والآخرة ، وذلك بأن يعرف المعجب بنفسه أن الدنيا مزرعة للآخرة ،
وأنه مهما طال عمرها فإنها إلى زوال ، وأن الآخرة إنما هي الباقية ، وأنها هي دار
القرار ، إذ أن مثل هذا التذكير يحمل الإنسان
على أن يعدل من سلكوه ، أو يقوم عوج نفسه ، قبل أن تنتهي الحياة ، وقبل أن تضيع
الفرصة ، ويفوت الأوان .
3-
التذكير بنعم الله التي تغمر الإنسان ، وتحيط به من أعلى
إلى أدنى كما قال سبحانه "
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا
تُحْصُوهَا" ، إبراهيم
34. " وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ
نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً " لقمان 20. فإن هذا التذكير من
شأنه أن يشعر الإنسان بضعفه وفقره ، وحاجته إلى الله دائمًا ، وبالتالي يطهر نفسه
من داء الإعجاب ، بل ويقيه أن يبتلَى به مرة أخرَى .
4- التفكر في الموت : وما
بعده من منازل ، من شدائد وأهوال ، فإن ذلك كفيل باقتلاع الإعجاب من النفس ، بل
وتحصينها ضده ، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
5-دوام الاستماع أو النظر في كتاب الله عز وجل
وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن فيهما البيان الشافي
، و التحليل الدقيق لكل ما يتصل بالوسائل الأربع المذكورة آنفًا ، وبهما يتخلص
الإنسان - إن كان موضوعيًا وصادقًا مع نفسه - من كل داء .
6-دوام حضور مجالس العلم ،
لاسيما تلك التي تدور حول علل النفس وطريق الخلاص منها ، فإن أمثال هذه المجالس
كثيرًا ما تعين على تطهير النفس ،بل وصيانتها من داء الإعجاب .
7- الإطلاع
على أحوال المرضى وأصحاب العاهات بل و الموتى ، لاسيما في وقت غسلهم وتكفينهم ودفنهم ، ثم زيارة القبور
بين الحين و الحين و التفكر في أحوال أهلِها ومصيرهم ، فإن ذلك يحرك الإنسان من
داخله ، ويحمله على اقتلاع العجب ونحوه من كل العلل والأمراض النفسية أو القلبية .
8- وصية
الأبوين أن يتحررا من داء الإعجاب بالنفس ونحوه ، وأن يكونا قدوة صالحة أمام الولد ، وأن يفهماه بأن ما وقع
منهما كان خطأ وأنهما قد أقلعا عن هذا الخطأ ، وعليه أن يقلع عنه مثلهما ويتوب إلى
الله عز وجل .
9- الانقطاع عن صحبة المعجبين بأنفسهم مع الارتماء في أحضان المتواضعين العارفين أقدارهم ،
ومكانتهم ، فإن ذلك يساعد في التخلص بل وفي التوقي من الإعجاب بالنفس .
10-
التوصية و التأكيد على ضرورة اتباع الآداب الشرعية في الثناء و
المدح في التوقير والاحترام ، في الانقياد و الطاعة ، مع الإعراض والزجر الشديد لكل من يخرجون على هذه الآداب ،
فإن ذلك له دور كبير في مداواة النفس وتحريرها من الإعجاب .
11- التأخير عن المواقع الأمامية بعض الوقت ، إلى أن تستقيم النفس ويصلب عودُها ، وتستعصي على الشيطان
فإن ذلك يسهل طريق العلاج .
12-
دوام النظر في سِيَرِ السلفِ ، وكيف كانوا يتعاملون مع أنفسهم حين يرون منها مثل هذا الخُلق
، فإن ذلك يحمل على الاقتداء و التأسي ، أو على الأقل المحاكاة ، و المشابهة في
استئصال هذا الداء ، وقطع الطريق عليه أن يعود إلى النفس مرة أخرى .
13-
تعريض النفس بين الحين و الحين لبعض المواقف التي تقتل كبرياءها وتضعها في موضعها
الصحيح
، كأن يقوم صاحبها بخدمة إخوانه الذين هم أدنى منه في
المرتبة ، أو أن يقوم بشراء طعامه من السوق ، وحمل أمتعته بنفسه ، على نحو ما أُثر
عن كثير من السلف .
14-
متابعة الآخرين له ، ووقوفهم بجانبه حتى يتمكن من التخلص من هذه الآفة.
15-محاسبة النفس أولًا بأول ، حتى يمكن الوقوف على العيوب وهي لا تزال في بداياتها
فيسهل علاجها و الوقاية منها .
16-
إدراك العواقب والآثار المترتبة على الإعجاب بالنفس ،
فإنها ذات أثر فعال في علاج هذه الآفة و التحصن ضدها .
17- الاستعانة بالله - عز وجل - وذلك بواسطة
الدعاء والاستغاثة و اللجوء إليه ، أن يعينه
على نفسه ، وأن يطهره من هذه الآفة ، وأن يقيه شر الوقوع فيها مرة أخرى ، إذ أن من
استعان بالله أعانه الله ، وهداه لصراطه المستقيم .
18-
التأكيد على المسئولية الفردية ، بغض النظر عن الأحساب
والأنساب ، فإن ذلك له دور كبير في علاج النفس ، بل وحفظها من أن تقع مرة أخرى في
آفة الإعجاب .هنا =
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق