الأربعاء، 16 يناير 2019

19 - حلية طالب العلم



المجلس التاسع عشر
شرح حلية طالب العلم
تابع :- 5خَفْضُ الْجَناحِ ونَبذُ الْخُيلاءِ والكِبرياءِ

تَحَلَّ بآدابِ النفْسِ من العَفافِ والحِلْمِ والصبرِ والتواضُعِ للحَقِّ وسكونِ الطائرِ من الوَقارِ لعزة العلم والرزانةِ وخَفْضِ الْجَناحِ مُتَحَمِّلًا ذُلَّ التعلُّمِ لعِزَّةِ العِلْمِ ذَليلًا للحَقِّ .
وعليه : فاحْذَرْ نَواقِضَ هذه الآدابِ فإنَّها مع الإثْمِ تُقيمُ على نَفْسِكَ شاهدًا على أنَّ في العَقْلِ عِلَّةً . وعلى حِرمانٍ من العلْمِ والعملِ به ، فإيَّاكَ والْخُيلاءَ فإنه نِفاقٌ وكِبرياءُ وقد بَلَغَ من شِدَّةِ التَّوَقِّي منه عندَ السلَفِ مَبْلَغًا : ومن دقيقِه ما أَسنَدَه الذهبيُّ في تَرجمةِ عمرِو بنِ الأسودِ العَنْسِيِّ الْمُتَوَفَّى في خِلافةِ عبدِ الْمَلِكِ بنِ مَرْوانَ رَحِمَه اللهُ تعالى : أنه كان إذا خَرَجَ من المسجدِ قَبَضَ بيمينِه على شِمالِه فُسِئَل عن ذلك ؟ فقال : مَخافةَ أن تُنافِقَ يَدِي .
قلتُ :يُمْسِكُها خَوفًا من أن يَخْطُرَ بيدِه في مِشيتِه ، فإنَّه من الْخُيلاءِ. اهـ .
وهذا العارِضُ عَرَضَ للعَنْسِيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى .

*تابع تداخل خارج شرح الكتاب:
*تابع الإعجاب بالنفس:
رابعًا : مظاهر الإعجاب بالنفس : ويمكن اكتشاف هذا الداء من خلال المظاهر التالية :
1-تزكية النفس : أي أن المظهر الأول للإعجاب بالنفس ، إنما هو دوام التزكية للنفس و الثناء عليها ، مع نسيان أو تناسي قول الله عز وجل  "فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ  هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى " النجم:32 .
2-الاستعصاء على النصيحة : و المظهر الثاني للإعجاب بالنفس ، إنما هو الاستعصاء على النصيحة بل و النفور منها ، مع أنه لا خير في قوم لا يتناصحون ولا يقبلون النصيحة .قال تعالى" وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" العصر: 3.

 3- الفرح بسماع عيوب الآخرين لاسيما أقرانه : و المظهر الثالث للإعجاب بالنفس إنما هو الفرح بسماع عيوب الآخرين لاسيما أقرانه ، حتى قال الفُضَيل بن عياض - رحمه الله -  إن من علامة المنافق : أن يفرح إذا سمع بعيب أحد من أقرانه .

خامسًا : الطريق لعلاج الإعجاب بالنفس : وما دمنا قد وقفنا على أسباب وباعث الإعجاب بالنفس ، فإن من السهل معرفة طريق علاج واقتلاع هذا الداء ، بل الوقاية منه ، وتتلخص في : 1- التذكير دائمًا بحقيقة النفس الإنسانية ، وذلك بأن يفهم المعجب بنفسه أن نفسه التي بين جنبيه لولا ما فيها من النفخة الإلهية ما كانت تساوى شيئًا ، فقد خُلقت من تراب تدوسه الأقدام ، ثم من ماء مهين يأنف الناظر إليه من رؤيته ، وستُرد إلى هذا التراب مرة أخرى ، فتصير جيفة منتنة ، يفر الخلق كلهم من رائحتِها ، وهي بين البدء والإعادة تحمل في بطنها العذرة أي الفضلات ذات الروائح الكريهة ، ولا تستريح ولا تهدأ إلا إذا تخلصت من هذه الفضلات . إذ أن مثل هذا التذكير يساعد كثيرًا في ردع النفس ، وردها عن غيها ، واقتلاع داء الإعجاب منها ، بل وحمايتها من التورط فيه مرة أخرى . وقد لفت أحد السلف النظر إلى هذه الوسيلة حين سمع معجبًا بنفسه قائلًا : أتعرف من أنا ؟ فرد عليه بقوله : نعم : أعرف من أنت ، لقد كنت نطفة قذرة وستصير جيفة قذرة ، وأنت بين هذا وذاك تحمل العذرة  .
 2- التذكير دائما بحقيقة الدنيا والآخرة ، وذلك بأن يعرف المعجب بنفسه أن الدنيا مزرعة للآخرة ، وأنه مهما طال عمرها فإنها إلى زوال ، وأن الآخرة إنما هي الباقية ، وأنها هي دار القرار ، إذ أن مثل هذا التذكير يحمل الإنسان على أن يعدل من سلكوه ، أو يقوم عوج نفسه ، قبل أن تنتهي الحياة ، وقبل أن تضيع الفرصة ، ويفوت الأوان .
3- التذكير بنعم الله التي تغمر الإنسان ، وتحيط به من أعلى إلى أدنى كما قال سبحانه " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا" ، إبراهيم 34. " وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً " لقمان 20.  فإن هذا التذكير من شأنه أن يشعر الإنسان بضعفه وفقره ، وحاجته إلى الله دائمًا ، وبالتالي يطهر نفسه من داء الإعجاب ، بل ويقيه أن يبتلَى به مرة أخرَى .

4- التفكر في الموت : وما بعده من منازل ، من شدائد وأهوال ، فإن ذلك كفيل باقتلاع الإعجاب من النفس ، بل وتحصينها ضده ، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .

5-دوام الاستماع أو النظر في كتاب الله عز وجل وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن فيهما البيان الشافي ، و التحليل الدقيق لكل ما يتصل بالوسائل الأربع المذكورة آنفًا ، وبهما يتخلص الإنسان - إن كان موضوعيًا وصادقًا مع نفسه - من كل داء .

 6-دوام حضور مجالس العلم ، لاسيما تلك التي تدور حول علل النفس وطريق الخلاص منها ، فإن أمثال هذه المجالس كثيرًا ما تعين على تطهير النفس ،بل وصيانتها من داء الإعجاب .

 7- الإطلاع على أحوال المرضى وأصحاب العاهات بل و الموتى ، لاسيما في وقت غسلهم وتكفينهم ودفنهم ، ثم زيارة القبور بين الحين و الحين و التفكر في أحوال أهلِها ومصيرهم ، فإن ذلك يحرك الإنسان من داخله ، ويحمله على اقتلاع العجب ونحوه من كل العلل والأمراض النفسية أو القلبية .

 8- وصية الأبوين أن يتحررا من داء الإعجاب بالنفس ونحوه ، وأن يكونا قدوة صالحة أمام الولد ، وأن يفهماه بأن ما وقع منهما كان خطأ وأنهما قد أقلعا عن هذا الخطأ ، وعليه أن يقلع عنه مثلهما ويتوب إلى الله عز وجل .

9- الانقطاع عن صحبة المعجبين بأنفسهم مع الارتماء في أحضان المتواضعين العارفين أقدارهم ، ومكانتهم ، فإن ذلك يساعد في التخلص بل وفي التوقي من الإعجاب بالنفس .

10- التوصية و التأكيد على ضرورة اتباع الآداب الشرعية في الثناء و المدح في التوقير والاحترام ، في الانقياد و الطاعة ، مع الإعراض والزجر الشديد لكل من يخرجون على هذه الآداب ، فإن ذلك له دور كبير في مداواة النفس وتحريرها من الإعجاب .

11- التأخير عن المواقع الأمامية بعض الوقت ، إلى أن تستقيم النفس ويصلب عودُها ، وتستعصي على الشيطان فإن ذلك يسهل طريق العلاج .

 12- دوام النظر في سِيَرِ السلفِ ، وكيف كانوا يتعاملون مع أنفسهم حين يرون منها مثل هذا الخُلق ، فإن ذلك يحمل على الاقتداء و التأسي ، أو على الأقل المحاكاة ، و المشابهة في استئصال هذا الداء ، وقطع الطريق عليه أن يعود إلى النفس مرة أخرى .

 13- تعريض النفس بين الحين و الحين لبعض المواقف التي تقتل كبرياءها وتضعها في موضعها الصحيح ، كأن يقوم صاحبها بخدمة إخوانه الذين هم أدنى منه في المرتبة ، أو أن يقوم بشراء طعامه من السوق ، وحمل أمتعته بنفسه ، على نحو ما أُثر عن كثير من السلف .

 14- متابعة الآخرين له ، ووقوفهم بجانبه حتى يتمكن من التخلص من هذه الآفة.

15-محاسبة النفس أولًا بأول ، حتى يمكن الوقوف على العيوب وهي لا تزال في بداياتها فيسهل علاجها و الوقاية منها .

 16- إدراك العواقب والآثار المترتبة على الإعجاب بالنفس ، فإنها ذات أثر فعال في علاج هذه الآفة و التحصن ضدها .

17- الاستعانة بالله - عز وجل - وذلك بواسطة الدعاء والاستغاثة و اللجوء إليه ، أن يعينه على نفسه ، وأن يطهره من هذه الآفة ، وأن يقيه شر الوقوع فيها مرة أخرى ، إذ أن من استعان بالله أعانه الله ، وهداه لصراطه المستقيم .

 18- التأكيد على المسئولية الفردية ، بغض النظر عن الأحساب والأنساب ، فإن ذلك له دور كبير في علاج النفس ، بل وحفظها من أن تقع مرة أخرى في آفة الإعجاب .هنا =

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق