المجلس الثاني عشر
شرح حلية طالب العلم
-3 مُلازَمَةُ
خَشيةِ اللهِ تعالى
القارئ:
مُلازَمَةُ خَشيةِ اللهِ تعالى
التَّحَلِّي بعِمارةِ الظاهِرِ والباطِنِ بخشْيَةِ اللهِ تعالى: مُحافِظًا على شعائرِ الإسلامِ وإظهارِ السُّنَّةِ ونَشرِها بالعَمَلِ بها والدعوةِ إليها دَالًّا على اللهِ بعِلْمِكَ وسَمْتِكَ وعَمَلِكَ مُتَحَلِّيًا بالرجولةِ والمساهَلَةِ والسمْتِ الصالحِ .ومِلاكُ ذلك خَشيةُ اللهِ تعالى ، ولهذا قالَ الإمامُ أحمدُ رَحِمَه اللهُ تعالى"أَصْلُ الْعِلْمِ خَشْيَةُ اللهِ تَعَالَى"
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ
وهذا الذي قاله الإمام أحمد صحيح أصل العلم خشية الله وخشية الله هي الخوف المبني على العلم والتعظيم ولهذا قال الله تعالى"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"فالإنسان إذا علم الله عز وجل حق العلم وعرفه حق المعرفة فلا بد أن يقوم في قلبه خشية الله لأنه إذا علم ذلك عَلم عن رب عظيم عن رب قوي عن رب قاهر عن رب عالم بما يسر ويخفي الإنسان فتجده يقوم بطاعة الله عز وجل أتم قيام"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"قال العلماء : والفرق بين الخشية والخوف أن الخشية تكون من عظم المخشي ،والخوف من ضعف الخائف الخوف يكون من ضعف الخائف وإن لم يكن المخوف عظيمًا ولهذا يخاف الصبي من فتى أكبر منه قليلا لكن الأكبر من هذا الفتى يخاف من هذا الفتى أم لا؟ يا جماعة الصبي الصغير له سنتان يخاف من صبي له ست سنوات صحيح؟ طيب ، لعظم المخوف وأم لقصر الخائف؟ لقصر الخائف (طيب) هذا الذي له ست سنوات يخاف ممن له عشر سنوات إذن ليس عظيما فالفرق بين الخشية والخوف أن الخشية تكون من عظم المخشي والخوف من نقص الخائف ولهذا بعض الناس يخاف من لا شيء لأنه رعديد تعرفون الرعديد؟ جبان يخاف من كل شيء ولهذا يضرب المثل بالرجل يقال هو يخاف من ظلاله يمشي مثلا في القمر فيرى الظلال فيقول هذا واحد يلاحقني ثم يهرب وهذا الظلال معه رجليه وهو يقول أنا نجوت من هذا الرجل لأنه جبان فالحاصل أن الخشية أعظم من الخوف ولكن قد يقال خَفِ الله"فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"وهذا في مقابلة فعل هؤلاء الذين يخافون من الناس .
قال ابن القيم رحمه الله : الوجل والخوف والخشية
والرهبة ألفاظ متقاربة غير مُترادفـة .
وقال : وقيل الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند
استشعاره والخشية أخصّ من الخوف .
أَفَأَمِنَ
أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ
أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا
مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ"الأعراف:97-99.
وبذلك هو يخاف مكر الله سبحانه وتعالى وأخذه،
فلا يغفل عنه ولا يتجاسر على معصيته؛ لأن بينه وبين المعصية حاجزاً يمنعه منها.
وهذا الحاجز الناس فيه على أربعة أقسام:
القسم الأول: بينهم وبين المعصية حاجز كالجبل،
فلا يسمعون صوتها، ولا يجدون ريحها، ولا يرون ألوانها، ولا يستمعون إلى أصواتها،
فلا يتأثرون بها ولا يحبونها، ولا تتعلق بها نفوسهم، فلا تحب أعينهم النظر إلى
الحرام، ولا تحب آذانهم سماع الحرام، ولا تحب قلوبهم التعلق بالحرام، فبينهم وبين
الحرام حاجز عظيم، وهؤلاء حجب الله جوارحهم من المعصية، ووفقهم لاستغلالها في الطاعة.
والنوع الثاني: الحاجز بينهم وبين المعصية كالزجاج، لا يستطيعون اختراقه؛ ولكن مع
ذلك يرون ألوان المعصية وحركاتها، وهؤلاء أقل شأنًا من القسم الأول.
ودونهم قوم آخرون: الحاجز بينهم وبين المعصية كالماء، يمكن أن يخترقوه بصعوبة،
وهؤلاء أقل منزلة أيضًا من القسم السابق.
والقسم الرابع: الحاجز بينهم وبين المعصية كالهواء، فهم مع المعصية في لحاف واحد،
كلما عرضت معصية إذا هم من أهلها، نسأل الله السلامة والعافية، وهؤلاء يخشى عليهم
أن ينادى عليهم يوم القيامة من أبواب جنهم السبعة، بأن توجد أسماؤهم في كل باب من
أبواب جهنم، فأبوابها سبعة" لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ
بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ"الحجر:44 ، وهذا الجزء هم أهل تلك الكبيرة التي كتب الله لها ذلك الباب من
الأبواب، فباب الشرك، وباب الزنا، وباب شرب الخمر والمخدرات، وباب عقوق الأمهات والآباء،
وباب قذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وباب الكذب .. إلخ، هذه أبواب جهنم، فالذين
لا يخشون الله تعالى، قد يقعون في كل هذه المعاصي، فتدون أسماؤهم في كل باب من
أبواب جهنم، نسأل الله السلامة والعافية.
والذين يخشون الله تعالى: يجدون حاجزًا عظيمًا بينهم وبين
هذه المعاصي، فهي أثقل عليهم من حمل الجبال، لو كلف أحدهم أن يفعل معصية لفكر ألف
تفكير قبل أن يقدم عليها، بخلاف الذين تسهل عليهم من الذين لا يخشون الله، فلو
أرادوا الطاعة لفكروا ألف تفكير قبل أن يفعلوها، أما المعصية فهي أسهل عليهم من شرب
الماء، نسأل الله السلامة والعافية هنا=.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق