الاثنين، 31 أغسطس 2015

يا بنَ آدمَ ! مرِضتُ فلم تعُدْني

- إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ ، يومَ القيامةِ : ياابنَ آدمَ ! مرِضتُ فلم تعُدْني . قال : يا ربِّ ! كيف أعودُك ؟ وأنت ربُّ العالمين . قال : أما علمتَ أنَّ عبدي فلانًا مرِض فلم تعدْه . أما علمتَ أنَّك لو عدتَه لوجدتني عنده ؟ يا ابنَ آدم ! استطعمتُك فلم تُطعمْني . قال : يا ربِّ ! وكيف أُطعِمُك ؟ وأنت ربُّ العالمين . قال : أما علمتَ أنَّه استطعمك عبدي فلانٌ فلم تُطعِمْه ؟ أما علمتَ أنَّك لو أطعمتَه لوجدتَ ذلك عندي ؟ يا ابنَ آدمَ ! استسقيتُك فلم تَسقِني . قال : يا ربِّ ! كيف أسقِيك ؟ وأنت ربُّ العالمين . قال : استسقاك عبدي فلانٌ فلم تَسقِه . أما إنَّك لو سقَيْتَه وجدتَ ذلك عندي

الراوي : أبو هريرة- المحدث : مسلم-  المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2569 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-  شرح الحديث - الدرر السنية

عيادةُ المريضِ مِنَ الآدابِ الَّتي حثَّ عليها النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفي هذا الحديثِ يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ اللهَ تعالى يقولُ يومَ القيامةِ: يا ابنَ آدمَ، مَرضتُ فلم تَعُدْني، أرادَ به مَرِضَ عبدُه، وإنَّما أضافَ إلى نَفسِه؛ تَشريفًا لِذلكَ العبدِ، قال: يا ربِّ، كيفَ أَعُودُك َوأنتَ ربُّ العالَمِينَ؟! أي: المرضُ إنَّما يكونُ لِلمريضِ العاجزِ، وأنتَ القاهرُ القويُّ المالكُ؛ فكيف أعودُك؟! قال: أمَا علمْتَ أنَّ عَبدي فلانًا مَرِضَ فلم تَعُدْه، أمَا علمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَه لَوجدْتَني عِندَه؛ واللهُ تعالى يَستحيلُ عليه الْمَرضُ؛ لأنَّ المرضَ صِفةُ نقْصٍ، واللهُ سبحانه وتعالى مُنَزَّهٌ عَنْ كلِّ نقْصٍ، لكنِ المرادُ بِالمرضِ مرَضُ عبدٍ مِن عبادِه الصَّالحينَ، وَأولياءُ اللهِ سبحانه وتعالى هم خاصَّتُه؛ ثُمَّ يقولُ ربُّ العِزَّةِ: يا ابنَ آدمَ استطعمْتُكَ، أي: طلبْتُ منكَ الطَّعامَ فَلم تُطعِمْني؟ قال: يا ربِّ، كيفَ أُطعمُكَ وأنتَ ربُّ العالَمِينَ؟ أي: والحالُ أنَّكَ تُطعِمُ ولا تُطْعَمُ، وأنتَ غنيٌّ قويٌّ على الإطلاقِ، وإنَّما العاجزُ هو الذي يحتاجُ إلى الإنفاقِ. قال: أمَا علمْتَ أنَّه استطعَمَكَ عبْدِي فلانٌ فلَمْ تُطعمْه، أمَا علِمْتَ أنَّكَ لو أطعمْتَه لَوجدْتَ ذلكَ عِندي، أي: ثوابَ إطعامِه؛ ثُمَّ يقولُ ربُّ العِزَّةِ: يا ابنَ آدمَ، اسْتسقيْتُكَ، أي: طلبْتُ منكَ الماءَ فَلم تَسقِني؟ قال: يا ربِّ، كيفَ أَسقيكَ وأنتَ ربُّ العالَمِينَ؟! أي: مُربِّيهم غيرُ مُحتاجٍ إلى شيءٍ مِنَ الأشياءِ، فضلًا عَنِ الطَّعامِ والماءِ، قال: استسقاكَ عبدي فلانٌ فلم تَسقِهِ؛ أمَا علمْتَ أنَّك َلو سَقيْتَه وجدْتَ ذلك عندي؛ فإنَّ اللهَ لا يُضيعُ أجْرَ الْمُحسنينَ.
في الحديثِ: بَيانُ أنَّ اللهَ تعالى عالِمٌ بِالكائناتِ يَستوي في عِلْمِه الجزئيَّاتُ وَالكلِّيَّاتُ.
وفيه: دليلٌ أنَّ الحَسناتِ لا تضيعُ، وأنَّها عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ بمكانٍ.
وفيه: فضلُ عِيادةِ المريضِ.
وفيه: فضْلُ الإطعامِ وسُقيَا الماءِ لِلمُحتاجِ.
وفيه: قُربُ المريضِ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ.
شرح السحيم:
هذا الحديث ليس من المتشابِه ، لأن المتشابِه لا يُعرف معناه أو قد يلتبس معناه ولا يَظهر فيه وجه الصواب ، وهذا ظاهر في أن المراد بذلك هو العبد ، لأنه جاء التصريح به في الحديث نفسه .
ففيه : " يا ابن آدم مرضت فلم تعدني . قال : يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما عَلِمْتَ أن عبدي فلانا مرض فلم تَعُدْه ؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده " .
وتَتِمّته : " يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني . قال : يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه ؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ، يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني . قال : يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟ قال : استسقاك عبدي فلان فلم ، تسقه ، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي " .

وقول الإمام النووي ليس من باب التأويل المذموم ، لأن التأويل المذموم أن يُصْرَف المعنى إلى غير المعنى الظاهر لغير قرينة ، أو لِقرينة مرجوحة .
وهذا ليس فيه شيء من ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فَجَعَلَ جُوع عبده جُوعَه ، ومَرَضَه مَرَضَه ، لأن العبد مُوافِق لله فيما يحبه ويرضاه ويأمر به وينهى عنه ، وقد عُرِفَ أن الرب نفسه لا يجوع ولا يمرض . اهـ .

وقال ابن القيم رحمه الله في قوله صلى الله عليه وسلم : " أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده " :
وهذا أبلغ من قوله في الإطعام والإسقاء : " لَوَجَدَّتَ ذلك عندي " فهو سبحانه عند المبْتَلَى بالمرض رحمة منه له وخيرا وقُرْبا منه لِكَسْرِ قَلْبِه بالمرض ، فإنه عند المنكَسِرَةِ قلوبهم . اهـ .

والله تعالى أعلم .عبد الرحمن السحيم
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق