إن كنت خطيباً أو داعية فخرِّج ما ترويه من أحاديث .. !!!
|
حسام الدين سليم الكيلاني |
إنَّ الحمد لله، نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونستهديهِ، ونعوذُ باللهِ من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنَّه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. ثم أمَّا بعد: فإنَّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمَّد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. كثير من الدعاة والخطباء اليوم يروون الأحاديث النبوية دون الرجوع إلى الكتب المصادر الأصلية ، فيقعون في المحظور وهو رواية أحاديث لا ولم تصح ، إذ يكفي الواحد منهم ــ إلا من رحم ربك ــ أن يجد حديثاً غريباً عن العامة هنا أو هناك فيظنه مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو تعجبه قصة أو شيء من السيرة غريب عن العامة قرأه في بطن بعض الكتب غير المصدرية ، فيصنع من هذا الحديث أو القصة خطبةً ويجعلها أساس موضوعه ودرسه وهدفاً يدافع عنه ، ولو أنه عاد إلى الأصل لعرف بطلان ما يقول . والعودة إلى الأصول هي ما نسميه في علوم الحديث التخريج بشكل مبسط ! فما هو التخريج عند علماء الحديث ؟ ومتى وكيف نشأ علم التخريج ؟ وما هي فوائد علم التخريج بالنسبة للحديث ، عند طالب العلم والداعية ؟ وما هي الفوائد العامة للتخريج ، عند طالب العلم والداعية ؟ تعريف ( التخريج ) في اصطلاح المحدثين : ( عزو الأحاديث إلى مخرجيها من أئمة الحديث في كتبهم المسندة الأصلية مع الحكم عليها) وهذا التعريف يشمل جانبين اثنين : أولاً : معرفة مكان وجود الحديث . ثانياً : معرفة درجة الحديث هل هو صحيح أم حسن أم ضعيف ؟ وبالتالي فإن الداعية لن يقع برواية أحاديث لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هو عرف مكان وجود ما يرويه من أحاديث وعرف درجتها . الكتب المسندة الأصلية : ما معنى الأصلية ؟ الكتب المسندة الأصلية هي التي وضعت للرواية ، مروية بالأسانيد وليست كتباً للجمع، فلا يدخل في هذه الكتب الأصلية مثل الكتب التي تعتني بالجمع لأحاديث ذات صفة معينة ، مثل الجمع بين الصحيحين، أو كتاب يجمع فيه مؤلفه عدد من الكتب، أو الكتب المختصرة التي تقوم بحذف للأسانيد للتقريب وللتسهيل للطلاب، أو التي توصف بالموضوعية في نفس الوقت والتي وضعها بعض العلماء لما رأوا تقاعس الهمم وتقريب الحديث أو تقريب ما ينفع الناس إليهم، فصنع البغوي [ مصابيح السنة ] مجرداً من الأسانيد ليس فيه إلا الصحابي الراوي، وكما صنع النووي رحمه الله في كتابه [ رياض الصالحين ] على سبيل المثال . فلا يصح أن تخرِّج حديث فتقول : " انظر مصابيح السنة باب كذا أو كتاب كذا ، أو انظر رياض الصالحين باب كذا " ! فهذا قصور في التخريج ، والعزو لا بد فيه من الرجوع إلى الكتب الأصلية . ثم اعلم أخي في الله أن الحكم ثمرة مهمة من ثمار التخريج، أي لو قلت لك باستثناء بعض الكتب التي اتفق على صحتها كالبخاري ومسلم، إذا قلنا : " أخرجه الإمام أحمد في مسنده " فليس في هذا ما يدل على الصحة أو الضعف أو الـحُسن ، وإذا أحلنا إلى غيرهم من الكتب ، سواء كانت مشهورة أو غير مشهورة ؛ فإن ذلك لا يدل على معرفة درجة الحديث ، وهذه المعرفة بدرجة الحديث هي الأمر المهم الذي نحتاج إليه . متى وكيف نشأ علم التخريج ؟ علم التخريج من علوم الحديث المتأخرة ؛ وذلك لأن الحاجة إليه جاءت متأخرة أيضاً، المتقدمون من المحدثين كانوا يروون الأحاديث بأسانيدهم ويحفظون الطرق والأسانيد والاختلاف بينها، فلما صنفوا الكتب صنفوها على هذا النحو أسندوا الأحاديث وأسندوا الآثار بل وأسندوا فتاوى التابعين وأسندوا حتى أقوال الأئمة ومن جاء بعدهم ، بل وحتى الأشعار، فلم يكن هناك حاجة لمن يطالعون هذه الكتاب إلى أن يبحثوا عن شيء آخر، فإنما أمامهم الأسانيد وعندهم أسماء الرجال وعلم أحوال الرجال متوفر في ذلك العصر . لكن لما اتسعت دائرة الإسلام وتوسعت دوائر التصنيف ، احتاج الناس إلى كتب في الفقه ، وأخرى في العقيدة ، وكذلك اللغة ، وفي أصول الفقه ، وفي التربيه والسلوك والرقائق .. فكل من كتب هذه العلوم لا بد وأن يستشهد بالقرآن الكريم وبأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، ولو أن مستشهداً بآية أو حديث توسع عند استشهاده بها أو عند استشهاده ذكر المصدر والمرجع والمعنى وبيان الغريب والصحة والضعف لخرج عن مقصود كتابه ، فلما احتاجوا إلى الاختصار في هذه الكتب والاقتصار على المقصود منها في العلوم، جاء بعض علمائهم بهذه الأحاديث مجردة عن التخريج مجردة عن التصحيح والتضعيف . وكثر هذا النوع من التصنيف ، ولكن ظهرت مشكلة بعد ذلك هو أنه إذا وجدت كتب في علوم شتى من لغة وفقه وتفسير .. و فيها نصوص من حديث رسول الله صلى الله عله وسلم ويقرأها القارئ من غير أهل العلم بالحديث فلا يعرف موضعها من كتب السنة ولا يعرف موقعها من الصحة والضعف ولا يعرف بعض معاني غريبها ولا يعرف ألفاظ رواياتها .. فحينئذ وجدت الحاجة إلى بيان ذلك لمن أراد أن ينتفع بهذه الكتب ما دام ليس من أهل الحديث وليس من طلابه . فوائد علم التخريج بالنسبة لطالب العلم : 1 ــ معرفة درجة الحديث : وهي أهم فائدة وقد ذكرناها في سياق الحديث السابق . 2 ــ معرفة الأخطاء بوجه عام : لأن التخريج فيه تتبع للطرق وجمع للروايات، ولذلك قال العلماء الإطلاع على علة الخبر من فوائد التخريج،حينما تجمع جميع طرق الحديث ، وكما قال على بن المديني : ) الباب إذا لم يتبين طرقه لم يُجمع خطأه ) . 3 ــ الاطلاع على علة الخبر بانكشاف الغلط . 4 ــ الإعانة على فهم الحديث . 5 ــ تعارض الجمع بين الأحاديث : أحياناً يظهر مسائل ظاهرها التعارض وأحاديث ظاهرها التعارض وهي غير قليلة قد جمع الإمام الطـحاوي كتاباً كاملاً فيها وسماه [ مشكل الآثار ] في معناها ، أو فيها نوع من التعارض مـع بعض الأحاديث وربما مع بعض الآيات، فإذا جمعت الروايات أمكن أن يظهر المعنى الذي يتضح به أن هذه الأحاديث يمكن الجمع بينها دون تعارض، لذلك قال ابن دقيق العيد رحمه الله قال : ( إذا اجتمعت طرق الحديث يستدل في بعضها على بعض ويجمع ويظهر به المراد ) . 6 ــ الترجيح عند التعارض : إذا تعارضت الأحاديث لم نستطيع الجمع بينها، عندئذ يمكن تخريج الصحيح والضـعيف ، ومنها أيضاً معرفة مراتب الرواة، عند هذا يظهر لنا الراوي الذي فيه تفرُّد والراوي الذي فيه جهالة فنقوم بالترجيح بين هذه الروايات جميعاً . 7 ــ بيان أحوال المتن : عندما نجمع الروايات يظهر إذا كان في المتن إدراج أو إذا كان في المتن اضطراب أو نحو ذلك . ومعرفة هذه الأشياء والأمور ليست بالشيء السهل ، فهذا هو طريق العلماء وطلبة العلم إن أرادوا الوصول إلى المقصود وبالله المستعان . الفوائد العامة للتخريج : 1 ــ إدراك عظمة جهود علماء الأمة : ومعرفة الخير العميم الذي ساقوه إلينا عندما وضعوا هذه التصانيف وخلفوا الثروة العلمية الهائلة، التي لولا فضل الله عز وجل علينا بأن هيأهم وسخرهم أن يضعوها لكنا نتخبط خبط عشواء ، وأضعنا شيئاً مما نفتقر إليه في أمور ديننا ودنيانا، فلو تأملنا واستعرضنا كثيراً من بعض كتب التخريج ؛ فإننا نرى عجباً عجاباً وعلماً غزيراً ، وحافظة غريبة ، وجهداً مضنياً ، وإطلاعاً واسعاً ، ودقة متناهية و تحرياً مفرطاً . والحق علينا اليوم من علماء وطلبة علم أن نقوم فنشكر علماءنا وأئمتنا ونعرف لهم قدرهم وحقهم ونستفيد من ذلك فائدة عظيمة جليلة ، أن ننسج على منوالهم وأن نسير على آثارهم ، وأن يكون فينا بعض ما كان عندهم من جهد وهمة وإخلاص . 2 ــ ضرورة الاعتماد على الدليل : وهذه منهجية عامة عند المسلمين، فان المسلم لا يقلد بدينه الرجال فضلاً عن أن يقلد بدينه الهوى والمزاج والظروف، كما نسمع اليوم كل من جاءته مسألة في ضرورة الأحكام كل من عرضت له هذه المسألة استشهد على الفتوى استشهاداً باطلاً، وليقول بعد ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم لوابصة بن معبد : ( استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك ) . حتى كثرت فتاوى القلوب الضالة ، إذ يكون القلب ضالاً مشرئباً بالأهواء ، مليئاً بالسواد والظلمة .. فما تأتي فتوى منه إلا فتوى انحراف .. كذلك نسمع اليوم ساعة لقلبك ولضرورات الأحكام، والإسلام دين العصر وكذا، أين آثارك من آيات القرآن أين دليلك من أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لا شيء من ذلك ولا ذاك . بينما العلماء يعلموننا بهذا العلم أننا وإن استشهدنا بحديث لرسول الله أو بأثر عن صحابي من الصحابة فإننا لا نقنع لمجرد أن يأتينا به ، بل نفصل القول لمصدره وفي طريقه وفي ألفاظه وفي معانيه وفي درجة صحته أو ضعفه أو إلى غير ذلك مما هو معلوم . فهذه منهجية أضعها بين يديك أخي في الله ، وهي المنهجية التي تاهت و ضاعت و ضعفت في واقع مجتمعنا اليوم بين عامة الناس بل حتى بين بعض أو كثير من طلبة العلم . وبالتالي فإنه لزام على طلبة العلم و خاصة الخطباء منهم والدعاة أن يعتنوا بهذا العلم وأن يتقيدوا بأصول الرواية والتخريج فإنه أسلم لدينهم وأسلم لعقيدتهم وأنفع لهم رواية ودراية ، وحتى لا يقع أحدهم بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يروي أمراً مكذوباً أو موضوعاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإليك أخي في الله بعضاً من الأحاديث التي تحذر من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرج البخاري في صحيحه برقم ( 106 ) فقال : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ قَالَ سَمِعْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَلِجْ النَّارَ )) . وله أيضاً برقم ( 107 ) قال : حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ إِنِّي لَا أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يُحَدِّثُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : (( مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ )) . وأخرج الترمذي في الجامع الصحيح برقم ( 2257 ) فقال : حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَال سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّكُمْ مَنْصُورُونَ وَمُصِيبُونَ وَمَفْتُوحٌ لَكُمْ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيَنْهَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفعني وإياكم بطلب العلم وأن يفقهنا في دينه إنه هو السميع العليم . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . |
الثلاثاء، 4 نوفمبر 2014
إن كنت خطيباً أو داعية فخرِّج ما ترويه من أحاديث
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق