الاثنين، 10 نوفمبر 2014

الحساب فردي

انتبـــه الحســـاب فـــردي


إن الحسـاب عنـد الله فـردي . قـال تعالـى :
{ يَـوْمَ تَأْتِـي كُـلُّ نَفْـسٍ تُجَـادِلُ عَـن نَّفْسِـهَا ... } . سورة النحل / آية : 111 .
يأتـي كـل إنسـان يجـادل عـن ذاتـه ، لا يهمـه غيـره مـن النـاس ، وإنمـا سـيأتي يـوم القيامـة ، ويُسـأل عـن حالـه ، عـن عملـه ، عـن نفسـه هـو ، لـن يُسـأل عـن غيـره .

" يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا " كل يقول نفسي, لا يهمه سوى نفسه.
ففي ذلك اليوم, يفتقر العبد إلى حصول مثقال ذرة من الخير.
"
وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ " من خير وشر " وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ " فلا يزاد في سيئاتهم, ولا ينقص من حسناتهم " فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ "
تفسير السعدي

وقـال سـبحانه : { كُـلُّ نَفْـسٍ بِمَـا كَسَـبَتْ رَهِينَـةٌ } . سورة المدثر / آية : 38 .
كل نفس محبوسة بعملها, مرهونة عند الله بكسبها, ولا تفك حتى تؤدي ما عليها من الحقوق والعقوبات,
تفسيرالسعدي
وقـال سـبحانه : { وَكُلُّهُـمْ آتِيـهِ يَـوْمَ الْقِيَامَـةِ فَـرْداً } سورة مريم / آية : 95 .
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا " أي: لا أولاد, ولا مال, ولا أنصار, ليس معه, إلا عمله, فيجازيه الله, ويوفيه حسابه, إن خيرا فخير, وإن شرا فشر كما قال تعالى " وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ"
تفسير السعدي
فالحسـاب حسـاب فـردي ، ولـن ينفـع أحـدٌ أحـدًا .
قـال تعالـى :
{ ضَرَ‌بَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُ‌وا امْرَ‌أَتَ نُوحٍ وَامْرَ‌أَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ‌ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴿١٠﴾ } . سورة التحريم / آية : 10 .
هنا} .



ضرب الله مثلا لحال هؤلاء الكفرة في مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم, وأن ذلك لا ينفعهم لكفرهم بالله- بحال زوجة نبي الله نوح, وزوجة نبي الله لوط: حيث كانتا في عصمة عبدين من عبادنا صالحين, فوقعت منهما الخيانه لهما في الدين, فقد كانتا كافرتين, فلم يدفع هذان الرسولان عن زوجتيهما من عذاب الله شيئا, وقيل للزوجتين: ادخلا النار مع الداخلين فيها.
وفي ضرب هذا المثل دليل على أن القرب من الأنبياء, والصالحين, لا يفيد شيئا مع العمل السيء.
تفسير السعدي
وقـال سـبحانه :
{ فَـإِذَا جَـاءتِ الصَّاخَّـةُ * يَـوْمَ يَفِـرُّ الْمَـرْءُ مِـنْ أَخِيـهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِـهِ وَبَنِيهِ * لِكُـلِّ امْـرِئٍ مِّنْهُـمْ يَوْمَئِـذٍ شَـأْنٌ يُغْنِيـهِ } . سورة عبس / آية : 33 ـ 37 .
فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ  
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ *
يوم يفر المرء لهول ذلك اليوم من أخيه,
لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ"

لكل واحد منهم يومئذ أمر يمنعه من الانشغال بغيره.
تفسير السعدي
وقـال سـبحانه :
{ وَمَـا أَدْرَاكَ مَـا يَـوْمُ الدِّيـنِ * ثُـمَّ مَـا أَدْرَاكَ مَـا يَـوْمُ الدِّيـنِ * يَـوْمَ لاَ تَمْلِـكُ نَفْـسٌ لِّنَفْـسٍ شَـيْئاً وَالأَمْـرُ يَوْمَئـِذٍ للهِ } سورة الانفطار / آية : 17 ـ 19 .
{ وَكُـلُّ صَغِيـرٍ وَكَبِيـرٍ مُسْـتَطَرٌ }
سورة القمر / آية : 53 .

عـن عـدي بـنِ حاتـمٍ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" مـا منكـم أحـدٌ إلا سـيكلمه ربُّـهُ ليـس بينـه وبينـه تُرجُمَـان ، فينظـرُ أيمـنَ منـه فـلا يـرى إلا مـا قَـدَّمَ مـن عملِـه ، وينظـرُ أشـأمَ منـه فـلا يـرى إلا مـا قـدَّم ، وينظـرُ بيـن يديـه فـلا يـرى إلا النـار تلقـاء وجهـه ، فاتقـوا النـارَ ولـو بشـقِ تمـرةٍ " .
صحيح البخاري . متون / ( 97 ) ـ كتاب : التوحيد / ( 36 ) ـ باب : كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم / حديث رقم : 7512 / ص : 871 .

  • النجـــاة
ـــــــــ
فهيـا نلتمـس طريـق النجـاة ، ونبحـث عـن معالـم هـذا الطريـق لنكـون مـن أهلـه . وأول الطريـق تعاهـد القلـب وتحسـسـه فـي كـل وقـت وحيـن .


* * * * *

أيها الأحبة في الله! عنوان درسنا هو: "وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:95] هذه الآية الكريمة، تقرر مرجعية الناس كلهم إلى الله بعد أن يتخلوا عن كل إمكانياتهم وقدراتهم، وما كانوا يظنون أنه يمكن أن ينفعهم "وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:95] بدون مال، وجاه، ومنصب، وولد، وبلا حول، ولا قوة، بل كما قال الله عز وجل: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:94] يُخلق الإنسان ويأتي إلى الدنيا فرداً، ويستقبل في خرقة، ويعيش فترة من العمر إلى أن يموت، ثم يموت ويرجع إلى الله فرداً مودعاً في خرقة أخرى وهي خرقة الكفن، وهو بين الخرقتين حياته تتوقف ومصيره في الآخرة على ضوء سلوكه وعمله فيما بين الخرقتين: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ [الأنعام:94] ما خولكم الله عز وجل من المال والأولاد والزوجات والدور والقصور والجاه والمكانة والمنصب والرتب كلها تركتموها وراء ظهوركم وجاء الإنسان إلى الله، يخرج من الدنيا كما تخرج الشعرة من العجين، جاء بالعمل: إما حسنات وإما سيئات؛ حسنات اكتسبها من سيره في طريق الله، والتزامه بكتاب الله، وتمسكه بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتسب الحسنات.
أو سيئات حملها على ظهره نتيجة وقوعه فيما حرم الله، أو تركه لما أمر الله، وأما تصديقه لما أخبر الله فيحمل إما سيئات أو حسنات يقول الله عز وجل: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:89-90]

 ما هو إلا ما كنتم تجمعون وتحتلون من الدنيا "هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:90]

 القضية قضية عمل، عندك عمل تنجو وتفلح، ليس عندك عمل تسقط ولو كنت من كنت، إن الله لا ينظر إلى الصور والأجسام والأشكال، ولكن ينظر فقط إلى القلوب وأعمال القلوب الحية السليمة المطمئنة الرقيقة، المنيبة المخبتة الخاشعة التي تخشع لعظمة الله.
فهذه القلوب الله عز وجل يرفع بها أصحابها يوم القيامة بالعمل الصالح، من جاء بالحسنة.. العملة الدارجة يوم القيامة ليست الريال ولا الدرهم ولا الدينار ولا الدولار وإنما الحسنات فقط.
بعض الناس في الدنيا فقير المال لكنه مليونير حسنات، وبعض الناس في الدنيا غني في المال لكن ليس عنده حسنة، فقير في الآخرة -والعياذ بالله- ولهذا يقال: إذا رأيت أحداً ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة، إذا نافسك في الدنيا يبني بجوارحك أربعة خمسة أدوار، ابن أنت في الجنة واشتغل في القرآن، احفظ كتاب الله، حفظ زوجتك وأولادك وبناتك كتاب الله، اذهب كل يوم إلى المسجد، كل يوم أنت وأهلك، زوجتك مع الأمهات، وبناتك مع التلميذات، وأولادك مع الأولاد، وأنت مع الكبار في المسجد من بعد العصر إلى بعد العشاء في الحلقات؛ تخرجون وعندكم مثل الجبال من الحسنات، لماذا؟ لأن بكل حرفٍ من القرآن تقرءونه عشر حسنات (لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) ما هذه التجارة يا إخواني؟! ولكن ما بال الناس يزهدون فيها؛ لأنهم لا يعرفون قيمة الحسنات، ولا يعرف قيمة الحسنات إلا العالم بالله، مثل الذهب لا يعرفه إلا صاحب الخبرة، ولو أتيت بالذهب عند الفحام، فسوف يرميه لأنه يريد فحماً فقط، وأيضاً لو أتيت عند الذي يجمع البعر والروث كي يفعل به سماداً لرماه لا يعلم أنه ذهب، وكذلك الذي يعرف الله ويعرف دين الله وحقيقة الحياة يعرف قيمة الحسنات، ولهذا يجمع فيها ويحصل منها ويسابق إليها ولا يشبع من خيرٍ حتى تكون نهايته الجنة.
قال تعالى: وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:95] جاءت الآيات الكريمات

 في القرآن الكريم لتبين لنا في مواضع ثانية كيف الإتيان على الله؟ وكيف القدوم عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق