الجمعة، 3 مارس 2017

الزهد والمال

الزهــد والمـــال

ممـا لاشـك فيـه ، أن أهـم رمـز مـن رمـوز الدنيـا هـو " المـال " ، فهـو فـي نظـر النـاس الوسـيلة الأكيـدة لتحصيـل مـا يريـدون تحصيلـه مـن حاجـات أو ملـذات ، أو شـهوات ، ولقـد جُبلـت النفـوس علـى حبـه والشـح بـه .
قـال تعالـى " وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا " سورة الفجر / آية : 20 .
وعلـى عكـس الكثيـر مـن شـهوات الدنيـا ، فـإن شهوة المال لا تنطفئ أبدًا ، فكلما كثُرَ المالُ وتنامَى ازداد النَّهَمُ تجاهه ، كالنارِ كلما زِيدَ في وقودِهَا اشتدَّ اشتعالُهَا .
يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم " لو أنَّ لابنِ آدمَ مثلُ وادٍ مالًا لأحبَّ أن له إليه مثلَه ، ولا يملأُ عينَ ابنِ آدم إلَّا التُّرابُ ، ويتوبُ اللهُ على من تاب" . قال ابنُ عبَّاسٍ : فلا أدري من القرآنِ هو أم لا . قال : وسمِعتُ ابنَ الزُّبيرِ يقولُ ذلك على المنبرِ . الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 6437 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
الشرح

يُبَيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم أنَّه لَو أنَّ لابنِ آدَمَ مِثلَ "وادٍ"، والوادي هو كلُّ مُنفَرِجٍ بَينَ جِبالٍ أو آكامٍ، وَهو مَنْفَذُ السَّيلِ. مالًا لأَحَبَّ أنَّ له إليه مِثْلَه، ولا يَملَأُ عَيْنَ ابنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ. وَيَتوبُ اللَّهُ على مَن تابَ، أي: يَقبَلُ تَوبةَ الحَريصِ، كَما يَقبَلُها مِن غَيرِهِ. قال ابنُ عَبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما: فَلا أدْري مِن القُرآنِ- المَنسوخِ تِلاوَتُه- هو، أي: الحَديثِ المَذكورِ، أم لا؟
وَسَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ الزُّبَيرِ يَقولُ ذلك على المِنْبَرِ بِمَكَّةَ المُشَرَّفَة.
في الحديثِ: ما يَدُلُّ على أنَّ الآدَميَّ لا يُشبِعُه كَثرَةُ المالِ، وأنَّهُ لا يَملَأُ بَطنَه إلَّا التُّرابُ.
وفيه: أنَّ الإكثارَ مِن المالِ لا يُقَلِّلُ مِن حِرصِ الآدَميِّ، وَلا يَهضِمُ مِن شَرَهِه.
وفيه: الحَذَرُ مِن الانشِغالِ بِالمالِ، والفِتنةِ بِالمالِ.
وفيه: أنَّ المُؤمِنَ يَنبَغي أن يَكونَ أكْبَرَ هَمِّهِ العَمَلُ لِلآخِرةِ، وألَّا يَشغَلَ بالدُّنيا وشَهَواتِها
.الدرر السنية .

ومن هنا تظهر قيمةُ الإنفاقِ في سبيلِ اللهِ كعلاجٍ أكيدٍ لحبِّ الدنيا والتَّعَلُّق بها . فحين تنفق المالَ فإنك بذلك تطفئ شهوته داخلك ، وكلما أكثرت من الإنفاق وداومت عليه كلما تحررت من أسر الدنيا . ولكي ننتفع بهذا " الدواء " ، علينا بالمداومة على الإنفاق في سبيل الله بصورة يومية ، ولو بأقل القليل ، وإن بلغ شق تمرة، وكلما انشغل المسلم بشيء من الدنيا فليبادر بالإنفاق ، وكلما كثرت الهموم ، وازداد الخوف من الفقر والمستقبل المجهول فعلينا بالإنفاق
رسالة هلموا إلى ربكم / ص : 69 / بتصرف .

ـ عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ "
ما من يومٍ يصبحُ العبادُ فيه، إلا ملَكان ينزلان، فيقول أحدُهما : اللهم أعطِ مُنفقًا خلفًا، ويقول الآخرُ : اللهم أعطِ مُمسكًا تلفًا" . الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 1442| خلاصة حكم المحدث : صحيح| شرح الحديث - الدرر السنية .
شرح الحديث:

يُحبِّبُنا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في التَّصدُّقِ والإنفاقِ في وجوهِ الخير، ويخبِرُنا بأنَّه ما مِن يومٍ إلى قيام الساعة إلَّا ويُنزِل اللهُ ملَكينِ، يدعو أحدُهما بأنْ يَعطيَ اللهُ للمُتصدِّقِ عِوضًا عمَّا أنفَقه وأعطاه، ويدعو الآخَرُ بأن يُعطيَ اللهُ للمُمسِك البخيلِ تلَفَ مالِه أو نفسِه، أو هلاكَه وضَياعَه.
في الحديثِ: الحضُّ على الإنفاقِ في الواجباتِ؛ كالنَّفقةِ على الأهلِ، وصِلةِ الرَّحِم، ويدخُلُ فيه صدقةُ التَّطوُّعِ والفرضِ.
وفيه: أنَّ المُمسِكَ يستحِقُّ تلَفَ مالِه.

ـ عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال :

" [h=5]- قال اللهُ عزَّ وجلَّ : أنفقْ أُنفقْ عليك ، وقال : يدُ اللهِ ملأى لا تغيضُها نفقةٌ ، سحَّاءُ الليلِ والنهارِ . وقال : أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماءَ والأرضَ فإنه لم يَغِضْ ما في يدِه ، وكان عرشُه على الماءِ ، وبيدِه الميزانُ يخفضُ ويرفعُ[/h] الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 4684 | خلاصة حكم المحدث : صحيح |الدرر السنية .

شرح الحديث


يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا الحديثِ القُدسيِّ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقول: ((أَنفِقْ أُنفِقْ عليكَ، وقال: يَدُ اللهِ مَلأى))، أيْ: شديدة الامتِلاء بالخَير، ((لا تَغِيضُها))، أي: لا تَنقُصُها، ((نفَقةٌ، سَحَّاءُ اللَّيلِ والنَّهارِ))؟، "وسحَّاء"، أي: كثيرةُ العطاءِ، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أخبِروني ما أَنْفَق))، أي: الذي أنفَقَه منذُ خَلَق السَّماء والأرض؛ ((فإنَّه لم يَغِضْ))، أي: لم يَنقُصْ ما في يَدِه، ((وكان عَرْشُه على الماءِ، وبيدِه المِيزانُ: يَخْفِض)) مَن يَشاءُ، ((ويَرفَع)) مَن يَشاء، وأئمَّةُ السُّنَّةِ على وُجوبِ الإيمانِ بهذا الحديثِ وأشباهِه من غَيرِ تأويلٍ؛ بل يُمرُّونَه على ظاهرِه كما جاءَ، ولا يُقال: كيف.
في الحديث: الحَضُّ على الإنفاقِ فِي الواجباتِ كالنفقةِ على الأهلِ، وصِلةِ الرَّحمِ، ويَدخُل فيه أيضًا صَدقةُ التطوُّعِ، والوعدُ بإخلافِ اللهِ تعالى على المُنفِقِ.
وفيه: إثباتُ صِفةِ اليَدِ للهِ سبحانه على ما يَليقُ بكمالِه وجلالِه.
الدرر السنية .

ـ عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ ؛ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال " مـا مـن يـومٍ طلعـت شـمسُه إلا وكـان بجَنْبَتَيْهَـا مَلَكـان يناديـان نـداءً يسـمعه ما خلـق الله كلُّهـم غيـرُ الثقليـن : " يـا أيهـا النـاس هَلُمُّـوا إلـى ربكـم ؛ فـإن مـا قَـلَّ وكفـى ، خيـرٌ ممـا كَثُـرَ وألْهـى " .

رواه البيهقي من طريق الحاكم . وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب /ج : 1 / كتاب الصدقات / حديث رقم : 917 / ص : 547 .

ـ عـن أبـي سـعيد الخـدري ـ رضي الله عنه ـ عـن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال : " مـا أُحـب أنَّ لـي أُحـدًا ذهبـًا ، أَبْقَـى صبـحَ ثالثـةٍ وعنـدي منـه شـيءٌ ، إلا شـيءٌ أُعِـدُّه لِدَيْـن " .

رواه البزار . وقال الشيخ الألباني رحمه الله صحيح لغيره . صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 /
كتاب : الصدقات / حديث رقم : 931 / ص : 554 .

ـ عـن ابـن مسـعود ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" أيكـم مـالُ وارِثـه أحـبُّ إليـه مـن مالـه ؟ " .
قالـوا : يـا رسـول الله ! مـا منَّـا أحـدٌ إلا مالُـه أحـبُّ إليـه مـن مـال وارثـه .
قـال صلى الله عليه وعلى آله وسـلم : " فـإنَّ مالَـه مـا قـدَّم (1) ، ومـالَ وارثـه ما أخَّـر (2) " .

رواه البخاري والنسائي . صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 / كتاب : الصدقات /
حديث رقم : 920 / ص : 548 .
( 1 ) مـا قـدم : أي مـا أنفقـه فـي سـبيل الله حـال حياتـه .
( 2 ) مـا أخـر : أي تركـه لورثتـه بعـد مماتـه .

ـ عـن طلحـة بـن يحيـى عـن جَدتـه سُعْـدى قالـت :
دخلـتُ يومـًا علـى طلحـة ـ تعنـي ابـن عبيـد الله ـ فرأيـتُ منه ثِقـلاً (1) ، فقلـتُ لـه : مالـك ؟ ! لعلـك رَابَـكَ (2) منا شـيء فَنُعْتِبَـكَ (3) ؟ قـال : لا ، وَلَنِعْـمَ حَليلـةُ المـرءِ المسـلمِ أنـتِ ، ولكـنْ اجتمـع عنـدي مـالٌ ، ولا أدري كيـف أصنـع بـه ؟
قالـت : ومـا يَغُمُّـكَ منـه ؟ ادع قومَـكَ ، فاقسـمه بينهـم .
فقـال : يا غـلام ! علـيَّ بقومـي .
فسـألتُ الخـازنَ : كـم قَسـمَ ؟ . قـال : أربعمائـة ألـف .

رواه الطبراني . وقال الشيخ الألباني حسن موقوف / صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 /
كتاب : الصدقات / حديث رقم : 925 / ص : 550 .

-11-
( 1 ) ثقـلاً : ثَقُـلَ عـن حاجتـي : تباطـأ . والمقصـود الجفـاء والتجنـب .
( 2 ) رابـك : الريـب : إسـاءة الظـن والشـك والتهمـة .
( 3 ) فنعتبـك : أي نعطيـك العتبـى ، وهـو الرجـوع عـن الإسـاءة إلـى ما يرضـي القلـب .

ـ عـن مالـك الـدار (1) : أن عمـر بـن الخطـاب ـرضي الله عنهـ أخـذ أربَعمائـة دينـار ، فجعلهـافـي صُـرّةٍ ، فقـال للغـلام : اذهـب بهـا إلـى أبـي عبيـدةَ بـن الجـرَّاحِ ، ثـم تَلَـهَّ فـي البيـت [ سـاعةً ] ؛ تنظـر ما يصنـع ؟ .
فذهـب بهـا الغـلام إليـه ، فقـال : يقـول لـك أميـر المؤمنيـن : اجعـل هـذه فـي بعـض حاجتِـك .
فقـال : وَصَلَـهُ الله ورحمـهُ ، ثـم قـال : تعالـي يـا جاريـة ! اذهبـي بهـذه السـبعة إلى فـلان ، وبهـذه الخمسـة إلـى فـلان ، وبهـذه الخمسـة إلـى فـلان ، حتـى أنفذهـا .
ورجـع الغـلامُ إلـى عمـرَ ، فأخْبَـرَهُ ، فوجـده قـد أعـدَّ مثلهـا لمعـاذ بـن جبـل ، فقـال : اذهـب بهـا إلـى معـاذ بن جبـل ، وتَلَـهَّ فـي البيـت [ سـاعةً ] حتـى تنظـرَ ما يصنـع ؟ .
فذهـب بها إليـه ، فقـال : يقـولُ لـك أميـرُ المؤمنيـن : اجعـل هـذه فـي بعـض حاجتـك .
فقـال رَحِمَـهُ اللهُ ووصَلَـهُ ، تعالـي يـا جاريـة ! اذهبـي إلـى بيـت فـلان بكـذا ، اذهبـي إلـى بيـت فـلان بكـذا ، اذهبـي إلـى بيـت فـلان بكـذا ، فاطَّلَعَـتْ امـرأةُ معـاذ وقالـت : نحـن والله مسـاكينُ ؛ فأعْطِنَـا ، فلم يبـقَ فـي الخرقـةِ إلا دينـاران ، فدحـى (2) بهمـا إليهـا ، ورجـع الغـلامُ إلى عمـرَ فأخبـره ، فَسُـرَّ بذلـك ، فقـال :
إنهـم إخـوة ، بعضهـم مـن بعـض .

رواه الطبراني في الكبير . قال الشيخ الألباني رحمه الله حسن موقوف . صحيح الترغيب والترهيب /
ج : 1 / كتاب : الصدقات / حديث رقم : 926 / ص : 551 .
( 1 ) مالـك الـدار : اسـم شـخص .
( 2 ) فدحـى : رمـى .,[1] => 1,[2] => 1,[3] => 0)),[2] => Array ([file] => /home/vol13_1/byethost11.com/b11_13506655/htdocs/includes/class_bbcode.php,[line] => 456,[function] => do_parse,[class] => vB_BbCodeParser,[type] => ->,[args] => Array ([0] =>
الزهــد والمـــال

ممـا لاشـك فيـه ، أن أهـم رمـز مـن رمـوز الدنيـا هـو " المـال " ، فهـو فـي نظـر النـاس الوسـيلة الأكيـدة لتحصيـل مـا يريـدون تحصيلـه مـن حاجـات أو ملـذات ، أو شـهوات ، ولقـد جُبلـت النفـوس علـى حبـه والشـح بـه .
قـال تعالـى " وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا " سورة الفجر / آية : 20 .
وعلـى عكـس الكثيـر مـن شـهوات الدنيـا ، فـإن شهوة المال لا تنطفئ أبدًا ، فكلما كثُرَ المالُ وتنامَى ازداد النَّهَمُ تجاهه ، كالنارِ كلما زِيدَ في وقودِهَا اشتدَّ اشتعالُهَا .
يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم " لو أنَّ لابنِ آدمَ مثلُ وادٍ مالًا لأحبَّ أن له إليه مثلَه ، ولا يملأُ عينَ ابنِ آدم إلَّا التُّرابُ ، ويتوبُ اللهُ على من تاب" . قال ابنُ عبَّاسٍ : فلا أدري من القرآنِ هو أم لا . قال : وسمِعتُ ابنَ الزُّبيرِ يقولُ ذلك على المنبرِ . الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 6437 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
الشرح

يُبَيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم أنَّه لَو أنَّ لابنِ آدَمَ مِثلَ "وادٍ"، والوادي هو كلُّ مُنفَرِجٍ بَينَ جِبالٍ أو آكامٍ، وَهو مَنْفَذُ السَّيلِ. مالًا لأَحَبَّ أنَّ له إليه مِثْلَه، ولا يَملَأُ عَيْنَ ابنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ. وَيَتوبُ اللَّهُ على مَن تابَ، أي: يَقبَلُ تَوبةَ الحَريصِ، كَما يَقبَلُها مِن غَيرِهِ. قال ابنُ عَبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما: فَلا أدْري مِن القُرآنِ- المَنسوخِ تِلاوَتُه- هو، أي: الحَديثِ المَذكورِ، أم لا؟
وَسَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ الزُّبَيرِ يَقولُ ذلك على المِنْبَرِ بِمَكَّةَ المُشَرَّفَة.
في الحديثِ: ما يَدُلُّ على أنَّ الآدَميَّ لا يُشبِعُه كَثرَةُ المالِ، وأنَّهُ لا يَملَأُ بَطنَه إلَّا التُّرابُ.
وفيه: أنَّ الإكثارَ مِن المالِ لا يُقَلِّلُ مِن حِرصِ الآدَميِّ، وَلا يَهضِمُ مِن شَرَهِه.
وفيه: الحَذَرُ مِن الانشِغالِ بِالمالِ، والفِتنةِ بِالمالِ.
وفيه: أنَّ المُؤمِنَ يَنبَغي أن يَكونَ أكْبَرَ هَمِّهِ العَمَلُ لِلآخِرةِ، وألَّا يَشغَلَ بالدُّنيا وشَهَواتِها
.الدرر السنية .

ومن هنا تظهر قيمةُ الإنفاقِ في سبيلِ اللهِ كعلاجٍ أكيدٍ لحبِّ الدنيا والتَّعَلُّق بها . فحين تنفق المالَ فإنك بذلك تطفئ شهوته داخلك ، وكلما أكثرت من الإنفاق وداومت عليه كلما تحررت من أسر الدنيا . ولكي ننتفع بهذا " الدواء " ، علينا بالمداومة على الإنفاق في سبيل الله بصورة يومية ، ولو بأقل القليل ، وإن بلغ شق تمرة، وكلما انشغل المسلم بشيء من الدنيا فليبادر بالإنفاق ، وكلما كثرت الهموم ، وازداد الخوف من الفقر والمستقبل المجهول فعلينا بالإنفاق
رسالة هلموا إلى ربكم / ص : 69 / بتصرف .

ـ عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ "
ما من يومٍ يصبحُ العبادُ فيه، إلا ملَكان ينزلان، فيقول أحدُهما : اللهم أعطِ مُنفقًا خلفًا، ويقول الآخرُ : اللهم أعطِ مُمسكًا تلفًا" . الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 1442| خلاصة حكم المحدث : صحيح| شرح الحديث - الدرر السنية .
شرح الحديث:

يُحبِّبُنا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في التَّصدُّقِ والإنفاقِ في وجوهِ الخير، ويخبِرُنا بأنَّه ما مِن يومٍ إلى قيام الساعة إلَّا ويُنزِل اللهُ ملَكينِ، يدعو أحدُهما بأنْ يَعطيَ اللهُ للمُتصدِّقِ عِوضًا عمَّا أنفَقه وأعطاه، ويدعو الآخَرُ بأن يُعطيَ اللهُ للمُمسِك البخيلِ تلَفَ مالِه أو نفسِه، أو هلاكَه وضَياعَه.
في الحديثِ: الحضُّ على الإنفاقِ في الواجباتِ؛ كالنَّفقةِ على الأهلِ، وصِلةِ الرَّحِم، ويدخُلُ فيه صدقةُ التَّطوُّعِ والفرضِ.
وفيه: أنَّ المُمسِكَ يستحِقُّ تلَفَ مالِه.

ـ عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال :

" [h=5]- قال اللهُ عزَّ وجلَّ : أنفقْ أُنفقْ عليك ، وقال : يدُ اللهِ ملأى لا تغيضُها نفقةٌ ، سحَّاءُ الليلِ والنهارِ . وقال : أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماءَ والأرضَ فإنه لم يَغِضْ ما في يدِه ، وكان عرشُه على الماءِ ، وبيدِه الميزانُ يخفضُ ويرفعُ[/h] الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 4684 | خلاصة حكم المحدث : صحيح |الدرر السنية .

شرح الحديث


يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا الحديثِ القُدسيِّ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقول: ((أَنفِقْ أُنفِقْ عليكَ، وقال: يَدُ اللهِ مَلأى))، أيْ: شديدة الامتِلاء بالخَير، ((لا تَغِيضُها))، أي: لا تَنقُصُها، ((نفَقةٌ، سَحَّاءُ اللَّيلِ والنَّهارِ))؟، "وسحَّاء"، أي: كثيرةُ العطاءِ، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أخبِروني ما أَنْفَق))، أي: الذي أنفَقَه منذُ خَلَق السَّماء والأرض؛ ((فإنَّه لم يَغِضْ))، أي: لم يَنقُصْ ما في يَدِه، ((وكان عَرْشُه على الماءِ، وبيدِه المِيزانُ: يَخْفِض)) مَن يَشاءُ، ((ويَرفَع)) مَن يَشاء، وأئمَّةُ السُّنَّةِ على وُجوبِ الإيمانِ بهذا الحديثِ وأشباهِه من غَيرِ تأويلٍ؛ بل يُمرُّونَه على ظاهرِه كما جاءَ، ولا يُقال: كيف.
في الحديث: الحَضُّ على الإنفاقِ فِي الواجباتِ كالنفقةِ على الأهلِ، وصِلةِ الرَّحمِ، ويَدخُل فيه أيضًا صَدقةُ التطوُّعِ، والوعدُ بإخلافِ اللهِ تعالى على المُنفِقِ.
وفيه: إثباتُ صِفةِ اليَدِ للهِ سبحانه على ما يَليقُ بكمالِه وجلالِه.
الدرر السنية .

ـ عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ ؛ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال " مـا مـن يـومٍ طلعـت شـمسُه إلا وكـان بجَنْبَتَيْهَـا مَلَكـان يناديـان نـداءً يسـمعه ما خلـق الله كلُّهـم غيـرُ الثقليـن : " يـا أيهـا النـاس هَلُمُّـوا إلـى ربكـم ؛ فـإن مـا قَـلَّ وكفـى ، خيـرٌ ممـا كَثُـرَ وألْهـى " .

رواه البيهقي من طريق الحاكم . وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب /ج : 1 / كتاب الصدقات / حديث رقم : 917 / ص : 547 .

ـ عـن أبـي سـعيد الخـدري ـ رضي الله عنه ـ عـن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال : " مـا أُحـب أنَّ لـي أُحـدًا ذهبـًا ، أَبْقَـى صبـحَ ثالثـةٍ وعنـدي منـه شـيءٌ ، إلا شـيءٌ أُعِـدُّه لِدَيْـن " .

رواه البزار . وقال الشيخ الألباني رحمه الله صحيح لغيره . صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 /
كتاب : الصدقات / حديث رقم : 931 / ص : 554 .

ـ عـن ابـن مسـعود ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" أيكـم مـالُ وارِثـه أحـبُّ إليـه مـن مالـه ؟ " .
قالـوا : يـا رسـول الله ! مـا منَّـا أحـدٌ إلا مالُـه أحـبُّ إليـه مـن مـال وارثـه .
قـال صلى الله عليه وعلى آله وسـلم : " فـإنَّ مالَـه مـا قـدَّم (1) ، ومـالَ وارثـه ما أخَّـر (2) " .

رواه البخاري والنسائي . صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 / كتاب : الصدقات /
حديث رقم : 920 / ص : 548 .
( 1 ) مـا قـدم : أي مـا أنفقـه فـي سـبيل الله حـال حياتـه .
( 2 ) مـا أخـر : أي تركـه لورثتـه بعـد مماتـه .

ـ عـن طلحـة بـن يحيـى عـن جَدتـه سُعْـدى قالـت :
دخلـتُ يومـًا علـى طلحـة ـ تعنـي ابـن عبيـد الله ـ فرأيـتُ منه ثِقـلاً (1) ، فقلـتُ لـه : مالـك ؟ ! لعلـك رَابَـكَ (2) منا شـيء فَنُعْتِبَـكَ (3) ؟ قـال : لا ، وَلَنِعْـمَ حَليلـةُ المـرءِ المسـلمِ أنـتِ ، ولكـنْ اجتمـع عنـدي مـالٌ ، ولا أدري كيـف أصنـع بـه ؟
قالـت : ومـا يَغُمُّـكَ منـه ؟ ادع قومَـكَ ، فاقسـمه بينهـم .
فقـال : يا غـلام ! علـيَّ بقومـي .
فسـألتُ الخـازنَ : كـم قَسـمَ ؟ . قـال : أربعمائـة ألـف .

رواه الطبراني . وقال الشيخ الألباني حسن موقوف / صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 /
كتاب : الصدقات / حديث رقم : 925 / ص : 550 .

-11-
( 1 ) ثقـلاً : ثَقُـلَ عـن حاجتـي : تباطـأ . والمقصـود الجفـاء والتجنـب .
( 2 ) رابـك : الريـب : إسـاءة الظـن والشـك والتهمـة .
( 3 ) فنعتبـك : أي نعطيـك العتبـى ، وهـو الرجـوع عـن الإسـاءة إلـى ما يرضـي القلـب .

ـ عـن مالـك الـدار (1) : أن عمـر بـن الخطـاب ـرضي الله عنهـ أخـذ أربَعمائـة دينـار ، فجعلهـافـي صُـرّةٍ ، فقـال للغـلام : اذهـب بهـا إلـى أبـي عبيـدةَ بـن الجـرَّاحِ ، ثـم تَلَـهَّ فـي البيـت [ سـاعةً ] ؛ تنظـر ما يصنـع ؟ .
فذهـب بهـا الغـلام إليـه ، فقـال : يقـول لـك أميـر المؤمنيـن : اجعـل هـذه فـي بعـض حاجتِـك .
فقـال : وَصَلَـهُ الله ورحمـهُ ، ثـم قـال : تعالـي يـا جاريـة ! اذهبـي بهـذه السـبعة إلى فـلان ، وبهـذه الخمسـة إلـى فـلان ، وبهـذه الخمسـة إلـى فـلان ، حتـى أنفذهـا .
ورجـع الغـلامُ إلـى عمـرَ ، فأخْبَـرَهُ ، فوجـده قـد أعـدَّ مثلهـا لمعـاذ بـن جبـل ، فقـال : اذهـب بهـا إلـى معـاذ بن جبـل ، وتَلَـهَّ فـي البيـت [ سـاعةً ] حتـى تنظـرَ ما يصنـع ؟ .
فذهـب بها إليـه ، فقـال : يقـولُ لـك أميـرُ المؤمنيـن : اجعـل هـذه فـي بعـض حاجتـك .
فقـال رَحِمَـهُ اللهُ ووصَلَـهُ ، تعالـي يـا جاريـة ! اذهبـي إلـى بيـت فـلان بكـذا ، اذهبـي إلـى بيـت فـلان بكـذا ، اذهبـي إلـى بيـت فـلان بكـذا ، فاطَّلَعَـتْ امـرأةُ معـاذ وقالـت : نحـن والله مسـاكينُ ؛ فأعْطِنَـا ، فلم يبـقَ فـي الخرقـةِ إلا دينـاران ، فدحـى (2) بهمـا إليهـا ، ورجـع الغـلامُ إلى عمـرَ فأخبـره ، فَسُـرَّ بذلـك ، فقـال :
إنهـم إخـوة ، بعضهـم مـن بعـض .

رواه الطبراني في الكبير . قال الشيخ الألباني رحمه الله حسن موقوف . صحيح الترغيب والترهيب /
ج : 1 / كتاب : الصدقات / حديث رقم : 926 / ص : 551 .
( 1 ) مالـك الـدار : اسـم شـخص .
( 2 ) فدحـى : رمـى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق