الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

أنواع القلوب وصفاتها

أنواع القلوب وصفاتها

 


الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحْبه ومَن والاه، وبعدُ:

فالحديثُ عنِ القلوب وعنْ صِفاتها أمرٌ مهم؛ حيث إنَّ مدار الأعمال على القلب، فبِه تصلح الأعمال أو تفسد، بل لا تُقبل الأعمال أيًّا كانتْ إلا إذا صلح القلب، وهو كذلك ملِك الجوارح فلا تعمل الجوارح شيئًا إلا بعدَ أمْره؛ فعن النعمان بن بشير قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: - وأهْوى النعمان بإصبعيه إلى أُذنيه -: ((إنَّ الحلال بيِّن، وإنَّ الحرام بيِّن، وبينهما مشتبهات لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس، فمَن اتَّقى الشبهات استبرأ لدِينه وعِرْضه، ومَن وقَع في الشبهات وقَع في الحرام، كالراعي يرْعَى حولَ الحِمى، يوشك أن يرتع فيه، ألاَ وإنَّ لكلِّ ملِك حِمًى، ألا وإنَّ حِمى الله محارمه، ألا وإنَّ في الجسد مضغة، إذا صلحَتْ صلح الجسدُ كلُّه، وإذا فسدَتْ، فسَد الجسد كله، ألاَ وهي القلْبُ))؛ البخاري برقم (52)، ومسلم برقم (‏3081‏) - واللفظ له.


قال الغزالي: "القلوب في الثَّبات على الخير والشر والتردُّد بينهما ثلاثة:
قلْب عُمِر بالتقوى، وزكَا بالرِّياضة، وطهُر مِن خبائث الأخلاق.

القلب الثاني: القلْب المخذول، المشحون بالهَوى، المدنَّس بالأخلاق المذمومة والخبائث، المفتوح فيه أبوابُ الشياطين، المسدود عنه أبوابُ الملائكة.

القلب الثالث: قلْب تبْدو فيه خواطرُ الهوى، فتدعوه إلى الشرِّ، فيلحقه خاطر الإيمان فيَدْعوه إلى الخير، فتنبعث النفْس بشهوتها إلى نُصرة خاطِر الشر، فتقَوى الشهوة وتحسن التمتُّع والتنعُّم، فينبعث العقلُ إلى خاطر الخير، ويدفَع في وجه الشهوة ويُقبِّح فِعلها، وينسبها إلى الجهْل، ويشبهها بالبهيمة والسَّبُع في تهجُّمها على الشرِّ وقِلَّة اكتراثها بالعواقِب، فتميل النفْس إلى نُصح العقل"؛ "إحياء علوم الدين" (3/ 45، 46).

وقال ابن القيم: والقلوب ثلاثة:
القلْب الأوَّل: قلب خالٍ من الإيمان وجميع الخير، فذلك قلبٌ مظلم قد استراح الشيطانُ مِن إلْقاء الوساوس إليه؛ لأنه قد اتَّخذ بيتًا ووطنًا وتحكَّم فيه بما يُريد، وتمكَّن منه غايةَ التمكُّن.

القلب الثاني: قلب قدِ استنار بنور الإيمان وأوقد فيه مصباحه، لكن عليه ظُلمة الشهوات وعواصِف الأهوية، فللشيطان هنالك إقبالٌ وإدبار، ومجالاتٌ ومطامع، فالحرْب دُول وسِجال.

وتختلف أحوالُ هذا الصِّنف بالقلَّة والكثرة، فمِنهم مَن أوقات غلبته لعدوِّه أكثر، ومِنهم مَن أوقات غلبَة عدوِّه له أكثر.

ومنهم مَن هو تارَةً وتارة.

القلب الثالث: قلب محشو بالإيمان قدِ استنار بنور الإيمان، وانقشعتْ عنه حجب الشهوات، وأقلعتْ عنه تلك الظلمات، فلنوره في صدرِه إشراق؛ ولذلك الإشراق إيقاد لو دنَا منه الوسواس احترَق به، فهو كالسَّماء التي حُرِستْ بالنجوم، فلو دنا منها الشيطانُ يتخطَّاها رُجِم فاحترق"؛ "الكلم الطيب" (ص: 24).

إذًا فأنواع القلوب ثلاثة:
النوع الأوَّل: القلْب السَّليم:
الذي سلِم صاحبه مِن الوقوع في الشبهات والشهوات، واستقام على أمْر الله، واقتدى بسُنة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - واقتدَى أيضًا بالسَّلَف الصالح فنَتج عن ذلك سلامة قلْبه في الدُّنيا مِن أمراض القلْب التي تعتريه، وأمَّا يوم القيامة اليوم الذي لا يَنفع فيه مال ولا بنون، فإنَّه سيأتي ربَّه بهذا القلْب السليم، فيتمنَّى كل واحد في ذلك اليوم أن يكون صاحب ذلك القلْب، ولكن هيهات فلا تَنفع النَّدامة ولا الحسَرات، وصفات هذا القلب كالتالي:

الصِّفة الأولى: مطمئن؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

الصِّفة الثانية: منيب؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾ [ق: 33].

الصِّفة الثالثة: وجِل؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2].

وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاَةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الحج: 35].

الصِّفة الرابعة: سليم؛ قال تعالى: ﴿ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 89].

الصفة الخامِسة: ليِّن؛ قال تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23].

الصِّفة السادِسة: رحيم رؤوف؛ قال تعالى: ﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 27].

الصِّفة السابعة: خاشِع؛ قال تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16].

الصِّفة الثامنة: عليه سَكينة؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الفتح: 4].

الصِّفة التاسعة: قوي؛ قال تعالى: ﴿ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ [الكهف: 14].

الصِّفة العاشرة: مخبِت؛ قال تعالى: ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الحج: 54].

النوع الثاني: القلب الميِّت:
هو الذي لا حياةَ به، فهو لا يعرِف ربَّه ومولاه، وخالقه ورازقه؛ لا يعبده ولا يأتمر بأمره ولا ينتهي عن نهيه، ولا يحبُّ ما يحبُّه ويرضاه، ولا يُبغض ما يبغضه ويأباه، بل هو واقفٌ مع شهواته ورغباته، حتى ولو كان فيها مُسخطًا ربَّه، فعبادته لغير الله حبًّا وخوفًا ورجاءً وسخطًا، إنْ أحبَّ أحبَّ لهواه، وإنْ أبْغض أبغض لهواه، وإنْ أعطى أعْطى لهواه، فهو آثرُ عندَه وأحبُّ إليه مِن رضا مولاه، لا يستجيب لناصح، بل يتَّبع كل شيطان مريد، الدُّنيا تُسخطه وتُرضيه والهوَى يصمُّه عمَّا سِوى الباطِل ويُعميه، فهذا هو القلْب الميِّت الذي ذكرت صِفاته في أكثر مِن آية في كتاب الله.

قال أحدُ الصالحين: يا عجبًا مِن المسلم يبْكون على موتِ جسدِه، ولا يبكون على مَن مات قلْبه وهو أشدُّ، فمُخالطة صاحِب هذا القلب سُقم، ومعاشرته سمٌّ، ومجالسته هلاك، وصفاته كالتالي:

الصفة الأولى: مطبوع عليه؛ قال تعالى: ﴿ تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ﴾ [الأعراف: 101].

وقال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ﴾ [الأعراف: 100].

وقال تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 16].

الصفة الثانية: قاسٍ؛ قال تعالى: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 13].

وقال تعالى: ﴿ فَلَوْلاَ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 43].

وقال تعالى: ﴿ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ [الحج: 53]

وقال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ﴾ [الزمر: 22].

الصِّفة الثالثة: مقفل؛ قال تعالى: ﴿ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].

الصفة الرابعة: مكنون؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَ يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الأنعام: 25].

وقال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ﴾ [الإسراء: 46].

وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ﴾ [الكهف: 57].

الصِّفة الخامسة: عليه رَان؛ قال تعالى: ﴿ كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14].

الصِّفة السادسة: مختوم؛ قال تعالى: ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 7].

الصِّفة السابعة: مغلف؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 88].

وقال تعالى: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [النساء: 155].

الصِّفة الثامنة: مرعوب؛ قال تعالى: ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 151].

الصِّفة التاسعة: مشمئز؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [الزمر: 45].

الصفة العاشرة: لا يَفْقه؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].

الصِّفة الحادية عشر: لا يَعقِل؛ قال تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].

الصِّفة الثانية عشر: مُنكِر؛ قال تعالى: ﴿ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴾ [النحل: 22].

الصِّفة الثالثة عشر: مغمور (مُغطًّى)؛ قال تعالى: ﴿ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ﴾ [المؤمنون: 63].

النوع الثالث: القلْب المريض:
القلب المريض هو قلبٌ له حياة، وبه عِلَّة فله مادَّتان، تمدُّه هذه مرةً وتلك أخرى، وهو لِمَا غلب عليه منهما، ففيه مِن محبَّة الله تعالى والإيمان به والإخلاص له والتوكُّل عليه ما هو مادَّة حياته، وفيه مِن محبة الشهوات والحِرص على تحصيلها والحسد والكِبر والعُجب، وحبّ العُلو والفساد في الأرض بالرِّياسة والنِّفاق والرياء، والشح والبخل، ما هو مادَّة هلاكه وعطَبه، ونعوذ باللهِ مِن هذا القلْب، وهذا الذي ذكَر الله في بداية كتابه أكثر مِن آية بأن خصَّ القلب السليم بأربع آيات، والقلب الميِّت بآيتين، ثم أكثر مِن ثلاث عشرة آية في هذا النَّوع؛ لأنَّ كثيرًا مِن المسلمين لا يخلو قلبُه أن يكونَ مِن هذا النوع ولو لحظة واحدة، نسأل الله أن يعصمَنا من ذلك، وأن يَشفي قلوبنا مِن أمراضها.

وصفاته كالتالي:
الصفة الأولى: مريض؛ قال تعالى: ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 10].

وقال تعالى: ﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾ [المائدة: 52].

وقال تعالى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 125].

الصِّفة الثانية: لاهٍ؛ قال تعالى: ﴿ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ [الأنبياء: 3].

الصِّفة الثالثة: زائِغ؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7].

وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الصف: 5].

الصِّفة الرابعة: غافِل؛ قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].

الصِّفة الخامسة: أعْمَى؛ قال تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].

الصِّفة السادسة: غليظ؛ قال تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

الصِّفة السابعة: مفرّق؛ قال تعالى: ﴿ لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾[الحشر: 14].

الصِّفة الثامنة: عليه حسْرة؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير ﴾ [آل عمران: 156].

الصِّفة التاسِعة: مخالِف للقول؛ قال تعالى: ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ﴾ [آل عمران: 167].

الصِّفة العاشرة: مُرْتاب؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴾ [التوبة: 45].

الصِّفة الحادية عشر: فيه نِفاق؛ قال تعالى: ﴿ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 64].

وقال تعالى: ﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [التوبة: 77].

الصِّفة الثانية عشر: مصروفٌ عنِ الحق؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ ﴾ [التوبة: 127].





إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    إنه القلب ذلك المحرك الأساسي للجوارح والأبدان، به تستقيم أعمال المرء أوتفسد، ومنه تنبعث الأوامر، ومنه الإيمان يُشع ليسري نوره بسائر البدن والروح.

    صفة القلب: القلب سُمِّيَ قلباً لكثرة تقلبه من حال إلى حال؛ لذلك كان أكثر دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (رواه الترمذي، وقال: "حديث حسنٌ").

    وهو كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «مَثلُ القلب مِثلُ الريشة تُقلبها الرياح بفلاة» (رواه ابن ماجة وصحَّحه الألباني)، فهنا يصور لنا رسول الله القلب وكأنه ريشة لخفته، ولتأثير الفتن فيه وعليه، صغيرها وكبيرها تماماً مثل الريشة التي تؤثر فيها أقل النسمات فتغير اتجاهها.

    أنواع القلوب:

    لقد تحدث العلماء وأكثروا الحديث عن القلوب وأنواعها وتعلقها بالخير والشر ومن قبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عودا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت له نكتة بيضاء، حتى يصير على قلبين: أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا يُنكِر منكراً إلا ما أشرب من هواه» (رواه مسلم).

    إذاً تنقسم القلوب إلى قسمين أساسيين كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قلوبٌ بيضاء وقلوبٌ سوادء والعياذ بالله.

    القسم الأول: القلوب البيضاء ومنها:

    1- القلوب المطمئنة: قال عزوجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللًّهِ الا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28].

    يقول ابن القيم رحمه الله: "الطمأنينة هي: سكون القلب إلى الشيء وعدم اضطرابه وقلقه".

    فإن القلب لا يطمئن إلا بالإيمان واليقين، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالقرآن، فإن صاحب هذا القلب لا يضطرب ولا يقلق عندما يُصاب بمصيبةٍ أو ابتلاء.

    2- القلوب السليمة: يقول الله سبحانه وتعالى: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّه بِقَلْبٍ سَلِيم} [الشعراء من الآية:89].

    قال سعيد بن المسيب: "القلب السليم الصحيح هو قلب المؤمن لأن قلب الكافر والمنافق مريض".

    وقال أبو عثمان السيادي: "هو القلب الخالي من البدعة المطمئن إلى السنة".

    وقال الحسن: "هو السليم من آفة المال والبنين".

    3- القلوب المُنيبة: قال تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ‏} [ق:33].

    قال القرطبي: "يعني مُقبِل على الطاعة".

    وقال ابن القيم: "حقيقة الإنابة هي عكوف القلب على طاعة الله ومحبته والإقبال عليه".

    4- القلوب الوجِلة: قال عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال من الآية:2].

    يقول الشوكاني رحمه الله: "الوجل هو الخوف والفزع".

    وقال السدي رحمه الله: "يعني إذا أراد أن يظلم مظلمةً وقيل له اتق الله كفَّ ووجل قلبه".

    وهنا قصة لأحد الولاة:
    
    
    

   

  • كلام ابن القيم على أمراض القلوب وعلاجها
  • الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
  • من درس: حياة القلوب وموتها (الحلقة الخامسة)

 ولـابن القيم رحمه الله كلام نفيس في كتابه زاد المعاد في بداية الجزء الرابع، حيث قال رحمه الله تعالى: "ونحن نُتْبِع ذلك -يعني ما تقدم من أبواب- بذكر فصول نافعة في هديه في الطب الذي تطبب به، ووصفه لغيره، ونبيّن ما فيه من الحكمة التي تعجز عقول أكثر الأطباء عن الوصول إليها، وأن نسبة طبهم إليها كنسبة طب العجائز إلى طبهم".ثم يقول: "المرض نوعان: مرض القلوب، ومرض الأبدان، وهما مذكوران في القرآن، ومرض القلوب نوعان: مرض شبهة وشك، ومرض شهوة وغيّ، وكلاهما في القرآن"، وذكر الآيات في ذلك.ثم يقول: "فأما طب القلوب فمسلم إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى أيديهم" وهذا صحيح، فعلاج القلوب، وعلاج الشبهات، وعلاج الجهل بالله سبحانه وتعالى، وعلاج الغفلة عن الدار الآخرة، وما يعتري الناس من ظلمات الضلال والكفر والإلحاد، والشك والزيغ والعناد؛ كل هذا لا يعالجه علماء الطب، ولا علماء النفس، ولا علماء الاجتماع، إنما يعالجه الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، والذين هم أهل علاج هذه القلوب.يقول ابن القيم رحمه الله: "فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها وفاطرها، وبأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه، وأن تكون مؤثرة لمرضاته ومحابّه، متجنبة لمناهيه ومساخطه، ولا صحة لها ولا حياة ألبتة إلا بذلك، ولا سبيل إلى تلقيه إلا من جهة الرسل، وما يظن من حصول صحة القلب بدون اتباعهم؛ فغلط ممن يظن ذلك، وإنما ذلك حياة نفسه البهيمية الشهوانية، وصحتها وقوتها، وحياة قلبه وصحته وقوته عن ذلك بمعزل" يعني: أن طب غير الأنبياء يمكن أن يعالج النفس الشهوانية والجسد الحيواني، لكن القلب عن ذلك بمعزل؛ لأنه لا يعالجه إلا القرآن.يقول: "ومن لم يميز بين هذا وهذا -بين طب القلوب وطب الأبدان- فليبك على حياة قلبه، فإنه من الأموات، وعلى نوره، فإنه منغمس في بحار الظلمات".ثم يقول (ص:11): "ونحن نقول: إن هاهنا أمراً آخر نسبة طب الأطباء إليه كنسبة طب الطرقية والعجائز إلى طبهم" الطرقية هم الأطباء الجوالون الذين يعالجون على الشوارع والطرق، ويدعون أنهم أطباء، وهم أناس لا خبرة لهم بالطب، وإنما ينتحلون أنهم أطباء، وحقيقة ما يفعلونه أنه أسلوب من أساليب الكدية والاستجداء (الشحاذة).يقول ابن القيم : ("وقد اعترف به حذاقهم وأئمتهم؛ فإن ما عندهم من العلم بالطلب؛ منهم من يقول: هو قياس، ومنهم من يقول: هو تجربة" يعني: أن الطب البشري -طب الأبدان الموجود في جميع المستشفيات- إنما هو من قياس حالة على حالة، أو يكون تجربة.يقول ابن القيم رحمه الله: "منهم من يقول: هو قياس، ومنهم من يقول: هو تجربة، ومنهم من يقول: هو إلهامات ومنامات، وحدس صائب" أي أن الطبيب يخمن ويقدر، فيصيب أحياناً ويخطئ أحياناً، "ومنهم من يقول: أخذ كثير منه من الحيوانات البهيمية -وهذا واقع إلى اليوم- كما نشاهد السنانير -القطط- إذا أكلت ذوات السموم تعمد إلى السراج، فتلغ في الزيت تتداوى به، وكما رئيت الحيات إذا خرجت من بطون الأرض وقد عشيت أبصارها -لأنها تفاجأ بالشمس- تأتي إلى ورق الرازيانج فتمر عيونها عليها، وكما عهد من الطير الذي يحتقن بماء البحر عند انحباس طبعه، وأمثال ذلك مما ذكر في مبادئ الطب.وأين يقع هذا وأمثاله من الوحي الذي يوحيه الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بما ينفعه ويضره؟!" فهيهات أن تكون هذه التجارب مثل ما أوحاه الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: "وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ "[الإسراء:105] وقال: "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى "[النجم:3-4]). يقول: "فنسبة ما عندهم من الطب إلى هذا الوحي، كنسبة ما عندهم من العلوم إلى ما جاءت به الأنبياء، بل ها هنا من الأدوية التي تشفي من الأمراض ما لم يهتد إليها عقول أكابر الأطباء، ولم تصل إليها علومهم وتجاربهم وأقيستهم، من الأدوية القلبية والروحانية مثل: قوة القلب، واعتماده على الله، والتوكل عليه، والالتجاء إليه، والانطراح والانكسار بين يديه، والتذلل له، والصدقة، والدعاء، والتوبة، والاستغفار، والإحسان إلى الخلق، وإغاثة الملهوف، والتفريج عن المكروب، فإن هذه الأدوية قد جربتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها، فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لا يصل إليه علم من هو أعلم الأطباء، ولا تجربته، ولا قياسه، وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أموراً كثيرة، ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية" لا يفهم من قول ابن القيم : "وقد جربنا ..." أنه جرب هذه الأمور ليختبرها هل تنفع أم لا تنفع؛ لأن من استخدم هذه الأمور ليرى هل تنفع أو لا تنفع، كان هذا سبباً لعدم انتفاعه، لأنه لم يأخذ بها عن يقين، وقد تنفع لكن صاحبها على خطر في إيمانه.ثم يقول: "وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أموراً كثيرة، ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية، بل تصير الأدوية الحسية عندها بمنزلة أدوية الطرقية عند الأطباء، وهذا جار على قانون الحكمة الإلهية، ليس خارجاً عنها؛ ولكن الأسباب متنوعة"، فمنها: التوبة، والاستغفار، والدعاء، وإغاثة الملهوف، وتفريج كربات المكروبين، جعلها الله من أسباب الشفاء، وجعل أيضاً الأعشاب أو الأغذية أو الأدوية النافعة أسباباً للشفاء، فالذين لا يؤمنون بالآخرة لا يعرفون إلاَّ الماديات المحسوسات؛ لأنهم يعتبرون الإنسان هو هذا الجسد، مثل البهيمة، فيعالجونه بما تعالج به البهيمة من العلف والماء فقط.يقول: "فإن القلب متى اتصل برب العالمين، وخالق الداء والدواء، ومدبر الطبيعة ومصرفها على ما يشاء، كانت له أدوية أخرى غير الأدوية التي يعانيها القلب البعيد منه المعرض عنه، وقد علم أن الأرواح متى قويت، وقويت النفس والطبيعة، تعاونا على دفع الداء وقهره، فكيف ينكر لمن قويت طبيعته ونفسه، وقد فرحت بقربها من بارئها، وأنسها به، وحبها له، وتنعمها بذكره، وانصراف قواها كلها إليه، وجمعها عليه، واستعانتها به، وتوكلها عليه؛ أن يكون ذلك لها من أكبر الأدوية وأن توجب لها هذه القوة دفع الألم بالكلية؟!" فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا أصح الناس عقولاً بلا ريب، وفي نفس الوقت من أصح الناس أبداناً؛ لأن القلب إذا صح وتداوى بهذه الأدوية، صح الجسد بإذن الله تبارك وتعالى أيضاً، وإن ابتلوا بمرض، فإن قوة إيمانهم وتوكلهم وتضرعهم يعطيهم من تحمل المرض ما لا يستطيع غيرهم أن يتحمله، وكذلك المؤمنون، فإنه إذا ابتلي شخصان أحدهما قوي الإيمان والآخر ضعيف الإيمان بمرض، فإن قوي الإيمان يكون حاله أحسن من ضعيف الإيمان، وسبب ذلك: ما يحمله الأول من النفسية السليمة، لإيمانه بقضاء الله وقدره، وصبره على ما ابتلي به.يقول: "ولا ينكر هذا إلا أجهل الناس، وأغلظهم حجاباً، وأكثفهم نفساً، وأبعدهم عن الله وعن حقيقة الإنسانية، وسنذكر إن شاء الله السبب الذي به أزالت قراءة الفاتحة داء اللدغة عن اللديغ التي رُقي بها، فقام حتى كأن ما به قَلَبَة".قال: "فهذان نوعان من الطب النبوي -البدني، والقلبي- نحن بعون الله تعالى سنتكلم عليهما بحسب الجهد والطاقة، ومبلغ علومنا القاصرة، ومعارفنا المتلاشية جداً، وبضاعتنا المزجاة، ولكنا نستوهب من بيده الخير كله، ونستمد من فضله، فإنه العزيز الوهاب".

أدوية القلوب من القرآن والسنة
يذكر ابن القيم أنواع الأدوية من الكتاب والسنة لعلاج القلب من الهم والغم والحزن (ص:200) فيقول:"هذه الأدوية تتضمن خمسة عشر نوعاً من الدواء؛ فإن لم تقو على إذهاب داء الهم والغم والحزن، فهو داء قد استحكم، وتمكنت أسبابه، ويحتاج إلى استفراغ كلي:الأول: توحيد الربوبية.الثاني: توحيد الإلهية.الثالث: التوحيد العلمي الاعتقادي.الرابع: تنزيه الرب تعالى عن أن يظلم عبده، أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك.الخامس: اعتراف العبد بأنه هو الظالم.السادس: التوسل إلى الرب تعالى بأحب الأشياء، وهو أسماؤه وصفاته، ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات: الحي القيوم.السابع: الاستعانة به وحده.الثامن: إقرار العبد له بالرجاء.التاسع: تحقيق التوكل عليه، والتفويض إليه، والاعتراف له بأن ناصيته في يده، يصرفه كيف يشاء، وأنه ماض فيه حكمه عدل فيه قضاؤه.العاشر: أن يرتع قلبه في رياض القرآن، ويجعله لقلبه كالربيع للحيوان، وأن يستضيء به في ظلمات الشبهات والشهوات، وأن يتسلى به عن كل فائت، ويتعزى به عن كل مصيبة، ويستشفي به من أدواء صدره، فيكون جلاء حزنه، وشفاء همه وغمه.الحادي عشر: الاستغفار.الثاني عشر: التوبة.الثالث عشر: الجهاد.الرابع عشر: الصلاة.الخامس عشر: البراءة من الحول والقوة وتفويضهما إلى من هما بيده" هذه المجموعة من الأدوية ملخص ما ورد من أنواع الأدوية التي جاءت في الكتاب والسنة.وذكر قبل ذلك بعض الأحاديث: وأولها: دعاء الكرب الذي رواه الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما: {لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب الأرض ورب العرش الكريم   }.ثم يقول ابن القيم رحمه الله (ص:201) في بيان جهة تأثير هذه الأدوية في هذه الأمراض: "خلق الله سبحانه وتعالى ابن آدم وأعضاءه، وجعل لكل عضو منها كمالاً، إذا فقده أحس بالألم، وجعل لملكها -وهو القلب- كمالاً، إذا فقده حضرته أسقامه وآلامه من الهموم والغموم والأحزان"، ولهذا لا تجد فاجراً ولا فاسقاً ولا عاصياً ولا كافراً إلا مهموماً حزيناً مهما كان، ولا تنظر إلى القشرة الخارجية؛ لا تنظر إلى المراكب الفاخرة، ولا إلى القصور الشاهقة، ولا إلى ناطحات السحاب، ولا إلى الممتلكات مهما كانت؛ فإن الله يقول: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] فهو مهموم مغموم يعيش في ضنك، ولهذا نجد الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يركب الواحد منهم الناقة في شدة الحر من مكة إلى المدينة وليس له زاد إلا التمر، وكسرات جافة من الخبز، وليس سفره سفراً محضاً؛ بل هو سفر من أجل الجهاد أو طلب العلم، فكانوا مع ذلك أقوياء سعداء، بل كانوا يتلذذون بما يجدونه من مصاعب ومشاق وآلام، وقد قال ابن القيم في موضع آخر: إن الإنسان إذا أصابته مصيبة تضرع واستغاث، ودعا الله، وانكسر بين يدي الله سبحانه وتعالى، فيجد من لذة تلك المناجاة وحلاوتها ما ينسيه أذى المصيبة وألمها وضررها.يقول ابن القيم رحمه الله: "فإذا فقدت العين ما خلقت له من قوة الإبصار، وفقدت الأذن ما خلقت له من قوة السمع، واللسان ما خلق له من قوة الكلام، فقدت كمالها، والقلب خلق لمعرفة فاطره ومحبته وتوحيده، والسرور به، والابتهاج بحبه، والرضى عنه، والتوكل عليه، والحب فيه، والبغض فيه، والموالاة فيه، والمعاداة فيه، ودوام ذكره، وأن يكون أحب إليه من كل ما سواه، وأرجى عنده من كل ما سواه، وأجل في قلبه من كل ما سواه، ولا نعيم له ولا سرور ولا لذة -بل ولا حياة إلا بذلك- وهذا له بمنزلة الغذاء والصحة والحياة، فإذا فقد غذاءه وصحته وحياته، فالهموم والغموم والأحزان مسارعة من كل صوب إليه، ورهن مقيم عليه.ومن أعظم أدوائه -أي من أعظم أدواء القلب- الشرك، والذنوب، والغفلة، والاستهانة بمحابه ومراضيه، وترك التفويض إليه، وقلة الاعتماد عليه، والركون إلى ما سواه، والسخط بمقدوره، والشك في وعده ووعيده.وإذا تأملت أمراض القلب، وجدت هذه الأمور وأمثالها هي أسبابها، لا سبب لها سواها"... إلى أن قال: "قال بعض المتقدمين من أئمة الطب: من أراد عافية الجسم؛ فليقلل من الطعام والشراب، ومن أراد عافية القلب؛ فليترك الآثام -الذنوب والمعاصي- وقال ثابت بن قرة : راحة الجسم في قلة الطعام، وراحة الروح في قلة الآثام، وراحة اللسان في قلة الكلام. والذنوب للقلب بمنزلة السموم؛ إن لم تهلكه أضعفته ولابد، وإذا ضعفت قوته لم يقدر على مقاومة الأمراض.قال طبيب القلوب عبد الله بن المبارك رحمه الله:
رأيت الذنوب تميت القلوب     وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب     وخير لنفسك عصيانها
 فالهوى أكبر أدوائها، ومخالفته أعظم أدويتها، والنفس في الأصل خلقت جاهلة ظالمة" كما قال تعالى: إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72] ولهذا لا تعرف طريق التداوي الحقيقي لأنها تجهله، أو تضع الدواء في غير موضعه، وهذا هو الظلم، قال: "فهي لجهلها تظن شفاءها في اتباع هواها، وإنما فيه تلفها وعطبها، ولظلمها لا تقبل من الطبيب الناصح، بل تضع الداء موضع الدواء فتعتمده، وتضع الدواء موضع الداء فتجتنبه، فيتولد من بين إيثارها للداء واجتنابها للدواء أنواع من الأسقام والعلل التي تعيي الأطباء، ويتعذر معها الشفاء".

عندما أراد أخذ ملك أحد الفقراء وظلمه، فقال له الرجل مذكِّراً: "إذاً والله لأشكونكَ إلى الملك الجبار القهار، ولأسلطنَّ عليك سهام الليل التي لا تُخطئ، فقال حينها الوالي: إذاً واللهِ لا طاقة لي بذلك خذ ملكك فإني لا أقدر على ذلك".

    وهذا يدل على أن صاحب هذا القلب يتفاعل مع الموعظة، ويكف عن المظلمة لحساسيته الكبيرة ومحاسبة نفسه خوفاً من عقاب الله عزوجل.

    5- القلوب المربوطة: يقول عز وجل: {وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ} [الأنفال من الآية:11].

    قال الشوكاني: "أي يجعلها صابرة قوية ثابتة في مواطن المحن والصعوبة".

    6- القلوب المخبتة: يقول سبحانه وتعالى: {فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج من الآية:54].

    والخبت في اللغة: "المكان المنخفض في الأرض".

    وبه فسَّر ابن عباس وقتادة رضي الله عنهما لفظ المخبتين في قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} قالا: "هم المتواضعون".

    وقال مجاهد: "المخبت المطمئن إلى الله عز وجل".

    وقال إبراهيم النخعي: "المصلون المخلصون".

    وقال الكلبي: "هم الرقيقة قلوبهم".

    7- القلوب الخاشعة: يقول سبحانه: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد من الآية:16].

    والخشوع هو: "قيام القلب بين يدي الرب سبحانه بالذل والخضوع".

    8- القلوب المُقشعرة اللينة: قال عز وجل: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر من الآية:23].

    قال الزجَّاج: "إذا ذكرت آيات العذاب اقشعرت جلود الخائفين لله، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر آيات الرحمة".

    القسم الثاني من أنواع القلوب هي القلوب السوداء:

    وأصحاب هذه القلوب ذوو مسامات مفتوحة للفتن والأهواء، متشربة لها، ويتضح ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأي قلبٍ أشربها» ولاختلاف الإمتصاص والتشرُّب نرى أنواعاً من هذه القلوب:

    1- القلوب الغليظة: يقول عز وجل: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران من الآية:159].

    قال القرطبي: "وغلظ القلب عبارة عن تجهم الوجه، وقلة الانفعال في الرغائب، وقلة الإشفاق والرحمة".

    2- القلوب الزائغة: قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران من الآية:7].

    قال الإمام القرطبي رحمه الله: "الزيغ الميل، ومنه زاغت الشمس وزاغت الأبصار، وقال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} وهذه الآية تشمل كل: طائفة من كافر وزنديق وجاهل وصاحب بدعة".

    3- القلوب الغافلة: قال سبحانه وتعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف من الآية:28].

    4- القلوب القاسية: قال عز وجل: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبكُمْ مِنْ بَعْد ذَلِكَ} [البقرة من الآية:74].

    قال القرطبي رحمه الله: "القسوة هي الصلابة والشدة واليبس، وهي عبارة عن خلوها من الإنابة والإذعان لآيات الله سبحانه".

    وشبَّه ابن القيم رحمه الله القلب القاسي: "بالصلابة التي لم تقدر عليه درجات الحرارة الدنيوية من زواجر ومواعظ وعِبر أن تُلينه فما بقي إلا نار جهنم كي تذيبه فيها".

    ويقول: "ما ضُرِب عبدٌ بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبُعد عن الله".

    5- القلوب المغلفة: قال سبحانه: {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [البقرة من الآية:88]، أي عليها: أغطية.

    6- القلوب المريضة: قال تعالى: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب من الآية:32].

    قال في ذلك ابن تيمية رحمه الله: "هو القلب المريض بالشهوة؛ فإن القلب الصحيح لو تُعرَض له المرأة لم يلتفت إليها، بخلاف القلب المريض بالشهوة فإنه لضعفه يميل إلى ما يُعرَض له من ذلك بحسب قوة المرض إنْ المرأة خضعت هي بالقول فيطمع حينها الذي في قلبه مرض".

    7- القلوب المختومة -وهو أسوأها والعياذ بالله-.

    قال تعالى: {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} [الجاثية من الآية:23].

    فهي التي: أُغلقت فيها تلك المنافذ التي يدخل منها النور، وأغلقت تلك المدارك التي يتسرَّب منها الهُدى، وتعطَّلت فيها أدوات الإدراك بطاعة الهوى والعياذ بالله.

    فاللهم ارزقنا قلوباً بيضاء نقية تخافك وتتقيك، سليمةً على خلقك.

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هنا 


المناسبة بين أمراض القلوب والقدر
ثم يقول رحمه الله: "والمصيبة العظمى أنها تركب ذلك على القدر" ولهذا قلنا: هناك مناسبة بين الحديث عن أمراض القلوب وبين باب القدر؛ لأنه من أكثر ما يقع فيه الضلال والمرض عياذاً بالله، فالمصيبة أن النفس تركب ذلك على القدر فتبرئ نفسها من جميع الذنوب، قال: "فتبرئ نفسها، وتلوم ربها بلسان الحال دائماً، ويقوى اللوم حتى يصرح به اللسان"، فتراه يلوم القدر، ويشكو الخالق عز وجل إلى المخلوقين.يقول رحمه الله: "فإذا وصل العليل إلى هذه الحال فلا يطمع في برئه، إلا أن تتداركه رحمة من ربه، فيحييه حياة جديدة، ويرزقه طريقة حميدة، فلهذا كان حديث ابن عباس في دعاء الكرب مشتملاً على توحيد الإلهية والربوبية، ووصف الرب سبحانه بالعظمة والحلم، وهاتان الصفتان مستلزمتان لكمال القدرة والرحمة، والإحسان والتجاوز، ووصفه بكمال ربوبيته للعالم العلوي والسفلي، والعرش الذي هو سقف المخلوقات وأعظمها".وبقي كلام قيم ونفيس فليراجع من (ص:200) فما بعدها.
هنا 

__________________ 

أخطر شيء في الإنسان قلبه لقول الله عز وجل:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:88-89]
 أمراض القلب يبدأ فعلها بعد الموت وتُشقي صاحبها إلى أبد الآبدين، بينما أمراض الجسد مهما تكن خطيرة ينتهي أثرها بعد الموت، فشتان بين مرض يبدأ بعد الموت إلى أبد الآبدين، وبين مرض ينتهي عند الموت، فأمراض القلب أخطر ألف مرة من أمراض الجسد، ونحن مع القرآن الكريم، مع آيات القرآن الكريم المُحكَمة.
 القلوب في القرآن الكريم ثلاثة: قلب سليم، وقلب ميت، وقلب مريض، هذا موضوع الخطبة، ما صفات القلب السليم؟ وما صفات القلب الميت؟ وما صفات القلب المريض؟ القلب السليم أيها الأخوة لا ينجُو يوم القيامة إنسانٌ إلا من أتى به لقول الله عز وجل:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:88-89]
 فينبغي أن نحرص على سلامة القلب حرصاً لا حدود له لأنه سبب النجاة، وسبب الخلود في جنات الله، القلب السليم، كم إنسان يقوم بشعائر الدين ويرتاد المساجد وفي قلبه حقد ومرض وعنده كِبْر وفيه تعصب وانحيازٌ أعمى؟ لا ينجُو من أمراض القلب إلا قلة قليلة، وينبغي أيها الأخوة أن نحرص حرصاً لا حدود له على سلامة قلوبنا، نحن مع الآية:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:88-89]
 سليم أي سالم، السؤال: لِمَ لَمْ يقل الله بقلب سالم؟ سالم على وزن فاعل صفة طارئة، تقول: داخل أي دخل وانتهى، أما سليم على وزن فعيل فصفة مشبهة باسم الفاعل كطويل، الطول صفة ملازمة له، كبخيل، إلخ، فوزن سليم أي صفة ثابتة، ليس القلب الذي صفا يوماً أو صفا ساعةً، القلب الذي صفته الدائمة السلامة من كل عيب، ومن كل شبهة، ومن كل شهوة.
تعريفات القلب السليم :
 أيها الأخوة الكرام، من أدق تعريفات القلب السليم؛ إنه القلب الذي سَلِم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، حينما تشتهي شيئاً حرّمه الله فهذه بادرة ليست طيبة، هذه بادرة مرض ينبغي أن تتابعها، حينما تشتهي شيئاً حرّمه الله أو منعه رسول الله، القلب السليم الذي سَلِم من كل شهوة تُخالف أوامر الله ونهيَه، هذه أول صفة، والقلب السليم الذي سَلِم من كل شُبُهةٍ تُعارض ما جاء في الكتاب والسُّنة، إذا كنت تعتقد شيئاً في الكتاب والسُّنة عكسه، إذا كنت تتوهم شيئاً لم يَرِد فيه نص شرعي بل فيه نص نهي، فهذه أيضاً بادرة خطيرة ينبغي أن تتابعها من أولها وإلا تفاقَم المرض، وجميع الأمراض إذا تُوبعت في أول مظاهرها لعل الله عز وجل يكتب السلامة والشفاء منها، فلمجرد أن تعتقد، أو أن تتوهم، أو أن تصدق، أو أن تفهم شيئاً على خلاف ما في الكتاب والسنة، على خلاف إخبار الله، وذكرت لكم مرة أيها الأخوة أنّ الله عز وجل يقول:
﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾

[ سورة النحل: 1]
 أتى فعل ماض، فلا تستعجلوه أي لم يأتِ بعد، فما حكمة هذه الصيغة؟ أي ينبغي أن تأخذ خبر الله ووعده ووعيده وكأنهما وقعا، هكذا المؤمن، وحينما قال الله عز وجل:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾

[ سورة الفيل: 1]
 ألم ترَ أي ينبغي أن تأخذ إخبار الله وكأنك تراه، فخبر الله يُؤخذ وكأنك تراه، ووعد الله ووعيده يؤخذان وكأنهما وقعا، هذا شأن المؤمن مع الكتاب والسُّنة، فحينما تتوهم شيئاً، أو تعتقد شيئاً، أو تقرأ مقالة، أو تستمع إلى ندوة أو إلى محاورة وتعتقد شيئاً نهى الله عنه، أو نفاه القرآن الكريم، فهذه بادرة ليست طيبة في القلب، فالقلب السليم هو الذي سَلِم من كل شهوة تُخالف أوامر الله ونهيه، وسَلِم من كل شبهة تُعارض ما جاء في الكتاب والسُّنة.
 والقلب السليم هو القلب الذي سلِم من عبودية لغير الله، حينما ترى أنّ جهة تعطي وتمنع، ترفع وتخفض، تُعِز وتذل، هكذا تعتقد فالتزمت أمرها ونهيها ولو على حساب دينك فهذا القلب ليس سليماً بل هو قلب مريض، وربما أهلك صاحبه يوم القيامة، سلِم من عبودية لغير الله، وسلِم من تحكيم لغير رسول الله، قال تعالى:

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾

[ سورة النساء: 65]

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾

[ سورة الأحزاب: 36]
 ينبغي ألا تعبد إلا الله بالمفهوم الواسع، من يقول أنا أعبد غير الله، عملياً حينما تركن إلى جهة لا تُرضِي الله، حينما تطيع مخلوقاً وتعصي الله، حينما تتبع إرشادات إنسان غافل عن الله، فأنت تعبده بالمعنى الواسع دون أن تشعر، فالقلب السليم هو القلب الذي سلِم من عبادة غير الله، والقلب الذي سلِم من تحكيم غير رسول الله، يقول لك: القانون بيننا، لا الشرع بيننا، الحسنُ ما حسَّنه الشرع، والقبيح ما قبَّحه الشرع، فسلِم هذا القلب في محبة الله وتحكيمه لرسول الله في خوفه، ورجائه، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والذل له، وإيثار مرضاته على كل حال، والبعد عن سخطه بكل طريق، وهذه حقيقة العبودية التي لا يمكن أن تكون إلا لله وحده.
 أيها الأخوة الكرام، القلب السليم هو الذي سلِم من أن يكون لغير الله فيه شِرك بأي وجه من الوجوه، بل أصبحت عبوديته لله خالصة إرادةً، ومحبةً، وتوكلاً، وإنابة، وخشيةً، ورجاءً، القلب السليم صاحبه إن أحبَّ أحبَّ لله، وإن أبغض أبغض لله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منعَ منَعَ لله. القلب السليم هو القلب الذي لا يرجو إلا الله، ولا يخاف إلا الله، ولا يعلِّق أملاً على غير الله، هذا هو القلب السليم وهو معنى من معاني التوحيد. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق