امتحان القلوب
ناصر بن سليمان العمر
قلوبنا -أيها الأخوة- ممتحنة
صباح مساء، تمتحن في كل لحظة من لحظات حياتنا، فهل نحن منتبهون لهذا، فغلطة
واحدة قد تودي بحياة هذا القلب، وتحبط ذلك العمل.
قال تعالى: {وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران:154]. وقال سبحانه وتعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات:3].
فمن هؤلاء الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى؟
هذه
الآية نـزلت في الصحابيين الجليلين أبي بكـر الصديق وعمر بن الخطاب رضي
الله عنهما عندما رفعا صوتيهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. "قدم ركب
من تميم على النبي
صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أمِّر القعقاع بن معبد ابن زرارة، فقال
عمر: بل أمَّر الأقرع بن حابس، فقال أبـو بكـر: ما أردت إلا خلافي، قال
عمر: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنـزلت في ذلك: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله...} [الحجرات:1]، حتى انقضت" (البخاري).نعم! لا مجاملة في هذا الدين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} ثم ماذا؟ {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2].
سبحان الله! موقف في نظر الكثيرين لا يستحق.
موقف واحـد يسير في نظرنا لرجلين هما أفضل أمة محمد، صلى الله عليه وسلم وامتحان يسير لغفلةٍ بدرت منهما.
ولكن! ماذا نقول عن أحوالنا؟
كم من امتحان رسبنا فيه ونحن لا نشعر. وهنا سرّ بديع في هذه الآية: {وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}؛
لأنه قد يحبط عمل الإنسان وهو لا يشعر، فهو لا يتصور أن يحبط عمله بذلك
العمل، أو لا يلقي لعمله بالا. وكم من عملٍ أو كلمةٍ أودت بصاحبها وهو لا
يشعر.وحتى نـزيد في إيضاح معنى (امتحان القلوب) لنتأمل هذا الحديث العظيم الذي رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي، صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودًا عودًا فأيُّ قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مُرْبَادّا كالكوز مُجَخيِّا لا يعرف معروفًا، ولا يُنكر منكرًا، إلا ما أشرب من هواه» (مسلم).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله: "فالنفس تدعو إلى الطغيان، وإيثار الحياة الدنيا. والرب جل وعلا
يدعو عبده إلى خوفه، ونهي النفس عن الهوى، والقلب بين الداعيين" وهذا هو
موضع الفتنة والابتلاء.
إن أشد أنواع الابتلاء هو
ابتلاء هذا القلب وامتحانه، و نختم معنى امتحان القلب وابتلائه بهذه الدعوة
الربانية للمؤمنين المتضمنة تحذيرًا مخيفًا: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا
دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ
الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24].ملخص من كتاب: امتحان القلوب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق