الجمعة، 16 مايو 2014

الإعراضُ عن الْهَيْشَاتِ

الإعراضُ عن الْهَيْشَاتِ

التَّصَوُّنُ من اللَّغَطِ والْهَيْشَاتِ ، فإنَّ الغَلَطَ تحتَ اللَّغَطِ ، وهذا يُنافِي أَدَبَ الطَّلَبِ .
ومن لَطيفِ ما يُسْتَحْضَرُ هنا ما ذَكَرَه صاحبُ ( الوَسيطِ في أُدباءِ شِنْقِيطَ ) وعنه في ( مُعْجَمِ الْمَعاجِمِ ) .
( إنه وَقَعَ نِزاعٌ بينَ قَبيلتينِ ، فسَعَتْ بينَهما قَبيلةٌ أُخرى في الصُّلْحِ فتَرَاضَوْا بِحُكْمِ الشرْعِ وحَكَّمُوا عالِمًا فاستَظْهَرَ قتلَ أربعةٍ من قبيلةٍ بأربعةٍ قُتِلُوا من القبيلةِ الأخرى ، فقالَ الشيخُ بابُ بنُ أحمدَ : مثلُ هذا لا قِصاصَ فيه . فقالَ القاضي : إنَّ هذا لا يُوجَدُ في كتابٍ .فقالَ : بل لم يَخْلُ منه كتابٌ . فقالَ القاضي : هذا ( القاموسُ ) – يعني أنه يَدْخُلُ في عُمومِ كتابٍ - .
فتَنَاوَلَ صاحبُ الترجمةِ ( القاموسَ ) وَأَوَّلَ ما وَقَعَ نَظَرُه عليه : ( والْهَيْشَةُ الفتنةُ وأمُّ حُبَيْنٍ وليس في الْهَيْشاتِ قَوَدٌ ) أي : في القتيلِ في الفِتنةِ لا يُدْرَى قاتِلُه فتَعَجَّبَ الناسُ من مِثْلِ هذا الاستحضارِ في ذلك الموقِفِ الْحَرِجِ ) اهـ ملَخَّصًا
 القارئ:
الأمر الثاني عشر الإعراضُ عن الْهَيْشَاتِ :
التَّصَوُّنُ من اللَّغَطِ والْهَيْشَاتِ ، فإنَّ الغَلَطَ تحتَ اللَّغَطِ ، وهذا يُنافِي أَدَبَ الطَّلَبِ .
الشيخ:
الهيشات يعني بذلك هيشات الأسواق كما جاء في الحديث1 التحذير منها لأنها تشتمل على لغط وسب وشتم وبعض طلبة العلم يقول أنا أقعد في الأسواق من أجل أن أنظر ماذا يفعل الناس؟ وماذا يكون بينهم؟ فنقول: هناك فرق بين الاختبار والممارسة يعني لو ذكر لك أن في السوق الفلاني كذا وكذا فهنا لا حرج عليك أن تذهب وتختبر بنفسك لكن لو كان جلوسك في هذا السوق مستمرا تمارسه كل عصر تروح تجلس في هذا السوق لكان هذا خطأ بالنسبة لك لأنه إهانة لك ولطلب العلم ولطلبة العلم عموما وللعلم الشرعي أيضا

--------
1 . لِيَلِني منكم أولو الأحلامِ والنُّهَى . ثمَّ الذين يلونَهم ثلاثًا وإياكم وهَيْشَاتِ الأسواقِ
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 432
خلاصة حكم المحدث: صحيح الدرر السنية

القارئ:
ومن لَطيفِ ما يُسْتَحْضَرُ هنا ما ذَكَرَه صاحبُ ( الوَسيطِ في أُدباءِ شِنْقِيطَ ) وعنه في ( مُعْجَمِ الْمَعاجِمِ ) .
( أنه وَقَعَ نِزاعٌ بينَ قَبيلتينِ ، فسَعَتْ بينَهما قَبيلةٌ أُخرى في الصُّلْحِ فتَرَاضَوْا بِحُكْمِ الشرْعِ وحَكَّمُوا عالِمًا فاستَظْهَرَ قتلَ أربعةٍ من قبيلةٍ بأربعةٍ قُتِلُوا من القبيلةِ الأخرى ، فقالَ الشيخُ بابُ بنُ أحمدَ : مثلُ هذا لا قِصاصَ فيه . فقالَ القاضي : إنَّ هذا لا يُوجَدُ في كتابٍ .فقالَ : بل لم يَخْلُ منه كتابٌ . فقالَ القاضي : هذا ( القاموسُ ) – يعني أنه يَدْخُلُ في عُمومِ كتابٍ - .
فتَنَاوَلَ صاحبُ الترجمةِ ( القاموسَ ) وَأَوَّلَ ما وَقَعَ نَظَرُه عليه : ( والْهَيْشَةُ الفتنةُ وأمُّ حُبَيْنٍ وليس في الْهَيْشاتِ قَوَدٌ ) أي : في القتيلِ في الفِتنةِ لا يُدْرَى قاتِلُه فتَعَجَّبَ الناسُ من مِثْلِ هذا الاستحضارِ في ذلك الموقِفِ الْحَرِجِ ) اهـ ملَخَّصًا .
الشيخ:
هؤلاء قبائل جرى بينهم فتنة فقتل من إحدى القبيلتين أربعة رجال فحضروا إلى القاضي فقال الشيخ واسمه باب بن أحمد: مثل هذا لا قصاص فيه قال القاضي الحاكم: إن هذا لا يوجد في كتاب، يعني أين الدليل على أنه لا قصاص فيه؟ لا يوجد، في أي كتاب أنه لا قصاص في ذلك، فقال الشيخ باب بن أحمد: بل لم يخل منه كتاب، فقال القاضي: هذا القاموس، يعنى أنه يدخل في عموم كتاب وهو قول باب بن أحمد: لم يخل منه كتاب كلمة (لم يخل منه كتاب) كلمة كتاب عامة تشمل كل الكتب، كتب الفقه والعقيدة والنحو والأدب وكل شيء؛ لأن كتاب نكرة في سياق النفي فتكون للعموم وهو يقول لم يخل منه كتاب، فقال القاضي: هذا القاموس، القاضي الآن يعني عنده ثقة بنفسه أنه لن يوجد في القاموس حكم هذه المسألة؛ لأن القاموس كتاب لغة وليس كتاب فقه، قال القاضي هذا القاموس وأنت تقول: لا يخلو منه كتاب، هذا القاموس أعطني إياها، يقول فتناول صاحب الترجمة القاموس وأول ما موقع نظره عليه والهيشة فتنة وأم حبين وليس في الهيشات قود، فأخذ من كتاب القاموس أن حكم القاضي بأنه يقتل من القبيلة الأخرى أربعة خطأ .
هذا معنى هذه القصة. أي: في القتيل في الفتنة لا يدرى قاتله فتعجب الناس من مثل هذا الاستحضار في ذلك الموقف الحرج انتهى ملخصا .
الهشية الفتنة وأم حبين من يعرف أم حبين ؟ هي دويبة لكنها تشبه الخنفساء، دوبية يعني ليست من الدواب القوية لكنها على كل حال هي دويبة من الحشرات . 
 
شرح الشيخ ناصر الشثري


القارئ :
الإعراض عن الهيشات : التصون من اللغط والهيشات ، فإنّ الغلط تحت اللغط ، وهذا ينافي أدب الطلب.ومن لطيف ما يستحضر هنا ما ذكره صاحب "الوسيط في أدباء شنقيط" وعنه في "معجم المعاجم":"أنه وقع نزاع بين قبيلتين ، فسعت بينهما قبيلة أخرى في الصلح ، فتراضوا بحكم الشرع ، وحكموا عالماً ، فاستظهر قتل أربعة من قبيلة بأربعة قتلوا من القبيلة الأخرى ، فقال الشيخ باب بن أحمد : مثل هذا لا قصاص فيه. فقال القاضي : إنّ هذا لا يوجد في كتاب. فقال : بل لم يخل منه كتاب. فقال القاضي : هذا "القاموس" يعنى أنه يدخل في عموم كتاب - فتناول صاحب الترجمة "القاموس" وأول ما وقع نظره عليه : "والهيشة : الفتنة ، وأم حبين ، وليس في الهيشات قود" ، أي : في القتيل في الفتنة لا يدرى قاتله ، فتعجب الناس من مثل هذا الاستحضار في ذلك الموقف الحرج"اهـ ملخصاً.

الشيخ :
إذن هذا أدب من آداب طالب العلم أنه يتصون عن اللغط والهيشات ، والمراد بالهيشات : ما يحصل من الخصومات والتجمعات التي يكون فيها كلام بعض الناس على بعض وما لا يمكن ضبطه و لا تعرف عاقبته ، فإنّ دخول طلبة العلم في الهيشات ينتج عنه أنّ الناس قد يعتدون عليهم ، وقد يتكلمون فيهم ، وقد يكون ذلك سببا من أسباب احتقارهم وعدم معرفة ما لديهم من علم يستوجب رفع مكانتهم و الأخذ منهم ، وذكر المؤلف هنا ما يتعلق بهذا النداء الذي وقع بين هاتين القبيلتين ، نعم.
  إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد
 السؤال الأول : الاعراض عن الهيشات ، ما المراد بها ؟
الجواب : الهيشة والهوشة بالياء والواو هي المنازعة التي تفضي إلى تسابّ أوتضارب أوتقاتل
فتختلف درجتها باختلاف ما تؤدي إليه وكلها يشملها اسم الهوشة والهيشات وجمعها: هيشات وهوشات.
وفي الحديث: (ليس في الهيشات قَوَد) ، وفي الحديث الآخر: (إياكم وهوشات الليل)
 السؤال الثاني : لم أفهم هذا الكلام :
 الهيشات يعني بذلك هيشات الأسواق كما جاء في الحديث التحذير منها لأنها تشتمل على لغط وسب وشتم
وبعض طلبة العلم يقول أنا أقعد في الأسواق من أجل أن أنظر ماذا يفعل الناس؟ وماذا يكون بينهم؟ فنقول:
هناك فرق بين الاختبار والممارسة 

الجواب : يقصد بالممارسة أن يكون من عادة طالب العلم أن يكثر الجلوس في الأسواق من غير حاجة لشراء أو بيع ، وإنما رغبة في تزجية الوقت وملاحظة الناس ؛ فهذا مذموم ، وليس من أدب طالب العلم أن يكون بهذه الحالة، وهذا فيه امتهان لقدره.
وأما الاختبار فقصد به لو أن أحداً أخبره عن حدث حصل في السوق فذهب ليختبر صدق الخبر ويتحقق منه فهذا يختلف عن الأول ، وقد يكون مطلوباً إذا كان يترتب على ذلك إنكار منكر أو نصرة مظلوم أو إعانة محتاج، وإذا كان لغرض الفرجة فقط لم يكن فيه فضيلة ، بل هو إلى المنع أقرب لئلا يطلع من الناس على ما يكرهون فيعاقب بذلك في بعض شأنه.


آفاق التيسير  

 من آداب طالب العلم الإعراض عن الهيشات

قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه حلية طالب العلم، في الفصل الأول، في آداب الطالب في نفسه: [الأدب الثاني عشر: الإعراض عن الهيشات:
التصون من اللغط والهيشات؛ فإن الغلط تحت اللغط، وهذا ينافي أدب الطلب.
ومن لطيف ما يستحضر هنا ما ذكره صاحب الوسيط في أدباء شنقيط، وعنه في معجم المعاجم: أنه وقع نزاع بين قبيلتين، فسعت بينهما قبيلة أخرى في الصلح، فتراضوا بحكم الشرع، وحكموا عالماً؛ فاستظهر قتل أربعة من قبيلة بأربعة قتلوا من القبيلة الأخرى، فقال الشيخ باب بن أحمد : مثل هذا لا قصاص فيه، فقال القاضي: إن هذا لا يوجد في كتاب. فقال: بل لم يخل منه كتاب، فقال القاضي: هذا القاموس -يعني: أنه يدخل في عموم الكتاب، فتناول صاحب الترجمة القاموس، وأول ما وقع نظره عليه: (والهيشة الفتنة وأم حبين، وليس في الهيشات قود)، أي: في القتيل في الفتنة لا يدرى قاتله، فتعجب الناس من مثل هذا الاستحضار في ذلك الموقف الحرج. انتهى ملخصاً].
خلاصة هذا الأدب: أن طالب العلم ينبغي عليه أن يصون نفسه عن اللغط، وأن يصون نفسه عما لا ثمرة فيه ولا فائدة، فإنه لا يليق بطالب العلم أن يكون من أهل السفه الذين يدخلون في المضاربات والمشاكسات واللغط والسب والشتم، وأن يكون خراجاً ولاجاً في مخافر الشرط بسبب هيشة مع جار له، أو مشكلة مع رجل عند إشارة.. لا ينبغي أن يكون طالب العلم بهذا المستوى، وإنما ينبغي عليه أن يصون نفسه عن ذلك كله، وأن يرفق بالناس، وأن يكون عاقلاً حكيماً يحسن التعامل مع الناس، فإن الذي لا يجامل الآخرين، ويتعامل معهم على قدر عقولهم سيدخل في مشكلات كثيرة، ومن حكمة الجاهليين ما ورد في كلام زهير بن أبي سلمى في قوله:
ومن لم يصانع في أمور كثيرة يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
فينبغي على الإنسان أن يكون حكيماً، ولا يكون كلما وجد سفيهاً من السفهاء صارت بينه وبينه مشكلة، وكلما وجد أحمق من أهل الجهالة صارت بينه وبينه فتنة، وكلما وجد رجلاً بسيطاً في عقله وتصرفه لا يحسن الفهم، ولا يدرك مقاصد الأمور لا يتعامل معه بالطريقة العاقلة في التعامل مع مثل هؤلاء الأشخاص.
والهيشات جمع هيشة، والهيشة الفتنة التي يختلط فيها الناس بعضهم في بعض يتضاربون أو يتقاتلون، وقد يسقط بينهم جريح أو قتيل.
وفي القصة التي أوردها عدة فوائد:
الفائدة الأولى: أن القتيل في الهيشة الذي لا يعرف من قاتله لا يصح فيه قود؛ لأنه لا يعرف شخص محدد هو قاتل هذا الشخص، عندما يكون هناك خمسة من جهة وخمسة من جهة يتراشقون إما بالحجارة أو بالسهام أو بالرصاص فيقتل قتيل ولا يعرف من قتله، فربما يكون قتله فلان أو فلان أو فلان، أو ربما قتله أحد أصحابه وحينئذ لا يكون فيه قصاص، وإنما يكون فيه الدية.
الفائدة الثانية: الموقف الذي في قصة هذا العالم باب بن أحمد ؛ فإنه أفتى بأنه لا قصاص في مثل هذه الحالة، فقال له القاضي: إن هذا لا يوجد في كتاب. وهذا زعم مطلق بدون بصيرة من هذا القاضي.
فقال: بل هو موجود في كل كتاب. أي: سواء كان من كتب الفقه أو اللغة أو غيرها.
فأراد هذا القاضي إحراج هذا العالم، قال: هذا القاموس. وهو من كتب اللغة للفيروزآبادي شرحه الزبيدي في تاج العروس.
فقال له: هذا كتاب القاموس. يعني: هات هذا الحكم الفقهي الذي قلته من هذا الكتاب اللغوي. فماذا عمل؟ اتجه إلى أقرب معنى لغوي يمكن أن يصل إلى فائدة فيه، فوجد كلمة هيشة، فقرأ: أن الهيشة هي الفتنة، وأم حبين. يعني: تطلق على الفتنة وتطلق على دويبة صغيرة تسمى أم حبين، قال: وليس في الهيشات قود. وهذه من الفوائد التي في غير مظانها؛ فإن كتاب القاموس في الأصل كتاب لغوي، لكن هنا مسألة فقهية أشار إليها، ولهذا ينبغي على طالب العلم عند قراءته في الكتب أن يسجل لطائف المسائل التي لا توجد في مظانها؛ لتكون من نوادر العلم بالنسبة له.  

هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق