الجمعة، 20 ديسمبر 2013

إسلام الجوارح

إسلام الجوارح



واعلم أن رزق الأبدان بالأطعمة ، ورزق الأرواح بالمعارف ، وهذا أشرف الرزقين ، فإن ثمرتها حياة الأبد ، وثمرة الرزق الظاهر قوة الجسد إلى مدة قريبة الأمد

الإسلام ليس كلمة تُـقال باللسان فحسب ، بل هو اعتقاد وقول وعمل .
فإذا صدق المسلم في إسلامه وتوجهه إلى الله أسلمت جوارحـه .
ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده . رواه البخاري ومسلم .
♥قال البخاري في صحيحه
-حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَ‏:‏ ‏"‏ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ‏"‏‏.‏ 
فتح الباري بشرح صحيح البخاري / بَاب الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ/ حديث رقم 10  هنا  
 وهنا


وهذا من أفضل الناس منزلة .
بدليل ما جاء في رواية مسلم : أي المسلمين خير ؟ قال : من سلم المسلمون من لسانه ويده .

أنَّ النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم سئلَ أىُّ المسلمينَ أفضلُ قالَ: من سلمَ المسلمونَ من لسانِهِ ويدِهِ
الراوي: أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2628
خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية 

والأعضاء بمثابة الرعية التي تتبع الملِك
فالقلب هو ملك الجوارح ، فإذا أسلم وصدق في توجهه إلى الله أذعنت الجوارح وانقادت لله .
قال عليه الصلاة والسلام : ألا وإن في الجسد مضغة ، إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب . رواه البخاري ومسلم .

الحلالُ بيِّنٌ، والحرامُ بيِّنٌ، وبينهما مُشَبَّهاتٌ لا يعلمُها كثيرٌ من الناسِ، فمَنِ اتقى المُشَبَّهاتِ استبرَأ لدينِه وعِرضِه، ومَن وقَع في الشُّبُهاتِ : كَراعٍ يرعى حولَ الحِمى يوشِكُ أن يواقِعَه، ألا وإن لكلِّ ملكٍ حِمى، ألا وإن حِمى اللهِ في أرضِه مَحارِمُه، ألا وإن في الجسدِ مُضغَةً : إذا صلَحَتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ .

الراوي: النعمان بن بشير المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 52
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الدرر السنية
ومن معاني إسلام الجوارح خضوعها لله عز وجل
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع قال : اللهم لك ركعت ، وبك آمنت ، ولك أسلمت ، خشع لك سمعي وبصري ، ومخي وعظمي وعصبي ، وإذا رفع قال : اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما ، وملء ما شئت من شيء بعد ، وإذا سجد قال : اللهم لك سجدت ، وبك آمنت ، ولك أسلمت ، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره . تبارك الله أحسن الخالقين . رواه مسلم .

وإذا ركع قال " اللهمَّ ! لك ركعتُ . وبك آمنتُ . ولك أسلمتُ . خشع لك سمعي وبصَري . ومُخِّي وعظْمي وعصَبي " . وإذا رفع قال " اللهمَّ ! ربَّنا لك الحمدُ ملءَ السماواتِ وملءَ الأرضِ وملءَ ما بينهما وملءَ ما شئتَ من شيءٍ بعدُ " . وإذا سجد قال " اللهمَّ ! لك سجدتُ . وبك آمنتُ . ولك أسلمتُ . سجد وجهي للذي خلقَه وصوَّره ، وشقَّ سمعَه وبصرَه . تبارك اللهُ أحسنُ الخالقِين " ثم يكون من آخرِ ما يقولُ بين التشهُّدِ والتَّسليمِ " اللهمَّ ! اغفرْ لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ . وما أسررتُ وما أعلنتُ . وما أسرفتُ . وما أنت أعلمُ به مِنِّي . أنت المُقدِّمُ وأنت المُؤخِّرُ . لا إله إلا أنتَ " .

الراوي: علي بن أبي طالب المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 771
خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية
ومن هذا المعنى ما يُقال في سجود التلاوة
" سجد وجهي للذي خلقه ، وشق سمعه وبصره بحوله وقوته " رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي .

كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ في سجودِ القرآنِ بالليلِ : سجدَ وَجْهِي للذي خَلَقَهُ ، وشَقَّ سمعَهُ وبصرَهُ ، بحولِهِ وقوتِهِ

الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 580
خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح
الدرر السنية
فلا بُـد لمن صدق في إسلامه أن تنقاد جوارحه لله عز وجل .
قال سفيان بن عبد الله الثقفي : قلت : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك . قال : قل آمنت بالله فاستقم . رواه مسلم .
♥  قلت : يا رسول الله ، قل : لى فى الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك - وفى حديث أبى أسامة غيرك - قال: "قل آمنت بالله فاستقم"
الراوي: سفيان بن عبدالله الثقفي المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 38
خلاصة حكم المحدث: صحيح 

"قلتُ يا رسولَ اللَّهِ حدِّثْني بأمرٍ أعتصِمُ بِهِ قالَ:" قُلْ ربِّيَ اللَّهُ ، ثمَّ استقِم". قلتُ : يا رسولَ اللَّهِ ، ما أخوَفُ ما تخافُ عليَّ ؟" فأخذَ بلسانِ نفسِهِ" ثمَّ قالَ : هذا
الراوي: سفيان بن عبدالله الثقفي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2410
خلاصة حكم المحدث: صحيح 
قال القاضي عياض رحمه الله : هذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم ، وهو مطابق لقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) أي وحّدوا الله وآمنوا به ثم استقاموا ، فلم يحيدوا عن التوحيد ، والتزموا طاعته سبحانه وتعالى إلى أن توفّوا على ذلك . اهـ

فلا يكفي مُجرّد القول بل لابُـد من العمل ، والاستقامة على الطريق القويم ، جسداً وروحاً ، وقلباً وقالباً .
يستقيم حتى في تعامله ومعاملاته .
يستقيم في قوله وفعله .
ليحصل التوافق والتطابق بين القول والفعل .
فإن المنافق هو الذي يتعارض قوله مع فعله ، ولذا فـ
( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ )
تتناقض ظواهرهم مع بواطنهم ، وإن قالوا ما قالوا بألسنتهم .
ولذا قال سبحانه :
( إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ )
وجاء في وصف ألسنتهم على وجه الخصوص
( أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا )

إذا أسلم العبد وانقاد لله عز وجل واستسلم على الحقيقة صار سمعه وبصره لله ، فإن نظر نظر فيما أحل الله ، وإن استمع ففيما أحل الله .
وإذا أسلم وصدق في إسلامه أسلمت يده ورجله لله ، فإن بطش فـ لله ، وإن مشى فـ لله .
ولذا قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي :
وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحـبّـه .
فماذا يُقابل تلك المحبة الربانيّـة ؟
فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يُبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها .
ثم ماذا له من موعود الله عز وجل ؟
وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه . رواه البخاري .

إنَّ اللهَ قال : من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه ، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه ، فإذا أحببتُه : كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به ، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به ، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها ، ورِجلَه الَّتي يمشي بها ، وإن سألني لأُعطينَّه ، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه ، وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه ترَدُّدي عن نفسِ المؤمنِ ، يكرهُ الموتَ وأنا أكرهُ مُساءتَه

الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6502
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الدرر السنية
هذا هو الذي أسلمت جوارحه لله ، فأحبه الله ، إن سأل فسؤاله مسموع ، وإن استعاذ أعاذه مولاه .
فسمعه وبصره لله ، ويده ورجله لله .
فلا يستمع إلا ما يُرضي ربّـه .
ولا ينظر إلا فيما أحل الله له .
ولا يبطش ولا يضرب إلا لله .
ولذا قالت عائشة رضي الله عنها : مـا ضَرَبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وما نِيلَ منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله ، فينتقم لله عز وجل . رواه مسلم .

ما ضرب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ شيئًا قطُّ بيدِه . ولا امرأةً . ولا خادمًا . إلا أن يجاهدَ في سبيلِ اللهِ . وما نِيلَ منهُ شيٌء قطُّ . فينتقمُ من صاحبِه . إلا أن يُنتهك شيٌء من محارمِ اللهِ . فينتقمُ للهِ عزَّ وجلَّ .

الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2328
خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية
ولا يمشي إلا لله ، فلا تحمله رجلاه إلى فاحشة ولا إلى مكان تُنتهك فيه محارم الله عز وجل .
ولذا عُـد من الفخر قول معن بن أوس :

لعمرك ما أهديت كفي لريبة = ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها = ولا دلني رأيي عليها ولا عقلي
وأعلم أني لم تصبني مصيبة = من الدهر إلا قد أصابت فتى قبلي
ولست بماش ما حييت لمنكر = من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي

وإذا أسلمت الجوارح والأعضاء لله عز وجل سلِمت من زنا الجوارح
ذلكم الزنا الذي قال عنه عليه الصلاة والسلام : إن الله كتب على بن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة ؛ فزنا العينين النظر ، وزنا اللسان النطق ، والنفس تمنّى وتشتهى ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه . رواه البخاري ومسلم .

فهل أسلمت جوارحنا لله ؟
هل سلم الناس من ألسنتنا ؟
هل سلم الأقربون - قبل غيرهم – من ألسنتنا ؟
فلم نغتب
ولم نَـنِـمّ
ولم نبهت
ولم نكذب
ولم نقل بقول الزور
ولا بشهادة الزور
ولا بالإفك نطقنا
ولا بالحلف الكاذب أكلنا
ولا إلى الشر سعينا
ولا بالأيادي ضاربنا وضربنا !

أيها الكرام :
إن اللسان أخطر جارحة ، فإذا أسلم اللسان سلِم منه صاحبه قبل غيره
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس النار ؟ فقال : الفم والفرج . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه .

سُئِلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن أكثرِ ما يُدْخِلُ الناسَ الجنةَ ؟ فقال : تَقْوَى اللهِ وحُسْنُ الخُلُقِ، وسُئِلَ عن أكثرِ ما يُدْخِلُ الناسَ النارَ، قال : الفَمُ والفَرْجُ

الراوي: أبو هريرة المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2004
خلاصة حكم المحدث: صحيح غريب
الدرر السنية
ومن حفظ جوارحه فقد ضمن له النبي صلى الله عليه وسلم الجنة .
قال عليه الصلاة والسلام : من يضمن لي ما بين لحييه ، وما بين رجليه ، أضمن له الجنة . رواه البخاري .

من يضمَنْ لي ما بين لَحيَيْه وما بين رِجلَيْه أضمنُ له الجنَّةَ

الراوي: سهل بن سعد الساعدي المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6474
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الدرر السنية
وقال عليه الصلاة والسلام : اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة : اصدقوا إذا حدثتم ، وأوفوا إذا وعدتم ، وأدوا إذا ائتمنتم ، واحفظوا فروجكم ، وغضوا أبصاركم ، وكفوا أيديكم .

اضمَنوا لي ستًّا مِن أنفسِكُم ؛ أضمَنْ لكُم الجنَّةَ : اصدُقُوا إذا حَدَّثتُم ، وأَوفوا إذا وَعدتُم ، وأدُّوا إذا ائتُمِنْتُم ، واحفَظوا فروجَكم ، وغُضُّوا أبصارَكم وكفُّوا أيديَكُم

الراوي: عبادة بن الصامت المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 2925
خلاصة حكم المحدث: صحيح لغيره
الدرر السنية
وعن أبي قراد السلمي رضي الله عنه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا بطهور ، فغمس يده فيه ، ثم توضأ فتتبعناه فحسوناه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما حملكم على ما صنعتم ؟ قلنا : حب الله ورسوله . قال : فإن أحببتم أن يحبكم الله ورسوله ، فأدوا إذا ائتمنتم ، واصدقوا إذا حدّثتم ، وأحسنوا جوار من جاوركم . رواه الطبراني في الأوسط وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني ، وهو في صحيح الجامع .

♥إنْ أحببْتُمْ أنْ يُحِبَّكُمُ اللهَ تعالَى ورسولُهُ فأدُّوا إذا ائْتُمِنتُمْ ، واصدُقُوا إذا حدَّثْتُمْ ، و أحْسِنُوا جِوارَ مَنْ جاوَرَكمْ
الراوي: عبدالرحمن بن أبي قراد المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1409
خلاصة حكم المحدث: حسن 

♥ وعن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي قراد السلمي رضي الله عنه قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فدعا بطهور فغمس يده فتوضأ فتتبعناه فحسوناه فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ما حملكم على ما فعلتم" قلنا حب الله ورسوله قال:" فإن أحببتم أن يحبكم الله ورسوله فأدوا إذا ائتمنتم واصدقوا إذا حدثتم وأحسنوا جوار من جاوركم "
 رواه الطبراني    

صحيح الترغيب والترهيب /ج 3/ كتاب الأدب وغيره/ الترغيب في الصدق والترهيب من الكذب/
حديث رقم: 2928 / التحقيق:حسن
مكتبة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني الإلكترونية
إن اللسان هو أكثر ما يُذهب الحسنات .
ولذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال : أتدرون ما المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع . فقال : إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ؛ ، وهذا من حسناته ، فإن فنيَتْ حسناته قبل أن يقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم ، فطرحت عليه ، ثم طرح في النار . رواه مسلم .

أتدرون ما المفلِسُ ؟ قالوا : المفلِسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاعَ . فقال : إنَّ المفلسَ من أمَّتي ، يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مالَ هذا ، وسفك دمَ هذا ، وضرب هذا . فيُعطَى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه . فإن فَنِيَتْ حسناتُه ، قبل أن يقضيَ ما عليه ، أخذ من خطاياهم فطُرِحت عليه . ثمَّ طُرِح في النَّارِ

الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2581
خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية
أرأيتم كيف ذهبت حسناته التي تعب في جمعها في الدنيا ؟
لقد ذهبت عن طريق لسانه ويده !
ما أسلم لسانه ولا أسلمت يده .
ما سلم المسلمون من لسانه ويده .
تأمل خطايا هاتين الجارحتين :
شتم هذا ، وقذف هذا ... من آفات اللسان .

وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ... من آفات اليد .

فهل أسلمت جوارح من كان كذلك ؟

ثم تأملوا حال تلك الصوّامة القوّامة المتصدّقة التي تفعل الخير .
قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن فلانة تصوم النهار ، وتقوم الليل ، وتفعل ، وتصّدق ، وتؤذي جيرانها بلسانها . فقال : لا خير فيها ، هي في النار . قيل : فإن فلانة تُصلي المكتوبة ، وتصوم رمضان ، وتتصدق بأثوار من أقط ، ولا تؤذي أحدا بلسانها . قال : هي في الجنة . رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد .

قيلَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ و سلَّمَ : يا رَسولَ اللهِ ! إنَّ فلانةَ تقومُ اللَّيلَ و تَصومُ النَّهارَ و تفعلُ ، و تصدَّقُ ، و تُؤذي جيرانَها بلِسانِها ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليهِ و سلم لا خَيرَ فيها ، هيَ من أهلِ النَّارِ . قالوا : و فُلانةُ تصلِّي المكتوبةَ ، و تصدَّقُ بأثوارٍ ، و لا تُؤذي أحدًا ؟ فقال رسولُ اللهِ : هيَ من أهلِ الجنَّةِ

الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الأدب المفرد - الصفحة أو الرقم: 88
خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية
( الأثوار: جمع ثور، وهو القطعة من الأقط، والأقط: اللبن المجفف ).
أرأيتم كيف ذهبت حسنات تلك الصوّامة القوّامة المتصدّقة التي تفعل الخير ، لقد أذهبها اللسان وحده !
فلا هي سلمت من تبعات وخطورة لسانها ، ولا سلم أقرب الناس إليها من لسانها .

فإذا أسلمنا فلتسلم منا الجوارح
ولتنقاد ولتذعن لخالقها وباريها ، مُعلنة أنها أسلمت لله رب العالمين .

كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم
 بتصرف في التخريج
-----------------------------
إن حقيقةَ الإيمانِ التي أُمرنا بها، هى أن تتواطأ عبادة القلب مع عبادةِ الجوارح، فتتحقق عبودية القلب مع عبودية الجوارح، فنحسن العبادة باطناً كما نحسنها ظاهراً، إن الإيمان الذي في القلب لابد أن تصدقه الجوارح بأعمالها، فإن التصديق يكون بالأفعال كما يكون بالأقوال.

فلقد مَن اللهُ على الإنسان بنعمٍ كثيرةٍ، بعدَ نعمةِ الإيمان باللهِ، لا تُحصى ولا تعد. قال تعالى: ] وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا [ ([i]).

من أهم تلك النعم جوارح الإنسان من: ( الأذنِ، والعينِ، والأنفِ، واللسانِ، واليدينِ، والقدمينِ، والبطنِ، والفرجِ)، فكان حقا على الإنسان أن يكون، عابداً شاكراً لله على تلك النعم، وغيرها مما أنعم الله بها عليه. قال تعالى: ] وَمَا خَلَقْت الْجِنَّ وَالإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُون[ ([ii]).

ومن أُولَى مراحلِ الشكرِ لله، أن يستخدمَ الإنسانُ تلك الجوارح فيما أمرَ اللهُ تعالى، وإبعادها وحفظها عما نهى الله تعالى، وأن يحاسبَ الإنسانُ نفسَه فى حركاتِ جوارحهِ، من حينَ تطلُعُ الشمسُ إلى أن تغيبَ، ومن غروبِها إلى أن تطلع.

وللهِ درُ القائل:

ألا كُل مَن رَامَ السلامةَ فَليَصُن     ...     جَوَارِحَهُ عَما نَهَى اللهُ يَهتَدِي ([iii]).

فيحفظُ المسلمُ جارحةَ (الأذن) عن سماعِ مالا يثابُ عليه، فالأذنُ تجترح السَّمْع، وَالسَّمْعُ مِنْ أَهَمِّ جوارح الإِنْسَانِ وَأَشْرَفِهَا، إذْ هُوَ الْمُدْرِكُ لِخِطَابِ الشَّرْعِ الَّذِي بِهِ التَّكْلِيفُ; وَلأَنَّهُ يُدْرِكُ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ، فالإنسانُ مسئولٌ عما اكتسبه بأذنِه من استماعٍ، فإن المستمعَ شريكٌ للقائلِ، فعليه استعمالُ أُذُنِه فى استماعِ كل ما هو مأمورٌ به من قِبَلِ الحق سبحانه وتعالى،  كاستماعِ تلاوةِ القرآنِ ونحوه، وحفظها عن استماعِ ما نهى الله عنه كأصواتِ لهوٍ محرمٍ ونحوه، قَالَ تعالى:

]وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ [ ([iv]).

كما أنه مسئولٌ عما اكتسبه ( بعينه) من إبصارٍ، فالعينُ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ الَّتِي امْتَنَّ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ بِهَا، وَأَمَرَ بِحِفْظِهَا عَمَّا حَرَّمَهُ، وذلك باستعمالها فى إبصارِ  كل ما هو مباحِ، أو مأمورٍ به من قِبَلِ الحق سبحانه وتعالى، وحفظِها عن النظرِ إلى ما نهى اللهُ عنه. قَالَ تَعَالَى: ] وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا [ ([v]).

ولله در القائل:

وَحَصِّنْ عَنْ الْفَحْشَا الْجَوَارِحَ كُلَّهَا  ...  تَكُنْ لَك فِي يَوْمِ الْجَزَا خَيْرَ شُهَّدِ([vi]).

كما أنهُ مسئولٌ عما اكتسبه (بلسانه)، فإِنَّ حَرَكَةَ اللِّسَانِ أَخَفُّ حَرَكَاتِ الْجَوَارِحِ, فِيهِ يَحْصُلُ الْفَضْلُ لِلذَّاكِرِ وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى فِرَاشِهِ وَفِي سُوقِهِ, وَفِي حَالِ صِحَّتِهِ وَسَقَمِهِ, وَفِي حَالِ نَعِيمِهِ وَلَذَّتِهِ, وَمَعَاشِهِ, وَقِيَامِهِ, وَقُعُودِهِ, وَاضْطِجَاعِهِ, وَسَفَرِهِ, وَإِقَامَتِهِ, فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ يَعُمُّ الأَوْقَاتَ وَالأَحْوَالَ مِثْلَهُ، لذلك كان واجبا على المسلمِ، كفّه عن جَمِيعِ الشَّهَوَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ, وَيَشْتَغِلَ بِالْعِبَادَةِ, وَذِكْرِ اللَّهِ, وَتِلاوَةِ الْقُرْآنِ.

كما أنهُ مسئولٌ عما اكتسَبه ( بأنفه) بشمِ ما أباحه الله له، وحفظها عما نهى الله عنه.

كما أنهُ مسئولٌ عما اكتسبَه  (بيديه ورجليه) فعليه استعمالهما فى الخير وحفظهما عن فعلِ ما لا يثابُ عليه، وكذلك يصون (بطنه) عن كلِ ما هو محرم أو فيه شُبهَةِ حُرمة، فكلُ جسمٍ نبتَ من حرام فالنار أولى به،  وكذلك حفظُ (فرجهِ) عن الحرامِ، فيكون بهذا قد أدى شكرَ جوارحه، وَهُوَ مَعْنَى قوله تعالى:
] وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ [ ([vii]) فظَاهِرَ الإِثْمِ: هو كَفُّ الْجَوَارِحِ عَنْ الْحَرَامِ، ]وَبَاطِنَهُ [, هوَكَفُّ الْقَلْبِ عَنْ الْفَوَاحِشِ([viii]).

وبذلك تَكُون الْجَوَارِحُ مُسْتَعْمَلَةً فِيمَا يَرْضَاهُ الْمَشْكُورُ سبحانه وتعالى.

فإذا ما صَرف الْعَبْد الجوارحَ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِ فِي طَاعَتِهِ. أَوْ فِيمَا خُلِقَتْ لَهُ، كان له الجزاء الوفير وهو: شكر الله له،  وَشُكْر اللَّهِ لِلْعَبْدِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَزْكُو عِنْدَهُ الْقَلِيلُ مِنْ الْعَمَلِ فَيُضَاعِفُ لِعَامِلِهِ الْجَزَاءَ. قال تَعَالَى: ]إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا [ ([ix]), وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ]مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [ ([x]) الآيَةَ،  وَلِلْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ {وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءِ أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْته عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أَحِبَّهُ, فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بَهْ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بَهْ, وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا, وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا, وَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْته, وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنهُ }([xi]). بمعنى أن يجعلَ اللهُ، سلطانَ حبه غالباً عليه، حتى لا يرى ولا يسمع ولا يفعل إلا ما يحبه الله، عوناً له على حمايةِ هذه الجوارح عما لا يرضاه. أو هو كناية عن نُصرةِ الله وتأييده وإعانته له، في كل أمورهِ وحمايَة سمعهِ وبصرهِ، وسائر جوارحهِ عما لا يرضاه([xii]).

ومبدأُ المسئوليةِ يقتضى، أن يكونَ الإنسانُ مسئولاً عما اكتسبَ بجوارحه هو، لا عما اكتسبه غيرُه، إلا إذا كان الإنسانُ متسبباً فى إكتسابِ غيره.

ويرتبطُ بتلك المسئوليةِ، أن يُجَازَى الإنسان عما اكتسبه بجوارحه، فالأوامرُ التى أمَر بها الله تعالى، جعل لمن أتى بها الثوابَ الجزيل، ولمن تركَها العقابَ الشديدَ، والنواهى التى نهىَ عنها، جعل لمن أتاها العقاب الشديد، ولمن انتهى عنها الثواب الجزيل،  ذلك الجزاءُ الأصلُ فيه أن يكون جزاءاً أُخرويا مفوضا فيه الأمر إلى اللهِ تعالى، ومن ذلك الجزاء أن تكون تلك الجوارح شاهداً لصاحبها، أو شاهداً عليه،  قَالَ تَعَالَى:] يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[ ([xiii]) ويتمثل هذا الجزاء فيما أعده الله تعالى للمحسنين المؤمنين، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، قال تعالى: ] الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا[ ([xiv]).

وما أعده الله للعصاه من عقاب فى الآخرة، قال تعالى: ]يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ[ ([xv]).

* فالجزاءُ هو الذى يجعلُ للأمرِ والنهى معنى مفهوماً، ونتيجةً مرجوةً، ولولاه لكانت الأوامرُ والنواهى أموراً ضائعةً، وضرباً من العبثِ.

* ولما كانت طبائعُ الناسِ متفاوتةً، وكانَ فيهم من يكفيه الترغيبُ فى ثوابِ اللهِ والترهيبُ من عقابهِ، وفيهم من لا تكفيه هذه الأساليب، ولو ترك بدونِ جزاء لأشاع الفسادَ فى الأرضِ, قضت حكمة البارى سبحانه وتعالى، أن يكونَ فى دين الله ومن أصوله، جزًا دنيوياً، يقتضى إثابة المحسن على إحسانه، وعقاب المسىء على إساءته حتى يستقيم أمر الناس.  قال تعالى: ]أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ[ ([xvi]).

ولنعلم أن الجزاءَ من جنسِ العمل، فعلى سبيل المثال: من منع أذنه عن استماعِ ما نهى اَللَّهُ تَعَالَي عنه، يُعَوِّضُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، فلما أمسكَ سماع أذنه عن المحرماتِ، فَيُطْلِقُ اللَّهُ سمعه، إلى استماع كل ما هو خير، فيسمع ما لم يسمعه من أطلق سمعه، ولم يمنعه من استماع المحرمات.


   ومن غض بصره عما نهى اَللَّهُ تَعَالَي عنه يُعَوِّضُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، فلما أمسك نور بصره عن المحرمات فَيُطْلِقُ اللَّهُ نُورَ بَصِيرَتِهِ، وَيَفْتَحُ عَلَيْهِ بَابَ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْكُشُوفِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَنَالُ بَصِيرَةَ الْقَلْبِ، فرأى به ما لم يره من أطلق بصره، ولم يعفه عن محارم الله، وكذا سائر الجوارحِ، من عفها عما نهى اَللَّهُ تَعَالَي عنه يُعَوِّضُهُ اللَّهُ عَلَيْهِا مِنْ جِنْسِهِا بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْها.
مدرسة الفقه المقارن بجامعتي الأزهر والباحة.
_______________________
([i] سورة النحل / جزء آية 18.


([ii] سورة الذاريات / آية 56-57.

([iii] القصيدة الدالية / نظم الشيخ شمس الدين أبى عبد الله محمد بن عبد القوى بن بدران المرداوى المقدسى (شرح منظومة الآداب الشرعية) : للإمام موسى بن أحمد الحَجاوى الدمشقى الحنبلى  - مكتب الشئون الفنية قطاع المساجد/77.

([iv] سورة النساء / جزء آية 140.

([v] سورة الإسراء / آية 36.

([vi] غذاء الألباب شرح منظومة الآداب:لأبى محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني -  مؤسسة قرطبة 2/494.

([vii] سورة الأنعام / جزء آية 120.

([viii] أحكام القرآن : لأبى بكر أحمد بن على الرازى الجصاص الحنفى ، طبعة دار الفكر3/10.

([ix] سورة مريم / آية 96.

([x] سورة المائدة / جزء آية 54.

([xi] أخرجه البخارى فى صحيحه / كتاب بدء الوحى / باب التواضع 5/2384.

([xii] جامع العلوم والحكم: لأبى الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلى – توفى 750هـ ، دار المعرفة بيروت – 1408هـ ، ط الأولى 1/357، فيض القدير 2/241.

([xiii])  سورة النور/ آية 24.

([xiv]  سورة الكهف / آية 107.

([xv]  سورة هود / آية 105.


([xvi]  سورة الجاثية / آية 21.


سئل الشيخ العثيمين
ما معنى قوله تعالى(وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) ؟

فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية نزلت في الكافرين أعداء الله عز وجل الذين قال الله عنهم (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فأعداء الله وهم الكفار هم أعداء للمسلمين أيضاً كما قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ) وقال عز وجل (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) وقال عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) فأعداء الله تعالى أعداء لكل عباده المؤمنين في كل زمان ومكان فالله تعالى يذكر عباده بهذه الحال العظيمة حتى يكونوا من أولياء الله ويبتعدوا عن أعداء الله عز وجل يقول الله عز وجل (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي يساقون إليها ويحبس أولهم على أخرهم يساقون إلى جهنم وردا والعياذ بالله فإذا جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم يقول (حتى إذا ما جاؤوها) ما هذه زائدة للتوكيد وكلما جاءت (ما) بعد (إذا) فهي زائدة كما قيل يا طالباً خذ فائدة (ما) بعد (إذا) زائدة حتى إذا ما جاؤوها أي إذا جاؤوها (شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) فيشهد السمع على صاحبه بما سمع من الأقوال المحرمة المنكرة التي استمع إليها صاحب هذا السمع وركن إليها وقام بموجبها (وأبصارهم) بما شاهدوا من الأمور المنكرة التي أقروها ورضوا بها (وجلودهم) بما مسوا فيشمل كل ما مست أيديهم وأرجلهم وفروجهم من الأمور المنكرة المحرمة تشهد عليهم بكل ما مست وهذا أعم من السمع والبصر ولهذا أنكروا على الجلود دون السمع والبصر فقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا انطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين فيوم القيامة يختم على الألسنة وتتكلم الجوارح قال الله تعالى (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) فتشهد الجلود وعلى كل ما مست من أمر محرم وكذلك السمع والبصر وحينئذ لا يبقى للإنسان عذر بل يكون مقراً رغم أنفه بما جرى منه من الكفر والمعاصي نسأل الله العافية.

فتاوى نور على الدرب ( العثيمين ) ، الجزء : 5 ، الصفحة : 2    


 ابن كثير
هنا 
* وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ اللّهِ إِلَى النّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتّىَ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتّمْ عَلَيْنَا قَالُوَاْ أَنطَقَنَا اللّهُ الّذِي أَنطَقَ كُلّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوّلَ مَرّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـَكِن ظَنَنتُمْ أَنّ اللّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مّمّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنّكُمُ الّذِي ظَنَنتُم بِرَبّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مّنَ الُخَاسِرِينَ * فَإِن يَصْبِرُواْ فَالنّارُ مَثْوًى لّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مّنَ الْمُعْتَبِينَ
يقول تعالى: {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون} أي اذكر لهؤلاء المشركين يوم يحشرون إلى النار يوزعون أي تجمع الزبانية أولهم على آخرهم كما قال تبارك وتعالى: {ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً} أي عطاشاً. وقوله عز وجل: {حتى إذا ما جاءوها} أي وقفوا عليها {شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون} أي بأعمالهم مما قدموه وأخروه لا يكتم منه حرف {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا} أي لاموا أعضاءهم وجلودهم حين شهدوا عليهم فعند ذلك أجابتهم الأعضاء {قالوا أنطقنا الله الذي أَنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة} أي فهو لا يخالف ولا يمانع وإليه ترجعون. قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا علي بن قادم حدثنا شريك عن عبيد المكتب عن الشعبي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وابتسم فقال صلى الله عليه وسلم: «ألا تسألوني عن أي شيء ضحكت ؟» قالوا يا رسول الله من أي شيء ضحكت ؟ قال صلى الله عليه وسلم: «عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة يقول أي ربي أليس وعدتني أن لا تظلمني, قال بلى فيقول فإني لا أقبل علي شاهداً إلا من نفسي فيقول الله تبارك وتعالى أوليس كفى بي شهيداً وبالملائكة الكرام الكاتبين ـ قال ـ فيردد هذا الكلام مراراً ـ قال ـ فيختم على فيه وتتكلم أركانه بما كان يعمل, فيقول بعداً لكن وسحقاً, عنكن كنت أجادل» ثم رواه هو وابن أبي حاتم من حديث أبي عامر الأسدي عن الثوري عن عبيد المكتب عن فضيل بن عمرو عن الشعبي ثم قال لا نعلم رواه عن أنس رضي الله عنه غير الشعبي وقد أخرجه مسلم والنسائي جميعاً عن أبي بكر بن أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي عن الثوري به. ثم قال النسائي لا أعلم أحداً رواه عن الثوري غير الأشجعي وليس كما قال كما رأيت والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا إسماعيل بن علية عن يونس بن عبيد عن حميد بن هلال قال: قال أبو بردة: قال أبو موسى: ويدعى الكافر والمنافق للحساب فيعرض عليه ربه عز وجل عمله فيجحد ويقول أي رب وعزتك لقد كتب عليّ هذا الملك ما لم أعمل فيقول له الملك أما عملت كذا في يوم كذا في مكان كذا ؟ فيقول لا وعزتك أي رب ما عملته قال فإذا فعل ذلك ختم على فيه, قال الأشعري رضي الله عنه: فإني لأحسب أول ما ينطق منه فخذه اليمنى. وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا زهير حدثنا حسن عن ابن لهيعة قال دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله فجحد وخاصم فيقول هؤلاء جيرانك يشهدون عليك فيقول كذبوا فيقول أهلك وعشيرتك فيقول كذبوا فيقول احلفوا فيحلفون ثم يصمتهم الله تعالى وتشهد عليهم ألسنتهم ويدخلهم النار» وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: سمعت أبي يقول حدثنا علي بن زيد عن مسلم بن صبيح أبي الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لابن الأزرق إن يوم القيامة يأتي على الناس منه حين لا ينطقون ولا يعتذرون ولا يتكلمون حتى يؤذن لهم ثم يؤذن لهم فيختصمون فيجحد الجاحد بشركه بالله تعالى فيحلفون له كما يحلفون لكم فيبعث الله تعالى عليهم حين يجحدون شهداء من أنفسهم جلودهم وأبصارهم وأيديهم ويختم على أفواههم ثم يفتح لهم الأفواه فتخاصم الجوارح فتقول: {أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون} فتقر الألسنة بعد الجحود. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عبدة بن سليمان حدثنا ابن المبارك حدثنا صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير الحضرمي, عن رافع أبي الحسن قال وصف رجلاً جحد قال فيشير الله تعالى إلى لسانه فيربو في فمه حتى يملأه فلا يستطيع أن ينطق بكلمة ثم يقول لاَرابه كلها تكلمي واشهدي عليه فيشهد عليه سمعه وبصره وجلده وفرجه ويداه ورجلاه صنعنا عملنا فعلنا. وقد تقدم أحاديث كثيرة وآثار عند قوله تعالى في سورة يس {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون} بما أغنى عن إعادته ههنا. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا سويد بن سعيد حدثنا يحيى بن سليم الطائفي عن ابن خثيم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرة البحر قال «ألا تحدثون بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة ؟» فقال فتية منهم: بلى يا رسول الله بينما نحن جلوس إذ مرت علينا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلة من ماء فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها فانكسرت قلتها فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والاَخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غداً ؟ قال يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدقت صدقت كيف يقدس الله قوماً لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم» هذا حديث غريب من هذا الوجه ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الأهوال حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا يحيى بن سليم به وقوله تعالى: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم} أي تقول لهم الأعضاء والجلود حين يلومونها على الشهادة عليهم ما كنتم تكتمون منا الذي كنتم تفعلونه بل كنتم تجاهرون الله بالكفر والمعاصي ولا تبالون منه في زعمكم لأنكم كنتم لا تعتقدون أنه يعلم جميع أفعالكم ولهذا قال تعالى: {ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعلمون * وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم} أي هذا الظن الفاسد وهو اعتقادكم أن الله تعالى لا يعلم كثيراً مما تعملون هو الذي أتلفكم وأرداكم عند ربكم {فأصبحتم من الخاسرين} أي في مواقف القيامة خسرتم أنفسكم وأهليكم. قال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله رضي الله عنه قال: كنت مستتراً بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر قرشي وختناه ثقفيان ـ أو ثقفي وختناه قرشيان ـ كثير شحم بطونهم, قليل فقه قلوبهم فتكلموا بكلام لم أسمعه, فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا هذا, فقال الاَخر: إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه وإذا لم نرفعه لم يسمعه فقال الاَخر: إن سمع منه شيئاً سمعه كله ـ قال ـ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ـ إلى قوله ـ من الخاسرين} وهكذا رواه الترمذي عن هناد عن أبي معاوية بإسناده نحوه, وأخرجه أحمد ومسلم والترمذي أيضاً من حديث سفيان الثوري عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن وهب بن ربيعة عن عبد الله بن مسعود بنحوه, ورواه البخاري ومسلم أيضاً من حديث السفيانين كلاهما عن منصور عن مجاهد عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة عن ابن مسعود رضي الله عنه به وقال عبد الرزاق: حدثنا معمر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم} قال: «إنكم تدعون يوم القيامة مفدماً على أفواهكم بالفدام فأول شيء يبين عن أحدكم فخذه وكفه» قال معمر: وتلا الحسن {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم} ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى أنا مع عبدي عند ظنه بي وأنا معه إذا دعاني» ثم افتر الحسن ينظر في هذا فقال: ألا إنما عمل الناس على قدر ظنونهم بربهم فأما المؤمن فأحسن الظن بربه فأحسن العمل, وأما الكافر والمنافق فأساءا الظن بالله فأساءا العمل ثم قال: قال الله تبارك وتعالى: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ـ إلى قوله ـ وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم} الاَية. وقال الإمام أحمد: حدثنا النضر بن إسماعيل القاص وهو أبو المغيرة حدثنا ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يموتن أحد منكم إلا وهو يحسن بالله الظن فإن قوماً قد أرداهم سوء ظنهم بالله فقال الله تعالى: {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين} وقوله تعالى: {فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين} أي سواء عليهم صبروا أم لم يصبروا هم في النار لا محيد لهم عنها ولا خروج لهم منها, وإن طلبوا ان يستعتبوا ويبدوا أعذارهم فما لهم أعذار ولا تقال لهم عثرات. قال ابن جرير: ومعنى قوله تعالى: {وإن يستعتبوا} أي يسألوا الرجعة إلى الدنيا فلا جواب لهم قال وهذا كقوله تعالى إخباراً عنهم: {قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون * قال اخسئوا فيها ولا تكلمون}.

** وَقَيّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيّنُواْ لَهُم مّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِيَ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مّنَ الْجِنّ وَالإِنْسِ إِنّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ * وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْاْ فِيهِ لَعَلّكُمْ تَغْلِبُونَ * فَلَنُذِيقَنّ الّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنّهُمْ أَسْوَأَ الّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ اللّهِ النّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُون * وَقَال الّذِينَ كَفَرُواْ رَبّنَآ أَرِنَا اللّذَيْنِ أَضَلاّنَا مِنَ الْجِنّ وَالإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأسْفَلِينَ
يذكر تعالى أنه هو الذي أضل المشركين وأن ذلك بمشيئته وكونه وقدرته وهو الحكيم في أفعاله بما قيض لهم من القرناء من شياطين الإنس والجن {فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم} أي حسنوا لهم أعمالهم في الماضي وبالنسبة إلى المستقبل فلم يروا أنفسهم إلا محسنين كما قال تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون}. وقوله تعالى: {وحق عليهم القول} أي كلمة العذاب كما حق على أمم قد خلت من قبلهم ممن فعل كفعلهم من الجن والإنس {إنهم كانوا خاسرين} أي استووا هم وإياهم في الخسار والدمار. وقوله تعالى: {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن} أي تواصوا فيما بينهم أن لا يطيعوا للقرآن ولا ينقادوا لأوامره {والغوا فيه} أي إذا تلي لا تسمعوا له كما قال مجاهد والغوا فيه يعني بالمكاء والصفير والتخليط في المنطق على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن قريش تفعله, وقال الضحاك عن ابن عباس {والغوا فيه} عيبوه, وقال قتادة: اجحدوا به وأنكروه وعادوه{لعلكم تغلبون} هذا حال هؤلاء الجهلة من الكفار ومن سلك مسلكهم عند سماع القرآن وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بخلاف ذلك فقال تعالى: {وإذا قريء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} ثم قال عز وجل منتصراً للقرآن ومنتقماً ممن عاداه من أهل الكفران {فلنذيقن الذين كفروا عذاباً شديداً} أي في مقابلة ما اعتمدوه في القرآن وعند سماعهم {ولنجرينهم أسوأ الذي كانوا يعملون} أي بشر أعمالهم وسيء أفعالهم {ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون * وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين} قال سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن مالك بن الحصين الفزاري عن أبيه عن علي رضي الله عنه في قوله تعالى: {اللذين أضلانا} قال إبليس وابن آدم الذي قتل أخاه. وهكذا روى العوفي عن علي رضي الله عنه مثل ذلك. وقال السدي عن علي رضي الله عنه فإبليس يدعو به كل صاحب شرك وابن آدم يدعو به كل صاحب كبيرة فإبليس الداعي إلى كل شر من شرك فمادونه وابن آدم الأول كما ثبت في الحديث «ما قتلت نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل». وقولهم: {نجعلهما تحت أقدامنا} أي أسفل منا في العذاب ليكونا أشد عذاباً منا ولهذا قالوا {ليكونا من الأسفلين} أي في الدرك الأسفل من النار كما تقدم في الأعراف في سؤال الأتباع من الله تعالى أن يعذب قادتهم أضعاف عذابهم {قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون} أي أنه تعالى قد أعطى كلاً منهم ما يستحقه من العذاب والنكال بحسب عمله وإفساده كما قال تعالى {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً فوق العذاب بما كانوا يفسدون}. 



هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق