الثلاثاء، 12 يونيو 2012

خبيء من عمل صالح


من استطاع منكم أن يكون له خبيء من عمل صالح فليفعل
الراوي: الزبير بن العوام المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 2313
خلاصة حكم المحدث: صحيح 
الدرر السنية    


عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَبِيءٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ". أخرجه الخطيب في "التاريخ" ( 11 / 263 ) والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" ( 1 / 296 ) والقضاعي في "مسند الشهاب" ( ق 37 / 1 ) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (5 / 398 )


منتديات التقوى 


ومعنى "خبئ من عمل صالح" أي: من الأعمال الخفيّة التي لا يطّلع عليها أحد من الناس، خالية من الرياء، فتكون خالصة لله تبارك و تعالى مثل صلاة النافلة في جوف الليل أو صدقة السر أو أي عمل آخر من الأعمال الصالحة.

هنا

الخبيئة الصالحة .. زورق النجاة 

ليكن لك خبيئة من عمل صالح
الحمد لله الودود الحليم، الرحمن الرحيم الحكيم العليم، إلهي ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله، وما أوحشه على من لم تكن أنيسه، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أيها المسلم الحبيب: إنا إلى الله سائرون، وإلى لقائه ذاهبون، وبين يديه - يوم الحشر الأكبر - موقوفون {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}1 في ذلك اليوم العصيب {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}2 تأمل معي في هذا الحديث النبوي العظيم، عش أحداثه الآن لتبحث لك عن مخرج قبل أن تعيشها واقعاً فتصيح في خوف ورعب وذهول: {أَيْنَ الْمَفَرُّ}3 تخيل هذا الموقف المهول يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما منكم أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة))4، تلتفت يمنة ويسرة بين يديك.. الكل في ذهول ورعب!! الرجال والنساء والأطفال قد اشتعلت رؤوسهم شيباً، حفاة عراة غرلاً، الرئيس والمرؤوس، الكبير والصغير، الغني والفقير {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}5 في ذلك اليوم - أخي الحبيب - لا ينفعك أخوك ولا أمك ولا أبوك، ولا من في الأرض جميعاً من ذلك الهول ينجيك!!
ما الحل؟! كيف الخلاص؟
تعال أخي الحبيب، هنا الحل، هنا الخلاص؛ ما دمت في هذه الحياة الدنيا فحاول أن تعمل بهذه الوصية النبوية وستجد فيها الحل والخلاص من هول ذلك اليوم وصعوبته قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل))6، فالحل إذن هو العمل الصالح الذي تخفيه عن أنظار الخلق، وترفعه إلى رب المخلوقين الذي يعلم السر وأخفى - سبحانه وتعالى - "روى الفلاس عن الخريبي - رحمهم الله - قال: كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح، لا تعلم به زوجته ولا غيرها"7.
نَعَم عمل صالح: مِن صلاة في ظلام الليل، أو صدقة في السر؛ تطفئ غضب الرب، أو تلاوة لكتاب الله، أو مواساة مسكين، أو إغاثة ملهوف، أو صيام لا يعلم به أحد، أو دعاء، أو استغفار، أو ذكر للواحد الغفار، والله لا يضيع أجر المحسنين.
وانظر إلى هذه الصورة الناصعة المشرقة التي تجسد لك المقصود فخذها وتأملها لتحذو إن حذوت على مثالِ صورة مشرقة لهذين الصحابيَيْن الجليلَيْن - رضوان الله عليهما - لتعلم كيف كان أولئك الأفذاذ العبَّاد الزهاد يستعدون لليوم الموعود بمثل هذه الأعمال الصالحة الخفية فـ"عن أبي صالح الغفاري: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يتعاهد عجوزاً كبيرة عمياء في بعض حواشي المدينة من الليل، فيستقي لها، ويقوم بأمرها، فكان إذا جاء وجد غيره قد سبقه إليها، فأصلح ما أرادت، فجاءها غير مرة كلاً يسبق إليها، فرصده عمر؛ فإذا هو بأبي بكر الصديق الذي يأتيها وهو يومئذ خليفة، فقال عمر: أنت هو لعمري!!"8.
أخي الحبيب: بمثل هذه الأعمال الفذة، والنيات الخالصة، والتنافس الصادق؛ استحق أولئك الرجال أن يقول الله عنهم: {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ }9 "قال أبو حازم: لا يحسن عبد فيما بينه وبين ربه إلا أحسن الله ما بينه وبين العباد، ولا يعور ما بينه وبين الله إلا أعور الله ما بينه وبين العباد، ولمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها.
وهذا داود بن أبي هند يصوم أربعين سنة لا يعلم به أهله، كان له دكان يأخذ طعامه في الصباح فيتصدق به، فإذا جاء الغداء أخذ غداءه فتصدق به، فإذا جاء العشاء تعشى مع أهله!!.
وكان - رحمه الله - يقوم الليل أكثر من عشرين سنة، ولم تعلم به زوجته، فسبحان الله انظر كيف ربّوا أنفسهم على هذا لعمل وإن كان شاقاً، وحملوها على إخفاء الأعمال الصالحة، فهذه زوجته تضاجعه، وينام معها، ومع ذلك يقوم عشرين سنة أو أكثر ولم تعلم به، فأي إخفاء للعمل كهذا! وأي إخلاص كهذا!"10.
أخي الحبيب: قال ابن القيم - رحمه الله -: "للعبد بين يدي الله موقفان، موقف بين يديه في الصلاة، وموقف بين يديه يوم لقائه، فمن قام بحق الموقف الأول هُوِّن عليه الموقف الآخر، ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه حقه شُدِّد عليه ذلك الموقف"11فهيا أخي اعزم لله من الآن أن يكون لك عمل صالح تخفيه عن أعين الخلق؛ لتلقى به ربك غداً، فيكون لك إلى الجنة هادياً، وعن الجحيم واقياً.
نفعنا الله وإياك بما قلنا، وجمعنا برحمته في دار كرامته، آمين.

 


1 سورة الصافات (24).
2 سورة الطارق (9).
3 سورة القيامة (10).
4 رواه البخاري برقم (7512)، ومسلم برقم (2395).
5 سورة الشعراء (88-89).
6 العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لابن الجوزي برقم (1376)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2313).
7 سير أعلام النبلاء (9/349).
8 أسد الغابة في معرفة الصحابة لعز الدين ابن الأثير (1/647).
9 سورة البينة (8).
10 موسوعة الخطب والدروس (250/2) بتصرف يسير جداً.
11 الفوائد لابن القيم (1/200).
 موقع إمام المسجد

♥ ♥ ♥ 
 الخبيئة الصالحة .. زورق النجاة
زورق من ركبه نجا , وعبادة من اعتادها طهر قلبه وهذب نفسه وعودها الإخلاص , إنها العبادة في السر والطاعة في الخفاء , حيث لا يعرفك أحد ولا يعلم بك أحد , غير الله سبحانه , فأنت عندئذ تقدم العبادة له وحده غير عابىء بنظر الناس إليك وغير منتظر لأجر منهم مهما قل أو كثر .. وهي وسيلة لا يستطيعها المنافقون أبدًا, وكذلك لا يستطيعها الكذابون؛ لأن كلاً منهما بنى أعماله على رؤية الناس له, وإنما هي أعمال الصالحين فقط.
نحن .. وخبيئة الصالحات :
إن أعمال السر لا يثبت عليها إلا الصادقون, فهي زينة الخلوات بين العبد وبين ربه, ولكن في وقت قل فيه عمل السر أو كاد أن ينسى ينبغي على الحركة الإسلامية إحياء معناه, علمًا وعملاً, وينبغي على شباب الصحوة الإسلامية تربية أنفسهم عليه.
وليعلم كل امرئ أن الشيطان لا يرضى ولا يقر إذا رأى من العبد عمل سر أبدًا, وإنه لن يتركه حتى يجعله في العلانية؛ ذلك لأن أعمال السر هي أشد أعمال على الشيطان, وأبعد أعمال عن مخالطة الرياء والعجب والشهرة.
وإذا انتشرت أعمال السر بين المسلمين ظهرت البركة وعم الخير بين الناس, وإن ما نراه من صراع على الدنيا سببه الشح الخارجي والشح الخفي, فأما الأول فمعلوم, وأما الثاني فهو البخل بالطاعة في السر, إذ إنها لا تخرج إلا من قلب كريم قد ملأ حب الله سويداءه, وعمت الرغبة فيما عنده أرجاءه, فأنكر نفسه في سبيل ربه, وأخفى عمله يريد قبوله من مولاه, فأحبب بهذي الجوارح المخلصة والنفوس الطيبة الصافية النقية التي تخفي عن شمالها ما تنفق يمينها...
النبي صلى الله عليه وسلم ينصح بخبيئة صالحة ..
* قال رسول الله :(من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل)(1)
* وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله  قال: (ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يشنؤهم الله: الرجل يلقى العدو في فئة فينصب لهم نحره حتى يقتل أو يفتح لأصحابه, والقوم يسافرون فيطول سُراهم حتى يُحبوا أن يمَسَّوا الأرض فينزلون, فيتنحى أحدهم فيصلي حتى يوقظهم لرحيلهم, والرجل يكون له الجار يؤذيه جاره فيصبر على أذاه حتى يفرِّق بينهما موت أو ظعن, والذين يشنؤهم الله: التاجر الحلاف, والفقير المختال, والبخيل المنان)(2).
* وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي  قال: (عجب ربنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه ولحافه, من بين أهله وحبِّه إلى صلاته, فيقول الله جل وعلا: أيا ملائكتي, انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته, رغبة فيما عندي, وشفقة مما عندي, ورجل غزا في سبيل الله وانهزم أصحابه, وعلم ما عليه في الانهزام, وما له في الرجوع, فرجع حتى يهريق دمه, فيقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي, رجع رجاء فيما عندي, وشفقة مما عندي حتى يهريق دمه)(3).
* وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي  قال: (ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم: الذي إذا انشكفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل, فإما أن يقتل, وإما أن ينصره الله ويكفيه, فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه؟ والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل, فيقول: يَذَرُ شهوته ويذكرني ولو شاء رقد, والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا, فقام من السحر في ضراء وسراء)(4)
العلماء يربون على عمل السر ...
عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: "اجعلوا لكم خبيئة من العمل الصالح كما أن لكم خبيئة من العمل السيئ".
والخبيئة من العمل الصالح هو العمل الصالح المختبئ يعني المختفي, والزبير رضي الله عنه هنا ينبهنا إلى أمر نغفل عنه وهو المعادلة بين الأفعال رجاء المغفرة؛ فلكل إنسان عمل سيئ يفعله في السر, فأولى له أن يكون له عمل صالح يفعله في السر أيضًا لعله أن يغفر له الآخر.
وقال سفيان بن عيينة: قال أبو حازم: "اكتم حسناتك أشد مما تكتم سيئاتك".
وقال أيوب السختياني: "لأن يستر الرجل الزهد خير له من أن يظهره".
وعن محمد بن زياد قال: "رأيت أبا أمامة أتى على رجل في المسجد وهو ساجد يبكي في سجوده, ويدعو ربه, فقال له أبو أمامة: أنت أنت لو كان هذا في بيتك".

عمل السر دليل الصدق:
قال أيوب السختياني: والله ما صدق عبد إلا سرَّه ألا يُشعر بمكانه.
وقال الحارث المحاسبي: الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه, ولا يحب اطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله.
وقال بشر بن الحارث: لا أعلم رجلاً أحب أن يُعرف إلا ذهب دينه وافتضح.
وقال بشر: لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس.
وقال أيضًا: لا تعمل لتذكر, اكتم الحسنة كما تكتم السيئة.
وعنه أيضًا: ليس أحد يحب الدنيا إلا لم يحب الموت, ومن زهد فيها أحب لقاء مولاه.
وعنه: ما اتقى الله من أحب الشهرة.
الصالحون في سرهم ..
عن عمران بن خالد قال: سمعت محمد بن واسع يقول: إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم به.
وعن يوسف بن عطية عن محمد بن واسع قال: لقد أدركت رجالاً كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة قد بل ما تحت خده من دموعه, لا تشعر به امرأته, ولقد أدركت رجالاً يقوم أحدهم في الصف فتسيل دموعه على خده ولا يشعر به الذي إلى جنبه.
وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله فيخفي ذلك, فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة.
وعن ابن أبي عدِّي قال: صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله, وكان خرازًا يحمل معه غداه من عندهم, فيتصدق به في الطريق, ويرجع عشيًا فيفطر معهم.
وكان ابن سيرين يضحك بالنهار, فإذا جن الليل فكأنه قتل أهل القرية.
وقال حماد بن زيد: كان أيوب ربما حدَّث بالحديث فيرق, فيلتفت ويتمخط ويقول: ما أشد الزكام!
وقال الحسن البصري: إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عبرته, فيردها, فإذا خشي أن تسبقه قام.
وقال مغيرة: كان لشريح بيت يخلو فيه يوم الجمعة, لا يدري الناس ما يصنع فيه.
قال عبد الرحمن بن مهدي: قلت لابن المبارك: إبراهيم بن أدهم ممن سمع؟ قال: قد سمع من الناس, وله فضل في نفسه, صاحب سرائر, وما رأيته يظهر تسبيحًا ولا شيئًا من الخير.
وقال نعيم بن حماد: سمعت ابن المبارك يقول: ما رأيت أحدًا ارتفع مثل مالك, ليس له كثير صلاة ولا صيام إلا أن تكون له سريرة.
وروى الذهبي: كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها.
عوامل معينة على الخبيئة الصالحة :
أ - تدبر معاني الإخلاص: فالتربية على الإخلاص لله سبحانه وتذكير النفس به دائمًا هي الدافع الأول على عمل السر, ذلك إن الباعث على عمل السر هو أن يكون العمل لله وحده وأن يكون بعيدًا عن رؤية الناس, فعلى المربين تطبيق معاني الإخلاص في أمثال ذلك السلوك الخفي أثناء تدريسه للناس, وحثهم على عمل السر من منطلق الإخلاص لله سبحانه.
ب - استواء ذم الناس ومدحهم: وهو معنى لو تربى عليه المرء لأعانه على عمل السر, إذ إنه لا تمثل عنده رؤية الناس شيئًا, سواء مدحوه لفعله أو ذموه له؛ لأن مبتغاه رضا ربه سبحانه وليس رضا الناس, وقد سبق أن بعض العلماء كان يُعلم تلاميذه فيقول لهم: اجعلوا الناس من حولكم كأنهم موتى.
جـ - تقوية مفهوم كمال العمل: وأقصد بذلك أن يتعلم المسلم أنه يجب أن يسعى إلى أن يكتمل عمله وتكمل كل جوانبه ليحسن ويقبل, وإن العمل الذي لا يراه الناس يُرجى فيه الكمال أكثر مما يرجى في غيره, فينبغي الاهتمام به أكثر.
د - صدقة السر: قال تعالى {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم} [البقرة: 271].
فهي طريقة عملية سهلة لتطبيق عمل السر عمليًا, فبالإكثار من صدقة السر يُعَود الإنسان نفسه على أعمال السر ويتشربها قلبه وتركن إليها نفسه, وقد ذكر أهل العلم بعضًا من الفضائل في صدقة السر منها:أن صدقة السر أستر على الآخذ وأبقى لمروءته وصونه عن الخروج عن التعفف , ومنها أنها أسلم لقلوب الناس وألسنتهم؛ فإنهم ربما يحسدون أو ينكرون عليه أخذه ويظنون أنه أخذ مع الاستغناء , ومنها أنها أقرب إلى الأدب في العطاء.
---------------------------------
(1) صححه الألباني (انظر: صحيح الجامع 5/240).
(2) رواه أحمد والترمذي وقال: هذا حديث صحيح, وصححه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين, ووافقه الذهبي وإسناده صحيح. (انظر: صحيح الترغيب والترهيب ص258, جـ1).
(3) رواه أحمد والطبراني وابن حبان وحسنه الألباني (صحيح الترغيب رقم 626).
(4) رواه الطبراني في الكبير, وحسنه الألباني (صحيح الترغيب رقم 625).
 
موقع المسلم التربوي
هنا 

♥ ♥ ♥ 

ليكن لك خبء من عمل صالح


إن أعمال السر (الخبيئة) أقرب للقبول عند الله -إن لم يصاحبها عُجب بالنفس- لأنها أقرب للإخلاص وأبعد عن الرياء


فكلما كانت الطاعة جهراً كلما حامت حولها آفة الرياء


قال رسول الله نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة: من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل (1)



ولننظر من هم الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله

قال رسول الله : سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا على ذلك ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ، ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة وأخفاها حتى لم تعلم شماله ما أنفقت يمينه . (2)


منهم من أنفق فلم تعلم شماله ما أنفقت يمينه


ومنهم من ذكر الله خالياً ففاضت عيناه


ومنهم من قلبه معلق بالمساجد


ومنهم من دعته المرأة فأبى


وكلها أعمال سر بين المرء ربه لا يعلمها إلا هو




ولننظر لقول رسول الله في صلاة المرء في بيته


أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة ، قال : حسبت أنه قال من حصير ، في رمضان ، فصلى فيها ليالي ، فصلى بصلاته ناس من أصحابه ، فلما علم بهم جعل يقعد ، فخرج إليهم فقال : قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم ، فصلوا أيها الناس في بيوتكم ، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة . (3)




ولو تمعنا في هذا الحديث

شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا وصف فيه الجنة . حتى انتهى . ثم قال صلى الله عليه وسلم في آخر حديثه " فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " ثم اقترأ هذه الآية : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون* فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون } [ 32 / السجدة / 16 و - 17 ] . (4)


لوجدنا أنهم صلوا بالليل ودعوا الله ليلاً حين يقل أو ينعدم ناظريهم




وفي الدنيا خبيئة العمل الصالح تفرج الكرب وتصلح للتوسل لله لإجابة الدعاء


وهذا لا يخفى علينا من حديث الثلاثة والصخرة


أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : ( بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون ، إذ أصابهم مطر ، فأووا إلى غار فانطبق عليهم ،

فقال بعضهم لبعض : إنه والله يا هؤلاء ، لا ينجيكم إلا الصدق ، فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه .

فقال واحد منهم : اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرز ، فذهب وتركه ، وإني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته ، فصار من أمره أني اشتريت منه بقرا ، وأنه أتاني يطب أجره ، فقلت : اعمد إلى تلك البقر فسقها ، فقال لي : إنما لي عندك فرق من أرز ، فقلت له : اعمد إلى تلك البقر ، فإنها من ذلك الفرق ، فساقها ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا ، فانساحت عنهم الصخرة .

فقال الآخر : اللهم إن كنت تعلم : كان لي أبوان شيخان كبيران ، فكنت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي ، فأبطأت عليهما ليلة ، فجئت وقد رقدا ، وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع ، فكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي ، فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أدعهما فيستكنا لشربتهما ، فلم أزل أنتظر حتى طلع الفجر ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا ، فانساحت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء .

فقال الآخر : اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم ، من أحب الناس إلي ، وأني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار ، فطلبتها حتى قدرت ، فأتيت بها فدفعتها إليها فأمكنتني من نفسها ، فلما قعدت بين رجليها ، قالت : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه ، فقمت وتركت المائة دينار ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا ، ففرج الله عنهم فخرجوا ) .
(5)




ولنتذكر أخيراً هذا الحديث


قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم ، وكل أمة جاثية ،

فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ، ورجل يقتتل في سبيل الله ، ورجل كثير المال ، فيقول الله للقارئ : ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي ؟ قال : بلى يا رب . قال : فماذا عملت فيما علمت ؟ قال : كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار ، فيقول الله له : كذبت ، وتقول الملائكة : كذبت ، ويقول الله له : بل أردت أن يقال : فلان قارئ ، فقد قيل ذلك .

ويؤتى بصاحب المال ، فيقول الله : ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ قال : بلى يا رب . قال : فماذا عملت فيما آتيتك ؟ قال : كنت أصل الرحم وأتصدق ، فيقول الله له : كذبت . وتقول الملائكة له : كذبت ، ويقول الله بل أردت أن يقال : فلان جواد وقد قيل ذلك .

ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله له : فيماذا قتلت ؟ فيقول : أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت . فيقول الله له : كذبت ، وتقول له الملائكة : كذبت ، ويقول الله : بل أردت أن يقال : فلان جرئ ، فقد قيل ذلك .

ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال : يا أبا هريرة : أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة
(6)


أعاذنا الله جميعاً من هذا المقام

اللهم اغفر لنا زلتنا وارحمنا واعفو عنا

اللهم أتمم لنا جميل سترك علينا في الآخرة كما سترتنا في الدنيا






(1) الراوي: الزبير بن العوام و عبدالله بن عمر المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6018، خلاصة حكم المحدث: صحيح

(2) الراوي: أبو هريرة المحدث: ابن عبدالبر - المصدر: التمهيد - الصفحة أو الرقم: 2/282، خلاصة حكم المحدث: من أحسن حديث يروى في فضائل الأعمال وأصحها

(3) الراوي: زيد بن ثابت المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 731، خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

(4) الراوي: سهل بن سعد الساعدي المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2825، خلاصة حكم المحدث: صحيح

(5) الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3465، خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

(6) الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2382، خلاصة حكم المحدث: صحيح




د. مسلمة 
هنا
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق