ما
يخرجك من ذنوبك كيوم ولدتك أمك
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، ، ونتوبُ إليه،وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ..
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، أرسله بين
يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرا، فبلَّغَ الرسالةَ، وأدى
الأمانةَ، ونصحَ الأمةَ، وجاهدَ في اللهِ حقَّ جهادهِ، فصلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ، وعلى آلهِ
وأصحابهِ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
أما بعد:
فاعلموا عباد الله! أنَّ لكلِّ أجلٍ كتاب، ولكلِّ بدايةٍ نهاية، ولكلِّ أوَّل آخر، فالأعمار محدودة، والأزمنة معدودة، ونحن الآن في ختام العشرمن شهر ذي الحجة، ونهاية العام الهجري ، خُتِم هذا العام بعبادة الحجِّ إلى بيت الله الحرام، الذي سبقه من العبادات طاعاتٌ وصلواتٌ وزكواتٌ وصيام.
فاعلموا عباد الله! أنَّ لكلِّ أجلٍ كتاب، ولكلِّ بدايةٍ نهاية، ولكلِّ أوَّل آخر، فالأعمار محدودة، والأزمنة معدودة، ونحن الآن في ختام العشرمن شهر ذي الحجة، ونهاية العام الهجري ، خُتِم هذا العام بعبادة الحجِّ إلى بيت الله الحرام، الذي سبقه من العبادات طاعاتٌ وصلواتٌ وزكواتٌ وصيام.
فعلينا أن نودِّعَ مثلَ هذهِ
الأيامِ بالأعمالِ الصالحة، ونُودِعَ فيما يستقبلُ من الأعمار طاعاتٍ وعباداتٍ
رابحة، فما هي أرجا الأعمالِ
والطاعات التي يخرج بها العبد نقيًّا من الذنوب والمعاصي برحمة الله، حتى نفهمَها
ونعيَها، ونعملَ بمقتضاها ومعانيها؟
-يُبيِّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ مَن حَجَّ للهِ فلَم
يَرفُث، أي: فلم يَفعَل شيئًا مِن الجِماعِ أو مُقدِّماتِه، ولَم يَفسُق،
أي: ولَم يَرتكِب إثمًا أو مُخالَفةً شَرعيَّةً صغيرةً أو كبيرةً تُخرِجه
عَن طاعةِ اللهِ تعالى، رجَع كيومَ ولَدَتْه أُمُّه، أي: عادَ بعدَ حَجِّه
نَقيًّا مِن خَطاياهُ كما يَخرُج المولودُ مِن بطْنِ أُمِّه، أو كأنَّه
خَرَجَ حينَئِذ مِن بَطنِ أُمِّه.- الدرر السنية.
- مَن حجَّ هذا البيتَ، فلم يَرفُثْ، ولم يَفسُقْ، رجَع كيومَ ولدَتْه أمُّه .
الراوي :
أبو هريرة - المحدث :
البخاري-
المصدر :
صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 1819 - خلاصة حكم المحدث : [صحيح]-
انظر شرح الحديث رقم 6354- الدرر السنية
****************
*"احتُبِسَ عنَّا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ذاتَ غداةٍ من صلاةِ الصُّبحِ حتَّى كدنا نتَراءى عينَ الشَّمسِ، فخرجَ سريعًا فثوِّبَ بالصَّلاةِ، فصلَّى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وتجوَّزَ في صلاتِهِ، فلمَّا سلَّمَ دعا بصوتِهِ فقالَ لَنا: علَى مصافِّكم كما أنتُمْ ثمَّ انفتلَ إلينا فقالَ: أما إنِّي سأحدِّثُكُم ما حبسَني عنكمُ الغداةَ: أنِّي قمتُ منَ اللَّيلِ فتوضَّأتُ فصلَّيتُ ما قُدِّرَ لي فنعَستُ في صلاتي فاستثقلتُ، فإذا أَنا بربِّي تبارَكَ وتعالى في أحسَنِ صورةٍ، فقالَ: يا مُحمَّدُ قلتُ: ربِّ لبَّيكَ، قالَ: فيمَ يختصِمُ الملأُ الأعلى؟ قلتُ: لا أدري ربِّ، قالَها ثلاثًا قالَ: فرأيتُهُ وضعَ كفَّهُ بينَ كتفيَّ حتَّى وجدتُ بردَ أَناملِهِ بينَ ثدييَّ، فتجلَّى لي كلُّ شيءٍ وعرَفتُ، فقالَ: يا محمَّدُ، قلتُ: لبَّيكَ ربِّ، قالَ: فيمَ يختصمُ الملأُ الأعلى؟ قلتُ: في الكفَّاراتِ، قالَ: ما هنَّ؟ قلتُ: مَشيُ الأقدامِ إلى الجماعاتِ، والجلوسُ في المساجدِ بعدَ الصَّلاةِ، وإسباغُ الوضوءِ في المَكْروهاتِ، قالَ: ثمَّ فيمَ؟ قلتُ: إطعامُ الطَّعامِ، ولينُ الكلامِ، والصَّلاةُ باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ. قالَ: سَل. قُل: اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ فعلَ الخيراتِ، وتركَ المنكراتِ، وحُبَّ المساكينِ، وأن تغفِرَ لي وترحمَني، وإذا أردتَ فتنةً في قومٍ فتوفَّني غيرَ مفتونٍ، وأسألُكَ حبَّكَ وحبَّ من يحبُّكَ، وحبَّ عملٍ يقرِّبُ إلى حُبِّكَ، قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: إنَّها حقٌّ فادرُسوها ثمَّ تعلَّموها"
الراوي : معاذ بن جبل - المحدث : الألباني- المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3235 | خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية
- أتاني ربِّي في أحسَنِ
صورةٍ فقالَ: يا محمَّدُ، فقلتُ: لبَّيكَ ربِّ وسعديكَ قالَ: فيمَ يختَصمُ الملأُ الأعلى؟
قلتُ: ربِّ لا أَدري، فوضعَ يدَهُ بينَ كتفيَّ فوجَدتُ بردَها بينَ ثدييَّ فعَلِمْتُ
ما بينَ المشرقِ والمغرِبِ فقالَ: يا محمَّدُ فقلتُ: لبَّيكَ وسعديكَ، قالَ: فيمَ يختصمُ الملأُ الأعلَى؟
قلتُ: في الدَّرجاتِ والكفَّاراتِ وفي نقلِ الأقدامِ إلى الجمُعاتِ، وإسباغِ
الوضوءِ في المَكْروهاتِ، وانتظارِ الصَّلاةِ بعدَ الصَّلاةِ، ومن يحافِظْ عليهنَّ
عاشَ بخيرٍ وماتَ بخيرٍ، وَكانَ من ذنوبِهِ كَيومِ ولدتهُ أمُّهُ"
الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي -الصفحة أو الرقم: 3234 خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية - أتاني ربِّي في أحسَنِ صورةٍ: فهذا صريح في أنه في المنام، ورؤيا الأنبياء حق،
الملأ الأعلى :وهم الملائكة أو المقربون عليهم السلام منهم يختصمون فيما بينهم (أي يبحثون) ، ويتراجعون القول في الأعمال التي تقرّب بني آدم إلى الله عز وجل وتكفّر بها عنهم خطاياهم، وقد أخبر الله عزوجل في كتابه الكريم عنهم بأنهم يستغفرون للذين آمنوا ويدعون لهم.
"الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ "غافر7
وورد في الحديث الصحيح: أنّ الله إذا أحب عبداً نادى: يا جبريل ! إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه. فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض.
"إنَّ اللهَ تبارَك وتعالى إذا أحَبَّ عبدًا نادى جِبريلُ إنَّ اللهَ قد أحَبَّ فلانًا فأحِبَّه فيُحِبُّه جِبريلُ ثم يُنادي جِبريلُ في السماءِ إنَّ اللهَ قد أحَبَّ فلانًا فأحِبُّوه فيُحِبُّه أهلُ السماءِ ويوضَعُ له القَبولُ في أهلِ الأرضِ"
الراوي : أبو هريرة- المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 7485 - خلاصة حكم المحدث : [صحيح] - انظر شرح الحديث رقم 9402 - الدرر السنية
وفي الحديثِ: أَنَّ مَحَبَّةَ قُلُوبِ النَّاس عَلَامَةُ مَحَبَّةِ اللَّهِ.الدرر السنية
الكفارات:وسميت كفارات لأنها تكفر الخطايا والسيئات.
-" من توضأ فأحسن الوضوءَ خرجت خطاياه من جسدِه . حتى تخرجَ من تحت أظفارِه"
الراوي :
عثمان بن عفان - المحدث :
مسلم-
المصدر :
صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 245 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية
وفي رواية :الوضوء على السبرات، والسبرة: شدة البرد.
شرح الحديث
*******
- قال عَمرو بنُ عبسةَ السُّلَميُّ : كنتُ ، وأنا في الجاهليةِ ، أظنُّ أنَّ الناسَ على ضلالةٍ . وأنهم ليسوا على شيءٍ . وهم يعبدون الأوثانَ . فسمعتُ برجلٍ بمكةَ يخبِرُ أخبارًا . فقعدتُ على راحلتي . فقدِمْتُ عليه . فإذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُستخفيًا ، جُرَءَاءُ عليه قومُه . فتلطَّفتُ حتى دخلتُ عليه بمكةَ . فقلتُ له : ما أنت ؟ قال " أنا نبيٌّ " فقلتُ : وما نبيٌّ ؟ قال " أرسلَني اللهُ " فقلتُ : وبأيِّ شيءٍ أرسلَك ؟ قال " أرسلني بصلةِ الأرحامِ وكسرِ الأوثانِ وأن يُوحَّدَ اللهُ لا يشركُ به شيئًا " قلتُ له : فمن معك على هذا ؟ قال " حُرٌّ وعبدٌ " ( قال ومعه يومئذٍ أبو بكرٍ وبلالٌ ممَّن آمن به ) فقلتُ : إني مُتَّبِعُك . قال " إنك لا تستطيعُ ذلك يومَك هذا . ألا ترى حالي وحالَ الناسِ ؟ ولكن ارْجِعْ إلى أهلِك . فإذا سمعتَ بي قد ظهرتُ فأْتِني " قال فذهبتُ إلى أهلي . وقدِم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المدينةَ . وكنتُ في أهلي . فجعلتُ أتخبَّر الأخبارَ وأسأل الناسَ حين قدم المدينةَ . حتى قدم على نفرٍ من أهلِ يثربَ من أهلِ المدينةِ . فقلتُ : ما فعل هذا الرجلُ الذي قدم المدينةَ ؟ فقالوا : الناسُ إليه سِراعٌ . وقد أراد قومُه قتلَه فلم يستطيعوا ذلك . فقدمتُ المدينةَ . فدخلتُ عليه . فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ! أَتعرِفُني ؟ قال " نعم . أنت الذي لقِيتَني بمكةَ ؟ " قال فقلتُ : بلى . فقلتُ : يا نبيَّ اللهِ ! أَخْبِرْني عما علَّمك اللهُ وأَجهلُه . أخبِرني عن الصلاةِ ؟ قال " صلِّ صلاةَ الصبحِ . ثم أَقصِر عن الصلاةِ حتى تطلعَ الشمسُ حتى ترتفعَ . فإنها تطلعُ حين تطلعُ بين قَرْني شيطانٍ . وحينئذٍ يسجد لها الكفارُ . ثم صلِّ . فإنَّ الصلاةَ مشهودةٌ محضورةٌ . حتى يستقلَّ الظلُّ بالرمحِ . ثم أَقصِر عن الصلاةِ . فإنَّ ، حينئذٍ ، تُسجَرُ جهنَّمُ . فإذا أقبل الفَيءُ فصَلِّ . فإنَّ الصلاةَ مشهودةٌ محضورةٌ . حتى تصلِّي العصرَ . ثم أَقصِر عن الصلاةِ . حتى تغربَ الشمسُ . فإنها تغرب بين قرني شيطانٍ . وحينئذٍ يسجد لها الكفارُ " . قال فقلتُ : يا نبيَّ اللهِ ! فالوضوءُ ؟ حدِّثني عنه . قال " ما منكم رجلٌ يقربُ وضوءَه فيتمضمضُ ويستنشقُ فينتثِرُ إلا خرَّتْ خطايا وجهِه وفيه وخياشيمُه . ثم إذا غسل وجهَه كما أمره اللهُ إلا خرَّت خطايا وجهِه من أطرافِ لِحيتِه مع الماءِ . ثم يغسل يدَيه إلى المَرفِقَين إلا خرَّتْ خطايا يدَيه من أناملِه مع الماءِ . ثم يمسح رأسَه إلا خرَّتْ خطايا رأسِه من أطرافِ شعرِه مع الماءِ . ثم يغسل قدمَيه إلى الكعبَين إلا خرَّت خطايا رجلَيه من أناملِه مع الماءِ . فإن هو قام فصلَّى ، فحمد اللهَ وأثنى عليه ، ومجَّده بالذي هو له أهلٌ ، وفرَّغ قلبَه للهِ ، إلا انصرف من خطيئتِه كهيئتِه يوم َولدتْه أمُّه " فحدَّث عَمرو بنُ عبسةَ بهذا الحديثِ أبا أمامةَ صاحبَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . فقال له أبو أُمامةَ : يا عَمرو بنَ عَبسةَ ! انظُرْ ما تقول . في مقامٍ واحدٍ يُعطى هذا الرجلُ ؟ فقال عَمرو . يا أبا أُمامةَ ! لقد كبِرَتْ سِنِّي ، ورَقَّ عَظمي ، واقترب أجَلي ، وما بي حاجةٌ أن أكذبَ على اللهِ ، ولا على رسولِ اللهِ . لو لم أسمَعه من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلا مرةً أو مرتَين أو ثلاثًا ( حتى عَدَّ سبعَ مراتٍ ) ما حدَّثتُ به أبدًا . ولكني سمعتُه أكثرَ من ذلك .
الراوي :
عمرو بن عبسة - المحدث :
مسلم -
المصدر :
صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 832 - خلاصة حكم المحدث : صحيح
شرح الحديث- الدرر السنية
حَكَى
عمرُو بنُ عَبَسَةَ رضِي اللهُ عنه أنَّه كان وهو في الجاهليَّةِ أي: ما
قبل الإسلامِ، يظُنُّ أنَّ النَّاسَ على ضلالةٍ، وأنَّهم ليسوا على شيءٍ
ينفَعُهم عند الله تعالى وهم يَعبُدون الأوثانَ، وهي المُتَّخَذُ مِن حجرٍ
أو خشبٍ، فسمِع برجلٍ بمكَّةَ يخبرُ أخبارًا عجيبةَ الشَّأن، عظيمةَ
الموقعِ، فقعدتُ على راحلتي، أي: ركِبْتُ عليها مسافرًا، فقدِمْتُ عليه،
فإذا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مستخفيًا، أي: مُستترًا مِن
الكفَّارِ الأشرارِ "جُرَءَاءُ" جمع جريءٍ: مِن الجُرأةِ، وهي الإقدامُ
والتَّسلُّطُ عليه مِن قومه، فتلطَّفْتُ، أي: ترفَّقْتُ في الأمرِ حتَّى
دخلتُ عليه بمكَّةَ، فقلتُ له: ما أنت؟ فأجابه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
أنا نبيٌّ، فقلتُ: وما نبيٌّ؟ أي: ما حقيقةُ النَّبيِّ المُميِّزةُ له عن
سواه؟ قال: أرسَلني اللهُ، قلتُ: بأيِّ شيءٍ أرسَلك؟ فقال: أرسَلني بصلةِ
الأرحامِ وكسرِ الأوثانِ، وأنْ يُوحَّدَ اللهُ لا يُشرَكُ به شيءٌ، قلتُ:
فمَن معك على هذا؟ قال: حرٌّ وعبدٌ، ومعه يومئذٍ أبو بكرٍ وبلالٌ رضِي
اللهُ عنهما، فقلتُ: إنِّي مُتَّبِعُك، أي: على إظهارِ الإسلام هنا وإقامتي
معك، قال: إنَّك لن تَستطيعَ ذلك يومَك هذا، أي: في هذا الزَّمنِ الحاضرِ؛
وذلك لضعفِ شوكةِ الإسلامِ، فيُخافُ عليك مِن أذى كفَّارِ قُرَيشٍ، ولكن
ارجِعْ إلى أهلِك، أي: ارجِعْ إلى قومِك، واستمِرَّ على إسلامِك حتَّى
تعلَمَني ظهَرتُ، فإذا سمِعْتَ بي قد ظهَرتُ فأْتِنى، فرجَع عمرُو بنُ
عَبَسَةَ إلى أهلِه، وقدِم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ، وكان عمرٌو
في أهلِه مقيمًا فيهم، فجعَل يتخبَّرُ الأخبارَ، أي: يسأَلُ عنها، ويسأَلُ
النَّاسَ حين قدِم المدينةَ، أي: وقتَ قدومِه لها، حتَّى قدِم نفَرٌ مِن
أهلِ المدينةِ، "والنَّفرُ" ما بين الثَّلاثةِ والتِّسعةِ مِن الرِّجالِ،
فسأَلهم: ما فعَل هذا الرَّجلُ الَّذي قدِم المدينةَ؟ فأجابوه: النَّاسُ
إليه سِراعٌ، أي: مُسرِعون، وقد أراد قومُه، أي: كفَّارُ قُرَيشٍ، قَتْلَه
بأنواعٍ مِن المكرِ والخديعةِ فلم يَستطيعوا ذلك، بل ردَّ اللهُ كيدَهم في
نحرِهم، وحفِظ نبيَّه مِن ذلك، فقدِم عمرٌو المدينةَ، أي: ودخَل على
النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا رسولَ اللهِ، أتعرِفُني؟
فأجابه: نَعم، فطلَب عمرٌو أن يُخبرَه عمَّا علَّمه اللهُ ويجهَلُه هو..
فأخبَره صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الصَّلاةِ فأمَرَه أنْ يُصلِّي
الصُّبح، ثمَّ يُقصرَ أي: يقعدَ وينتهيَ عن الصَّلاةِ، أي النَّفلِ
المُطلَقِ، حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ: حتَّى ترتفعَ؛ فإنَّها أي: الشَّمسَ،
تطلُعُ حين تطلُعُ أي: وقتَ طلوعِها بين قرنَيْ شيطانٍ، وقرناه: ناحيتَا
رأسِه، وسُمِّي شيطانًا؛ لتمرُّدِه وعُتوِّه، وكلُّ ماردٍ عاتٍ شيطانٌ،
وحينئذٍ يسجُدُ لها الكفَّارُ، أي: وحين تطلُعُ بين قرنَيْه، ثمَّ قال له:
صَلِّ، أي: ما شِئتَ مِن النَّفلِ؛ فإنَّ الصَّلاةَ مشهودةٌ محضورةٌ، أي:
يحضُرُها الملائكةُ؛ فهي أقرَبُ إلى القَبولِ وحصولِ الرَّحمةِ، حتَّى
يستقلَّ: مِن القِلَّةِ، الظِّلُّ بالرُّمحِ، وهو المغروسُ بالأرضِ، أي:
حتَّى يستقلَّ الرُّمحُ بالظِّلِّ، أي يبلُغَ ظلُّه أدنى غايةِ النَّقصِ،
ثمَّ أقصِرْ، أي: انتَهِ، عن الصَّلاةِ، أي النَّافلةِ، الَّتي لا سببَ
لها، أو لها سببٌ متأخِّرٌ، فإنَّه حينئذٍ "تُسجَرُ"، أي: تُهيَّجُ
بالوقودِ، جهنَّمُ، فإذا أقبَل الفَيءُ، أي: إلى جهةِ المشرقِ، والفيءُ
مختَصٌّ بما بعد الزَّوالِ، وأمَّا الظِّلُّ فيقعُ على ما قبل الزَّوالِ
وبعده، فصلِّ؛ فإنَّ الصَّلاةَ مشهودةٌ محضورةٌ، حتَّى تُصلِّيَ العصرَ،
ثمَّ أقصِرْ، أي: انتَهِ عن الصَّلاةِ، أي: النَّافلةِ، حتَّى تغرُبَ
الشَّمسُ؛ فإنَّها تغرُبُ بين قرنَيْ شيطانٍ، وحينئذٍ يسجُدُ لها
الكفَّارُ.
ثم أخبَره صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الوُضوءِ فقال: ما منكم رجلٌ يُقرِّبُ وَضوءَه أي: يُحضِرُ ما يتوضَّأُ به، فيتمضمَضُ ويستنشقُ "فينتَثِرُ"، أي: يجذِبُ الماءَ بخياشيمِه، ثمَّ يدفَعُه ليُزيلَ ما في أنفِه مِن الأذى، إلَّا خرَّتْ، أي: سقَطَتْ خطايا وجهِه، ثمَّ إذا غسَل وجهَه، كما أمَره الله، أي: بقولِه عزَّ وجلَّ: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]، إلَّا سقَطَتْ خطايا وجهِه مِن أطرافِ لحيتِه مع الماءِ، عبَّر باللِّحيةِ للغالبِ، وإلَّا فمَن لا لِحيةَ له، كالأمردِ والمرأةِ، كذلك، ثمَّ يغسِلُ يديه إلى المِرفَقينِ، إلَّا سقطَتْ خطايا يديه مِن أطرافِ أناملِه مع الماءِ، ثمَّ يمسَح رأسَه إلَّا سقطَتْ خطايا رأسِه مِن أطرافِ شَعَرِه مع الماءِ، ذكَره للغالب أيضًا، ثمَّ يَغسِل قَدمَيْه إلى الكعبينِ إلَّا خرَّتْ خطايا رِجْلَيْه مِن أناملِه مع الماءِ، فإنْ هو، أي: المُتوضِّئُ، قام فصلَّى فحمِد اللهَ، أي: أَثنى عليه بالصِّفاتِ الثُّبوتيَّةِ، وأثنى عليه بالتَّنزيهِ عمَّا لا يليقُ به، ومجَّدَه، أي: وصَفه بالَّذي هو له أهلٌ مِن أوصافِ المجدِ، وهو العِزُّ والشَّرفُ، وفرَّغ قلبَه للهِ تعالى، أي: فرَّغه مِن دنَسِ التَّعلُّقِ بغيرِ الله والرُّكونِ إلى سواه، إلَّا انصرَف خارجًا مِن خَطيئتِه، أي ذُنوبِه، فيصيرُ مُتطهِّرًا منها، كهيئتِه، أي: كطهارتِه مِن كلِّ خطيئةٍ، يومَ ولدَتْه أمُّه، فحدَّث عمرُو بنُ عَبَسَةَ بهذا الحديثِ أبا أُمامةَ صاحبَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال له أبو أُمامةَ: يا عمرُو بنَ عَبَسَةَ، انظُرْ، أي: تفكَّرْ وتأمَّلْ ما تقولُ في مقامٍ، أي: مكانٍ واحدٍ يُعطَى هذا الثَّوابَ العظيمَ الرَّجلُ؟ فقال عمرٌو: يا أبا أُمامةَ، لقد كبِرَتْ أي تقدَّمَتْ سِنِّي، أي: عُمُري، "ورَقَّ عَظْمي"، أي: نحُف ونحَل، واقتَرَب أجَلي، أي: قرُب، وما بي حاجةٌ، أي: داعيةٌ أن أكذِبَ على اللهِ تعالى ولا على رسولِ اللهِ، لو لم أسمَعْه مِن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا مرَّةً أو مرَّتينِ أو ثلاثًا، حتَّى عدَّ سبعَ مرَّاتٍ، أي: بأن قال: أو أربعًا، إلى أن قال: أو سبعَ مرَّاتٍ، ما حدَّثْتُ به أبدًا، ولكنِّي سمِعتُه أكثرَ مِن ذلك.
في الحديث: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بدَأ غريبًا خائفًا مُتخفِّيًا عليه الصَّلاة والسَّلام.
وفيه: الحثُّ على صِلةِ الأرحامِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قرَنها بالتَّوحيدِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ الصَّلاةِ في كلِّ وقتٍ، إلَّا أوقاتَ النَّهيِ.
وفيه: بيانُ وقتِ صلاتَيِ الصُّبحِ والعصر.
وفيه: بيانُ أوقاتِ النَّهيِ عن الصَّلاة غيرِ المكتوبة.
وفيه: مُعجزةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه: فضلُ إسباغِ الوضوءِ.
وفيه: فضلُ الخشوعِ في الصَّلاةِ.- الدرر السنية
ثم أخبَره صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الوُضوءِ فقال: ما منكم رجلٌ يُقرِّبُ وَضوءَه أي: يُحضِرُ ما يتوضَّأُ به، فيتمضمَضُ ويستنشقُ "فينتَثِرُ"، أي: يجذِبُ الماءَ بخياشيمِه، ثمَّ يدفَعُه ليُزيلَ ما في أنفِه مِن الأذى، إلَّا خرَّتْ، أي: سقَطَتْ خطايا وجهِه، ثمَّ إذا غسَل وجهَه، كما أمَره الله، أي: بقولِه عزَّ وجلَّ: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]، إلَّا سقَطَتْ خطايا وجهِه مِن أطرافِ لحيتِه مع الماءِ، عبَّر باللِّحيةِ للغالبِ، وإلَّا فمَن لا لِحيةَ له، كالأمردِ والمرأةِ، كذلك، ثمَّ يغسِلُ يديه إلى المِرفَقينِ، إلَّا سقطَتْ خطايا يديه مِن أطرافِ أناملِه مع الماءِ، ثمَّ يمسَح رأسَه إلَّا سقطَتْ خطايا رأسِه مِن أطرافِ شَعَرِه مع الماءِ، ذكَره للغالب أيضًا، ثمَّ يَغسِل قَدمَيْه إلى الكعبينِ إلَّا خرَّتْ خطايا رِجْلَيْه مِن أناملِه مع الماءِ، فإنْ هو، أي: المُتوضِّئُ، قام فصلَّى فحمِد اللهَ، أي: أَثنى عليه بالصِّفاتِ الثُّبوتيَّةِ، وأثنى عليه بالتَّنزيهِ عمَّا لا يليقُ به، ومجَّدَه، أي: وصَفه بالَّذي هو له أهلٌ مِن أوصافِ المجدِ، وهو العِزُّ والشَّرفُ، وفرَّغ قلبَه للهِ تعالى، أي: فرَّغه مِن دنَسِ التَّعلُّقِ بغيرِ الله والرُّكونِ إلى سواه، إلَّا انصرَف خارجًا مِن خَطيئتِه، أي ذُنوبِه، فيصيرُ مُتطهِّرًا منها، كهيئتِه، أي: كطهارتِه مِن كلِّ خطيئةٍ، يومَ ولدَتْه أمُّه، فحدَّث عمرُو بنُ عَبَسَةَ بهذا الحديثِ أبا أُمامةَ صاحبَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال له أبو أُمامةَ: يا عمرُو بنَ عَبَسَةَ، انظُرْ، أي: تفكَّرْ وتأمَّلْ ما تقولُ في مقامٍ، أي: مكانٍ واحدٍ يُعطَى هذا الثَّوابَ العظيمَ الرَّجلُ؟ فقال عمرٌو: يا أبا أُمامةَ، لقد كبِرَتْ أي تقدَّمَتْ سِنِّي، أي: عُمُري، "ورَقَّ عَظْمي"، أي: نحُف ونحَل، واقتَرَب أجَلي، أي: قرُب، وما بي حاجةٌ، أي: داعيةٌ أن أكذِبَ على اللهِ تعالى ولا على رسولِ اللهِ، لو لم أسمَعْه مِن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا مرَّةً أو مرَّتينِ أو ثلاثًا، حتَّى عدَّ سبعَ مرَّاتٍ، أي: بأن قال: أو أربعًا، إلى أن قال: أو سبعَ مرَّاتٍ، ما حدَّثْتُ به أبدًا، ولكنِّي سمِعتُه أكثرَ مِن ذلك.
في الحديث: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بدَأ غريبًا خائفًا مُتخفِّيًا عليه الصَّلاة والسَّلام.
وفيه: الحثُّ على صِلةِ الأرحامِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قرَنها بالتَّوحيدِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ الصَّلاةِ في كلِّ وقتٍ، إلَّا أوقاتَ النَّهيِ.
وفيه: بيانُ وقتِ صلاتَيِ الصُّبحِ والعصر.
وفيه: بيانُ أوقاتِ النَّهيِ عن الصَّلاة غيرِ المكتوبة.
وفيه: مُعجزةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه: فضلُ إسباغِ الوضوءِ.
وفيه: فضلُ الخشوعِ في الصَّلاةِ.- الدرر السنية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق