السبت، 22 فبراير 2014

القناعة والزهادة

القناعة والزهادة

التَّحَلي بِالقَّناعَةِ وَالزَّهادَة، وَحَقيقَةُ الزّهُدْ
الزُّهْد بِالحَرامِ، وَالابْتِعادِ عَنِ حِماه؛ بِالكَفِّ عَن
الْمُشْتَبَهاتِ وَعَنِ التَّطَلُّعِ إِلى مافي أَيْدي النّاس

الشرح

التحلي بالقناعة من أهم خصال طالب العلم، يعني أن يقتنع بما اتاه الله عز وجل ولا يطلب أن يكون في مصاف الأغنياء والمترفين، لأن بعض طلبة العلم وغيرهم تجده يريد أن يكون في مصاف الأغنياء والمترفين، فيتكلف النفقات في المأكل والمشرب والملبس والمفرش ثم يثقل كاهله من الديون، وهذا خطا؛ لكن عليك بالقناعة فهي خير زاد للمسلم

لابـد للمسـلم في هـذه الحيـاة مـن وقفـات يقفهـا مـع نفسـه ، يعيـد فيهـا تقويـم أمـوره ، ويتفكـر فـي مصيـره ، ويصحـح بهـا مسـاره ، فقطـار الحيـاة يسـير بنـا شـئنا أم أبينـا ، ولابـد مـن وقـت نتركـه فيـه كمـا تركـه مـن سـبقنا .



لقـد سـبقنا إلـى القبـور أُنـاس كثيـرون ، لهـم أحـلام وطموحـات مثلنـا ، يُمْسـون ويصبحـون عليهـا ، وفجـأة جاءهـم ملـك المـوت ، فـي هـذه اللحظـات العصيبـة ، انكشـفت لهـم حقيقـة الوجـود في الدنيـا ، وأنها مرحلـة مـن رحلـة طويلـة ..... رحلـة العـودة إلـى الله . وتمنـوا فـي هـذه اللحظــات أن ينصـرف عنهـم ملـك المـوت ولـو للحظـة يصلحـون


فيهـا مـا أفسـدوا .

قـال تعالـى : { حَتَّـى إِذَا جَـاء أَحَدَهُـمُ الْمَـوْتُ قَـالَ رَبِّ ارْجِعُـونِ * لَعَلِّـي أَعْمَـلُ صَالِحـاً فِيمَـا تَرَكْـتُ كَـلاَّ إِنَّهَـا كَلِمَـةٌ هُـوَ قَائِلُهَـا وَمِـن وَرَائِهِـم بَـرْزَخٌ إِلَـى يَـوْمِ يُبْعَثُـونَ } .                                                              

   سورة المؤمنون / آية : 99 ، 100  .

فـإذا كـان هـذا هـو حـال الكثيـر ممـن سـبقنا إلـى لقـاء المـوت فلمـاذا لا نعتبـر بهـم حتـى لا نقـع فيمـا وقعـوا فيـه ؟



 إن مـن فضـل الله علينـا أننـا مازلنـا فـي الأمنيـة التـي يتمناهـا هـؤلاء في العـودة إلـى الدنيـا ... فهـل لنـا أن نفعـل ما يتمنـون فعلـه لـو كانـوا مكاننـا ؟ !

هـل لنـا أن نبـدأ فـي تصحيـح المسـار ، ووضـع الدنيـا فـي حجمهـا الصحيـح ، والزهـد فيهـا ، والتعامـل معهـا علـى أنهـا مزرعـة للآخـرة ؟ !



ولنحـذر مـن حـب الدنيـا والحـرص عليهـا فحـب الدنيـا هـو الـذي عَمَّـرَ النـار بأهلهـا ، والزهـد فـي الدنيـا هـو الـذي عَمَّـرَ الجنـة بأهلهـا .

وممـا يعيـن علـى الزهـد فيهـا ، والعمـل للآخـرة ، ذكـر المـوت .





ـ الحـذر مـن تحقيـر شـأن الذنـوب وعاقبتهـا مهمـا قَلَّـتْ .

فقـد ورد في كتـاب فوائـد الفوائـد لابـن القيـم .../ ترتيب علي حسن علي عبد الحميد / ص : 389 :   

يـا مغـرورًا بالأمانـيِّ ! لُعِـنَ إِبليـسُ وأُهْبِـطَ مـن منـزلِ العـزِّ بتـركِ سـجدةٍ واحـدةٍ أُمِـرَ بهـا ، وأُخـرِجَ آدمُ مـن الجنّـةِ بلقمـةٍ تناولَهـا ، وحُجِـب القاتـلُ عنها (1) بعـد أنْ رآهـا عِيانـًا بمـلءِ كـفٍّ مـن دم ٍ، وأُمـرَ بقتـلِ الزَّانـي أَشـنعَ القِتْـلاتِ بإِيـلاجِ قَـدْرِ الأُنملـةِ فيما لا يَحِـلُّ ، وأُمرَ بإِيسـاعِ الظهـرِ سـياطًا (2) بكلمـةِ قَـذْفٍ أو بقطـرةٍ من مُسْـكرٍ ، وأَبـانَ (3) عضـوًا مـن أعضائـكَ بثلاثـةِ دراهـمَ ! فلا تأمنْـهُ أنْ يحبسَـكَ فـي النَّـارِ بمعصيـةٍ واحـدةٍ .  { وَلاَ يَخَـافُ عُقْبَاهَـا } .       سورة الشمس / آية : 15 .    

" دخلـت امـرأة النـار فـي هـرة " (4) ، " إن الرجـل ليتكلـم بالكلمـة لا يلقـي لهـا بـالاً يهـوي بهـا فـي النـار أبعـد ما بيـن المشـرق والمغـرب " (5) .                                           ا . هـ . 


( 1 ) عنها : أي الجنة .                   ( 2 ) سياطًا : أي بالجلد .
( 3 ) أبان : قطع .                        ( 4 ) رواه البخاري ( 3318 ) ، ومسلم ( 2242 ) عن ابن عمر .
( 5 ) رواه البخاري ( 6478 ) ، ومسلم ( 2988 ) عن أبي هريرة .

 " دخلَتِ امرأةٌ النارَ في هِرَّةٍ ربَطَتْها ، فلم تَطعَمْها ، ولم تَدَعْها تأكلُ من خَشاشِ الأرضِ ".
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3318
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
  إنَّ الرجُلَ لَيتكلَّمُ بِالكلِمَةِ لا يَرى بِها بَأسًا ، يَهوِي بِها سَبعينَ خَريفًا في النارِ
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1618
خلاصة حكم المحدث: صحيح 
 " إنَّ الرجلَ ليتكلم بالكلمةِ من الخيرِ، ما يعلم مبلغَها ؛ يكتب اللهُ له بها رضوانَه إلى يومِ يلقاه، وإن الرجلَ ليتكلم بالكلمة من الشرِّ ما يعلم مبلغَها ؛ يكتب اللهُ بها عليه سخَطه - وإلى يومِ يلقاهُ ".
 
الراوي: بلال بن الحارث المزني المحدث: الألباني - المصدر: تخريج مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم: 4762
خلاصة حكم المحدث: صحيح على اختلاف في إسناده 
 " إنَّ الرجُلَ لَيتكلَّمُ بِالكلِمَةِ من رِضوانِ اللهِ تَعالى ما يَظُنَّ أنْ تَبلُغَ ما بَلَغَتْ ؛ فيَكتبُ اللهُ له بِها رِضوانَهُ إلى يَومِ القِيامةِ ، وإنَّ الرجُلَ لَيتكلمُ بِالكلمةِ من سَخَطِ اللهِ تَعالى ما يَظنُّ أنْ تبلُغَ ما بَلَغَتْ ؛ فيُكتُبُ اللهُ عليه بِها سَخَطَهُ إلى يَومِ القِيامَةِ"
 
الراوي: بلال بن الحارث المزني المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1619
خلاصة حكم المحدث: صحيح 


  مَن كانتِ الآخرةُ هَمَّه . جعل اللهُ غِنَاه في قلبِه وجَمَع له شَمْلَه ، وأَتَتْه الدنيا وهي راغمةٌ ، ومَن كانت الدنيا هَمَّه . جعل اللهُ فقرَه بين عَيْنَيْهِ ، وفَرَّق عليه شَمْلَه ، ولم يَأْتِهِ من الدنيا إلا ما قُدِّرَ له
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6510
خلاصة حكم المحدث: صحيح 



*
المتن

وَيُؤْثرُ عَنِ الإِمامِ الشّافِعّي
:- رَحِمَهُ الله تَعالى- لَوْ أَوْصى إِنْسانٌ لأَعْقَلِ النّاسِ؛ صُرِفَ إِلى الزُّهادِ








الشرح


الله أكبر!!
يعني في الوصية لو قال
أوصيت لأعقل الناس،يُصرف لمن؟ إلى الزهاد، لأن الزهاد هم أعقل الناس، حيث تجنبوا مالا ينفعهم في الآخرة، وهذا الذي قاله رحمه الله ليس على إطلاقه، لأن الوصايا والأوقاف والهبات والرهون وغيرها ترجع إلى معناها في العُرف، فإذا كان أعقل الناس في عرفنا الزهاد صُرف لهم ما أوصى به الزهاد، وإذا كان أعقل الناس هم ذوو المروءة والوقار والكرم بالمال والنفس صُرف إليهم

* * *

المتن
وعن محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى لما قيل له
ألا تصنف كتابا في الزهد؟ قال
قد صنفت كتاباً في البيوع
يعنى
الزاهد من يتحرز عن الشبهات، والمكروهات، في التجارات، وكذلك في سائر المعاملات والحرف

شرح الشيخ

لما طلب منه ان يصنف في الزهد قال قد صنفت كتابا في البيوع لان من عرف البيوع وأحكامها وتحرز من الحرام واستحل الحلال
فإن هذا هو الزاهد




المتن
وعليه، فليكن معتدلاً في معاشه بما لا يشينه، بحيث يصون نفسه ومن يعول، ولا يرد مواطن الذلة والهون
وقد كان شيخنا محمد الأمين الشنقيطى المتوفى في
17/12/1393
رحمه الله تعالى متقللاً من الدنيا، وقد شاهدته لا يعرف فئات العملة الورقية، وقد شافهني بقوله
لقد جئت من البلاد
شنقيط
ومعي كنز قل أن يوجد عند أحد، وهو
(القناعة)
ولو أردت المناصب، لعرفت الطريق إليها، ولكني لا أوثر الدنيا على الآخرة، ولا أبذل العلم لنيل المآرب الدنيوية
فرحمه الله تعالى رحمه واسعة آمين

شرح الشيخ
هذا كلام من الشيخ الشنقيطي
, وأشباهه من أهل العلم
, لا يريدون بذلك تزكية النفس
إنما يريدون نفع الخلق
, وأن يقتدي الناس بهم ,
وأن يكونوا على هذا الطريق
لأننا نعلم هذا من أحوالهم أي من أحوال العلماء ,
فهم أبعد الناس عن ذلك
وهو رحمه الله كما ذكره الشيخ أبو بكر من الزهاد
. البعث اذا رأيته لا تقول الا انه رجل من أهل
 , حتى العباءة تجد انها عباءة عادية
ولا يهتم بهندام نفسه
رحمه الله تعالى
 ***********************
معنى القناعة لغةً واصطلاحًا
معنى القناعة لغةً القناعة مصدر قنِع، بالكسر، يقنَع قُنوعًا وقناعةً إذا رضي، وقَنَعَ، بالفتح، يقنَع قُنوعًا إذا سأل، والقُنوع: الرضا باليسير من العطاء. وقال بعض أهل العلم: إن القُنوع قد يكون بمعنى الرضا، والقانع بمعنى الراضي، وهو من الأضداد. وسمِّيت قناعةً؛ لأنه يقبل على الشيء الذي له راضيًا
معنى القناعة اصطلاحًا
(القناعة: هي الرضا بما أعطى الله)
وقال السيوطي: (القناعة: الرضا بما دون الكفاية، وترك التشوُّف إلى المفقود، والاستغناء بالموجود) .
هنا
يا أبا هريرةَ كن ورعًا تكن أعبدَ الناسِ وكن قنعًا تكن أشكرَ الناسِ وأحبَّ للناسِ ما تحبُّ لنفسِك تكن مؤمنًا وأحسِنْ جوارَ من جاورَك تكن مسلمًا وأقِلَّ الضحكَ فإنَّ كثرةَ الضحكِ تميتُ القلبَ
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 3417
خلاصة حكم المحدث:
صحيح
الدرر السنية
المؤمن الموحد من خصاله القناعة في أمور الدنيا الفانية فهو يعلم أن هذه الدار هي دار ممر ، لا دار مستقر ، فنراه يجاهد نفسه على دفع هذا الحرص ويرضى بما كتب الله له، ويُسلم بما قُسم له،ويشكر الله جل جلاله على ما رزقه ويسأله المزيد من فضله
المؤمن يقنع بما قسم الله له فيما يتعلق بأمور الدنيا، لكنه يحرص دائما على الزيادة من الأعمال الصالحة التي تكون سببا بعون الله للفوز بالجنة ، وهذا امتثالا لقوله تعالى

وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ

سورة آل عمران الآية 133

   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق