تفسيرسورة الكهف
هنا
سورة الكهف
قراءة ، تفاسير، تلاوة ، ترجمة معاني
تقديم
• القرآن الكريم: هو كلام الله المُنَزَّل على رسوله محمَّدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - المتعبَّدُ بتلاوته،المكتوبُ في المصاحف، المَحفوظ في الصُّدور.
هذا القرآن هو الكتاب المبين، الذي ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42]، وهو المعجزة الخَالدة الباقية المستمرَّة على تعاقب الأزمان والدُّهور، إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.
وهو حَبْلُ اللهِ المتينُ، والصِّراط
المستقيم، والنُّور الهادي إلى الحق، وإلى الطريق المستقيم، فيه نبَأُ ما
قبلكم، وحُكْم ما بينكم، وخبَرُ ما بعدَكم، هو الفَصْل ليس بالهزل، مَن
ترَكه مِن جبَّار قصَمَه الله، ومن ابتغى الهُدى في غيره أضلَّه الله، من
قال به صدَق، ومَن حكَم به عدَل، ومن دَعا إليه فقد هُدي إلى صراطٍ مستقيم.
فضل القرآن
1 - أَبشِروا أليس تشهدون أن لا إله إلا اللهُ
، و أني رسولُ اللهِ ؟ قالوا : بلى : قال : إنَّ هذا القرآنَ سببٌ طرفُه
بيدِ اللهِ ، و طرفُه بأيديكم ، فتمسَّكوا به ؛ فإنكم لن تضِلُّوا ولن
تهلِكوا بعده أبدًا
الراوي:
أبو شريح العدوي الخزاعي الكعبي المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 38
خلاصة حكم المحدث: صحيح
1 - لاَ حسدَ إلاَّ في اثنتينِ
رجلٌ آتاهُ اللَّهُ مالاً فَهوَ ينفقُ منْهُ آناءَ اللَّيلِ وآناءَ
النَّهارِ ورجلٌ آتاهُ اللَّهُ القرآنَ فَهوَ يقومُ بِهِ آناءَ اللَّيلِ
وآناءَ النَّهارِ
الراوي:
عبدالله بن عمر المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 1936
خلاصة حكم المحدث: صحيح
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا ، اللهم اجعله
شفيعاً لنا ، وشاهداً لنا لا شاهداً علينا ، اللهم ألبسنا به الحلل ، وأسكنا به
الظلل ، واجعلنا به يوم القيامة من الفائزين ، وعند النعماء من الشاكرين ، وعند
البلاء من الصابرين ،
كتاب :المدخل إلى علوم القرآن الكريم. المؤلف: محمد فاروق النبهان
هنا
الفصل الرابع: التفسير والتأويل:
قال ابن فارس: معاني العبارات التي يعبر بها عن الأشياء ترجع إلى ثلاثة: المعنى والتفسير والتأويل، وهي إن اختلفت فالمقاصد بها متقاربة.
ويراد بالمعنى القصد والمراد، يقال عنيت بهذا الكلام كذا أي قصدت، وهو
مشتق من الإظهار ويقال عنت القربة إذا أظهرت الماء ولم تحفظه، ومنه عنوان
الكتاب، وتطلق لفظة علماء المعاني على من صنف في معاني القرآن كالزجاج
والفراء وابن الأنباري، وأهل المعاني هم العلماء الذين اختصوا بهذا العلم.
*المراد بالتفسير:
ويراد بالتفسير الإيضاح والتبيين، ويفيد معنى الإظهار والكشف، وأصله في
اللغة من الفسر وهو الإبانة، وفسّر الشيء يفسره بالكسر والضم أي أبانه،
والفسر كشف المغطى، ويراد به كشف المغلق من المراد باللفظ وإطلاق للمحتبس
عن الفهم به، ويقال فسرت الشيء أفسره تفسيرا، وفسرته أفسره فسرا، وقال
بعضهم: فسر مقلوب من سفر ومعناه الكشف، يقال: سفرت المرأة سفورا إذا ألقت
خمارها عن وجهها وهي سافرة، وأسفر الصبح أضاء.
وقال الراغب: الفسر والفسر يتقارب معناهما كتقارب لفظيهما، وجعل الفسر
لإظهار المعنى المعقول، وجعل السفر لإبراز الأعيان للأبصار، يقال: سفرت
المرأة عن وجهها وأسفر الصبح.
وذهب أبو حيان إلى أن التفسير يراد به التعرية، يقال: فسرت الفرس إذا
عريته لينطلق، وهو يعبر عن معنى الكشف، ومعظم ما جاءت به لفظة التفسير في
اللغة معبرة عن معنى الكشف والبيان.
واستعمل القرآن كلمة التفسير مرة واحدة في سورة الفرقان في قوله تعالى:
{وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان: 33]. أي: بيانا، وقال ابن عباس في قوله تعالى: وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً أي: تفصيلا.
وأطلقت كلمة (التفسير) على العلم الذي يتحدث عن معاني القرآن، من حيث
نزول الآية ومناسبتها، والإشارات النازلة فيها ومعانيها المحتملة،
والدلالات اللفظية، من حيث العموم والخصوص والمطلق والمقيد والمجمل
والمفسر، كما يبحث علم التفسير عن كل ما يتعلق بالقرآن من معاني مستفادة من
الألفاظ، من حيث الأحكام والتوجيهات والعبر والقصص والمواعظ.
ويمكننا أن نعرف علم التفسير بأنه العلم الذي يبحث عن كل المعاني
القرآنية المحتملة التي تدل عليها الألفاظ، سواء ما يتعلق منها باستنباط
الأحكام الشرعية، أو ما تعلق بها بمعرفة المعاني الواردة في القرآن،
ويستعين المفسر بأدوات التفسير التي تمكنه من معرفة المراد بالقدر الممكن.
واختلف العلماء في تعريف التفسير، ولا حدود لاجتهادات العلماء في تعريف
هذا العلم، فكل عالم يعرف علم التفسير بما يراه الأقرب والأدق، في معرفة
المعاني القرآنية، وينظر من زاوية تختلف عن الزاوية الأخرى، فالبعض عرف
التفسير بأنه العلم الذي يبحث عن أحوال القرآن من حيث دلالته على مراد الله
تعالى بقدر الطاقة البشرية، والبعض الآخر اعتبره علم نزول الآيات وشئونها
وأقاصيصها والأسباب النازلة فيها، ثم ترتيب مكيّها ومدنيّها، ومحكمها،
ومتشابهها، وناسخها، ومنسوخها، وخاصها، وعامها، ومطلقها ومقيدها، ومجملها
ومفسرها، وحلالها وحرامها ووعدها ووعيدها، وأمرها ونهيها.
ولعل المعنى الأيسر للتفسير والأوضح هو العلم الذي يبحث عن معاني القرآن
ودلالاته بحسب ما تفيده الدلالة اللفظية، ويستعين لذلك بما ييسر له الأمر.
وهنا يقع التساؤل:
- هل من واجب المفسر أن يبحث عن مراد الله، أم يجب عليه أن يبحث عن الدلالة المستفادة من اللفظ؟
قد يقول قائل: ليس هناك تعارض بين القصدين، فالمفسر يبحث عن مراد الله
من خلال الدلالة اللفظية، إذ لا يمكنه أن يكشف مراد الله إلا عن طريق
الدلالة اللفظية، ولو تجاوز تلك الدلالة لوقع في خطأ جسيم، وانحرف عن خط
الاستقامة، وتحكم في مراد الله بحسب هواه.
وأحيانا قد تقوده الدلالة اللفظية إلى معاني لا يمكن أن تكون من مراد
الله، لوجود أدلة وقرائن ومرجحات تؤكد بطلان هذا الاستنتاج، وبخاصة إذا
اصطدم هذا التفسير بمقاصد ثابتة للشريعة مستفادة من أدلة قاطعة.
وهنا يبرز دور المفسر، في توجيه الدلالة اللفظية لكي تنسجم مع التوجيهات
القرآنية العامة، فلا يمكن أن يقع التناقض بين آية وأخرى، ولا يمكن أن يقع
التصادم بين حكم وآخر، كما لا يمكن أن يقع التنافر بين توجيه وآخر،
فالقرآن متكامل في توجيهاته، يؤكد بعضه البعض الآخر، وإذا ظهر التنافر
والتباين بين آية وأخرى، فهذا التنافر دال على قصور في التفسير، ووقوف عند
حدود الألفاظ، والألفاظ متعددة المعاني، والمعنى الأدق والأصح في تفسير
الآية هو المعنى الذي يحقق ذلك التلاؤم والتكامل بين الآيات القرآنية.
وتبرز عظمة المفسر وموهبته في مثل هذه المواقف الصعبة، حيث يقف عمالقة
المفسرين بشجاعة يتخطون حواجز الألفاظ الضيقة باحثين عن المعنى الأدق
والأصح الذي يؤكد الانسجام والتوافق في التوجيه القرآني، وهم في سعيهم هذا
يعتمدون على أدوات التفسير اللغوية والعقلية والنظرية لكي يوجهوا النص
القرآني نحو غايته المرجوة التي يدل عليها النسق القرآني العام، وتؤكدها
مقاصد واضحة للشريعة الإسلامية.
وليست مهمة المفسر قاصرة على شرح المفردات وبيان دلالاتها. فهذا عمل
يسير لا يحقق غاية مرجوة، ولا يتطلب موهبة كبيرة، وتمتد مهمة المفسر لكي
يطرح الآفاق المحتملة المستفادة من الآية، بحيث يكون ما استنبطه المفسر وما
وصل إليه بعد جهد منسجما مع الهدي القرآني العام، مراعيا غاية القرآن في
استقامة أمر البشر، مصححا مسيرة الإنسان في رحلته في الحياة، مدافعا عن حق
الإنسان في حياة كريمة.
والمفسر ليس هو الشارح للمفردات اللغوية، فتلك مقدمات ضرورية على طريق
التفسير، وليس هو الباحث عن مكي الآيات ومدنيها، وناسخها ومنسوخها، وأسباب
نزولها، فذلك شرط ضروري يجب أن يعرفها المفسر قبل أن يتصدى للتفسير، وبعد
ذلك تبتدئ مهمة المفسر الشاقة في استكشاف الإرادة القرآنية، وفي استلهام
الحكم المرادة المستهدفة، وفي إقرار التوجهات السلوكية في مجال الأمر
والنهي، التي تنسجم مع التوجيهات القرآنية العامة المستفادة من القرآن كله،
بحيث لا يقع أي تصدع في صرح المنهج الرباني المتكامل، سواء في نظرة القرآن
للكون والإنسان، أو في مطاردة كل الأسباب التي تعارض المبادئ التي أقرها
الإسلام لاستقامة الحياة البشرية.
المفسر إذا كان ضيق الأفق لا يمكنه أن يستوعب الآفاق الممكنة للتوجيه
القرآني، وهو في تفسيره الضيق يضيّق الخناق على النص، فيسيء من حيث لا
يدري، ويضيق ما اتسع من آفاق، ويحرم ويحلل وفق معايير يظنها موضوعية
وعلمية، وهي في الحقيقة معايير تغلب عليها الرؤية الذاتية، ولابد في
التفسير من النظر إلى شخصية المفسر، فالشخصية عامل هام في التفسير، تحسن
وتسيء وتصيب وتخطئ، وتوسع وتضيق، لأن التفسير رؤية ذاتية للنص المفسر،
تتأثر بشخصية المفسر، لأنه أداة الرؤية، ويستمد تلك الرؤية من تجربته
الذاتية، ولهذا تتفاضل قدرات المفسرين وتتباين في مدى عمقها ودقتها، فمنهم
الغني بفكره وآفاقه، ومنهم الضيق الذي لا يضيف شيئا.
* الفرق بين التفسير والتأويل:
خصص الزركشي في البرهان فصلا مستقلا لبيان الفرق بين التفسير والتأويل،
ورد على من قال بأن التفسير والتأويل واحد بحسب عرف الاستعمال، وقال:
والصحيح تغايرهما، ونقل عن الراغب قوله: التفسير أعم من التأويل، وأكثر
استعماله في الألفاظ، وأكثر استعمال التأويل في المعاني، وأكثر ما يستعمل
التأويل في الكتب الإلهية، وأكثر ما يستعمل التفسير في معاني مفردات
الألفاظ.
ولفظة التأويل مأخوذة في اللغة من الأول، يقال آل الأمر إلى كذا أي صار
إليه، وأصله من المآل وهو العاقبة والمصير، يقال: أوّلته فآل أي: صرفته
فانصرف، وكأن التأويل يعني صرف الآية إلى ما تحتمله من المعاني.
وجاءت لفظة التأويل في القرآن في قوله تعالى: {ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} [الكهف: 82]، وقوله: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [الأعراف: 53]، وقوله: {فَأَمَّا
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ
ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ
إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7]، وقوله: {فَإِنْ
تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ
كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].
واستعملت لفظة التأويل في مواطن كثيرة في القرآن الكريم في معرض تأويل
الأحلام وتأويل الأحاديث، وكأن هذه الاستعمالات للفظة التأويل تفيد أن
التأويل أمر يختص بتفسير الأشياء الغيبية مما لا يتعلق بالألفاظ والمفردات
اللغوية، فالتأويل هو تفسير إشارات واستلهام معاني من مفردات وحوادث ووقائع
مما لا يخضع للمعايير التفسيرية المحكمة التي لا يملك المفسر فيها حق
الخروج عن مقتضى الدلالات اللغوية.
ويمكننا أن نلاحظ أن الفرق بين التفسير والتأويل كما هو واضح في
الاستعمالات اللغوية كبير، وقد استعملت لفظة التأويل حيث لا يجوز أن تستعمل
لفظة التفسير، فالتفسير توضيح وبيان لمعاني مفردات، ويخضع المفسر لضوابط
لغوية، بحيث لا يملك المفسر أن يخرج عن إطار الدلالة اللغوية، بخلاف
التأويل فهو تفسير خفي للإشارات والمواقف، ويغلب عليه جانب الإلهام المعتمد
على قوى عقلية خارقة أو على قوة روحية متميزة.
والتفسير هو بيان للمفردات وتوضيح لمعانيها، بحسب الدلالة اللغوية،
والتأويل أعم وأشمل، ووسائله ليست هي اللغة، وإنما هي قوة الملاحظة ودقة
الإشارة واستلهام المعاني الخفية غير المدركة بالحواس، ولهذا يكون التأويل
مظنة للانحراف إذا وجه المؤول العبارة نحو معاني مخالفة لما تدل عليه
الألفاظ، معتمدا في ذلك على إشارات خفية.
وبالرغم من كل محاولات إبراز أوجه التباين والاختلاف بين التفسير
والتأويل، فإن من الصعب وضع ضوابط دقيقة، لكل من التفسير والتأويل، بل إن
بعض العلماء ذهب إلى أنه لا فرق بين التفسير والتأويل، وإنهما يأتيان بمعنى
واحد.
*آراء العلماء في التفسير والتأويل:
نقل السيوطي في الإتقان والزركشي في البرهان آراء العلماء في معنى كل من التفسير والتأويل:
- قال أبو عبيد وطائفة من العلماء: التفسير والتأويل بمعنى واحد،
وردّ الزركشي هذا الرأي وقال: والصحيح تغايرهما، وحجة من قال بفكرة التماثل
والترادف أن كلا من التفسير والتأويل يفيد معنى البيان والتوضيح، ويبدو أن
علماء التفسير يرجحون هذا القول، وهذا الرأي يقلل من أهمية الفروق الواضحة
في استعمال كل من اللفظتين، وقد استعمل القرآن كلمة التأويل في مواطن
محددة حيث يبرز عجز الإنسان عن الإحاطة بإرادة الله، مما لا تستطيع القدرة
البشرية أن تفسره أو أن تستكشف معانيه المرادة، وغالبا ما يكون في الأمور
الغيبية.
- قال الراغب الأصفهاني: التفسير أعم من التأويل، وأكثر استعماله في
الألفاظ ومفرداتها، وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل، وأكثر ما
يستعمل في الكتب الإلهية والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها.
- قال الماتريدي: التفسير القطع على أن المراد من اللفظ هذا،
والشهادة على الله أنه عنى باللفظ هذا، فإن قام دليل مقطوع به فصحيح، وإلا
فتفسير بالرأي، وهو المنهي عنه، والتأويل ترجيح أحد المحتملات بدون القطع
والشهادة على الله.
- قال أبو طالب التغلبي: التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو
مجازا، كتفسير الصراط بالطريق والصيب بالمطر، والتأويل تفسير باطن اللفظ،
مأخوذ من الأول وهو الرجوع لعاقبة الأمر، فالتأويل إخبار عن حقيقة المراد،
والتفسير إخبار عن دليل المراد، لأن اللفظ يكشف عن المراد، والكاشف دليل،
مثاله قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ} تفسيره أنه من الرصد، يقال: رصدته راقبته، والمرصاد: فعال منه، وتأويله: التحذير
عن التهاون بأمر الله والغفلة عن الأهبة والاستعداد للعرض عليه، وقاطع
الأدلة تقتضي بيان المراد منه على خلاف وضع اللفظ في اللغة.
- قال الأصبهاني في تفسيره: اعلم أن التفسير في عرف العلماء كشف
معاني القرآن، وبيان المراد، أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره وبحسب
المعنى الظاهر وغيره، والتأويل أكثره في الجمل، والتفسير إما أن يستعمل في
غريب الألفاظ نحو البحيرة والسائبة والوصيلة أو في وجيز يتبين بشرح، نحو
أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وما في كلام متضمن لقصة لا يمكن تصويره إلا
بمعرفتها كقوله: {إنما النسيء زيادة في الكفر}،
وأما التأويل فإنه يستعمل مرة عاما ومرة خاصا، نحو الكفر المستعمل تارة في
الجحود المطلق، وتارة في جحود الباري عز وجل خاصة، وما في لفظ مشترك بين
معاني مختلفة، نحو لفظ (وجد) المستعمل في الجدّة والوجد والوجود.
- قال البغوي والكواشي: التأويل صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها
وما بعدها، تحتمله الآية، غير مخالف للكتاب والسنة من طريق الاستنباط ونقل
هذا القول عن ابن القاسم بن حبيب النيسابوري.
- قال أبو نصر القشيري: ويعتبر في التفسير الاتباع والسماع، وإنما
الاستنباط فيما يتعلق بالتأويل، وما لا يحتمل إلا معنى واحدا حمل عليه، وما
احتمل معنيين أو أكثر، فإن وضع لأشياء متماثلة كالسواد حمل على الجنس عند
الإطلاق، وإن وضع لمعان مختلفة فإن ظهر أحد المعنيين حمل على الظاهر إلا أن
يقوم الدليل.
قال أبو حيان: التفسير علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن
ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبية ومعانيها التي تحمل عليها حالة
التركيب وتتمات لذلك.
فضائل سورة الكهف
2 - بينما
رجلٌ يقرأُ سورةَ الكَهفِ إذ رأى دابَّتَه تركضُ فنظرَ فإذا مثلُ الغمامةِ
أوِ السَّحابةِ فأتى رسولَ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فذَكرَ
ذلِك لَه فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ تلكَ السَّكينةُ
نزلت معَ القرآنِ أو نزلت علَى القرآنِ
الراوي: البراء بن عازب المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2885
خلاصة حكم المحدث: صحيح
4 - عن أبي سعيدٍ قال : من قرأ سورةَ الكهفِ ليلةَ الجمعةِ ، أضاء له من النورِ ما بينه وبين البيتِ العتيقِ
الراوي: [قيس بن عباد] المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 736
8 - من قرأ
سورةَ ( الكهفِ ) كانت له نورًا إلى يومِ القيامةِ ، من مقامِه إلى مكةَ ،
ومن قرأ عشرَ آياتٍ من آخرِها ثم خرج الدجالُ لم يضرُّه ، ومن توضأ فقال :
سبحانك اللهمَّ و بحمدك ، أشهدُ أن لا إله إلا أنت ، أستغفرُك وأتوبُ
إليك ، كُتِبَ له في رِقٍّ ، ثم جُعِلَ في طابعٍ ، فلم يُكسَرْ إلى يومِ
القيامةِ
الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 225
خلاصة حكم المحدث: صحيح
10 - من قرأ سورةَ الكهفِ يومَ الجمعةِ أضاء له النُّورُ ما بينَه و بين البيتِ العتيقِ
الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6471
خلاصة حكم المحدث: صحيح
14 - من حفظ عشرَ آياتٍ من أوَّلِ سورةِ الكهفِ عُصِم من فتنةِ الدَّجَّالِ
الراوي: أبو الدرداء المحدث:الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 4323
خلاصة حكم المحدث: صحيح
هنا
___________
17 - قالت
قريشٌ لليهودِ : أعطونا شيئًا نسألُ عنه هذا الرجلَ ، فقالوا : سلُوهُ عن
الروحِ ، فسألوه ؟ فنزلت : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ
مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [
الإسراء : 85 ] ، فقالوا : لم نُؤْتَ من العِلمِ نحن إلا قليلًا ، وقد
أُوتينا التوراةَ ، ومن يُؤْتَ التوراةَ فقد أوتيَ خيرًا كثيرًا ؟ ! فنزلت
: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي الآيةُ [
الكهف : 109 ]
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الموارد - الصفحة أو الرقم: 1465
خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح
هنا
التعريف بالسورة :
1) مكية .عدا الآية 38 ، ومن الآية 86
إلى 151 فمدنية .
2)من
المئين .
3) عدد
آياتها .110 آية .
4)
ترتيبها الثامنة عشرة .
5) نزلت
بعد سورة " الغاشية " .
6) تبدأ
باسلوب الثناء ، بدأت بالحمد لله ، تحدثت السورة عن قصة ذي القرنين وسيدنا موسى
والرجل الصالح .
7)
الجزء " 16 " ، الحزب " 30،31 " ، الربع " 1 ، 2" .
سورة الكهف
من المئين
معنى الطوال والمثاني
والمفصَّل والمِئِين
أُعطِيتُ مكانَ التَّوراةِ السَّبعَ الطّوالَ ، و أُعطِيتُ مكانَ الزَّبورِ المئِينَ ، و
أُعطِيتُ مكانَ الإنجيلِ المثانيَ ، و فُضِّلْتُ بالمفَصَّلِ
الراوي: واثلة بن الأسقع
الليثي أبو فسيلة المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1059
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فهذا
الحديث يبيِّن أن هذه الأقسام ليست مستحدثة، وأن تأليف القرآن مأخوذ عن النبي -
صلى الله عليه وسلم[2].
فأما
السبع، فهي السبع الطوال: البقرة، وآل عمران، والنساء،
والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، والتوبة؛ لأنهم كانوا يعدون الأنفال
وبراءة سورة واحدة.
وأما
المِئُون، فهي السور التي يقترب عدد آياتها من المائة أو تزيد.
وأما
المثاني، فهي ما ولى المِئِين، وقد تسمَّى سور القرآن كلها مثاني؛ ومنه قوله
-تعالى-:
﴿ كِتَابًا
مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ﴾ [الزمر: 23]، ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ
الْمَثَانِي ﴾ [الحجر: 87].
وإنما سمي القرآن كله
مثاني؛ لأن الأنباء والقصص تثنى فيه، ويقال إن المثاني في قوله - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا
مِنَ الْمَثَانِي ﴾
وأما
المفصل، فهو لفظ يطلق على السور بَدْءًا من "سورة
ق"
إلى آخر المصحف.
وقيل: إن أوله سورة الحجرات، وسمي بالمفصل لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة، وقيل لقلة المنسوخ منه؛
ولهذا يسمى المحكم أيضًا، كما روى البخاري عن سعيد بن جبير - رضي الله عنه - قال:
"إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم"[3]، والمفصل ثلاثة أقسام: طوال، وأوساط، وقصار.
فطواله من أول الحجرات إلى سورة البروج.
وأوساطه من سورة الطارق إلى سورة البينة.
وقصاره من سورة إذا زلزلت إلى آخر القرآن[4].
وهناك ما يسمى بالحواميم، وهي السور التي تبدأ بـ ﴿ حم ﴾،
والله أعلم.
__________
[1] حديث حسن: رواه الطبراني في الكبير (8003) (8/258)، (186) (22/75)،
(187) (22/76)، وفي مسند
الشاميين (2734) (4/62،63)، وأحمد (17023) (4/107)، والطيالسي في مسنده (1012)
(1/136).
[2] انظر أسرار ترتيب القرآن للسيوطي
(1/72).
[3] صحيح البخاري (4748) (4/1922).
[4] انظر البرهان للزركشي (1/244)، مناهل
العرفان للزرقاني (1/243،244).
***********************************************
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ۜ .
الآية 1 من سورة الكهف (وهي السورة رقم 18 في ترتيب المصحف) .
والآية تقع في الصفحة 293 والجزء 15 والربع الأول من الحزب 30 .
التفسير المجمل
الحمد
لله هو الثناء عليه بصفاته، التي هي كلها صفات كمال، وبنعمه الظاهرة
والباطنة، الدينية والدنيوية، وأجل نعمه على الإطلاق، إنزاله الكتاب
العظيم على عبده ورسوله، محمد صلى الله عليه وسلم فحمد نفسه، وفي ضمنه
إرشاد العباد ليحمدوه على إرسال الرسول إليهم، وإنزال الكتاب عليهم، ثم
وصف هذا الكتاب بوصفين مشتملين، على أنه الكامل من جميع الوجوه، وهما نفي
العوج عنه، وإثبات أنه قيم مستقيم، فنفي العوج يقتضي أنه ليس في أخباره
كذب، ولا في أوامره ونواهيه ظلم ولا عبث، وإثبات الاستقامة، يقتضي أنه لا
يخبر ولا يأمر إلا بأجل الإخبارات وهي الأخبار، التي تملأ القلوب معرفة
وإيمانا وعقلا كالإخبار بأسماء الله وصفاته وأفعاله، ومنها الغيوب
المتقدمة والمتأخرة، وأن أوامره ونواهيه، تزكي النفوس، وتطهرها وتنميها
وتكملها، لاشتمالها على كمال العدل والقسط، والإخلاص، والعبودية لله رب
العالمين وحده لا شريك له. وحقيق بكتاب موصوف. بما ذكر، أن يحمد الله نفسه
على إنزاله، وأن يتمدح إلى عباده به.
تفسير السعدي
الْحَمْدُ لِلَّهِ
( الحمـــدُ ) : هـو الثنـاء
وصـف المحمـود بالوصـف الجميـل مـع محبتـه وتعظيمـه . [
فهـو الثنـاء علـى الله بصفـات الكمـال ، وبأفعالـه الدائـرة بيـن
الفضـل والعـدل ، فلـه الحمـد الكامـل بجميـع الوجـوه ] .
تفسير السعدي .
* وهـو سـبحانه يحمـد حمـدًا مطلقًـا ، أي حمـد اسـتحقاق ، لأنـه يسـتحق الحمـد لذاتـه . ( ال ) فـي " الحمـد " : للاسـتغراق ، أي اسـتغراق جميـع أنـواع المحامـد .
ـ الفـرق بيـن الحمـد والشـكر : الحمـد متعلـق بالنعمـة والمصيبـة ، أمـا الشـكر فعلـى النعمـة فقـط . لـذا كـان صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم يحمـد الله علـى كـل حـال .
* فعـن عائشـة ـ رضي الله عنها ـ
قالـت : كـان رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ إذا رأى مـا
يُحـب قـال : " الحمـد لله الـذي بنعمتـه تتـمُّ الصالحـات " ، وإذا
رأى مـا يكـره قـال : " الحمـد لله علـى كـل حـال " .
سنن ابن ماجه [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 34 ) ـ كتاب : الدعاء /( 55 ) ـ باب : فضل الحامدين / حديث رقم : 3803 / ص : 627 / حسن .
ـ الفــرق بيـن الحمـد والمـدح : الحمـد والمـدح كلاهمـا فيـه ذِكـر للمحمـود فـي صفـة الكمـال ، أما الفـرق فهـو أن الإخبـار عـن محاسـن الغيـر إمـا أن يكـون إخبـارًا مجـردًا مـن حـب وإرادة فهـذا مـدح ، وإن كـان مقرونًـا بهمـا فهـو حمـد .
( الحمـــدُ ) : هـو الثنـاء
الثناء من أجّل أنواع الدعاء
الحمد
لله رب العالمين والصلاة على النبي المختار صلى الله عليه وسلم وعلى
آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين ومن سار على سبيلهم واتبع
هديهم إلى يوم الدين يقوم الناس لرب العالمين وبعد :-
إن الثناء على الله هو مما يحبه الله من عبده لأن العبد ضعيف وفقير إلى ربه
فهو بحاجة إلى التقرب من ربه سبحانه وتعالى ومن اجل ذلك على العبد أن
يعظم الله بالثناء والمدح فليس أحد أحب للمدح من الله كما جاء في
الحديث الصحيح (( ليس هناك أحب للمدح من الله عزَّوجل )) أو كما جاء في
الحديث,فما أعظم أن يكون لسانك رطب ولهاج بذكر الله والثناء عليه
انظر مثلاً لحديث دعاء الكرب هكذا يبوب له العلماء في الكتب مع أنك
أذا قرأته ستجده مجرد ثناء ليس فيه دعاء لأن الثناء هو لب الدعاء وقد
سئل سفيان ابن عيينة عن هذا الحديث دعاء الكرب وفيه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال كما جاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ((لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات الأرض ورب العرش الكريم)) خ- م وفي رواية مسلم (( كان يدعو بهن ويقولهن عند الكرب))
وفي رواية (( أذا حزبه أمر )) فأجاب سفيان أن رجلاً أراد أن يدخل على أحد
الأغنياء فما استطاع وكان عند هذا الرجل الغني بستان عظيم محاط بجدار
عظيم وكان هناك جدول ماء يمر تحت الجدار ويدخل إلى البستان فأخذ الرجل
خشبة وكتب عليه أبيات عظيمة وجميلة ووضعها على الجدول وسار بها الماء
وكان الرجل الغني جالساً ينظر الى الجدول فرأى الخشبة فامسك بها وقراء
تلك الأبيات الخلابة التي أيقظت فيه كوامن الكرم والجود أبيات جميلة
جداً ـ ذكروا أنها لابن ابي الصلت)
قال فيها :
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ........ حياؤك إن شيمتك الحياءُ
أذا أثنى عليك المرءُ يوماً.......... كفاه من تعرضك الثناءُ
معناه هل أذكر ما أريد أم يكفيني الحياء المرسوم على
وجهك لكن مجرد الثناء عليك والمدح لك يكفي لتفهم أني محتاج فلا داعي
أن اذكر حوايجي فقط مدحي لك كفيل أن يستثير فيك الرغبة للعطاء.
............
.........
قصة سعد بن أبي وقاص وفيه
دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ لا
إلهَ إلَّا أنتَ سبحانَك إنِّي كنتُ من الظالمينَ فإنَّه لم يدعُ بها
رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجاب اللهُ له
الراوي: سعد بن أبي وقاص المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3505
خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية
فإنَّه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجاب اللهُ له
وهو عام في الرجل والمرأة لان النساء شقائق الرجال إلا فيما خصهن
الدليل وذكر الرجل هنا تغليباً فقط فهذا ثناء من يونس ابن متى عليه
الصلاة والسلام لله ومع ذلك جعله رسول الله ثناء فإن أعظم الدعاء الثناء
مقتبس بتصرف
السمحي (من أهل البادية)
الدُّعَاءَ هُوَ ذِكْرٌ لِلْمَدْعُوِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَضَمِّنٌ لِلطَّلَبِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِأَوْصَافِهِ وَأَسْمَائِهِ فَهُوَ ذِكْرٌ وَزِيَادَةٌ كَمَا أَنَّ الذِّكْرَ سُمِّيَ دُعَاءً لِتَضَمُّنِهِ لِلطَّلَبِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ»
- أفضلُ الذكرِ : لا إلَه إلَّا اللهُ ، و أفضلُ الدعاءِ : الحمدُ للهِ
الراوي: جابر بن عبدالله المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1104 خلاصة حكم المحدث: حسن
الدرر السنية
فَسَمَّى الْحَمْدَ لِلَّهِ دُعَاءً وَهُوَ ثَنَاءٌ مَحْضٌ؛
لِأَنَّ الْحَمْدَ مُتَضَمِّنٌ الْحُبَّ وَالثَّنَاءَ وَالْحُبُّ
أَعْلَى أَنْوَاعِ الطَّلَبِ؛ فَالْحَامِدُ طَالِبٌ لِلْمَحْبُوبِ فَهُوَ
أَحَقُّ أَنْ يُسَمَّى دَاعِيًا مِنْ السَّائِلِ الطَّالِبِ؛
فَنَفْسُ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ مُتَضَمِّنٌ لِأَعْظَمِ الطَّلَبِ
فَهُوَ دُعَاءٌ حَقِيقَةً بَلْ أَحَقُّ أَنْ يُسَمَّى دُعَاءً مِنْ
غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّلَبِ الَّذِي هُوَ دُونَهُ.
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
1 ـ دعـاء المسـألة : وهـو الطلـب .
2 ـ دعـاء الثنـاء : وهـو الذكـر ، والثنـاء علـى الله .
3 ـ دعـاء العبـادة : وهـو شـامل لجميـع القربـات الظاهـرة والباطنـة .
الدعـاء ـ مفهومـه ـ أحكامـه ـ أخطـاء تقـع فيـه .
تأليـف: محمـد بـن إبراهيـم الحَمَـد ./ ص : 12 / بتصرف .
وهـو طلـب الداعـي ما يجلـب النفـع ، وما يكشـف الضـر ، و يكـون بلسـان المقـال .
وهـذا النـوع علـى ثلاثـة أضـرب :
أ ـ سـؤال الله ودعـاؤه : كمـن يقـول : اللهـم ارحمنـي ..... واغفـر لـي ، فهـذا مـن العبـادة لله .
ب ـ سـؤال غيـر الله فيمـا لا يقـدر عليـه المسـؤول : كـأن يطلـب مـن ميـت أو غائـب أن يطعمـه ،أو ينصـره ، أو يغيثـه ، أو أن يشـفي مرضـه ، فهـذا شـرك .
ج ـ سـؤال غيـر الله فيمـا يقـدر عليـه المسـؤول :
كـأن يطلـب مـن حـيٍّ قـادرٍ حاضـرٍ أن يطعمَـهُ ، أو يعينـه ..... فهـذا جائـز ، ـ ما لـم يكـن فـي هـذا المطلـوب معصيـةٌ لله ـ.
الدعـاء ـ مفهومـه ـ أحكامـه ـ أخطـاء تقـع فيـه .
تأليـف: محمـد بـن إبراهيـم الحَمَـد . / ص : 12 / بتصرف .
ثانيًـا : دعـاء الثنـاء :
وهـو الذكـر والثنـاء ويكـون بلسـان المقـال .
كقولـك : " ربنـا لـك الحمـد " ـ إذا قلتـه فقـد دعوتـه بقولـك ربنـا ، ثـم أتيـت بالثنـاء والتوحيـد .
ومثلـه دعـاء أهـل الجنـة : قـال تعالـى :
{ دَعْوَاهُـمْ فِيهَـا سُـبْحَانَكَ
اللَّهُـمَّ وَتَحِيَّتُهُـمْ فِيهَـا سَـلاَمٌ وَآخِـرُ دَعْوَاهُـمْ
أَنِ الْحَمْـدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيـنَ } . سورة يونس / آية : 10 .
أخبـر
ـ تعالـى ـ أنهـم يبتدئـون دعاءهـم بتعظيـم الله وتنزيهـه ، ويختمـون
بشـكره والثنـاء عليـه ، فجعـل تنزيهـه دعـاءً ، وتحميـده دعـاءً .
الدعـاء المسـتجاب : أوقاتـه ـ أحوالـه ـ أشـخاصه ـ أماكنـه ـ شـروطه ـ مسـتحباته ـ أسـباب رده ـ مكروهاتـه .
تأليـف : عمـاد حسـن أبـو العينيـن
/ ص : 21 / بتصرف .
وقـد
وردت نصـوص نبويـة كثيــرة تـدل علـى أن الداعـي عليـه أن يثنـي علـى
ربـه قبـل السـؤال والدعـاء ، وإذا كـان مـدح المخلــوق قبـل سـؤاله ـ
بذكـر القليـل مـن أوصـاف كمالـه ـ يعـدُّ سـببًا للإجابـة ، وتحقيـق
المطلـوب ؛ فإن مـدح الخالـق قبـل سـؤاله ، بذكـر أسـمائه وصفاتـه
وأفعالـه يعـد أسـاسًا متينـًا فـي دعـاء المسـألة مـن بـاب أولـى .
أسماء الله الحسنى ... / ص : 19 ، 20 / بتصرف .
وقـد أطلـق السـلف ـ رحمهـم الله ـ اسـم :
" دعـاء الكـرب " علـى الذكـرالثابـت عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فـي حديـث ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كـان يدعـو عنـد الكـرب :
" لا إله إلا الله العظيـم الحليـم ، لا إلـه إلا الله ربُّ السـموات والأرض وربُّ العـرشِ العظيـم " .
رواه البخاري / الفتح / ج : 11 / باب : الدعاء عند الكرب / حديث رقم : 6345 / ص : 149 .
ويلاحـظ أن دعـاء الكـرب هـذا مجـرد ذكـر وتوحيـد وثنـاء ، وليـس فيـه أي مسـألة لتفريــج الكـرب ولكـن هـذا كـافٍ لتفريـج الكـرب .
فالتوحيـد
سـبيل النجـاة ، هـذه سـنة الله فـي عبـاده ، فمـا دُفعـت شـدائد
الدنيـا بمثـل التوحيـد ، ولذلـك كـان دعـاء الكـرب بالتوحيـد ، ودعـوةُ
ذي النـون (1) التـي مـا دعـا بهـا مكـروب إلا فـرج الله كربـه بالتوحيـد .
( 1 ) دعـوة ذي النـون : " لا إله إلا أنـت سـبحانك إنـي كنـت مـن الظالميـن " .
ثالثًـا : دعـاء العبـادة :
ويكـون بلسـان الحـال .
وهـو طلـب الثـواب بالأعمـال الصالحـة ، فهـو دعـاء سـلوكي ،
ومظهــر أخلاقـي ، وحـال إيمانـي يبـدو فيـه المسـلم موحـدًا لله فـي
كـل اسـم مـن الأسـماء الحسـنى ، بحيـث تنطـق أفعالـه أنـه لا معبـود
بحـق سـواه .
فقـد يكـون العبـد الموحـد فـي ذروة غنـاه مبتلـى بالمـال ،
فيظهـر بمظهـر الفقـر والتواضـع لعلمـه أن الله هـو الغنــي المتوحـد
فـي غنـاه ، وأن المــال مـال الله وهـو مسـتخلف عليـه مخـول فيـه ،
مبتلـى بـه فـي هـذه الحيـاة ، فتجـده يليـن لإخوانـه ولا يُعْـرَف
بينهـم بالغنـى مـن شـدة توحيـده وإيمانـه . ولـو كـان الموحـد شـريفًا
حسـيبًا عليًّـا نسـيبًا بـدت عليـه بدعـاء العبـادة مظاهـر الـذل
والافتقــار ، وخضـع بجنانـه وبنيانـه وكيانـه إلـى الحسـيب الجبــار
القهـار المتعــال ، لعلمـه أن المتوحـد فـي الحسـب والكبريـاء ومـا
تضمنتـه هـذه الأسـماء ، هـو الله .
أسماء الله الحسنى ... / ص : 16 / بتصرف .
ودعـاء
العبـادة أن تتعـرض في عبادتـك لما تقتضيـه الأسـماء الحسـنى ،
فمقتضـى الرحيــم الرحمـة ، فتعمـل الصالـح الـذي يكـون جالبـًا لرحمـة
الله ، وتقـوم بالتوبـة لأنـه هـو التـواب ، وتخشـاه فـي السِّـر لأنـه
اللطيـف الخبيـر .
الدعـاء ـ مفهومـه ـ أحكامـه ـ أخطـاء تقـع فيـه .
تأليـف: محمـد بـن إبراهيـم الحَمَـد . ص : 12 / بتصرف .
**************************
ومن تفسير الشيخ العثيمين رحمه الله
{ {عَبْدِهِ} } يعني مُحَمَّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم، وَصَفَهُ تعالى بالعبودية؛ لأنه أعبَدُ البَشَر لله عزّ وجل. وقد وصَفَه تعالى بالعبودية في حالات ثلاث:
1 ـ حالِ إنزال القرآن عليه كما في هذه الآية.
2 ـ في حالِ الدفاعِ عنهُ صلّى الله عليه وسلّم، قال تعالى: {{وَإِنْ
كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا
بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ *}} [البقرة: 23] .
3 ـ وفي حالِ الإسراءِ به، قال تعالى: {{سُبْحَانَ
الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى
الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ
آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *}} [الإسراء: 1] ،
يعني في أشرف مقاماتِ النبي صلّى الله عليه وسلّم وَصفهُ الله سبحانه
وتعالى بأنه عبدٌ، ونِعمَ الوصفُ أن يكون الإنسانُ عبداً لله، حتى قال
العاشق في معشوقته:
لا تدعُني إلاَّ بيا عَبدَها***فإنه أشرف أسمائي
{ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} } أي: القرآن، سُمِّي كتاباً؛ لأنه يُكتب، أو لأنهُ جامع، لأن الكَتْب بمعنى الجَمْع، ولهذا يقالُ: الكتيبةُ يعني المجموعةُ من الخيل، والقرآن صالح لهذا وهذا فهو مكتوبٌ وهو أيضاً جامع.
هناقوله: *
قَيِّماً * أي: القرآن، وقالوا: قيِّم يعني مستقيم، كأنها تأكيد لقوله:* وَلَمْ
يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا *[الكهف: 1] لأن الاستقامة والعِوَج قد لا يُدرك بالعين
المجردة وتحتاج إلى ميزان دقيق يكشف لك مدى العِوَج أو الاستقامة، وهذه الظاهرة
تراها في الطرق المستوية المرصوفة، والتي تراها للوَهْلة الأولى مستقيمة تماماً
ومستوية، فإذا ما نزل المطر فضح هذا الاستواء وأظهر ما فيه من عيوب؛ لذلك أكّد
الاستقامة بقوله: * قَيِّماً * [الكهف: 2]
ومن معاني القَيِّم: المهيمن على ما
دونه، كما تقول: فلان قَيِّم على فلان أي: مُهيمن عليه وقائم على أمره. فالقرآن ـ
إذن ـ لاعِوَج فيه، وهو أيضاً مُهيمن على الكتب السابقة وله الوصاية عليها كما قال
تعالى:* وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ *[المائدة: 48]
ومنه قوله
تعالى:* فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقِيِّمِ *[الروم: 43] أي: المهيمن على
الأديان السابقة.
ثم يقول تعالى: * لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ
* [الكهف: 2]
وهذه هي العِلّة في الإنزال.
والإنذار: التخويف بشَرٍّ قادم،
والمنْذَر هنا هم الكفار؛ لأنه لا يُنذَر بالعذاب الشديد إلا الكفار، لكن سياق
الآية لم يذكرها ليترك مجالاً للملَكَة العربية وللذّهْن أنْ يعملَ، وأنْ يستقبلَ
القرآن بفكر مُتفتح وعقل يستنبط، وليس بالضرورة أن يعطينا القرآنُ كلّ شيء هكذا على
طرف الثُّمام أي قريباً سهل التناول.
ثم ضَخّم العذاب بأنه شديد، ليس ذلك وفقط
بل * مِن لَّدُنهُ * ، والعذاب يتناسب مع المعذِّب وقوته، فإنْ كان العذاب من الله
فلا طاقة لأحدٍ به، ولا مهربَ لأحد منه.
ثم يقول تعالى: * وَيُبَشِّرَ
الْمُؤْمِنِينَ * [الكهف: 2] والبشارة تكون بالخير المنتظر في المستقبل، وتلاحظ أنه
في البشارة ذكر المبشَّر * الْمُؤْمِنِينَ * ولم يسكت عنهم كما سكت عن الكفار في
الإنذار، فهذا من رحمة الله بنا حتى في الأسلوب، والبشارة هنا بالأجر الحسن؛ لأنه
أجر من الكريم المتفضّل سبحانه؛ لذلك قال الحق سبحانه بعدها: * مَّاكِثِينَ فِيهِ
أَبَداً *.
أي: باقين
فيه بقاءً أبدياً، وكان لا بُدّ أنْ يوصَف أجر الله الحسن بأنه دائم، وأنهم ماكثون
فيه أبداً؛ لأن هناك فرقاً بين أجر الناس للناس في الدنيا، وأجر المنعِم سبحانه في
الآخرة، لقد أَلِفَ الناس الأجر على أنه جُعِل على عمل، فعلى قَدْر ما تعمل يكون
أجرك، فإنْ لم تعمل فلا أجرَ لك.
أما أَجْر الله لعباده في الآخرة فهو أجر عظيم
دائم، فإنْ ظلمك الناس في تقدير أجرك في الدنيا، فالله تعالى عادل لا يظلم يعطيك
بسخاء؛ لأنه المنصِف المتفضّل، وإنِ انقطع الأجر في الدنيا فإنه دائم في الآخرة؛
لأنك مهما أخذتَ من نعيم الدنيا فهو نعيم زائل، إما أنْ تتركه، وإما أنْ
يتركك.
ثم يقول الحق سبحانه: * وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ
وَلَداً *.
والإنذار
هنا غير الإنذار الأول، لقد كرّر الإنذار ليكون خاصاً بقمة المعاصي، إنذار للذين
قالوا اتخذ الله ولداً، أما الإنذار الأول فهو لمطلق الكفر والمعصية، وأما الثاني
فهو لإعادة الخاص مع العام، كأن لهؤلاء الذين نسبوا لله الولد عذاباً يناسب ما
وقعوا فيه من جرأة على الحق سبحانه وتعالى.
وقد أوضح القرآن فظاعة هذه المعصية
في قوله:* وَقَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحْمَـانُ وَلَداً * لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً
إِدّاً * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ
وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـانِ وَلَداً * وَمَا
يَنبَغِي لِلرَّحْمَـانِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً *[مريم: 88-92]
إنها قمة المعاصي
أنْ نخوضَ في ذات الله تعالى بمقولة تتفطر لها السماء، وتنشق لها الأرض، وتنهدّ
لهوْلِها الجبال.
قال ابن كثير :
وَقَوْله " تَكَاد السَّمَاوَات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقّ الْأَرْض
وَتَخِرّ الْجِبَال هَدًّا " أَيْ يَكَاد يَكُون ذَلِكَ عِنْد سَمَاعهنَّ
هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ فَجَرَة بَنِي آدَم إِعْظَامًا لِلرَّبِّ
وَإِجْلَالًا لِأَنَّهُنَّ مَخْلُوقَات وَمُؤَسَّسَات عَلَى تَوْحِيده
وَأَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَأَنَّهُ لَا شَرِيك لَهُ وَلَا نَظِير
لَهُ وَلَا وَلَد لَهُ وَلَا صَاحِبَة لَهُ وَلَا كُفْء لَهُ بَلْ هُوَ
الْأَحَد الصَّمَد
هنا
ثم يقول الحق سبحانه: * مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ
لآبَائِهِمْ..
"مَّا
لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ
مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا "الكهف:5
"مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ..."
أي بالولد
فإذا انتفى العلم ما بقي إلاَّ الجهل.
تفسير العثيمين
وكان قوله: ﴿ما لهم به من علم﴾شاملا
لهم جميعا من آباء وأبناء لكنهم لما كانوا يحيلون العلم به إلى آبائهم
قائلين إن هذه ملة آبائنا وهم أعلم منا وليس لنا إلا أن نتبعهم ونقتدي
بهم فرق تعالى بينهم وبين آبائهم فنفى العلم عنهم أولا وعن آبائهم
الذين كانوا يركنون إليهم ثانيا ليكون إبطالا لقولهم ولحجتهم جميعا.
ليس
لهم به علم؛ لأنه أصلاً غير موجود، ولا يتعلقالعلم إلا بشيء موجود، العلم
لا يتعلق إلا بشيء موجود، فلما نفى الله العلمعنهم كان هذا من باب اللزوم،
ونفي الوجود، وإنما المسألة عندهم مسألةتقليد، يتبع آخرهم أولهم ويقلد
آخرهم أولهم على غير بينة ولا برهان.قالسبحانه: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ [الكهف:5] ليسالمقصودبـ(كلمة) هنا كلمة واحدة أو مفردة، وإنما المقصود جنس الكلام،
{ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا } { وَيُنْذِرَ
الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا } من اليهود
والنصارى، والمشركين، الذين قالوا هذه المقالة الشنيعة، فإنهم
لم يقولوها عن علم و[لا] يقين، لا علم منهم، ولا علم من
آبائهم الذين قلدوهم واتبعوهم، بل إن يتبعون إلا الظن وما
تهوى الأنفس { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ
} أي: عظمت شناعتها واشتدت عقوبتها، وأي شناعة أعظم من وصفه
بالاتخاذ للولد الذي يقتضي نقصه، ومشاركة غيره له في خصائص
الربوبية والإلهية، والكذب عليه؟" { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ
افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } ولهذا قال هنا: { إِنْ
يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا } أي: كذبا محضا ما فيه من الصدق
شيء، وتأمل كيف أبطل هذا القول بالتدريج، والانتقال من شيء إلى
أبطل منه، فأخبر أولا: أنه { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ
وَلَا لِآبَائِهِمْ } والقول على الله بلا علم، لا شك في منعه
وبطلانه، ثم أخبر ثانيا، أنه قول قبيح شنيع فقال: { كَبُرَتْ
كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } ثم ذكر ثالثا مرتبته
من القبح، وهو: الكذب المنافي للصدق.
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية الخلق،
ساعيا في ذلك أعظم السعي، فكان صلى الله عليه وسلم يفرح ويسر
بهداية المهتدين، ويحزن ويأسف على المكذبين الضالين، شفقة منه
صلى الله عليه وسلم عليهم، ورحمة بهم، أرشده الله أن لا يشغل
نفسه بالأسف على هؤلاء، الذين لا يؤمنون بهذا القرآن، كما قال
في الآية الأخرى: { لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين }
وقال { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } وهنا قال {
فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ } أي: مهلكها، غما وأسفا عليهم،
وذلك أن أجرك قد وجب على الله، وهؤلاء لو علم الله فيهم خيرا لهداهم،
ولكنه علم أنهم لا يصلحون إلا للنار، فلذلك خذلهم، فلم يهتدوا،
فإشغالك نفسك غما وأسفا عليهم، ليس فيه فائدة لك. وفي هذه الآية
ونحوها عبرة، فإن المأمور بدعاء الخلق إلى الله، عليه
التبليغ والسعي بكل سبب يوصل إلى الهداية، وسد طرق الضلال
والغواية بغاية ما يمكنه، مع التوكل على الله في ذلك، فإن
اهتدوا فبها ونعمت، وإلا فلا يحزن ولا يأسف، فإن ذلك مضعف
للنفس، هادم للقوى، ليس فيه فائدة، بل يمضي على فعله الذي كلف به وتوجه
إليه، وما عدا ذلك، فهو خارج عن قدرته، وإذا كان النبي صلى
الله عليه وسلم يقول الله له: { إنك لا تهدي من أحببت
} وموسى عليه السلام يقول: { رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي
} الآية، فمن عداهم من باب أولى وأحرى، قال تعالى: { فذكر
إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر }
{ 7-8 } { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ
زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا *
وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا }
يخبر تعالى: أنه جعل جميع ما على وجه الأرض، من مآكل لذيذة،
ومشارب، ومساكن طيبة، وأشجار، وأنهار، وزروع، وثمار، ومناظر
بهيجة، ورياض أنيقة، وأصوات شجية، وصور مليحة، وذهب وفضة، وخيل
وإبل ونحوها، الجميع جعله الله زينة لهذه الدار، فتنة
واختبارا. { لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } أي:
أخلصه وأصوبه، ومع ذلك سيجعل الله جميع هذه المذكورات، فانية
مضمحلة، وزائلة منقضية.
وستعود الأرض صعيدا جرزا قد ذهبت لذاتها، وانقطعت أنهارها،
واندرست أثارها، وزال نعيمها، هذه حقيقة الدنيا، قد جلاها الله
لنا كأنها رأي عين، وحذرنا من الاغترار بها، ورغبنا في دار
يدوم نعيمها، ويسعد مقيمها، كل ذلك رحمة بنا، فاغتر بزخرف
الدنيا وزينتها، من نظر إلى ظاهر الدنيا، دون باطنها، فصحبوا
الدنيا صحبة البهائم، وتمتعوا بها تمتع السوائم، لا ينظرون في
حق ربهم، ولا يهتمون لمعرفته، بل همهم تناول الشهوات، من أي
وجه حصلت، وعلى أي حالة اتفقت، فهؤلاء إذا حضر أحدهم الموت، قلق لخراب
ذاته، وفوات لذاته، لا لما قدمت يداه من التفريط والسيئات.
وأما من نظر إلى باطن الدنيا، وعلم المقصود منها ومنه، فإنه
يتناول منها، ما يستعين به على ما خلق له، وانتهز الفرصة في
عمره الشريف، فجعل الدنيا منزل عبور، لا محل حبور، وشقة سفر، لا
منزل إقامة، فبذل جهده في معرفة ربه، وتنفيذ أوامره، وإحسان
العمل، فهذا بأحسن المنازل عند الله، وهو حقيق منه بكل كرامة
ونعيم، وسرور وتكريم، فنظر إلى باطن الدنيا، حين نظر المغتر
إلى ظاهرها، وعمل لآخرته، حين عمل البطال لدنياه، فشتان ما بين
الفريقين، وما أبعد الفرق بين الطائفتين"
{{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا *}}.
يَقُول
تَعَالَى مُسَلِّيًا لِرَسُولِهِ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ
فِي حُزْنه عَلَى الْمُشْرِكِينَ لِتَرْكِهِمْ الْإِيمَان وَبُعْدهمْ
عَنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى " فَلَا تَذْهَب نَفْسك عَلَيْهِمْ حَسَرَات " وَقَالَ "وَلَا تَحْزَن عَلَيْهِمْ وَقَالَ " لَعَلَّك بَاخِع نَفْسك أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ " بَاخِع أَيْ مُهْلِك نَفْسك بِحُزْنِك عَلَيْهِمْ وَلِهَذَا قَالَ
" فَلَعَلَّك بَاخِع نَفْسك عَلَى آثَارهمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيث " يَعْنِي الْقُرْآن
أَسَفًا يَقُول لَا تُهْلِك نَفْسك أَسَفًا قَالَ قَتَادَة : قَاتِل
نَفْسك غَضَبًا وَحُزْنًا عَلَيْهِمْ وَقَالَ مُجَاهِد جَزَعًا
وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب أَيْ لَا تَأْسَف عَلَيْهِمْ
بَلْ أبْلَغَكُمْ رِسَالَة اللَّه فَمَنْ اِهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ
وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلّ عَلَيْهَا وَلَا تَذْهَب نَفْسك
عَلَيْهِمْ حَسَرَات ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ جَعَلَ
الدُّنْيَا دَارًا فَانِيَة مُزَيَّنَة بِزِينَةٍ زَائِلَة وَإِنَّمَا
جَعَلَهَا دَار اِخْتِبَار لَا دَار قَرَار .
تفسير ابن كثير
{{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا *}}.
قوله
تعالى: { {فَلَعَلَّكَ} } الخِطاب للرسول صلّى الله عليه وسلّم {
{بَاخِعٌ نَفْسَكَ} } مهلكٌ نفسَك، لأنه كان صلّى الله عليه وسلّم إذا لم
يجيبوه حَزِنَ حَزناً شديداً، وضاق صدره حتى يكادَ يَهلك، فسلاَّه الله
عزّ وجل وبيّن له أنه ليس عليه من عدم استجابتهم من شيء، وإنما عليه
البلاغ وقد بلَّغ.
{ {عَلَى آثَارِهِمْ} } أي باتباع آثارهم، لعلَّهم يرجعون بعد عدم إجابتهم وإعراضهم.
{ {إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ} } أي إن لم يؤمنوا بهذا القرآن.
{
{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا
بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا *} } مفعول من أجله، العامل فيه: {
{بَاخِعٌ} } المعنى أنه لعلك باخع نفسك من الأسف إذا لم يؤمنوا بهذا مع
أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليس عليه من عدم استجابتهم من شيء،
ومهمة الرسول صلّى الله عليه وسلّم البلاغ. قال تعالى:
{{فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ}} [الرعد: 40] ، وهكذا ورثته من بعده: العلماء، وظيفتهم البلاغ وأما الهداية فبيد الله، ومن المعلوم أن الإنسان المؤمن يحزن إذا لم يستجبِ الناس للحق، لكنَّ الحازنَ إذا لم يقبل الناس الحق على نوعين: 1 ـ نوع يحزن لأنه لم يُقبل.
2 ـ ونوع يحزن لأن الحق لم يُقبل.
والثاني هو الممدوح لأن الأول إذا دعا فإنما يدعو لنفسه، والثاني إذا دعا فإنما يدعو إلى الله عزّ وجل، ولهذا قال تعالى: {{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ}} [النحل: 125] .
لكن إذا قال الإنسان
أنا أحزن؛ لأنه لم يُقبل قولي؛ لأنه الحق ولذلك لو تبين لي الحق على
خلاف قولي أخذت به فهل يكون محموداً أو يكونُ غير محمود؟
الجواب: يكون محموداً لكنه ليس كالآخرَ الذي ليس له همٌّ إلاَّ قَبول الحق سَواء جاء من قِبَله أو جاء من قبل غيره.
* * *
{{وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا *}}.
( وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ ) أي مصيرون ( مَا عَلَيْهَا ) مما كان زينة لها أو (مَا عَلَيْهَا ) مما هو أعم من الزينة وغيره ( صَعِيدًا ) تراباً ( جُرُزًا)
أي لا نبات فيه ، وهذا إشارة إلى التزهيد في الدنيا والرغبة عنها
وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عن ما تضمنته أيدي المترفين من
زينتها ، إذ مآل ذلك كله إلى الفناء والحاق .
تفسير: البحر المحيط
والخلاصة أن { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } [ الرحمن : 27 ]
التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي التراب ; 11-06-2013 الساعة 04:17 PM
11-06-2013, 04:20 PM
|
|
مدير
|
|
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,377
|
|
المجلس الحادي العاشر
2 شهر الله المحرم 1435 هـ
.ومن تفسير العثيمين:
قوله تعالى: { {صَعِيدًا} } هذه الأرض بزينتها، بقصورها وأشجارها ونباتها، سوف يجعلها الله تعالى {صَعِيدًا جُرُزًا} أي خالياً، كما قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا *} [طه: 105] ، أي نسفاً عظيماً ولهذا جاء مُنَكَّراً: أي نسفاً عظيماً، قال تعالى: ﴿ فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا﴾ ﴿١٠٦﴾ ﴿ لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾ ﴿١٠٧﴾ طه
( فَيَذَرُهَا ) أي : فيدع أماكن الجبال من الأرض ، ( قَاعًا صَفْصَفًا ) أي : أرضا ملساء مستوية لا نبات فيها ، و " القاع " : ما انبسط من الأرض ، و " الصفصف " : الأملس . [ ص: 295 ] ﴿ لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾قال مجاهد : انخفاضا وارتفاعا .
وقال الحسن : " العوج " : ما انخفض من الأرض ، و " الأمت " : ما نشز من الروابي ، أي : لا ترى واديا ولا رابية .
تفسير البغوي
وبلحظة: كن
فيكون! إذاً هذه الأرض يا أخي لا يَتعلَّق قلبك بها فهي زائلة،
هي ستصير كأن لم تكن كما قال عزّ وجل: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} [يونس: 24] .
وتأمل الجملة الآن: { {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ} } فيها مُؤكِّدان، «إنَّ» و«اللام»،
ثم إنها جاءت بالجملة الاسمية الدالة على القدرة
المستمرة، إذا قامت القيامة أين القصور؟ لا قصور، لا
جبال، لا أشجار، الأرض كأنها حجر واحد أملس، ما فيها نبات
ولا بناء ولا أشجار ولا غير ذلك، سيحولها الله تعالى { {جُرُزًا} } خالية من زينتها التي كانت عليها.
تفسيرابن عثيمين
* * *
وذلك أن أجرك قد وجب على
الله، وهؤلاء لو علم الله فيهم خيرا لهداهم،
ولكنه علم أنهم لا يصلحون إلا للنار، فلذلك خذلهم، فلم يهتدوا،
فإشغالك نفسك غما وأسفا عليهم، ليس فيه فائدة
لك. وفي هذه الآية ونحوها عبرة، فإن المأمور
بدعاء الخلق إلى الله، عليه التبليغ والسعي بكل سبب يوصل
إلى الهداية، وسد طرق الضلال والغواية
بغاية ما يمكنه، مع التوكل على الله في ذلك، فإن
اهتدوا فبها ونعمت، وإلا فلا يحزن ولا يأسف، فإن ذلك
مضعف للنفس، هادم للقوى، ليس فيه فائدة، بل
يمضي على فعله الذي كلف به وتوجه إليه، وما
عدا ذلك، فهو خارج عن قدرته، وإذا كان النبي صلى الله عليه
وسلم يقول الله له: {إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }سورة القصص - الجزء 20 - الآية 56 * أنواع الهداية *
وموسى عليه السلام يقول: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾
﴿المائدة: ٢٥﴾
فمن عداهم من باب أولى وأحرى،
ها هي ذي نهاية المطاف
. . نكوصًا عن الأرض المقدسة , وهو معهم على أبوابها . ونكولا عن ميثاق
الله وهو مرتبط معهم بالميثاق . . فماذا يصنع ? وبمن يستجير ?
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾. .
دعوة فيها الألم . وفيها الالتجاء . وفيها الاستسلام . وفيها - بعد ذلك - المفاصلة والحسم والتصميم !
وإنه ليعلم أن ربه يعلم أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه . . ولكن موسى في ضعف
الإنسان المخذول . وفي إيمان النبي الكليم . وفي عزم المؤمن المستقيم ,
لا يجد متوجَهًا إلا لله . يشكو له بثه ونجواه , ويطلب إليه الفرقة
الفاصلة بينه وبين القوم الفاسقين . فما يربطه بهم شيء بعد النكول عن ميثاق الله الوثيق .
. ما يربطه بهم نسب . وما يربطه بهم تاريخ . وما يربطه بهم جهد سابق .
إنما تربطه بهم هذه الدعوة إلى الله , وهذا الميثاق مع الله .
وقد فصلوه . فانبت ما بينه وبينهم إلى الأعماق . وما عاد يربطه بهم رباط .
. إنه مستقيم على عهد الله وهم فاسقون . . إنه مستمسك بميثاق الله وهم
ناكصون . .
هذا هو أدب النبي . . وهذه هي خطة المؤمن . وهذه هي الآصرة التي يجتمع
عليها أو يتفرق المؤمنون . . لا جنس . لا نسب . لا قوم . لا لغة . لا
تاريخ . لا وشيجة من كل وشائج الأرض ; إذا انقطعت وشيجة العقيدة ; وإذا
اختلف المنهج والطريق . .
قال تعالى:
﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ﴾ ﴿الغاشية: ٢١﴾
﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ ﴿الغاشية: ٢٢﴾
* أنواع الهداية *
يُقَالُ هَدَاهُ هُدًى وَهَدْيًا وَهِدَايَةً وَهِدْيَةً بِكَسْرِهِمَا أَرْشَدَهُ فَهَدَى وَاهْتَدَى . وَهَدَاهُ اللَّهُ الطَّرِيقَ دَلَّهُ . وَالْهُدَى بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الرَّشَادُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ .
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ بَدَائِعُ الْفَوَائِدِ : الْهِدَايَةُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ :
أَحَدُهَا : الْهِدَايَةُ الْعَامَّةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الْخَلْقِ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى { الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } أَيْ
أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ صُورَتَهُ الَّتِي لَا يَشْتَبِهُ فِيهَا
بِغَيْرِهِ ، وَأَعْطَى كُلَّ عُضْوٍ شَكْلَهُ وَهَيْئَتَهُ ،
وَأَعْطَى كُلَّ مَوْجُودٌ خَلْقَهُ الْمُخْتَصَّ بِهِ ثُمَّ هُدَاهُ لِمَا خَلَقَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ .
قَالَ وَهَذِهِ الْهِدَايَةُ تَعُمُّ الْحَيَوَانَ الْمُتَحَرِّكَ
بِإِرَادَتِهِ إلَى جَلْبِ مَا يَنْفَعُهُ وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهُ .
قَالَ وَلِلْجَمَادِ أَيْضًا هِدَايَةٌ تَلِيقُ بِهِ ، كَمَا أَنَّ
لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْحَيَوَانِ هِدَايَةً تَلِيقُ بِهِ وَإِنْ
اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا وَصُوَرُهَا ، وَكَذَلِكَ
لِكُلِّ عُضْوٍ هِدَايَةٌ تَلِيقُ بِهِ ، فَهُدَى الرِّجْلَيْنِ
لِلْمَشْيِ ، وَاللِّسَانِ لِلْكَلَامِ ، وَالْعَيْنِ لِكَشْفِ
الْمَرْئِيَّاتِ ، وَهَلُمَّ جَرًّا .
وَكَذَلِكَ هَدَى الزَّوْجَيْنِ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ إلَى
الِازْدِوَاجِ وَالتَّنَاسُلِ وَتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ ، وَالْوَلَدِ إلَى
الْتِقَامِ الثَّدْيِ عِنْدَ وَضْعِهِ ، وَمَرَاتِبُ هِدَايَتِهِ سُبْحَانَهُ لَا يُحْصِيهَا إلَّا هُوَ .
الثَّانِي : هِدَايَةُ الْبَيَانِ وَالدَّلَالَةِ وَالتَّعْرِيفِ لِنَجْدَيْ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، وَطَرِيقَيْ النَّجَاةِ وَالْهَلَاكِ .
وَهَذِهِ الْهِدَايَةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الْهُدَى التَّامَّ
فَإِنَّهَا سَبَبٌ وَشَرْطٌ لَا مُوجِبٌ ، وَلِهَذَا يَنْتَفِي الْهُدَى
مَعَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى } [ ص: 30 ] أَيْ بَيَّنَّا لَهُمْ وَأَرْشَدْنَاهُمْ وَدَلَلْنَاهُمْ فَلَمْ يَهْتَدُوا .
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } .
الثَّالِثُ : هِدَايَةُ التَّوْفِيقِ وَالْإِلْهَامِ ، وَهِيَ الْهِدَايَةُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِلِاهْتِدَاءِ فَلَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى { يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } وَفِي قَوْله تَعَالَى {إنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ } وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ يَهْدِي اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ } وَفِي قَوْله تَعَالَى { إنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } فَنَفَى عَنْهُ هَذِهِ الْهِدَايَةَ وَأَثْبَتَ لَهُ هِدَايَةَ الدَّعْوَةِ وَالْبَيَانِ فِي قَوْلِهِ { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } .
( الرَّابِعُ ) : غَايَةُ هَذِهِ الْهِدَايَةِ وَهِيَ الْهِدَايَةُ إلَى الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ إذَا سِيقَ أَهْلُهُمَا إلَيْهِمَا . قَالَ تَعَالَى { إنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ
رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ } وَقَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِيهَا { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ } وَقَالَ فِي حَقِّ أَهْلِ النَّارِ { اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ } .
هنا
تعقيب
من نظر إلى باطن الدنيا، وعلم المقصود منها ومنه، فإنه يتناول منها، ما يستعين به على ما خلق له، وانتهز الفرصة في عمره الشريف، فجعل
الدنيا منزل عبور، لا محل حبور، وشقة سفر، لا
منزل إقامة، فبذل جهده في معرفة ربه، وتنفيذ
أوامره، وإحسان العمل، فهذا بأحسن المنازل عند
الله، وهو حقيق منه بكل كرامة ونعيم، وسرور
وتكريم، فنظر إلى باطن الدنيا، حين نظر المغتر
إلى ظاهرها، وعمل لآخرته، حين عمل البطال لدنياه، فشتان
ما بين الفريقين، وما أبعد الفرق بين
الطائفتين"
و (
إنّا لجاعلون ) أي مصيرون ( ما عليها ) مما كان زينة لها أو ( ما
عليها ) مما هو أعم من الزينة وغيره ( صعيداً ) تراباً ( جرزاً )
الأنبات فيه ، وهذا إشارة إلى التزهيد في الدنيا والرغبة عنها وتسلية
للرسول صلى الله عليه وسلم عن ما تضمنته أيدي المترفين من زينتها ،
إذ مآل ذلك كله إلى الفناء والأَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)
قوله تعالى: { {أَمْ حَسِبْتَ} } «أم» هنا منقطعة، فهي بمعنى «بل»،
و{ {حَسِبْتَ} } بمعنى ظننتَ، هنا أتى بـ«أم» المنقطعة التي تتضمن الاستفهام من أجل شد النَّفس إلى الاستماع إلى القصة لأنها حقيقة عَجب، هذه القصة عجب.
{ {الْكَهْفِ} } الغار في الجبل.
{ {وَالرَّقِيمِ} } بمعنى المرقوم: أي المكتوب لأنه كتب في حجر على هذا الكهف قصتُهم من أولها إلى آخرها.
{ {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا *} } أي أصحاب الكهف والرقيم.
{ {مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} } من آيات الله الكونية.
{ {مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} } أي محل تعجُّب واستغراب
لأن هؤلاء سبعةٌ معهم كلب كرهوا ما عليه أهل بلدهم من الشرك فخرجوا
متَّجهين إلى الله يريدون أن ينجوا بأنفسهم مما كان عليه أهل بلدهم،
فلجأوا إلى هذا الغار، وكان من حسن حظهم أن هذا الغار له باب لا يتَّجه
للمشرق ولا للمغرب، سبحان الله! توفيق؛ لأنه لو اتجه إلى المشرق لأكلتهم
الشمس عند الشروق، ولو اتجه إلى المغرب لأكلتهم عند الغروب. كما قال
تعالى: {{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ
تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ
ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ
اللَّهِ}} [الكهف: 17] وسيأتينا إن شاء الله تعالى.
تفسير الشيخ ابن عثيمين
عجائب
قدرة الله لا تنتهي، فليست هذه بأعجب الآيات، وليست بأعجب من خلق السموات
والأرض، وتسخير الشمس والقمر، وخلق الإنسان، وخلق آدم من تراب، وخلق
عيسى، ولهذا قالت الملائكة
لامرأة إبراهيم عليه السلام (سارة) بعد أن تعجبت من ولادتها مع كبر سن زوجها، وكونها عقيما لا تنجب: {قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ} [هود:73].فلا شيء مستحيل في إرادة الله تعالى،
{وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [البقرة:117].
هنا
ومن تفسير السعدي
وهذا الاستفهام بمعنى النفي, والنهي.
أي: لا تظن أن قصة أصحاب الكهف, وما جرى لهم, غريبة على آيات الله, وبديعة في حكمته, وأنه لا نظير لها, ولا مجانس لها.
بل لله تعالى من الآيات العجيبة الغريبة, ما هو كثير, من جنس آياته في أصحاب الكهف, وأعظم منها.
فلم يزل الله يرى عباده من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم, ما يتبين به الحق من الباطل والهدى من الضلال.
وليس المراد بهذا النفي أن تكون قصة أصحاب الكهف من العجائب, بل هي من آيات الله العجيبة.
وإنما المراد, أن جنسها كثير جدا, فالوقوف معها وحدها, في مقام العجب والاستغراب, نقص في العلم والعقل.
بل وظيفة المؤمن, التفكر بجميع آيات الله, التي دعا الله العباد إلى التفكير فيها, فإنها مفتاح الإيمان, وطريق العلم والإيقان.
وإضافتهم إلى الكهف, الذي هو الغار في الجبل الرقيم, أي: الكتاب الذي قد رقمت فيه أسماؤهم وقصتهم, لملازمتهم له دهرا طويلا.
هنا
بدعة :
هي كل محدث جديد على غير مثال سابق
المعجم: مصطلحات فقهية
- بدعة :
سبحان الذى أبدعك وأنشأك على غير مثال ، واسمك يوحي بالحداثة والتجدد
المعجم: معاني الاسماء
حاق .
|
{{إِذْ
أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ
لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا *}}.
{ {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ} } من هنا بدأت القصة، وعلى هذا يكون { {إِذْ أَوَى} } متعلق بمحذوف تقديره: «اذكر إذ أوى الفتية»
وكان كفار قريش قد سألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم عن قصتهم وهو
عليه الصلاة والسلام لم يقرأ الكتب، قال تعالى عنه: {} [العنكبوت: 48] .
فوعدهم فأنجز الله له الوعد.
و{ {الْفِتْيَةُ} } جمع فتى، وهو الشاب الكامل القوة والعزيمة.
{ {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} } أي لجأوا إليه من قومهم فارين منهم خوفاً أن يصيبهم ما أصاب قومهم من الشرك والكفر بالبعث، فقالوا: { {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} } لجأوا إلى الله.
{ {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} } أعطنا.
{ {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} } أي من عندك.
{ {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً}
} أي رحمة ترحمنا بها، وهذا كقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم لأبي
بكر ـ رضي الله عنه ـ حين قال أبو بكر لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه
وسلّم: عَلِّمْنِي دُعاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاتِي قَالَ: قُلِ «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم»[1].
{ {إِذْ
أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ
لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا *} }،
اجعل لنا، وتهيئة الشيء أن يُعد ليكون صالحاً للعمل به.
{ {مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} } الرشد: ضد الغَيّ، أي اجعل شأننا موافقاً للصواب.
تفسير العثيمين
[1].علِّمْني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال : (
قُلْ : اللهم إني ظلَمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلا
أنتَ، فاغفِرْ لي مَغفِرَةً من عِندِك، وارحَمْني، إنك أنت الغَفورُ
الرحيمُ ) . الراوي: أبو بكر الصديق المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6326-خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الدرر السنية
" وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرنَا رَشَدًا " أَيْ وَقَدِّرْ لَنَا مِنْ أَمْرنَا رَشَدًا هَذَا أَيْ اِجْعَلْ عَاقِبَتنَا رُشْدًا
كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يدعو : "اللَّهمَّ أحسِن عاقبتَنا في الأمورِ كُلِّها وأجِرنا مِنَ خزيِ الدُّنيا وعذابِ الآخرةِ" الراوي: بسر بن أبي أرطأة المحدث: أحمد شاكر - المصدر: عمدة التفسير - الصفحة أو الرقم: 1/162
خلاصة حكم المحدث: [أشار في المقدمة إلى صحته]
الدرر السنية
" إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ " أي: الشباب.
" إِلَى الْكَهْفِ " يريدون بذلك, التحصن والتحرز, من فتنة قومهم لهم.
" فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً " أي تثبتنا بها وتحفظنا من الشر وتوفقنا للخير " وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا " أي: يسر لنا كل سبب موصل إلى الرشد, وأصلح لنا أمر ديننا ودنيانا.
فجمعوا بين السعي والفرار من الفتنة, إلى محل يمكن الاستخفاء فيه, وبين تضرعهم وسؤالهم لله تيسير أمورهم, وعدم اتكالهم على أنفسهم, وعلى الخلق.
فلذلك استجاب الله دعاءهم, وقيض لهم, ما لم يكن في حسابهم
قال: " فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ " أي أنمناهم " سِنِينَ عَدَدًا " وهي: ثلثمائة سنة, وتسع سنين, وفي النوم المذكور حفظ لقلوبهم من الاضطراب والخوف, وحفظ لهم من قومهم.
تفسير السعدي
{{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا *}}.
قوله تعالى: { {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ} } أي أنمناهم نومة عميقة. والنوم نوعان:
1 ـ خفيف: وهذا لا يمنع السماع ولهذا إذا نمت فأول ما يأتيك النوم تسمع مَن حولك.
2 ـ عميق: إذا نمت النوم العميق لا تسمع مَن حولك.
ولهذا قال: { {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ} } أي بحيث لا يسمعون.
{ {فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} } أي معدودة، وسيأتي بيانها في قوله تعالى: {{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا *}} [الكهف: 25] .
تفسير العثيمين
{{ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا *}}.
قوله تعالى: { {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ} } وذلك بإيقاظهم من النوم. وسمى الله الاستيقاظ من النوم بعثاً لأن النوم وفاةٌ، قال تعالى: {{وَهُوَ
الَّذِي يَتَوفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ
بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *}} [الأنعام: 60] . وقال تعالى: {{اللَّهُ
يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي
مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ
الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ *}} [الزمر: 42] فالنوم وفاة.
وقوله: { {بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ} }، قد يقع فيه إشكال؟ هو: هل الله عزّ وجل لا يعلم قبل ذلك؟
الجواب: لا، واعلم أن هذه العبارة يراد بها شيئان:
1 ـ علم رؤية وظهور ومشاهدة،
أي لنرى، ومعلوم أن علم ما سيكون ليس كعلم ما كان؛ لأن علم الله عزّ وجل
بالشيء قبل وقوعه علمٌ بأنه سيقع، ولكن بعد وقوعه علمٌ بأنه وقع.
2 ـ أن العلم الذي يترتب عليه الجزاء هو المراد، أي لنعلم علماً يترتب عليه الجزاء وذلك كقوله تعالى: {{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ}}
[محمد: 31] . قبل أن يبتلينا قد علم من هو المطيع ومن هو العاصي، ولكن
هذا لا يترتب عليه لا الجزاء ولا الثواب، فصار المعنى لنعلم علم ظهور
ومشاهدة وليس علم الظهور والمشاهدة كعلم ما سيكون، والثاني علماً يترتب
عليه الجزاء.
أما
تحقق وقوع المعلوم بالنسبة لله فلا فرق بين ما علم أنه يقع وما علم أنه
وقع، كلٌّ سواء، وأما بالنسبة لنا صحيح أنَّا نعلم ما سيقع في خبر الصادق
لكن ليس علمنا بذلك كعلمنا به إذا شاهدناه بأعيننا، ولذلك جاء في الحديث
الصحيح: «ليس الخبر كالمعاينة»[(4)].
{ {أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} } قوله: { {الْحِزْبَيْنِ} } يعني الطائفتين.
وقوله: { {أَحْصَى} } يعني أبلغ إحصاءً، وليست فعلاً ماضياً بل اسم تفضيل فصار المعنى: أي الحزبين أضبط لما لبثوا أمداً، أي: المدة التي لبثوها؛ لأنهم تنازعوا أمرهم فقالوا: {{لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}} [الكهف: 19] . وقال آخرون: {{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ}} [الكهف: 19] . ثم الناس من بعدهم اختلفوا كم لبثوا.
* * ** * *
تفسير العثيمين
" ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ " أي: من نومهم " لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا "
أي: لنعلم أيهم أحصى لمقدار مدتهم, كما قال تعالى: " وَكَذَلِكَ
بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ " الآية, وفي العلم بمقدار
لبثهم, ضبط للحساب, ومعرفة لكمال قدرة الله تعالى, وحكمته, ورحمته.
فلو استمروا على نومهم, لم يحصل الاطلاع على شيء من ذلك, من قصتهم.
تفسير السعدي
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً *}}.13 نِعمَ
القائل صدقاً وعلماً وبياناً وإيضاحاً؛ لأن كلام الله تبارك وتعالى
متضمن للعلم والصدق والفصاحة والإرادة، أربعة أشياء. كلامه عزّ وجل عن
علم وكلامه أيضاً عن صدق، وكلامه في غاية الفصاحة وإرادته في هذا الكلام
خير إرادة، يريد بما يتكلم به أن يهدي عباده.
{
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ
آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً *} } قصُّ الله عزّ وجل أكمل
القصص وأحسن القصص؛ لأنه صادر عن:
1 ـ علم.
2 ـ عن صدق.
3 ـ صادر بأفصح عبارة وأبينها وأوضحها ولا كلامَ أوضح من كلام الله إلاَّ من أضل الله قلبه، وقال: هذا أساطير الأولين.
4 ـ وبأحسن إرادة لم يرد الله تعالى بما يقص علينا أن نضل ولا بما حكم علينا أن نجور، بل أراد أن نهتدي ونقوم بالعدل.
وقوله:
{ {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ
آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً *} } إذا قال قائل أليس الله
واحداً؟
فالجواب:
نعم واحد لا شك، لكن لا شك أنه جلَّ وعلا أعظم العظماء، والأسلوب العربي
إذا أسند الواحدُ إلى نفسه صيغة الجمع فهو يعني أنه عظيم، ومعلوم أنه لا
أحد أعظم من الله تعالى؛ ولهذا تجد الملوك أو الرؤساء إذا أرادوا أن
يُصدروا المراسم يقولون: «نحن فلان بن فلان نأمر بكذا وكذا». إذاً كل ضمائر
الجمع المنسوبة إلى الله تعالى المراد بها التعظيم.
{
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} } أي نقرأه عليك ونحدثك
به { {نَبَأَهُمْ} } أي خبرهم { {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ
بِالْحَقِّ} } أي بالصدق المطابق للواقع.
{ {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ} } فتية شباب ولكن عندهم قوة العزيمة وقوة البدن وقوة الإيمان.
{
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ
آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً *} } زادهم الله عزّ وجل هدى لأن
الله تعالى يزيد الذين يهتدون هدى، وكلما ازددت عملاً بعلمك زادك الله
هدى أي زادك الله علماً.
تفسير العثيمين
* * *
هذا شروع في تفصيل قصتهم, وأن الله يقصها على نبيه بالحق والصدق, الذي ما فيه شك ولا شبهة بوجه من الوجوه.
" إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ " وهذا من جموع القلة, يدل ذلك على أنهم دون العشرة.
" آمَنُوا " بالله وحده لا شريك له من دون قومهم.
فشكر الله لهم إيمانهم, فزادهم هدى.
أي: بسبب أصل اهتدائهم إلى الإيمان, زاد الله من الهدى, الذي هو العلم
النافع, والعمل الصالح, كما قال تعالى: " ويزيد الله الذين اهتدوا هدى " .
تفسير السعدي
﴿ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ
قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ
نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾
الآية 14 سورة الكهف سورة مكية 19 تسع عشرة كلمة 78 ثماني و سبعون حرف تفسير
هنا
{ {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} }
أي ثبتناها وقويناها وجعلنا لها رِباطاً، لأن جميع قومهم على ضدهم،
ومخالفة القوم تحتاج إلى تثبيت لا سيما أنهم شباب والشاب ربما يؤثر
فيه أبوه ويقول له «اكفر»، ولكن الله ربط على قلوبهم فثبتهم، اللهم
ثبتنا يا رب.
{إِذْ قَامُوا} يعني في قومهم معلنين بالتوحيد متبرئين مما كان عليه هؤلاء الأقوام. {وَرَبَطْنَا
عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ
قُلْنَا إِذًا شَطَطًا *} وليس رب فلان وفلان بل هو رب السموات
والأرض فهو سبحانه وتعالى مالك وخالق ومدبِّر السموات والأرض. لأن
الرَّب الذي هو اسم من أسماء الله معناه الخالق المالك المدبر ولم
يبالوا بأحد فهم كسحرة فرعون: {{قَالُوا
لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي
فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ
الْحَيَاةَ الدُّنْيَا *}} [طه: 72] . والدنيا كلها قاضية منتهية طالت بك أم قصرت، ولا بد لكل إنسان من أحد أمرين: إما الهَرَم وإما الموت، ونهاية الهرم الموت أيضاً؛ ولهذا يقول الشاعر:
لا طِيب للعيش ما دامت مُنغَّصةً***لذَّاتُه بادِّكار الموت والهرم
الإنسان
كلما تذكر أنه سيموت طالت حياته أم قصرت فإنه لا يطيب العيش له،
ولكن من نعمة الله عزّ وجل أن الناس ينسَون هذا الأمر، ولكنَّ هؤلاء
الناسين منهم من ينسى هذا الأمر باشتغاله بطاعة الله، ومنهم من ينساه
بانشغاله بالدنيا.
{وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ
قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ
نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا *} السمواتِ السبعِ والأرضُ كذلك سبعٌ كما جاءت بذلك النصوص، ولا حاجة لذكرها؛ لأنها معلومة والحمد لله.
{ { لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا *} } لن ندعو دعاء مسألة ولا دعاء عبادة إلهاً سواه، فأقروا بالربوبيَّة وأقرُّوا بالألوهية، الربوبية قالوا: { {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا *} } والألوهية قالوا: { {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا *} } أي سواه.
{ {لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} } الجملة هذه مؤكدة بثلاثة مؤكدات وهي: «اللام» و«قد» و«القسم الذي دلَّت عليه اللام».
وقوله: { {لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} } أي لو دعونا إلهاً سواه
{لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} أي: قولاً مائلاً وموغلاً بالكفر،
وصدقوا، لو أنهم دعوا غير الله إلهاً لقالوا هذا القول المائل الموغل
بالكفر والعياذ بالله.
تفسير العثيمين
" وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ " أي صبرناهم وثبتناهم, وجعلنا
قلوبهم مطمئنة في تلك الحالة المزعجة, وهذا من لطفه تعالى بهم وبره, أن
وفقهم للإيمان والهدى, والصبر والثبات, والطمأنينة.
" إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " أي:
الذي خلقنا ورزقنا, ودبرنا وربانا, هو خالق السماوات والأرض,
المنفرد بخلق هذه المخلوقات العظيمة, لا تلك الأوثان والأصنام, التي
لا تخلق ولا ترزق, ولا تملك نفعا ولا ضرا, ولا موتا ولا حياة ولا
نشورا, فاستدلوا بتوحيد الربوبية, على توحيد الإلهية, ولهذا قالوا: "
لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا " أي: من سائر المخلوقات "
لَقَدْ قُلْنَا إِذًا " أي: إن دعونا معه آلهة, بعد ما علمنا أنه
الرب, الإله الذي لا تجوز, ولا تنبغي العبادة, إلا له " شَطَطًا "
أي: ميلا عظيما عن الحق, وطريقا بعيدة عن الصواب.
فجمعوا بين الإقرار بتوحيد الربوبية, وتوحيد الإلهية, والتزام ذلك, وبيان أنه الحق, وما سواه باطل.
وهذا دليل على كمال معرفتهم بربهم, وزيادة الهدى من الله لهم.
هنا
الصبر خلق إسلامي يحتاجه المسلم في كل وقت وفي كل حال يقول النبي صلى الله عليه وسلم
﴿أنَّ
ناسًا منَ الأنصارِ سَألوا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ
فأعطاهم ثمَّ سَألوهُ فأعطاهم حتَّى إذا نفِدَ ما عندَهُ قالَ: ما
يَكونُ عِندي من خيرٍ فلن أدَّخرَهُ عنكُم ومن يستَعفِفْ يعفَّهُ
اللَّهُ ومن يستَغنِ يُغنِهِ اللَّهُ ومن يتَصبَّر يُصبِّرهُ اللَّهُ وما
أعطى اللَّهُ أحدًا من عطاءٍ أوسعَ منَ الصَّبرِ﴾ الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 1644-خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية﴿ وَرَبَطْنَا
عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ
لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾
الآية 14 سورة الكهف
اقتباس:
الصبر خلق إسلامي يحتاجه المسلم في كل وقت وفي كل حال
يقول النبي صلى الله عليه وسلم
﴿أنَّ
ناسًا منَ الأنصارِ سَألوا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ
فأعطاهم ثمَّ سَألوهُ فأعطاهم حتَّى إذا نفِدَ ما عندَهُ قالَ: ما
يَكونُ عِندي من خيرٍ فلن أدَّخرَهُ عنكُم ومن يستَعفِفْ يعفَّهُ
اللَّهُ ومن يستَغنِ يُغنِهِ اللَّهُ ومن يتَصبَّر يُصبِّرهُ اللَّهُ وما
أعطى اللَّهُ أحدًا من عطاءٍ أوسعَ منَ الصَّبرِ﴾ الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 1644-خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا﴾[آل عمران:200]
الصبر في اللغة: الحبس .
والمراد به في الشرع: حبس النفس على أمور ثلاثة:
الأول: على طاعة الله.
الثاني: عن محارم الله.
الثالث: على أقدار الله المؤلمة.هذه أنواع الصبر التي ذكرها أهل العلم.
الأمر الأول: أن
يصبر الإنسان على طاعة الله لأن الطاعة ثقيلة على النفس، وتصعب على
الإنسان، وكذلك ربما تكون ثقيلة على البدن بحيث يكون مع الإنسان شيء
من العجز والتعب، وكذلك أيضا يكون فيها مشقة من الناحية المالية؛
كمسألة الزكاة ومسألة الحج، فالطاعات فيها شيء من المشقة على النفس
والبدن، فتحتاج إلى صبر، وإلى معاناة قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[آل عمران:200] .
الأمر الثاني:
الصبر عن محارم الله بحيث يكف الإنسان نفسه عما حرم الله عليه، لأن
النفس الأمارة بالسوء تدعو إلى السوء، فيُصَبِّر الإنسان نفسه,مثل
الكذب، والغش في المعاملات، وأكل المال بالباطل بالربا أو غيره، والزنا،
وشرب الخمر، والسرقة، وما أشبه ذلك من المعاصي الكثيرة.
فيحبس الإنسان نفسه عنها حتى لا يفعلها، وهذا يحتاج أيضاً إلى معاناة، ويحتاج إلى كف النفس والهوى.
أما الأمر الثالث: فهو الصبر على أقدار الله المؤلمة؛ لأن أقدار الله- عز وجل- على الإنسان ملائمة ومؤلمة.
الملاءمة: تحتاج إلى الشكر، والشكر من الطاعات؛ فالصبر عليه من النوع الأول.
ومؤلمة:
بحيث لا تلائم الإنسان تكون مؤلمة؛ فيُبتلى الإنسان في بدنه،ويُبتلى
في ماله بفقده. ويُبتلى في أهله، ويُبتلى في مجتمعه ، وأنواع
البلايا كثيرة تحتاج إلى صبر ومعاناة فيُصَبِّرُ الإنسان نفسه عما
يحرُمُ عليه من إظهار الجزع باللسان، أو بالقلب، أو بالجوارح لأن الإنسان عند حلول المصيبة له أربع حالات:
الحالة الأولى: أن يتسخَّط.
والحالة الثانية: أن يصبر.
والحالة الثالثة: أن يرضى.
والحالة الرابعة: أن يشكر.
هذه أربع حالات تكون للإنسان عندما يصاب بالمصيبة.
أما الحال الأولى: أن يتسخط إما بقلبه، أو بلسانه، أو بجوارحه.
التسخط بالقلب:
أن يكون في قلبه- والعياذ بالله- شيء على ربه من السخط والشرَه على
الله- والعياذ بالله- وما أشبهه. ويشعر وكأن الله قد ظلمه بهذه
المصيبة.
وأما السخط باللسان: فأن يدعو بالويل والثبور، يا ويلاه ويا ثبوراه، وأن يسب الدهر فيؤذي الله- عز وجل- وما أشبه ذلك.
وأما التسخط بالجوارح: مثل أن يلطِمَ خده، أو يصفَع رأسه، أو ينتف شعره، أو يشقَّ ثوبه وما أشبه هذا.
هذا حال السخط، حال
الهلِعِينَ الذين حُرموا الثواب، ولم ينجوا من المصيبة، بل الذين
اكتسبوا الإثم فصار عندهم مصيبتان، مصيبة في الدين بالسخط، ومصيبة في
الدنيا بما أتاهم مما يؤلمهم.
أما الحال الثانية:
فالصبر على المصيبة بأن يحبس نفسه، هو يكره المصيبة ، ولا يحبها، ولا
يحب أن وقعت ، لكن يُصَبِّرُ نفسه؛ لا يتحدث باللسان بما يُسخط
الله، ولا يفعل بجوارحه ما يُغضب الله، ولا يكون في قلبه شيء على
الله أبدا، فهو صابر لكنه كاره لها.
والحال الثالثة: الرضا؛ بأن يكون الإنسان منشرحا صدره بهذه المصيبة، ويرضى بها رضاء تاماً وكأنه لم يصب بها.
والحالة الرابعة: الشكر؛ فيشكر الله عليها، وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا رأى ما يكرهُ قال: ((الحمد لله على كل حال))(101).
فيشكر الله من أجل أن الله يرتب له من الثواب على هذه المصيبة أكثر مما أصابه.
ولهذا يذكر عن بعض العابدات أنها أُصيبت في أصبعها، فحمدت الله على ذلك، فقالوا لها: كيف تحمدين الله والأصبع قد أصابه ما أصابه، قالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها. والله الموفق.
ثم ساق المؤلف- رحمه الله تعالى- الآيات التي فيها الحثُّ على الصبر والثناء على فاعليه، فقال: وقول الله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:200]، فأمر الله المؤمنين بمقتضى إيمانهم، وبشرف إيمانهم بهذه الأوامر الأربعة: ﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[آل عمران:200].
فالصبر عن المعصية، والمصابرة على الطاعة، والمرابطة كثرة الخير وتتابع الخير، والتقوى تعم ذلك كله.﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
فاصبروا عن محارم الله: لا تفعلوها ، تجنبوها ولا تقربوها.
ومن المعلوم
أن الصبر عن المعصية لا يكون إلا حيث دعت إليه النفس، أما الإنسان
الذي لم تطرأ على باله المعصية فلا يقال إنه صبر عنها، ولكن إذا دعتك
نفسك إلى المعصية فاصبر، واحبس النفس.
وأما المصابرة فهي على الطاعة؛ لأن الطاعة فيها أمران:
الأمر الأول: فعل يتكلف به الإنسان ويُلزمُ نفسه به.
والأمر الثاني: ثقلٌ على النفس، لأن فعل الطاعة كترك المعصية ثقيل على النفوس الأمارة بالسوء.
فلهذا كان الصبر على الطاعة أفضل من الصبر عن المعصية؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَصَابِرُوا﴾ كأن أحدًا يُصابرك كما يصابر الإنسان عدوه في القتال والجهاد.
وأما المرابطة فهي كثرة الخير والاستمرار عليه، ولهذا جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
﴿ألا
أخبرُكُم بما يَمحو اللَّهُ بِهِ الخطايا ، ويرفعُ بِهِ الدَّرجاتِ :
إسباغُ الوضوءِ علَى المَكارِهِ ، وَكَثرةُ الخُطا إلى المساجِدِ ،
وانتظارُ الصَّلاةِ بعدَ الصَّلاةِ ، فذلِكُمُ الرِّباطُ ، فذلِكُمُ الرِّباطُ ، فذلِكُمُ الرِّباطُ﴾ الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 143
خلاصة حكم المحدث:صحيح-الدرر السنية
﴿ فذلكم الرباط﴾ لأن فيه استمرار في الطاعة وكثرة لفعلها.
وأما التقوى فإنها تشمل ذلك كله، لأن التقوى اتخاذ ما يقي من عقاب الله، وهذا يكون بفعل الأوامر واجتناب النواهي.
وعلى هذا فعطفها على ما سَبَقَ من باب عطف العام على الخاص، ثم بيَّن الله- سبحانه وتعالى- أن القيام بهذه الأوامر الأربعة سبب للفلاح فقال : ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
والفلاح كلمة جامعة تدور على شيئين: على حصول المطلوب، وعلى النجاة من المرهوب. فمن اتقى الله- عز وجل- حصل له مطلوبه ونجا من مرهوبه.
وأما الآية الثانية فقال- رحمه الله- وقوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ
وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾[البقرة:155] ، هذه الآية فيها قَسَم من الله- عز وجل - أن يختبر العباد بهذه الأمور.
هنا
مجلس رقم 16
8صفر 1435
﴿هَٰؤُلَاءِ
قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ لَّوْلَا يَأْتُونَ
عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ۖ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى
اللَّهِ كَذِبًا ﴾(15) الكهف
قوله تعالى: {هَؤُلاَءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} يشيرون إلى وجهة نظرهم في انعزالهم عن قومهم، قالوا: {هَؤُلاَءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا} أي صيَّروا آلهة من دون الله، عبدوها من دون الله.
{لَوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} يعني هلاَّ {يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ} أي على هذه الآلهة، أي: على كونها آلهة
وكونهم يعبدونها. فالمطلوب منهم شيئان:
1 ـ أن يثبتوا أن هذه آلهة.
2 ـ أن يثبتوا أن عبادتَهم لها حق، وكلا الأمرين مستحيل.
{بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} السلطان كلُّ ما للإنسان به سُلطة، قد يكون المراد به الدليل مثل قوله تعالى:{إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} [يونس: 68] ، وقد يكون المراد به القوة والغلبة مثل قوله تعالى عن الشيطان: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ *} [النحل: 100] وقد يكون الحجة والبرهان كمافي قوله تعالى:
{بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} أي بحجة ظاهرة يكون لهم بها سُلطة؛ ولهذا قالوا:
{هَؤُلاَءِ
قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلاَ يَأْتُونَ
عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنِ افْتَرَى عَلَى
اللَّهِ كَذِبًا *} الفاء للتفريع، مَن: استفهام بمعنى النفي،
أي لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذباً، واعلم أن الاستفهام إذا
ضُمِّن معنى النفي صار فيه زيادة فائدة، وهي أنه يكون مُشْرَباً معنى
التحدي لأن النفي المجرد لا يدل على التحدي، لو قلت: «ما قام زيد»،
ما فيه تحدي، لكن لو قلت: « فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا» فهذا تحدي، كأنك تقول: أخبرني أو أوجد لي أحداً أظلم ممن افترى على الله كذباً.
فقوله: {هَؤُلاَءِ
قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلاَ يَأْتُونَ
عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنِ افْتَرَى عَلَى
اللَّهِ كَذِبًا *} أي من أشد ظلماً ممن افترى على الله كذباً
في نسبة الشريك إليه وغير ذلك، كل من افترى على الله كذباً فلا أحد
أظلم منه، أنت لو كذبت على شخص لكان هذا ظلماً، وعلى شخص أعلى منه
لكان هذا ظلماً أعلى من الأول، فإذا افتريت كذباً على اللهِ صار لا
ظلم فوق هذا، ولهذا قال تعالى: {هَؤُلاَءِ
قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلاَ يَأْتُونَ
عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنِ افْتَرَى
عَلَى اللَّهِ كَذِبًا *} ، فإن قال قائل: «نجد أن الله تعالى يقول: {هَؤُلاَءِ
قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلاَ يَأْتُونَ
عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنِ افْتَرَى عَلَى
اللَّهِ كَذِبًا *} ويقول: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}
[البقرة: 114] . وأظلم تدل على اسم التفضيل، فكيف الجمع؟». نقول: إن
الجمع هو أنها اسم تفضيل في نفس المعنى الذي وردت به، فمثلاً: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}
: أي لا أحد أظلم منعاً ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وفي
الكذب، أي الكذب أظلم؟ الكذب على الله، فتكون الأظلمية هنا بالنسبة
للمعنى الذي سيقت فيه، ليست أظلمية مطلقة لأنها لو كانت أظلمية
مُطلَقاً لكان فيه نوع من التناقض، لكن لو قال قائل: «ألا يمكن أن تقول إنها اشتركت في الأظلمية؟ يعني هذا أظلم شيء وهذه أظلم شيء»؟.
فالجواب:
لا يمكن، لأنه لا يمكن أن تقرن بين من منع مساجد الله أن يذكر فيها
اسمه، وبين من افترى على الله كذباً، فإن الثاني أعظم، فلا يمكن أن
يشتركا في الأظلمية، وحينئذٍ يتعين المعنى الأول، أن تكون الأظلمية
بالنسبة للمعنى الذي سيقت فيه.
تفسير العثيمين
لما
ذكروا ما من الله به عليهم من الإيمان والهدى والتقوى, التفتوا إلى ما
كان عليه قومهم, من اتخاذ الآلهة من دون الله, فمقتوهم, وبينوا أنهم
ليسوا على يقين من أمرهم, بل في غاية الجهل والضلال فقالوا: " لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ " أي: بحجة وبرهان, على ما هم عليه من الباطل, ولا يستطيعون سبيلا إلى ذلك, وإنما ذلك, افتراء منهم على الله, وكذب عليه.
وهذا أعظم الظلم, ولهذا قال: " فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا "
تفسير السعدي
{15}
هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا
يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ
افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هَؤُلَاءِ قَوْمنَا اِتَّخَذُوا مِنْ دُونه آلِهَة لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّن
} يَقُول عَزَّ ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيلَ الْفِتْيَة مِنْ أَصْحَاب
الْكَهْف : هَؤُلَاءِ قَوْمنَا اِتَّخَذُوا مِنْ دُون اللَّه آلِهَة
يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونه { لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّن
} يَقُول : هَلَّا يَأْتُونَ عَلَى عِبَادَتهمْ إِيَّاهَا بِحُجَّةٍ
بَيِّنَة . وَفِي الْكَلَام مَحْذُوف اُجْتُزِئَ بِمَا ظَهَرَ عَمَّا
حُذِفَ , وَذَلِكَ فِي قَوْله : { لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّن
} فَالْهَاء وَالْمِيم فِي عَلَيْهِمْ مِنْ ذِكْر الْآلِهَة ,
وَالْآلِهَة لَا يُؤْتَى عَلَيْهَا بِسُلْطَانٍ , وَلَا يُسْأَل
السُّلْطَان عَلَيْهَا , وَإِنَّمَا يُسْأَل عَابِدُوهَا السُّلْطَان
عَلَى عِبَادَتِهُمُوهَا , فَمَعْلُوم إِذْ كَانَ الْأَمْر كَذَلِكَ ,
أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَى عِبَادَتِهُمُوهَا ,
وَاتِّخاذِهُموهَا آلِهَة مِنْ دُون اللَّه بِسُلْطَانٍ بَيِّن .
وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى السُّلْطَان , قَالَ أَهْل
التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17281 - حَدَّثَنَا بِشْر ,
قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّن } يَقُول : بِعُذْرٍ بَيِّن .
{15} هَؤُلَاءِ
قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ
بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ
كَذِبًا وَعَنَى بِقَوْلِهِ عَزَّ ذِكْره : { فَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا }
وَمَنْ أَشَدّ اِعْتِدَاء وَإِشْرَاكًا بِاَللَّهِ , مِمَّنْ اِخْتَلَقَ
, فَتَخَرَّصَ عَلَى اللَّه كَذِبًا , وَأَشْرَكَ مَعَ اللَّه فِي
سُلْطَانه شَرِيكًا يَعْبُدهُ دُونه , وَيَتَّخِذهُ إِلَهًا .
تفسير ابن كثير