مشاركة رقم : 1 = هنا =
سورة المُلك مكية.
*بيان معنى مصطلح : المكي ،والمدني .
هو اصطلاح أطلقه العلماء ليميزوا بين الآيات والسور التي نزلت في المرحلة المكية للدعوة الإسلامية ، وبين ما نزل في المرحلة المدنية ، فاشتهر بين أكثر أهل العلم هذا التقسيم ، وجعلوا مناطَهُ ومدارَهُ على الزمانِ ، وليس على المكانِ :
فالمكيُّ من الآيات والسور : ما نزل قبل الهجرة النبوية ، سواء كان في مكة أو ضواحيها.
والمدني من الآيات والسور : ما نزل بعد الهجرة النبوية ، سواء كان مكان نزوله المدينة ، أو مكة بعد فتحها ، أو أي مكان في الجزيرة ذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم . الإسلام سؤال وجواب -
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" يتميز القسم المكي عن المدني من حيث الأسلوب والموضوع :
أ- أما من حيث الأسلوب فهو :
1- الغالب في المكي قوة الأسلوب ، وشدة الخطاب ؛ لأن غالب المخاطبين مُعْرِضُون مُسْتَكْبِرُون ، ولا يليق بهم إلا ذلك- الأسلوب الشديد- ، أقرأ سورتي المدثر ، والقمر .
أما المدني : فالغالب في أسلوبه اللين ، وسهولة الخطاب ؛ لأن غالب المخاطبين مقبلون منقادون ، اقرأ سورة المائدة .
2- الغالب في المكي: قصر الآيات ، وقوة المحاجة ؛ لأن غالب المخاطبين معاندون مشاقون ، فخوطبوا بما تقتضيه حالهم ، اقرأ سورة الطور .
أما المدني : فالغالب فيه طول الآيات ، وذكر الأحكام مرسلة بدون محاجة ؛ لأن حالهم تقتضي ذلك ، اقرأ آية الدَّين في سورة البقرة .
ب- وأما من حيث الموضوع فهو :
1- الغالب في المكي تقرير التوحيد والعقيدة السليمة ، خصوصًا ما يتعلق بتوحيد الألوهية والإيمان بالبعث ؛ لأن غالب المخاطَبين ينكرون ذلك .
أما المدني :
- فالغالب فيه تفصيل العبادات والمعاملات ؛ لأن المخاطبين قد تقرر في نفوسهم التوحيد والعقيدة السليمة ، فهم في حاجة لتفصيل العبادات والمعاملات.
- الإفاضة في ذكر الجهاد وأحكامه ،والمنافقين وأحوالهم في القسم المدني لاقتضاء الحال ، ذلك حيث شُرع الجهاد وظهر النفاق ، بخلاف القسم المكي " انتهى.
"أصول التفسير" ص/13. الإسلام سؤال وجواب -ومصادر أخرى
أما السور المدنية : فذكروا أن أَوَّل ما نزل بالمدينة : سورة البقرة ، ثم سورة الأَنفال ، ثم سورة آل عمران .....
قال الفيروز آبادي رحمه الله :
" فهذه جملة ما نزل بالمدينة . ولم نذكر الفاتحة لأَنَّه مختلَف فيها.
الإسلام سؤال وجواب -
*فضل التمسك وتلاوة القرآن الكريم حق التلاوة:
هو كلام الله المُنَزَّل على رسوله محمَّدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - المتعبَّدُ بتلاوته،المكتوبُ في المصاحف، المَحفوظ في الصُّدور.
من قال به صدَق، ومَن حكَم به عدَل، ومن دَعا إليه فقد هُدي إلى صراطٍ مستقيم.
* - أَبشِروا أليس تشهدون أن لا إله إلا اللهُ ، و أني رسولُ اللهِ ؟ قالوا : بلى : قال : إنَّ هذا القرآنَ سببٌ طرفُه بيدِ اللهِ ، و طرفُه بأيديكم ، فتمسَّكوا به ؛ فإنكم لن تضِلُّوا ولن تهلِكوا بعده أبدًا"
الراوي: أبو شريح العدوي الخزاعي الكعبي-المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 38 خلاصة حكم المحدث: صحيح درر -
عن جابر ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " القرآنُ شافعٌ مشفَّع ، وماحِلٌ مصدَّق ، مَنْ جعله أمامَه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار " .
الماحِلُ: المجادلُ لصاحبه لما يتبع ما فيه.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : القرآن .. يشفع لمن أحل حلاله وحرم حرامه واستقام على تعاليمه.هنا-
"اقْرَؤوا القرآنَ . فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابِهِ . اقرَؤوا الزَّهرَاوَين : البقرةَ وسورةَ آلِ عمرانَ . فإنهما تأتِيان يومَ القيامةِ كأنهما غَمامتانِ . أو كأنهما غَيايتانِ . أو كأنهما فِرْقانِ من طيرٍ صوافَّ . تُحاجّان عن أصحابهما . اقرَؤوا سورةَ البقرةِ . فإنَّ أَخْذَها بركةٌ . وتركَها حسرةٌ . ولا يستطيعُها البَطَلَةُ"الراوي : أبو أمامة الباهلي - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 804 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر -
"شفيعًا لأصحابِهِ"، أي: يَشْفَعُ لِقَارِئِيهِ، الَّذين يَقرؤونه مُتَدَبِّرِينَ له، عامِلين بما فيه.
وفي الحَديثِ: الحثُّ على قِراءَةِ القُرآنِ، وفَضيلةُ سُورَةِ البقَرةِ وآلِ عِمرانَ، وعظم سورة البقرة خُصوصًا.- الدرر -
"ما أصابَ عبدًا همٌّ ولا حزَنٌ ، فقالَ : اللَّهمَّ إنِّي عبدُكَ ، وابنُ عبدِكَ ، وابنُ أمتِكَ ، ناصِيتي بيدِكَ ، ماضٍ فيَّ حُكمُكَ ، عدلٌ فيَّ قضاؤُكَ ، أسألُكَ بِكُلِّ اسمٍ هوَ لَكَ ، سمَّيتَ بهِ نفسَكَ ، أو أنزلتَهُ في كتابِكَ ، أو علَّمتَهُ أحدًا مِن خلقِكَ ، أوِ استأثَرتَ بهِ في عِلمِ الغَيبِ عندَكَ ، أن تَجعلَ القرآنَ ربيعَ قَلبي ، ونورَ صَدري ، وجلاءَ حُزْني ، وذَهابَ هَمِّي ، إلَّا أذهبَ اللَّهُ همَّهُ وحزنَهُ ، وأبدلَهُ مَكانَهُ فرجًا"
الراوي : عبدالله بن مسعود- المحدث : الألباني- المصدر : الكلم الطيب-الصفحة أو الرقم- 124 خلاصة حكم المحدث : صحيح –الدرر-
*قال تعالى "قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ ْ" وهو القرآن، يُستضاء به في ظلمات الجهالة وعماية الضلالة. " وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ْ" لكل ما يحتاج الخلق إليه من أمور دينهم ودنياهم. من العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ومن العلم بأحكامه الشرعية وأحكامه الجزائية. .تفسير الشيخ السعدي -
اللهم اجعل القرآنَ ربيعَ قلوبِنا، ونورَ صدورِنا، وجلاءَ أحزانِنا ، اللهم اجعله شفيعًا لنا ، وشاهدًا لنا لا شاهدًا علينا ،ونسأل الله العافية في الدنيا والآخرة.
فللقرآن وتلاوته فضائل لا تعدّ ولا تُحصى، فقد بيّن لنا النبي أجر قراءة حرف من القرآن فهو بعشر حسنات، كذلك ما للقرآن من آثار نفسية عميقة في قرارة نفوسِنَا فهو أفضل الحلول للتخلّص من الهمّ والغمّ، ومن فضائل القرآن أنه نور في الحياة وفي الممات ويوم القيامة، وإن كان الله جعل للقرآن تلك الخصال الفريدة فقد خصّ بعض السور بشيء من الفضل، والتي نذكر منها سورة الملك.
*سورة الملك هي سورة من سور القرآن العظيم، و هي السورة السابعة والستون في ترتيب المصحف الشريف.
فضل سورة المُلْك :
-" إنَّ سورةً منَ القرآنِ ثلاثونَ آيةً شفعَت لرجلٍ حتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهيَ سورَةُ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ"
الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2891 - خلاصة حكم المحدث : حسن- الدرر السنية
"كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لاينامُ حتَّى يقرأ بـ تَنزيل السَّجدةِ وبـ تبارَك"الراوي : جابر بن عبدالله- المحدث : الألباني- المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم- 3404 خلاصة حكم المحدث :صحيح- الدرر-
- "كَانَ لا يَنامُ حتى يقرأَ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ ، و تَبارَكَ الذي بيدِهِ الملكُ"الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : الألباني - المصدر : السلسلة الصحيحة-الصفحة أو الرقم: 585 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر-
°مناسبة بداية سورة المُلك، للسورة التي قبلها وهي سورة التحريم :
قال تعالى في ختام سورة التحريم"
"ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12) "سورة التحريم.
التفسير:
قال "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا " أي : في مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم ، أن ذلك لا يجدي عنهم شيئًا ولا ينفعهم عند الله ، إن لم يكن الإيمان حاصلا في قلوبهم ، ثم ذكر المثل فقال " امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ" أي : نبيين رسولين عندهما في صحبتها ليلا ونهارا يؤاكلانهما ، ويضاجعانهما ، ويعاشرانهما أشد العشرة والاختلاط "فَخَانَتَاهُمَا" أي : في الإيمان ، لم يوافقاهما على الإيمان ، ولا صدقاهما في الرسالة ، فلم يجد ذلك كله شيئًا ، ولا دفع عنهما محذورًا ; ولهذا قال " فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا " أي : لكفرهما ، "وَقِيلَ" أي : للمرأتين "ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ" وليس المراد "فَخَانَتَاهُمَا" في فاحشة ، بل في الدين ، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة ; لحرمة الأنبياء ، كما قدمنا في سورة النور .
قال سفيان الثوري ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سليمان بن قتة : سمعت ابن عباس يقول في هذه الآية "فَخَانَتَاهُمَا" قال : ما زنتا ، أما امرأة نوح فكانت تخبر أنه مجنون ، وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدل قومها على أضيافه .
- وقال الضحاك ، عن ابن عباس : ما بغت امرأة نبي قط ، إنما كانت خيانتهما في الدين .تفسير ابن كثير -
"وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا .....وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ " وهذا وصف لها بالعلم والمعرفة، فإن التصديق بكلمات الله، يشمل كلماته الدينية والقدرية، والتصديق بكتبه، يقتضي معرفة ما به يحصل التصديق، ولا يكون ذلك إلا بالعلم والعمل، ولهذا قال تعالى" وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ " أي: المطيعين لله، المداومين على طاعته بخشية وخشوع، وهذا وصف لها بكمال العمل، فإنها رضي الله عنها صديقة، والصديقية: هي كمال العلم والعمل.تفسير الشيخ السعدي-
° فَوَجْهُ مُنَاسَبَتِهَا- أي سورة الملك- لِمَا قَبْلَهَا :
لَمَّا كَانَ قَدْ أَوْقَعَ فِي آخِرِ سُورَةِ التَّحْرِيمِ مَا فِيهِ أَعْظَمَ عِبْرَةٍ لِمَنْ تَذَكَّرَ، وَأَعْلَى آيَةٍ لِمَنِ اسْتَبْصَرَ، مِنْ ذِكْرِ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنَ قَدْ بَعَثَهُمَا اللَّهُ - تَعَالَى رَحْمَةً لِعِبَادِهِ - وَاجْتَهَدَا فِي دُعَاءِ الْخَلْقِ، فَحَرَّمَ الِاسْتِنَارَةَ بِنُورِهِمَا وَالْعِيَاذُ بِهُدَاهُمَا مَنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ جِنْسِهِمَا أَقْرَبُ إِلَيْهِمَا مِنْهُ وَلَا أَكْثَرَ مُشَاهَدَةً لِمَا مَدَّا بِهِ مِنَ الْآيَاتِ وَعَظِيمِ الْمُعْجِزَاتِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، ثُمَّ أَعْقَبَتْ هَذِهِ الْعِظَةُ بِمَا جَعَلَ فِي طَرَفٍ مِنْهَا وَنَقِيضٍ مِنْ حَالِهَا، وَهُوَ ذِكْرُ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ الَّتِي لَمْ يَغُرَّهَا مُرْتَكَبُ صَاحِبِهَا وَعَظِيمُ جُرْأَتِهِ مَعَ شِدَّةِ الْوَصْلَةِ وَاسْتِمْرَارِ الْأُلْفَةِ لِمَا سَبَقَ لَهَا فِي الْعِلْمِ الْقَدِيمِ مِنَ السَّعَادَةِ وَعَظِيمِ الرَّحْمَةِ فَقَالَتْ: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَحَصَلَ فِي هَاتَيْنِ الْقِصَّتَيْنِ تَقْدِيمُ سَبَبِ رَحْمَةٍ حَرَّمَ التَّمَسُّكَ بِهِ أَوْلَى النَّاسِ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ وَتَقْدِيمُ سَبَبِ امْتِحَانٍ عَصَمَ مِنْهُ أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَى التَّوَرُّطِ - فِيهِ، ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِقِصَّةٍ عَرِيَتْ عَنْ مِثْلِ هَذَيْنِ - السَّبَبَيْنِ - وَانْفَصَلَتْ فِي مُقَدِّمَاتِهَا عَنْ تَيْنِكَ الْقِصَّتَيْنِ، وَهُوَ ذِكْرُ مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ لِيَعْلَمَ الْعَاقِلُ حَيْثُ يَضَعُ الْأَسْبَابَ، وَأَنَّ الْقُلُوبَ بِيَدِ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ، أَعْقَبَ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ الْحَقِّ" تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" وَإِذَا كَانَ الْمَلِكُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِيَدِهِ الْمُلْكُ فَهُوَ الَّذِي يُؤْتِي الْمُلْكَ وَالْفَضْلَ مَنْ يَشَاءُ وَيَنْزِعُهُ مِمَّنْ يَشَاءُ وَيَعِزُّ مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْآيَةُ الْأُخْرَى فِي آلِ عِمْرَانَ ، فَقَدِ اتَّضَحَ اتِّصَالُ سُورَةِ الْمُلْكِ بِمَا قَبْلَهَا ثُمَّ بُنِيَتْ سُورَةُ الْمُلْكِ عَلَى التَّنْبِيهِ وَالِاعْتِبَارِ بِبَسْطِ الدَّلَائِلِ وَنَصْبِ الْبَرَاهِينِ حَسْبَمَا يُبْسِطُهُ التَّفْسِيرُ - انْتَهَى.
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور-
=فوجه المناسبة - بصيغة أخرى- بين آخر سورة التحريم وأول سورة الملك ،هو أنه سبحانه لما ضرب مثلًا للكفار بتينك المرأتين- "امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ" - المحتوم عليهما بالشقاوة ؛وإن كانتا تحت نَبِيينِ، ومثلًا للمؤمنين آسية ومريم ، وهما محتوم لهما بالجنة ؛وإن كان قومُهما كافرِينَ ،كان ذلك تصرفًا في ملكِهِ سبحانه على ما سبق قضاؤه .البحرالمحيط ،أبو حيان محمد بن يوسف- هنا=
=ووجه آخر للمناسبة:
لما خُتمت سورة التحريم بقول الله تعالى " وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ " جاءت بداية سورة تبارك مناسبة لها، حيث أن كلمة تبارك تعني تنزيه الله جل وجلاله عن صفات المخلوقين كالإنجاب، والولد ، ويشعرنا ذلك أن تبارك تنفي ما ادعاه النصارى بأن عيسى عليه السلام ابن الله، ببيان حقيقة مريم بنت عمران.
كما أن سورة الملك قد احتوت مشاهد من يوم القيامة ومن عذاب أهل النار، وكذلك سورة التحريمهنا =.
"اللَّهمَّ مُصرِّفَ القلوبِ صرِّف قلوبَنا على طاعتِكَ"
الراوي : عبدالله بن عمرو- المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2654 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر السنية-
"يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ"
الراوي : شهر بن حوشب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3522 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية-
لمريد شرح الحديث - هنا -
"رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ"آل عمران 8.
°لاتوجد سورة بُدِأت بكلمة تبارك سوى سورة الفرقان "تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا " وسورة الملك"تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ" .
هذه السورة العظيمة:
تعالج مسألة العقيدة وتوحيد الله ،ووصف معالم مُلْك الله ، وعظمة صنعه ، وسعة ملكوته ، والسورة تدور رحاها عن ملك الله من جوانبه المتعددة
فيها ذكر جملة من أسماء الله وصفاته،وفيها ذكر الغاية من خلق الموت والحياة، وفيها الحث على التفكر في السماء وما فيها من الآيات الباهرات، وفيها ذكر مآل شياطين الجن والإنس ، إلى غير ذلك من المعاني العظيمة التي يحيا بتذكرها القلب، فما أحوج المسلم إلى تدبر هذه السورة المباركة.
هنا- الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم .-
واشتملت على آيات تغرس في نفس المؤمن الذي يداوم على تلاوتها وتدبر معانيها الخشية بالغيب، الخشية من الله سبحانه وتعالى بالغيب. تؤسس الخشية بالغيب آية بعد آية بطريقة عملية.
ولذا جاءت هذه الخشية مبنية على أساس التعرف على الله سبحانه وتعالى وآياته، فكلما ازددتَ معرفة به سبحانه كلما ازددت تعرفًا على صفاته وأسمائه ،و ازددت استشعارًا لعظيم قدرته ورحمته سبحانه وتعالى ،وازددت خشية له، ولذا جاء في قول الله عز وجل "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ "28 فاطر .بالعلم والمعرفة بالله سبحانه وتعالى تزيد الخشية. لذا بدأت السورة المكية بقوله سبحانه وتعالى "تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" لنتعرف على الله وصفاته فله عز وجل في علاه القدرة التامة على التصرف في ملكوته، هبة ومنعًا وعطاء وأخذًا وردًا وإزالة وإقامة مُلك كامل ،وهو قادر على تحقيق هذا الملك سبحانه وتعالى، فكل ما في هذا الملكوت: الإنسان الشجر الطير ،لا تخرج عن إرادته سبحانه وتعالى بأي حال من الأحوال، حتى القَطْرة التي نشرب، حتى الطير الذي يحلّق بجناحيه في الفضاء ؛لا يستطيع أن يُفرد جناحيه ويقبض الجناحين إلا بإرادته سبحانه، هو الذي علَّم هو الذي أعطى، هو الذي وهب، هو الذي منح، حتى أنفاس الحياة هو سبحانه من يمنحها. هذا الملك العظيم الواسع بيده سبحانه وتعالى ولا يخرج عن قدرته عز وجل.
"تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"
*عناصر السورة:
سورة الملك كسائر السور المكية تُعْنَى بأصولِ العقيدةِ الأساسية، وهي إثبات وجود الله، وعظمته، وقدرته على كل شيء والاستدلال على وحدانيته، والإخبار عن البعث والحشر والنشر.
بُدِأت بالحديث عن تمجيد الله سبحانه، وإظهار عظمته، وتفرده بالملك والسلطان، وهيمنته على الأكوان، وتصرفه في الوجود بالإحياء والإماتة "الآيات: 1- 2" .
ثم أكدت الاستدلال على وجود الله عز وجل بخلقه السموات السبع، وما زيّنها به من الكواكب والنجوم المضيئة، وتسخيرها لرجم الشياطين ونحو ذلك من مظاهر قدرته وعلمه "الآيات: 3- 5" مما يدل على أن نظام العالم نظام مُحكم لا خلل فيه ولا تغاير.
ومن مظاهر قدرته تعالى: إعداد عذاب جهنم للكافرين، وتبشير المؤمنين بالمغفرة والأجر الكبير، وبذلك جمع بين الترهيب والترغيب على طريقة القرآن الكريم "الآيات: 6- 12" .
ومن مظاهر علمه وقدرته ونعمه: علمه بالسر والعلن، وخلقه الإنسان - ،ورزقه، وتذليل الأرض للعيش الهني عليها وحفظها من الخسف، وحفظ السماء من إنزال الحجارة المحرقة المدمرة للبشر، كما دمرت الأمم السابقة المكذبة رسلها، وإمساك الطير ونحوها من السقوط، وتحدي الناس أن ينصرهم غير الله إن أراد عذابهم "الآيات: 13- 20" .
وأردفت ذلك في الخاتمة بإثبات البعث، وحصر علمُه بالله تعالى، وإنذار المكذبين بدعوة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وتحذيرهم من إيقاع العذاب بهم، وإعلان وجوب التوكل على الله، والتهديد بتغوير الماء الجاري في الأنهار والينابيع دون أن يتمكن أحد بإجرائه والإتيان ببديل عنه "الآيات: 25- 30" .
والخلاصة: أن السورة إثبات لوجود الله تعالى ووحدانيته ببيان مظاهر علمه وقدرته، وإنذار بأهوال القيامة، وتذكير بنعم الله على عباده، وربط الرزق بالسعي في الأرض ثم التوكل على الله تعالى- بيان عاقبة المكذبين الجاحدين للبعث والنشور ..التفسير المنير للزحيلي* بتصرف.
______________
مشاركة رقم 2 = هنا =
البسملة:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
ومعناها الإجمالي: طلب العون والبركة من الله وأسمائه الحسنى صاحِبِ الرحمة الشاملة والخاصة قبل الشروع في القول أو الفعل.
فالباء للاستعانة والتبرُّك. والمعنى هنا: أستعين وأتبرك بجميع أسماء الله الحسنى؛ لأن المفرد المضاف يفيد العموم، كقوله تعالى" وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ "النحل: 18؛ أي: جميع نعم الله؛ لأن " نِعْمَةَ " مفرد مضاف إلى اسم الجلالة.الألوكة=
ومن تفسير الشيخ السعدي للبسملة: أبتدئ بكل اسم لله تعالى، لأن لفظ "اسم" مفرد مضاف، فيعُم جميع الأسماء الحسنى . ا.هـ = هنا=
ولفظ الجلالة "الله"، هو علم على الذات. = الألوكة =
=قال ابن القيم :
الله أصله الإله ،كما هو قول سيبوبة وجمهور أصحابه إلا من شذ منهم .النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى / ص: 72.
اسم الله مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى دالٌّ عليها.واسم الله دالٌّ على كونه مألوهًا معبودًا ،تألهه الخلائق محبةً وتعظيمًا وخضوعًا، وفزعًا إليه في الحوائج والنوائب، وهذا يستلزم لكمال ربوبيته ورحمته ، المتضمنين لكمال الملك والحمد، وإلهيته وربوبيته ورحمانيته وملكه مستلزم لجميع صفات كماله، إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي ، ولا سميع ، ولا بصير،ولا قادر ...ولا فعال لما يريد ، ولا حكيم في أفعاله.
وصفات الجلال والجمال: أخص باسم "الله"
.شرح ابن القيم لأسماء الله الحسنى .ص: 28 = هنا=
*قول القائل " بسم الله " قبل الشروع في العمل معناه :
أَبتدأُ هذا الفعل مصاحبًا أو مستعينا بـ "اسم الله " ملتمسًا البركة منه.
ويوجد محذوف في عبارة باسم الله قبل البدء بالعمل ، وهذا المحذوف تقديره : أبتدئ عملي باسم الله ، مثل باسم الله أقرأ ، باسم الله أكتب ، باسم الله أركب ، ونحو ذلك . أو ابتدائي باسم الله ، ركوبي باسم الله ، قراءتي باسم الله وهكذا ، ويمكن أن يكون التقدير أيضًا : باسم الله أكتب ، باسم الله أقرأ , فيقدر الفعل مؤخرًا ، وهذا حسن ليحصل التبرك بتقديم اسم الله ، وليفيد الحصر أي أبدأ باسم الله لا باسم غيره .الشيخ محمد صالح المنجد = هنا =
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وإذا كانت البسملة مقصودة عند جمهورِهم فهي وسيلة، إذ قول القارئ بسم الله معناه: بسم الله أقرأ أو أنا قارئ.
ولهذا شُرِعَتِ التسميةُ في افتتاحِ الأعمال كلها، فيسمي الله عند الأكل والشرب ودخول المنزل والخروج منه ودخول المسجد والخروج منه.. وغير ذلك من الأفعال.. وهي عند الذبح من شعائر التوحيد.. فالصلاة والقراءة عمل من الأعمال فافتتحت بالتسمية. انتهى= هنا =
= دعاء الله بـ " اللهم" :
معنى "اللهم" كما يقول ابن القيم:
" ياالله" لذلك لا تستعمل إلا في الطلب ،فلا يقال : اللهم غفور رحيم، بل يُقال: اغفر لي وارحمني.
ونقل ابن القيم عن سيبوبة: أن "الميم" زيدت في آخر اللهم عِوضًا عن حرف النداء "يا" .شرح ابن القيم لأسماء الله الحسنى .ص: 34 = هنا=
"الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"
=ومن تفسير الشيخ السعدي للبسملة:
"الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل حي، وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسلِه. فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة، ومن عداهم فلهم نصيب منها.تفسير السعدي = هنا=
-فالنعم كلها, أثر من آثار رحمته = هنا =
الرحمة المطلقة أي التامة الموجبة للنجاة من النار ودخول الجنة، وهذه الرحمة قد كتبها الله تعالى لعباده المتقين، ومن عداهم من العصاة فلهم نصيب من الرحمة، فهم وإن عُذبوا ببعض ذنوبهم فإن الرحمة تدرك من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان منهم فيخرج من النار برحمة الله تعالى.=هنا=
وفي الدنيا نِعَم اللهِ كلها من آثار رحمته التي تَعُم الجميع - الهواء ،الماء،الرزق، ......
والرحمن يدل على سعة رحمة الله ، والرحيم يدل على إيصالها لخلقه ، فالرحمن : ذو الرحمة الواسعة ، والرحيم : ذو الرحمة الواصلة . الإسلام سؤال وجواب*
قال ابن القيم رحمه الله : "الرَّحْمَنِ: دال على الصفة القائمة به سبحانه ، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم ، فكان الأول للوصف والثاني للفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفته ، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته ، وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله "وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا " الأحزاب 43 . وقوله " إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ "التوبة 117. ولم يجئ قط " رحمن بهم " فعلم أن رحمن هو الموصوف بالرحمة ، ورحيم هو الراحم برحمته "ا.هـ بدائع الفوائد : 1/ 24 ..شرح ابن القيم لأسماء الله الحسنى .ص: 37 = هنا=
- وبصيغة أخرى:الرَّحْمَنِ صفة للذات -ذات الله - والرَّحِيمِ صفة للفعل . فالله في ذاته بلغت رحمته الكمال ، والرَّحِيمِ دل على أنه يرحم خلقه برحمته- هنا=
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : الرحمن : هو ذو الرحمة الواسعة ؛ لأن فَعْلان في اللغة العربية تدل على السعة والامتلاء ، كما يقال : رجل غضبان ، إذا امتلأ غضبًا .
والله أعلم .
" تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"1
بدأ سبحانه بآية واحدة تعتبر تلخيصًا لكل ما يأتي ،مقدمة شاملة لما يأتي بعدها.فبدأت بإثبات المُلْك الحقيقي المطلق الذي لا يزول لله سبحانه ؛بيده لا بيد غيره، وهذا المُلْك يلازمه البركة والخيرالذي يفيض على المملوكات والخلق، لذا بدأ سبحانه بفعل "تبارك" ،وفعل تبارك يدل على المبالغة في وفرة الخير،وهو في مقام الثناء الذي يقتضي العموم ،فيعم كل صفة كمال لله تعالى، فـ تَبارَكَ:أي سبحانه تعالى تعاظم قدْرُهُ، وهي تدل على غاية الكمال ومنتهى التعظيم والإجلال، ولذا لا يجوز استعمالُها في حقِّ غير اللهِ تعالى.
فيقدس الرب تعالى نفسه ، ويعظمها ، وينزهها عن العيوب والنقائص.عظُمَ قدرُه وعلا جاهُهُ وبعُدُ سلطانُهُ،فلا يماثلُه أحدٌ، ولم يكن له كفوًا أحد.
ومنها البِرْكَة: وهي ثبوت بعض الماء في حفرة ويتوالى الماء على الحفرة ويزداد حتى صار بِرْكَة، لذا سُمي محبس الماء بِرْكَة أي ماء كثيرًا مجتمعًا ، كذلك خير الله ثابت أبدًا لايزول ،ونِعَم اللهِ ، وفضله ثابت لايزول أبدًا مهما سرق العباد ... ، والبَرَكة: ثبوت الخير الإلهي .ومن خيره أن خلق السماوات والأرض، وخلق الخلق وخلق الطير والحشرات خلق كل شيء ، مما نرى له فائدة في حياتنا أو لانرى له فائدة ،حتى نقول بجهلنا لماذا خلق الله كذا ما فائدته ،اعْلَمْ أنَّ كلَّ ما خلقه الله تعالى أنه لحِكَم ومصلحة وإن جهلناها ؛فلم نؤتَى مِنَ العلمِ إلا قليلًا ،قال تعالى " وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" 85 الإسراء .أما الله فقد وسع علمُهُ ما في السموات وما في الأرض. قَالَ تعالى" إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا "98 طه .أَيْ:وَسِعَ عِلْمُهُ كُلَّ شَيْءٍ؛ فَهُوَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يَعْلَمُ الْوُجُودَ كُلَّهُ؛ مِنْ مُبْتَدَئِهِ إِلَى مُنْتَهَاهُ؛ وَمَآلَهُ؛ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا لِلْخَالِقِ الْمُدَبِّرِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في قولة تعالى" تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ "البركة نوعان:
أحدهما: بركةٌ هي فعله سبحانه، والفعل فيها بارك ويتعدى بنفسه تارة وبأداة "على"، وبأداة "في" تارة، والمفعول منها مبارَك.
*فتقول :بارك عليك، وبارك فيك.
والنوع الثاني: بركة تضاف إليه إضافة الرحمة والعزة، والفعل منها: تبارك، ولهذا لا يقال لغيره ذلك، ولا يصلح إلا له -عز وجل-، فهو سبحانه المبارِك وعبده ورسوله المبارَك كما قال المسيح" وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ" سورة مريم"31 ،فمن بارك الله فيه وعليه فهو المبارَك، وأما صفته تبارك فمختصة به تعالى كما أطلق على نفسه بقوله" تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ "سورة الأعراف:54 .ومن هنا قيل معناه:تعالى وتعاظم،وقيل: تبارك تقدس، والقدس الطهارة، وقيل: تَبَارَكَ: أي: باسمه يبارك في كل شيء، وحقيقة اللفظة أن البركة كثرة الخير ودوامه ولا أحد أحق بذلك وصفًا وفعلاً منه -تبارك وتعالى-" بدائع الفوائد :2/185، بتصرف يسير.هنا=
قال الشيخ ابن باز رحمه الله وبارك في آثاره: فلان مُبارك إذا عُرف منه الخير، وأن الله يجري على يديه الخير يقال: مُبارك.=هنا=
فالْبَرَكَةُ: النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ ، حِسِّيَّةً كَانَتْ أَوْ عَقْلِيَّةً، وَكَثْرَةُ الْخَيْرِ وَدَوَامُهُ، وَنِسْبَتُهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ- حِسِّيَّةً- وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِالْمَقَامِ بِاعْتِبَارِ تَعَالِيهِ جَلَّ وَعَلَا عَمَّا سِوَاهُ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ.
وَصِيغَةُ التَّفَاعُلِ- أي :تبارك على وزن تفاعل- لِلْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ . وَعَلَى الثَّانِي -عَقْلِيَّةً- بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ مَا يَفِيضُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَخْلُوقَاتِهِ مِنْ فُنُونِ الْخَيْرَاتِ، وَالصِّيغَةُ -أي صِيغَةُ التَّفَاعُلِ- أي :تبارك على وزن تفاعل- حِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِإِفَادَةِ نَمَاءِ تِلْكَ الْخَيْرَاتِ وَازْدِيَادِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا وَآنًا فَآنًا بِحَسَبِ حُدُوثِهَا أَوْ حُدُوثِ مُتَعَلِّقَاتِهَا. تفسير أبو السعود -هنا-
= بِيَدِهِ الْمُلْكُ:
فيه إثبات اليد لله ،إثباتًا يليق بجلاله ؛من غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ ومن غيرِ تمثيلٍ ولا تكييف .
=التحريف معناه تغيير ألفاظ الأسماء والصفات أو تغيير معانيها، كقول الجهمية في"استوى": استولى،
وكتحريف الأشاعرة والمعتزلة والجهمية لصفات الله تعالى 'مثل قولهم .:المراد باليد النعمة أو القدرة.
=تعطيلٍ:معناه نفي صفات الله تعالى ،وإنكار قيام صفات الله تعالى به أو أسمائه كلها أو بعضها ،،
فالجهمية وأشباههم قد عطلوا الله عن صفاته؛ فلذلك سموا بالمعطلة، وقولهم هذا من أبطل الباطل؛ إذ لا يعقل وجود ذات بدون صفات، والقرآن والسنة متضافران على إثبات هذه الصفات على وجه يليق بجلال الله وعظمته.
تمثيلٍ: هو اعتقاد مشابهة من كل وجه أو مماثلة أي شيء من صفات الله تعالى لصفات المخلوقات.
فالتكييف هو: جعل الشيء على حقيقة معينة من غير أن يقيدها بمماثل.
بل على المؤمن أن يلتزم قوله تعالى "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "الشورى:11.
ومعنى قول أهل السنة"من غير تكييف" أي من غير كيف يعقله البشر، وليس المراد من قولهم"من غير تكييف" أنهم ينفون الكيف مطلقًا؛ فإن كل شيء لابد أن يكون على كيفية ما، ولكن المراد أنهم ينفون علمهم بالكيف؛ إذ لا يعلم كيفية ذاته وصفاته إلا هو سبحانه.شرح العقيدة الواسطية ص: 21. هنا=
"رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا " مريم:65.
أي: هل تعلم لله مساميًا ومشابهًا ومماثلًا من المخلوقين. وهذا استفهام بمعنى النفي، المعلوم بالعقل. أي: لا تعلم له مساميًا ولا مشابهًا، لأنه الرب، وغيره مربوب، الخالق، وغيره مخلوق، الغني من جميع الوجوه، وغيره فقير بالذات من كل وجه، الكامل الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه، وغيره ناقص ليس فيه من الكمال إلا ما أعطاه الله تعالى، فهذا برهان قاطع على أن الله هو المستحق لإفراده بالعبودية، وأن عبادته حق، وعبادة ما سواه باطل، فلهذا أمر بعبادته وحده، والاصطبار لها، وعلل ذلك بكماله وانفراده بالعظمة والأسماء الحسنى.تفسير السعدي .
وهكذا قال سفيان الثوري ، وابن عيينة والأوزاعي ، والإمام أحمد بن حنبل ، والإمام إسحاق بن راهويه ، وغيرهم من أئمة السلف، وهكذا الصحابة والتابعون على هذا الطريق، لا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، ولا يكيفونها، ولا يقولون: كيف كيف؟ بل يقولون: نثبتها لله، على الوجه اللائق بالله، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، بل نقول كما قال سبحانه" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ "الشورى:11، نعم.
الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى .
*ومن أدلة إثبات اليد لله من الكتاب :
قال تعالى" مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ" ص:75.
وقال تعالى "وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ".المائدة 64.
*ومن أدلة إثبات اليد لله من السنة الصحيحة:
"إن اللهَ عز وجل يبسطُ يدَه بالليلِ ، ليتوبَ مسيءُ النهارِ . ويبسطُ يدَه بالنهارِ ، ليتوبَ مسيءُ الليلِ . حتى تطلعَ الشمسُ من مغربِها"الراوي : أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2759 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
شرح الحديث:
رَحمةُ اللهِ وَسِعَت كُلَّ شيءٍ ومِن رَحمتِه أنَّه فَتحَ بابَ التَّوبةِ لعِبادِه باللَّيلِ والنَّهارِ.
وهذا الحديثُ يُبيِّنُ عَظيمَ فَضلِ اللهِ تَعالى وَسَعَةِ رَحمتِه وأنَّه يَقبَلُ التَّوبةَ مِن عِبادِه وإنْ تَأخَّرت بَعدَ ارتِكابِ الذَّنبِ، فالتَّوبةُ وإنْ كانتْ مَأمورًا بِها على الفَورِ إلَّا أَنَّها إذا تَأخَّرت قَبِلَها اللهُ عزَّ وجلَّ، فإنْ أَذنَبَ العَبدُ ذَنبًا بالنَّهارِ وَتابَ باللَّيلِ قَبِلَ اللهُ تَوبَتَه، وإنْ أَذنَبَ ذَنبًا باللَّيلِ وَتابَ بالنَّهارِ قَبِلَ اللهُ تَوبَتَه، وبَسَطَ يَدَه سُبحانَه يَتَلقَّى بِهما تَوبةَ التَّائبِ فَرحًا بِها وقَبولًا لَها. ولا يَزالُ الأَمرُ كَذلكَ بالعِبادِ حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ مِن مَغرِبِها، فإذا طَلعَتْ مِن مَغرِبِها قَبيلَ يَومِ القِيامةِ فإنَّ بابَ التَّوبةِ يُغلَقُ، فلا تُقبَلُ بَعدَ تِلكَ العَلامةِ تَوبةُ أحدٍ.
وفي الحديثِ: مَحبَّةُ اللهِ للتَّوبةِ.
وفيه: إِثباتُ صِفةِ اليدِ للهِ عَزَّ وجلَّ، فنُؤمِن بها مِن غيرِ تَأويلٍ ولا تَمثيلٍ، ومِن غيرِ تَحريفٍ ولا تَعطيلٍ. - الدرر-
*" تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ"
له سبحانه الْمُلْكُ التام من جميع الوجوه،المُلك غير المِلك ،لكن المُلك هو التصرف في المِلك :فالمِلك امتلاك الشيء لكن قد لايستطيع التصرف في مِلْكِهِ كما هو مشاهد ،فالملوك ، والسلاطين ، ملكهم غير تام ؛ لأنه لا يعم المملوكات كلها ، ومعرض للزوال ، وملك الله هو الملك الحقيقي قال الله تعالى "فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ " المؤمنون : 116. أما القدرة المطلقة التامة على التصرف فيه هو المُلْك، فهو سبحانه بيده تصريف الخلق جميعًا بإرادته ؛بأمره. فإرادة الله هي النافذه أبدًا.
وقال تعالى "وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " المائدة 17.
وقال تعالى "فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ "يس 83.
=نستفيد من معرفتنا ذلك : أن نطلب العز والعافية وكل شيء ممن يملكها بحق سبحانه.
فالْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ كَامِلُ الْإِحَاطَةِ .. بِنَاءً عَلَى أَنَّ بِيَدِهِ الْمُلْكُ.
، وَلِاسْتِدْعَاءِ ذَلِكَ اسْتِغْنَاءُ الْمُتَّصِفِ بِهِ- الله- مَعَ افْتِقَارِ الْغَيْرِ إِلَيْهِ - العبد- .
فَلِذَا قِيلَ هُنَا فِي بَيَانِ مَعْنَى الْآيَةِ: تَعَالَى وَتَعَاظَمَ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ ذَاتًا وَصِفَةً وَفِعْلًا، الْكَامِلُ الْإِحَاطَةِ عَلَى كُلِّ مَوْجُودٍ .
"وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"
فهو القادر على كل شيء كما قال تعالى:
"وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ" فاطر 44.
أي إذا أراد إنزال عذاب بقوم لم يعجزه ذلك . إنه كان عليمًا قديرًا .تفسير القرطبي =هنا=
*بيان أهم خصائص هذا المُلك: القدرة المطلقة للموجود ومَا لَمْ يُوجَدْ؛ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقُدْرَةِ "قَدِيرٌ".
@"وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" تَكْمِيلٌ لِذَلِكَ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ الْأُولَى تَدُلُّ عَلَى التَّصَرُّفِ التَّامِّ فِي الْمَوْجُودَاتِ عَلَى مُقْتَضَى إِرَادَتِهِ سُبْحَانَهُ وَمَشِيئَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ وَلَا مُدَافِعٍ لَا مُتَصَرِّفَ فِيهَا غَيْرُهُ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا يُؤْذِنُ بِهِ تَقْدِيمُ الظَّرْفِ وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى الْقُدْرَةِ الْكَامِلَةِ الشَّامِلَةِ، وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْأُولَى لَأَوْهَمَ أَنَّ تَصَرُّفَهُ تَعَالَى مَقْصُورٌ عَلَى تَغْيِيرِ أَحْوَالِ الْمِلْكِ كَمَا يُشَاهَدُ مِنْ تَصَرُّفِ الْمُلَّاكِ الْمَجَازِيِّ، فَقُرِنَتْ بِالثَّانِيَةِ لِيُؤْذِنَ بِأَنَّهُ عَزَّ سُلْطَانُهُ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ وَعَلَى إِيجَادِ الْأَعْيَانِ الْمُتَصَرِّفِ فِيهَا وَعَلَى إِيجَادِ عَوَارِضِهَا الذَّاتِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَمِنْ ثَمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِالْوَصْفِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْعَوَارِضِ اخْتَارَ فِي الْقَرِينَةِ الْأُولَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيهَا مِنَ التَّخْصِيصِ بِالْمَوْجُودِ :
فَقَالَ: أَيْ تَعَالَى وَتَعَاظَمَ عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ عَلَى كُلِّ مَوْجُودٍ لِمَا سَمِعْتَ، وَفِي الثَّانِيَةِ التَّخْصِيصُ بِالْمَعْدُومِ فَقَالَ"وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" مَا لَمْ يُوجَدْ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقُدْرَةِ قَدِيرٌ.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ "وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "عَامٌّ لِمَا وُضِعَ لَهُ الشَّيْءُ فَيَكُونُ قَدْ قَصَدَ بَيَانَ الْقُدْرَةِ أَوَّلًا وَعُمُومَهَا ثَانِيًا،
مقتبس من تفسير الألوسي .و تفسير الشيخ عبد البديع أبو هاشم رحمه الله.ومصادر أخرى.
" تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"
*تدل الآية على أمورٍ ثلاثة: أن الله تعالى وتعاظم عن -صفة له سبحانه - كل ما سواه من المخلوقات، وأنه المالك المتصرف في السموات والأرض في الدنيا والآخرة، وهو صاحب القدرة -العامة- التامة والسلطان المطلق على كل شيء.
*ومن مظاهر قدرته وعلمه قوله سبحانه:
" الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ "الملك 2.
@قال تعالى في سورة النجم:
"وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى "31 : النجم .
أي إنه تعالى مُوجِد الموت والحياة ومقدرهما من الأزل، وهو الذي جعل البشر عقلاء ليدركوا معاني التكليف ويقوموا به، وليعاملهم معاملة المختبِر لأعمالِهِم، فيجازيهم على ذلك، وليعرّفهم أيهم أطوع وأخلص لله وخير عملا، وهو القوي الغالب القاهر الذي لا يغلبه ولا يعجزه أحد، الكثير المغفرة والستر لذنوب من تاب وأناب بعد ما عصاه وخالفه، فهو سبحانه مع كونه عزيزًا منيعًا يغفر ويرحم، ويعفو ويصفح، كما في آية أخرى" نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ "الحجر 15/ 49- 50 .
والآية الثانية من سورة الملك؛ دليل على أن الموت أمر وجودي، لأنه مخلوق. والموت: انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقتها له، والحياة: تعلق الروح بالبدن واتصالها به، وإيجاد الحياة معناه: خلق الروح في الكائنات الحية، ومنها إيجاد الإنسان.
والمقصد الأصلي من الابتلاء: هو ظهور كمال إحسان المحسنين.
"الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ"
وقدم الموت على الحياة في الآية لأن الموت أهيب في النفوس وأفزع، فيحفز على العمل وهوأقوى داعيًا إلى العمل لمن يتدبر ويعي ويعتبر .
وهذه الآية الأولى من دلائل ملك الله عز وجل وقدرته تريد أن تخرج بنا من النظرة المألوفة المعتادة التي لا توقظ الضمير، التي لا تبعث الإيمان في قلب المؤمن، التي لا تجدد الإيمان، التي تجعل حتى قضية الحياة والموت قضية مألوفة معتاد عليها. فكل الناس يرون الحياة أمام أعينهم ويرون المواليد الجدد ويرون كذلك الموت، ولكن ألِفوا هذا ،ولم يعد ذلك عبرة توقظ القلوب الغافلة ، ولكن سورة الملك تريد أن تغير هذه النظرة وتخرج بها من الإلف والاعتياد الذي لا يجدد الإيمان ،إلى إحيائها في القلب من جديد لتصبح قضية الموت وقضية الحياة قضية غير مألوفة، قضية تصل بنا إلى الإيمان بالله، قضية تقربنا من معرفة الله عز وجل، واستشعار هذه المعرفة والوصول بها إلى الخشية من الله سبحانه وتعالى. الموت والحياة ليست قضية مألوفة، كون أنها تتكرر في كل ساعة وفي كل يوم وفي كل لحظة ومع كل مخلوق هذا لا يخرج بها عن حد الإعجاز والقدرة العظيمة لله إلى حد الإلف والاعتياد حتى تصبح مسألة معتادة لا تحرك فينا ساكنًا ولا تجدد فينا إيمانًا ولا تبعث في حياتنا ولا في قلوبنا الإيمان والخشوع والخشية والخضوع لله من جديد هذا ليس بمقبول، كيف؟ فلنتأمل ختام الآية "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" إذًا الموت والحياة ليست مجرد قضية معتادة ومألوفة، الموت والحياة لهما غاية، فالمسألة مسألة اختبار. حياتنا على هذه الأرض وبقاؤنا على الأرض ليست مجرد رحلة ليست مجرد أيام وسنوات نقضيها ونقلب الأوراق في ثناياها ليست مجرد عد للأيام دون حساب ولا كتاب، أبدًا. القضية من ورائها هدف ما هو الهدف؟ ليختبركم أيكم أحسن عملاً.
وإحسان العمل يكون بإخلاصه وبموافقته للشريعة ، أي خالصًا لله ؛ وصوابًا على ما جاء بالشريعة أي الاتباع .
=قال ابن القيم رحمه الله :وَالْعَمَلُ الأَحْسَنُ هُوَ الأَخْلَصُ وَالأَصْوَبُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَرْضَاتِهِ وَمَحَبَّتِهِ - هنا-
=قال الشيخ السعدي في تفسيرها: هو أخلَصه وأصوبه.هنا-
إذًا أحسن العمل أخلصه، وأصوبه أي :ما كان وفق ما جاء به الله سبحانه وتعالى من أوامر في القرآن وما جاء على لسان حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم في سنته.
، ولكي أصل إلى مرحلة الإخلاص هذه المرحلة العظيمة عليّ أن أكون أكثر خشية وأكثر معرفة بالله سبحانه وهو ما تقدمه لي آيات سورة الملك.
الإحسان : أن يأتي بالعمل حسنًا متقنًا لا نقص فيه ولا وصم ، وإحسان العمل لا يمكن إلا بمراقبة خالق هذا الكون .
ولذلك فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان لما سأله جبريل ما الإحسان :بقوله:
"أن تَعْبُدَ اللهَ كأنك تراه ، فإن لم تَكُنْ تراه فإنه يَراكَ " الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-
الصفحة أو الرقم: 50 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-
فأخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ مرتبة الإحْسَان على درجتين، وأنَّ المحسنين في الإحْسَان على درجتين متفاوتتين: الدَّرجة الأولى: وهي «أن تعبد الله كأنَّك تراه». الدَّرجة الثَّانية: أن تعبد الله كأنَّه يراك، والمعنى إذا لم تستطع أن تعبد الله كأنَّك تراه وتشاهده رأي العين، فانزل إلى المرتبة الثَّانية، وهي أن تعبد الله كأنَّه يراك. فالأُولى عبادة رغبة وطمع، والثَّانية عبادة خوف ورهب"
*ومن أنواع الإحسان: الإحسان إلى الخلق من الآدميين والبهائم، بإغاثة الملهوف من الخلق وإطعام الجائع والتصدق على المحتاج وإعانة العاجز، والتيسير على المعسر والإصلاح بين الناس.
فالإحسان إلى الناس : أن تعاملهم ابتغاءً لوجهِ اللهِ كما تحب أن يعاملوك به ، من حسن الخلق ، وطلاقة الوجه ، وكف الأذى ، وغير ذلك من المعروف .
قال صلى الله عليه وسلم".... فمَن أحبَّ منكم أن يُزَحْزَحَ عن النارِ ، ويُدْخَلَ الجنةَ فلتُدْرِكْه موتَتُه ، وهو مؤمنٌ باللهِ واليومِ الآخرِ ، وليَأْتِ إلى الناسِ ما يُحِبُّ أن يُؤْتَى إليه....." الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح النسائي-الصفحة أو الرقم: 4202 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر-
الإحسان إلى البهائم بالرفق بهم حتى عند الذبح:
قال صلى الله عليه وسلم:
"إن اللهَ كتبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ ، فإذا قتلتم فأحسِنوا القِتلَةَ ، و إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحةَ ، و ليُحِدَّ أحدُكم شفرتَه ، و ليُرحْ ذبيحتَه".الراوي : شداد بن أوس - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح النسائي-الصفحة أو الرقم: 4417 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
في الحديثِ: الحثُّ على الإحسانِ في كُلِّ شَيءٍ؛ لأنَّ اللهَ تَعالى كتَبَ ذلك، أي: شَرَعَه شَرعًا مُؤَكَّدًا.
وفيه: حُسْنُ تَعليمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بضَرْبِ الأَمثالِ؛ لأنَّ الأَمْثِلةَ تُقرِّبُ المعانيَ. - الدرر-
قال الله تعالى"وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"البقرة 195. ، وقال تعالى"وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"النساء:36، فقد أمر الله سبحانه بالإحسان إلى هذه الأصناف بإيصال الخير إليهم ودفع الشر عنهم، وقال تعالى"إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ"الذاريات:15-19. فبين الله سبحانه سبب حصولهم على هذه الكرامة العظيمة وأن ذلك بما أسلفوه من الإحسان في الدنيا من صلاة الليل والاستغفار بالأسحار والتصدق على المحتاجين، وقال تعالى "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ* وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ* كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ* إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ" المرسلات:41-44.الشيخ الفوزان -هنا-
والإحسان قد أمر اللهُ به في مواضعَ من كتابِهِ، منه ما هو واجب ومنه ما هو مستحب، فهو في كل شيء بحسبه.
فالإحسان في معاملة الخالق بفعل الواجبات وترك المحرمات واجب، وفي فعل المستحبات وترك المكروهات متسحب، والإحسان في معاملة الخلق، منه ما هو واجب كالإحسان إلى الوالدين والأقارب بالبر والصلة، ومنه ما هو مستحب كصدقة التطوع، وإعانة المحتاج، والإحسان في قتل ما يجوز قتله من الناس والدواب بإزهاق نفسه على أسرع الوجوه وأسهلها، من غير زيادة في التعذيب، وهكذا مطلوب من المسلم أن يكون محسنًا في كل شيء مما يأتي وما يَذَر، محسن في عمله، محسن في تعامله مع الله ومع خلقه، ومحسن في نيته وقصده، قال الله تعالى"لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ"التوبة:91، فهؤلاء الذين لا يستطيعون القتال لعجزهم الجسمي والمالي مع سلامة نياتهم وحسن مقاصدهم، قد عذرهم الله لأنهم محسنون في نياتِهم، لم يتركوا الجهاد لعدم رغبتهم فيه، وإنما تركوه لعجزهم عنه، ولو تمكنوا منه لفعلوه، فهم يشاركون المجاهدين في الأجر لنياتهم الصالحة وحسن قصدهم، فقد روى أبو داود، أن رسول الله قال "لقد ترَكتُم بالمدينةِ أقوامًا ما سِرتُم مسيرًا ولا أنفَقتُم من نفقةٍ ولا قطعتُم من وادٍ إلَّا وَهم معَكم فيه قالوا يا رسولَ اللَّه وَكيفَ يَكونونَ معنا وَهم بالمدينة فقال حبَسَهمُ العذرُ" الراوي : أنس بن مالك - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود- الصفحة أو الرقم: 2508 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر -
الشيخ الفوزان -هنا-
الله -تبارك وتعالى- خلق الموت والحياة من أجل أن يختبر الخلق كيف يعملون، فإذا أوجدهم ونُفخت فيهم الأرواح وصاروا إلى حال من التمييز والإدراك بعد ذلك يتجرون برءوس الأموال هذه التي هي الأنفاس -الأعمار- فيبتليهم الله -عز وجل- أيهم أحسن عملا، فيتفاضلون في ذلك ويتفاوتون غاية التفاوت، سواء منهم من يعمل الطاعات بإقباله على ربه وجده في العمل الصالح، أو فيما يقابل ذلك ممن يجد ويجتهد في المنكرات، والذنوب، والمعاصي، والكفر.
قال تعالى "يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "النجم :31.
اللهم سلم سلم
فالقرآن ليس لمجرد التلاوة أن أتلو كل ليلة سورة الملك وتنتهي المسألة، لا. القرآن يؤسس القرآن يغير القرآن يحيي القرآن يبني القرآن يبثّ الحياة ويجدد الإيمان والتوحيد في القلوب .
في سورة الملك الآيات تسير معي خطوة بخطوة للوصول إلى درجة أحسن العمل.
- عزة القهر والغلبة لكل الكائنات، فهي كلها مقهورة لله خاضعة لعظمته منقادة لإرادته، فجميع نواصي الخلق بيده، لا يتحرك منها متحرك ولا يتصرف منها متصرف إلا بحوله وقوته وإذنه، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن؛ لا حول ولا قوة إلا به. فمن قوته واقتداره أنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وأنه خلق الخلق ثم يميتهم ثم يحييهم ثم إليه يرجعون.
ومنه قوله تعالى"فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ" ص 23 - يعني: غلبني في الخطاب.
*الآثار المترتبة على الإيمان باسم الله العزيز:
-إن اسمه سبحانه " العزيز " يستلزم توحيده وعبادته وحده لا شريك له ، إذ الشركة تنافي كمال العزة .
-من طلب العزة فليطلبها من رب العزة، قال تعالى" مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا "فاطر: 10، أي من أحب أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله، فإنه يحصل له مقصوده، لأن الله مالك الدنيا والآخرة، وله العزة جميعًا.اللهم أعزنا بطاعتك ولا تذلنا بمعصيتك.آمين.
-
وفي اسمه الآخر " الْغَفُورُ": يظهر معنى الرحمة والعفو والمغفرة لمن تاب وأناب " الْغَفُورُ" . وأما الغفر فأصله في اللغة التغطية والستر.. والمغفرة إلباس الله تعالى العفو للمذنبين وسترهم بذنوبهم بعدم إطلاع العباد عليها.هنا
فهو الذي يغفر الذنوب وإن كانت كبارًا , ويسترها وإن كانت كثيرة , فالله عز وجل ربنا غفور يستر عباده ويتجاوز عن ذنوبهم وسيئاتهم.هنا=
وقفة: من عرف الله زهد فيما سواه، إذا عرفت الله لا يمكن أن ترى مع عزة الله عزيزًا، ولا ترى مع قدرة الله قديرًا، ولا ترى مع حكمة الله حكيمًا. اللهم اغفر لنا وارحمنا واعفو عنا وعافنا إنك ولي ذلك والقادر عليه
____________________
مشاركة رقم 3 = هنا =
"الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ" 3.
في الآيات السابقة تعرفنا على الله وأنه تبارك سبحانه
أي تعاظم وتعالى، وكثر خيره، وعم إحسانه، ومن عظمته أن بيده ملك العالم العلوي والسفلي، فهو الذي خلقه، ويتصرف فيه بما شاء، من الأحكام القدرية، والأحكام الشرعية، التابعة لحكمته، ومن عظمته، كمال قدرته التي يقدر بها على كل شيء، وبها أوجد ما أوجد من المخلوقات العظيمة، كالسماوات والأرض.
وأنه عزيز غفور .
ثم تنتقل الآيات لتذكِّر العباد بأن هذا المَلِك هو الذي خلق الموت والحياة ليختبر أعمال العباد في ميادين السبق إلى أحسن الأعمال ،وأنه هو الذي يجازي عليها .
ومع وضوح معالم الملك وظهور دلائله : فالموت آية متكررة هائلة ، والحياة مثله ، آيتان باهرتان ، وخلق السموات والأرض وتزيينهما أكبر من خلق الناس ، إلا أن هناك قلوبًا جاحدة منكرة مستكبرة قاسية ، لا يزيل قسوتها ،ويذهب كبرياءَها إلا النار تحرقهم فيستغيثون ويشهقون ويصرخون وهي تغلي بهم .
سورة الملك تقدّم لنا الخطوات التي تصل بنا إلى مرحلة الخشية ،ومن أعظم وسائل الوصول لخشية الله سبحانه وتعالى بالغيب التفكر في ملكوت السموات والأرض،لذا قال سبحانه"الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ" وقفة للتفكر والتدبر في آيات الله وخلقه، فهو على كل شيء قدير.
عبادة التفكر بها يستدل العبد على عظمة الله بآياته الكونية، ويدرك سننه الشرعية، ويعلم حقيقة الوجود، وأهمية العمل لليوم الموعود،" إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"آل عمران: 190- 191.
لذا قال سبحانه" الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا " أي: كل واحدة فوق الأخرى، وليست طبقة واحدة، وخلقها في غاية الحسن والإتقان " مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ " أي: لا ترى خلل ونقص.لا تشاهد -أيها الرائي- فيما خلق الله أي تفاوت أو عدم تناسب ،تَبَايَن ، اِخْتَلَاف. فارجع البصر هل ترى من تَشَقُّق أو تَصَدُّع؟! لن ترى ذلك، وإنما ترى خلقًا محكمًا متقَنًا.
ولما كان كمالها معلومًا، أمر -الله- تعالى بتكرار النظر إليها والتأمل في أرجائها، قال:
" فَارْجِعِ الْبَصَرَ " أي: أعده إليها، ناظرًا معتبرًا " هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ " أي: نقص واختلال.
"ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ"4 .
" ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ " المراد بذلك: كثرة التكرار.
وإنما أمر بالنظر مرتين لأن الإنسان إذا نظر في الشيء مرة لا يرى عيبه ما لم ينظر إليه مرة أخرى .....
"ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ" تعجيز إثر تعجيز، وتحد في أعقاب تحد.. أي: ثم لا تكتف بإعادة النظر مرة واحدة، فربما يكون قد فاتك شيء في النظرة الأولى والثانية.. بل أعد النظر مرات ومرات.. فتكون النتيجة التي لا مفر لك منها، أن بصرك- بعد طول النظر والتأمل- ينقلب إليك خائبًا وهو كليل متعب.. لأنه- بعد هذا النظر الكثير- لم يجد في خلقنا شيئًا من الخلل أو الوهن.هنا=
"يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ " أي: يرجع البصر عاجزًا عن أن يرى خللًا أو فطورًا، ولو حرص غاية الحرص.
= لنحيا مع هذا الحديث الصحيح لنتصور السموات وما تحوي ولنستشعر عظمتها، وعظمة خالقها سبحانه وتعالى:
=يَحْكي أنَسُ بنُ مالِك رضي الله عنه عَن لَيلةِ أُسْرِيَ بِالنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن مَسجِدِ الكَعبةِ إلى بَيتِ المَقْدِسِ:
" ليلةَ أُسريَ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِن مَسجِدِ الكعبةِ: أنَّه جاءَه ثَلاثةُ نَفَرٍ قَبلَ أن يُوحى إليهِ، وهوَ نائِمٌ في المَسجدِ الحَرامِ، فَقال أوَّلُهم: أيُّهم هوَ؟ فَقال أَوسَطُهم: هوَ خَيرُهم، فَقال آخِرُهم: خُذوا خَيرَهم، فَكانت تلكَ اللَّيلةَ، فَلم يَرَهُم حتَّى أَتَوْه لَيلةً أُخرى فيما يَرى قَلبُه- وتَنامُ عَينُه ولا يَنامُ قَلبُه، وَكذلكَ الأَنبياءُ تَنامُ أَعينُهم وَلا تَنامُ قُلوبُهم- فلم يُكلِّموه حتَّى احتَمَلوه، فوَضَعوه عندَ بئرِ زَمزمَ، فتَولَّاه مِنهُم جِبريلُ، فشَقَّ جِبريلُ ما بَين نَحرِه إلى لَبَّتِه، حتَّى فَرَغ مِن صَدرِه وجَوفِه، فغَسَلَه مِن ماءِ زَمزَمَ بِيدِه، حتَّى أَنْقى جَوفَه، ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِن ذَهبٍ فيه تَوْرٌ مِن ذَهبٍ، مَحشوٌّ إيمانًا وحِكمةً، فحُشِي به صَدرُه ولَغاديدُه- يَعني عُروقَ حَلْقِه- ثُمَّ أَطبَقَه ثُمَّ عَرَجَ به إلى السَّماءِ الدُّنيا، فضَرَب بابًا مِن أَبوابِها، فَناداه أهلُ السَّماءِ: مَن هَذا؟ فَقال: جِبريلُ، قالوا: وَمَن مَعَك؟ قال: مَعي مُحمَّدٌ، قال: وَقد بُعِثَ؟ قال: نَعَم، قالوا: فمَرحبًا بِه وأهلًا، فيَستَبشِرُ بهِ أَهلُ السَّماءِ، لا يَعلَمُ أَهلُ السَّماءِ بِما يُريدُ اللهُ بِه في الأَرضِ حتَّى يُعلِمَهم، فوَجَدَ في السَّماءِ الدُّنيا آدمَ، فَقال له جِبريلُ: هذا أَبوكَ فَسلِّمْ عَليهِ، فسَلَّمَ عليهِ وردَّ عليهِ آدمُ وقال: مَرحبًا وأَهلًا بابْنِي، نِعْمَ الابنُ أنتَ، فإذا هوَ في السَّماءِ الدُّنيا بِنَهرينِ يَطَّرِدانِ، فقال: ما هَذانِ النَّهرانِ يا جِبريلُ؟ قال: هَذا النِّيلُ والفُراتُ، عُنْصُرُهُما، ثُمَّ مَضى بِه في السَّماءِ، فإذا هوَ بِنَهرٍ آخرَ، عليهِ قَصرٌ مِن لُؤلؤٍ وزَبَرْجَدٍ، فضَربَ يَدَه فإذا هوَ مِسْكٌ أَذْفَرُ، قال: ما هَذا يا جِبريلُ؟ قال: هَذا الكَوثرُ الَّذي خَبَّأ لك ربُّك، ثُمَّ عَرَج بِه إلى السَّماءِ الثَّانيةِ، فَقالتِ المَلائكةُ لَه مِثلَ ما قالت له الأُولَى: مَن هذا؟ قال: جِبريلُ، قالوا: ومَن مَعكَ؟ قال: مُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، قالوا: وَقد بُعِثَ إليه؟ قال: نَعَم، قالوا: مَرحبًا بِه وأهلًا، ثُمَّ عَرَج بِه إلى السَّماءِ الثَّالثةِ، وقالوا له مِثلَ ما قالتِ الأولى وَالثَّانيةُ، ثُمَّ عَرَج بِه إلى الرَّابعةِ، فَقالوا لَه مثلَ ذلكَ، ثُمَّ عَرَج بِه إلى السَّماءِ الخامِسةِ، فَقالوا مثلَ ذلكَ، ثُمَّ عَرَج بِه إلى السَّماءِ السَّادسَةِ، فَقالوا له مِثلَ ذلكَ، ثُمَّ عَرَج بِه إلى السَّماءِ السَّابعةِ، فَقالوا لَه مثلَ ذلكَ، كلُّ سماءٍ فيها أَنبياءُ قد سمَّاهُم، فوَعَيتُ مِنهم إدريسَ في الثَّانيةِ، وهارونَ في الرَّابعةِ، وآخَرَ في الخامسَةِ لم أحفَظِ اسمَه، وإبراهيمَ في السَّادسةِ، وموسَى في السَّابعةِ؛ بتَفضيلِ كَلامِ اللهِ. فَقال موسى: ربِّ لم أظُنَّ أن تَرفَعَ عليَّ أحدًا، ثُمَّ عَلا بِه فوقَ ذلكَ بِما لا يَعلَمُه إلَّا اللهُ، حتَّى جاءَ سِدْرةَ المُنتَهى، ودَنا الجبَّارُ ربُّ العزَّةِ، فتَدلى حتَّى كان مِنه قابَ قَوسَينِ أو أَدْنى، فأوحى اللهُ فيما أَوْحى إليهِ: خَمسينَ صَلاةً عَلى أُمَّتِك كلَّ يومٍ ولَيلةٍ، ثًمَّ هَبَط حتَّى بَلَغ مُوسى، فاحتَبَسَه موسَى فقال: يا مُحمَّدُ، ماذا عَهِد إليكَ ربُّكَ؟ قال: عَهِد إليَّ خَمسينَ صَلاةً كلَّ يومٍ ولَيلةٍ، قال: إنَّ أُمَّتَك لا تَستطيعُ ذلكَ، فارجِعْ فلْيُخفِّفْ عَنك ربُّك وعَنْهم، فالْتَفتَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إلى جِبريلَ كأنَّه يَستشيرُه في ذلكَ، فأَشار إليهِ جِبريلُ: أنْ نَعَم إن شِئتَ، فَعلا بِه إلى الجبَّارِ، فَقال وهوَ مَكانَه: يا ربِّ، خفِّفْ عنَّا؛ فإنَّ أُمَّتي لا تَستطيعُ هَذا، فوَضعَ عَنه عَشْرَ صَلَواتٍ، ثُمَّ رَجَع إلى موسى فاحتَبَسَه، فلَم يَزَلْ يُردِّدُه موسى إلى رَبِّه حتَّى صارتْ إلى خَمْسِ صَلواتٍ، ثُمَّ احتَبَسه موسى عندَ الخَمسِ، فَقال: يا مُحمَّدُ، واللهِ لَقد راوَدْتُ بَني إسرائيلَ قَومي على أَدنى مِن هذا فَضَعُفوا فَتَرَكوه، فأُمَّتُك أَضعَفُ أَجْسادًا، وقُلوبًا وأَبدانًا، وأَبصارًا وأَسماعًا، فارجِعْ فلْيُخفِّف عَنكَ ربُّك، كلَّ ذلكَ يَلتفِتُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إلى جِبريلَ لِيُشيرَ عليهِ، ولا يَكْرَهُ ذلكَ جِبريلُ، فرَفَعَه عندَ الخامسَةِ فَقال: يا ربِّ، إنَّ أُمَّتي ضُعفاءُ، أَجسادُهم وقُلوبُهُم، وأَسماعُهُم وأَبدانُهُم، فخَفِّف عنَّا، فقال الجبَّارُ: يا مُحمَّدُ، قال: لبَّيكَ وسَعدَيك. قال: إنَّه لا يُبدَّلُ القولُ لَديَّ، كما فَرَضْتُ عليكَ في أُمِّ الكِتابِ، قال: فكلُّ حَسنةٍ بِعَشْرِ أَمثالِها، فهيَ خَمْسونَ في أُمِّ الكتابِ، وهيَ خَمسٌ عَليك، فرَجَع إلى موسَى فَقال: كيفَ فَعَلتَ؟ فَقال: خفَّفَ عنَّا، أَعطانا بكُلِّ حَسَنةٍ عَشْرَ أَمثالِها، قال موسى: قد واللهِ راوَدتُ بَني إِسرائيلَ على أَدنى مِن ذلكَ، فتَرَكوه، ارجِعْ إلى ربِّك فلْيُخفِّفْ عنكَ أيضًا، قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: يا موسى، قَد واللهِ استَحيَيتُ مِن ربِّي ممَّا اختَلَفتُ إليهِ، قال: فاهبِطْ باسمِ اللهِ، قال: واستَيقَظَ وهوَ في مَسجدِ الحَرامِ."
الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري
-الصفحة أو الرقم: 7517 | خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنبية -
شرح الحَديثِ:
يَحْكي أنَسُ بنُ مالِك رضي الله عنه عَن لَيلةِ أُسْرِيَ بِالنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن مَسجِدِ الكَعبةِ إلى بَيتِ المَقْدِسِ، أنَّه جاءَ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثَلاثةُ نَفَرٍ مِن المَلائِكةِ، قَبلَ أن يُوحى إليه، وَهوَ نائِمٌ في المَسجِدِ الحَرامِ. فَقالَ أوَّلهم: أيُّهم هو؟ أيُّ الثَّلاثةِ مُحَمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم، وَكانَ صلَّى الله عليه وسلَّم نائِمًا بَينَ اثنَينِ أو أكْثَرَ، فَقالَ أوسَطُهم: هو خَيرُهم، يَعْني النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّه كانَ نائِمًا بَينَ الاثْنَينِ، وَقالَ آخِرُهم: خُذوا خَيرَهم للعُروجِ بِه إلى السَّماءِ، فَكانَتْ تِلكَ، أي: القِصَّةُ، أي: لَم يَقَعْ في تِلكَ اللَّيلةِ غَيرُ ما ذُكِرَ مِن الكَلامِ. فَلَم يَرَهم عليه الصَّلاة والسَّلام، حَتَّى جاؤوا إليه لَيلةً أُخْرى فيما يَرى قَلبُه، والنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم نائِمةٌ عَيْناه وَلا يَنامُ قَلبُه، وَكَذَلك الأنْبياءُ تَنامُ أعْيُنُهم وَلا تَنامُ قُلوبُهم....
في الحَديثِ:
ثُبوتُ رِحلةِ الإِسراءِ والمِعْراجِ.
وفيه: عَظيمُ رَحْمةِ الله عَزَّ وَجَلَّ بِنَبيِّه وَأُمَّتِهِ.
وفيه: أَدَبُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في اسْتِشارتِه لجِبْريلَ عليه السَّلامُ قَبلَ مُراجَعتِه لرَبِّه عَزَّ وجلَّ.
وفيه: تَفضيلُ نَبيِّنا مُحَمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم على سائِرِ إِخْوانِه الأنْبياءِ عليهم السَّلامُ.
وفيه: ثُبوتُ صِفةِ الكَلامِ للهِ سُبْحانَه وَتعالى.
وفيه: ثُبوتُ صِفةِ العُلوِّ للهِ سُبحانَه وَتعالى - الدرر السنبية -
الخلاصة:
*وَجَدَ في السَّماءِ الدُّنيا آدمَ، أصل نهري النِّيلُ والفُراتُ، ونهرالكَوثرُ .
السَّماءِ الثَّانيةِ: رحبت به صلى الله عليه وسلم الملائكةُ ورأى فيها النبي إدريسَ.
السَّماءِ الثَّالثةِ: رحبت به صلى الله عليه وسلم الملائكةُ الرَّابعةِ: رحبت به صلى الله عليه وسلم الملائكةُ ورأى فيها هارون عليه السلام.
الخامِسةِ: رحبت به صلى الله عليه وسلم الملائكةُ وَرَأى فيها نبي آخَرَ لَم يَحْفَظ اسمَه
السَّادسَةِ: رحبت به صلى الله عليه وسلم الملائكةُ ورأى فيها إبراهيمَ عليه السلام .
السَّابعةِ: رحبت به صلى الله عليه وسلم الملائكةُ ورأى فيها
موسَى عليه السلام .
وَلَم يَكُن موسى يَعتَقِد أن يَرفَع اللهُ عليه أحدًا؛ حَيثُ عَلا جِبْريلُ عليه السَّلامُ بِمُحَمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم فَوْقَ ذَلك بِما لا يَعلَمه إِلَّا اللهُ، حَتَّى جاءَ سِدْرةَ المُنتَهى الَّتي إليها يَنتَهي عِلمُ المَلائِكةِ، وَلَم يُجاوِزْها أحَدٌ إِلَّا نَبيُّنا صلَّى الله عليه وسلَّم، وَدَنا الجَبَّارُ رَبُّ العِزَّةِ فَتَدَلَّى، وَأصلُ التَّدَلِّي النُّزولُ إلى الشَّيْءِ حَتَّى يَقرَب مِنه، حَتَّى كانَ مِنه قَدرَ قَوسَينِ أو أقْرَبَ، فَأوْحى اللهُ إليه فيما أوْحى خَمْسينَ صَلاةً على الأُمَّةِ كُلَّ يَوم وَلَيلة، ثُمَّ هَبَطَ صلَّى الله عليه وسلَّم، وَهُنا تَكَلَّمَ معه موسى عليه السَّلامُ أن يَرجِعَ إلى رَبِّه وَيَطلُب مِنه التَّخفيفَ في عَدَدِ الصَّلَواتِ، فَخَفَّفَها الرَّحْمَنُ مِن خَمْسينَ إلى عَشْرٍ، وَلَم يَزَلْ يَرْدُده موسى إلى رَبِّه تعالى حَتَّى صارَتْ خَمْسًا، وَلمَّا هَبَطَ قالَ لَه موسى: واللهِ، لَقَدْ راجَعتُ بَني إِسْرائيلَ قومي على أقَلَّ مِن هَذا القَدْرِ، أي: مِن هَذِه الصَّلَواتِ الخَمْسِ فَضَعُفوا فَتَرَكوه، فَأُمَّتكُ أضْعَفُ أجْسادًا وَقُلوبًا وَأبْدانًا وَأبْصارًا وَأسْماعًا، فارْجِع إلى رَبِّك فَلْيُخَفِّف عَنْك كُلَّ ذَلك، والنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَلتَفِت إلى جِبْريلَ؛ ليُشيرَ عليه، وَلا يَكرَه ذَلك جِبْريلُ، فَرَفَعَه إلى رَبِّه، فَطَلَب مِنه التَّخْفيفَ، فَقالَ الجَبَّار: يا مُحَمَّدُ. فَأجابَه: لَبَّيْكَ رَبِّ وسَعدَيك، قالَ: إِنَّه لا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ كَما فَرَضتُ عليك، أي: وَعلى أُمَّتِك في أُمِّ الكِتابِ، وَهوَ اللَّوْح المَحْفوظ، قالَ: فَكُلُّ حَسَنةٍ بِعَشْر أمْثالِها، فَهيَ خَمْسونَ في أُمِّ الكِتابِ وَهيَ خُمْسٌ عليك، أي: وَعلى أُمَّتِك، فَرَجَعَ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى موسى عليه السَّلامُ، فَسَألَه: كَيْفَ فَعَلتَ؟ فَقالَ: خَفَّفَ رَبُّنا عَنَّا؛ أعْطانا بِكُلِّ حَسَنة عَشْرَ أمْثالِها. قالَ موسى: قَد واللهِ راجَعتُ بَني إِسْرائيلَ على أقَلَّ مِن ذَلك فَتَرَكوه، ارْجِعْ إلى رَبِّك فَلْيُخَفِّف عَنْك أيْضًا. قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: يا موسى، قَد واللهِ اسْتَحيَيْتُ مِن رَبِّي مِمَّا اخْتَلَفتُ إليه، قالَ لَه جِبْريلُ: فاهْبِط باسمِ اللهِ، قالَ: واستَيقَظَ صلَّى الله عليه وسلَّم وَهوَ في مَسجِدِ الحَرامِ. أي: واستَيقَظ مِن نَوْمةٍ نامَها بَعدَ الإِسْراءِ والمِعْراجِ.
"لَبَّته" وَهوَ مَوضِع القِلادةِ مِن الصَّدرِ. "تَوْر": إِناءٌ يُشْرَبُ فيهِ. "يَطرُدانِ": يَجريانِ. "عُنْصُرهما": أصْلُهما. "خَبَّأ لَك": أيْ ادَّخَرَ لَك.
_____________________
مشاركة رقم : 4 = هنا =
"وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ" 5 .
لما نفى سبحانه عن السماء في خلقها النقص ،بيّنَ كمالَها وزينتَها فقال"وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا" أي السماء القريبة منا .
أي أعددنا للشياطين عذاب السعير وهو طبقة في جهنم ، أشد طبقات النار حرارة وتوقدًا فإن جهنم طبَقَات .
وعذاب السعير هو أشد الحريق،نسأل الله العافية .
من أهل العلم من قال: إن السعير إحدى دركات النار, وقد سلف أن منهم من قال: هناك الحطمة, وجهنم, والسعير, ولظى, إلى غير ذلك.هنا- سلسلة التفسير للشيخ مصطفى العدوي.
وفي قوله سبحانه" وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ" ما يدل على ما سلف التأكيد عليه مرارًا أن النار مخلوقة, فأعتدنا معناها: أعددنا, وأعددنا فعل ماضٍ.
قال تعالى" النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ "غافر 46.
وقد جاء في السنة ما يؤكد هذا:
"أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: إن أحدَكم إذا مات، عُرِضَ عليه مقعدُه بالغداةِ والعشيِّ، إن كان من أهلِ الجنةِ فمن أهلِ الجنةِ ، وإن كان من أهلِ النارِ فمن أهلِ النارِ، فَيُقالُ: هذا مقعدُك حتى يبعثَك اللهُ يومَ القيامةِ."الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 1379 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية-
-قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" اشتَكَتِ النارُ إلى ربها ، فقالتْ : ربِّ أكلَ بعضي بعضًا ، فأذِنَ لها بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الشتاءِ ونَفَسٍ في الصيفِ ، فأشدُّ ما تجدونَ من الحرِّ ، وأشدُّ ما تجدون من الزَّمْهَرِيرِ"
الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 3260- خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-
الشرح:ذكرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنَّ النَّارَ اشتكَتْ إلى ربِّها، فكانَت شِدَّةُ الحرِّ مِنْ وهَجِها وفَيْحِها، وجعلَ اللهُ فيها بقُدرتِه إدراكًا حتَّى تَكلَّمَتْ، فأذِنَ لها في كلِّ عامٍ بنفَسَينِ، والنَّفَسُ هو ما يخرجُ منَ الجَوفِ ويدخلَ فيه مِنَ الهواءِ؛ نفَسٍ في الشتاءِ، ونفَسٍ في الصَّيفِ. وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ عذابَ النَّارِ منه ما هو حَرٌّ، ومنه ما هو بَرْدٌ.- الدرر-
نسأل الله العافية
*وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" قال العلماء في تفسير قوله تعالى وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ .." : أي : جعلنا شُهُابَهَا الذي ينطلق منها ،......
فالشُّهُب : نيازك تنطلق من النجوم .
وهي كما قال أهل الفلك : تنزل إلى الأرض ، وقد تحدث تصدعًا فيها ، أما النجم فلو وصل إلى الأرض لأحرقها " انتهى ."القول المفيد على كتاب التوحيد" / 227 .
"تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ" 8.
"تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ"الملك:8. يعني: تكاد أن تتفرق وتتقطع قطعًا من شدة تغيظها على الكفار، وذكر بعض علماء الحيوان أن من الحيات حيات شديدة التغيظ على بني آدم، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن الحيات على وجه الإجمال"والله ما سالمناهن منذ حاربناهن" فبين الحيات وبين بني آدم عداوات منذ أن بدأت بينهما الحرب، ......الشاهد: أنهم يذكرون أن من أنواع الحيات حيات شديدة التغيظ جدًا على بني آدم، كلها غيظ عليك، إذا رأتك من مكان بعيد دفعت برأسها وطارت إليك! ويسمع لها دوي هائل وهي في الطريق إليك، فإذا صادفتك خرقت جسمك ودخلت من ناحية وخرجت من ناحية أخرى!! وذكروا مخرجًا من هذه الحيات فقالوا: إذا سمعت صوتها في الهواء، وهي متجهة إليك، فانبطح على الأرض على بطنك، فإذا نزلت بجوارك ولم تصب مرادها منك، تقطعت قطعًا من شدة غيظها، وتتفتت أمامك!! فالغيظ يفتتها قطعًا! فجهنم يقول الله عنها"تَكَادُ تَمَيَّزُ" والتميز: التقطع والانفصال, ومنه قوله تعالى"وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ"يس:59. أي: انفصلوا اليوم أيها المجرمون، فـ ""تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ" أي: تكاد تتقطع النار من شدة غيظها على الكفار، انظر إذا كنت متغيظًا على شخص ثم تمكنت منه كيف تكاد تتقطع منه؟! هنا = سلسلة التفسير لمصطفى العدوي
" ما سالَمْناهنَّ منذ حاربناهنَّ ومن تركَ شيئًا منهن خِيفةً فليس منا".الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 5248 - خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح- الدرر-
الشرح :
أمرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بقَتلِ الفَواسقِ الضارَّةِ من الهوَامِّ والحيواناتِ المؤذِيةِ، وأمرَ بقَتلِ الحيَّاتِ الضارَّةِ، ولا سيَّما تلكَ التي تسكُنُ البيوتَ وتُؤذِي.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم "ما سالَمْناهنَّ منذُ حارَبناهُنَّ"، أي: ما سالَمنا الحيَّاتِ والثعابينَ وصالَحْناهم منذُ أنْ وقعتْ بَينَنا وبينَهم الحربُ؛ فإنَّ المحاربةَ والمعاداةَ بينَ الحيَّةِ والإنسانِ جِبِليَّةٌ، وقيلَ: إنَّ المرادَ أنَّها قديمةٌ منذُ آدمَ عليهِ السلامُ. "ومَن تركَ شيئًا مِنهنَّ خِيفةً فليسَ مِنَّا"، وهذا حثٌّ على عدمِ الخَوفِ من الحيَّاتِ وعدمِ تَرْكِ قَتلهِنَّ؛ لأنها مُؤذِيةٌ وقاتلةٌ وسامَّةٌ، فكأنَّها عدُوٌّ فإنْ لم تَقتلْها قتلَتْكَ، وقولُه: "فليسَ منَّا"، أي: فليسَ على صِفة أمرِنا والمقتَدينَ بسُنَّتِنا.
هذا معَ مراعاةِ معاني بَقيَّةِ الرِّواياتِ في هذا الأمرِ؛ حيثُ وردَ النهيُ الأخيرُ عن قَتلِ حيَّاتِ البيوتِ- وتُسمَّى بالعَوامِرِ- إلَّا بعدَ استئذانِها ثلاثَ مرَّاتٍ؛ فإذا خرَجْنَ من البُيوتِ فلا سَبيلَ علَيها، ولكنْ إنْ أبَتِ الخُروجَ فيجِب قَتْلُها.- الدرر-
"كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ"أي كلما طُرِحَ فيها جماعةٌ من الكفرةِ ، على وجه الإهانة والذل.
وَالْفَوْجُ : الْجَمَاعَةُ أَيْ جَمَاعَةٌ ، ويُقْصَدُ مِمَّنْ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْخُلُودُ في النَّارِ .
فيه دليل على أن دخول الكفار النار يكون على مراحل، فئة تدخل، ثم تدخل فئة، ثم تدخل فئة، وكذلك دخول المؤمنين الجنة يكون على مراحل" وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا "الزمر:73- أي: جماعات جماعات.
اللهم اجعلنا ممن يدخلون الجنة زُمرًا ،وعافانا وإياكم من جهنم وأفواجها .
أُتْبِعَ وَصْفُ مَا يَجِدُهُ أَهْلُ النَّارِ عِنْدَ إِلْقَائِهِمْ فِيهَا مِنْ فَظَائِعَ أَهْوَالِهَا بِوَصْفِ مَا يَتَلَقَّاهُمْ بِهِ خَزَنَةُ النَّارِ .
..... قد يَتَسَاءَلُ السَّامِعُ عَنْ سَبَبِ وُقُوعِ أَهْلِ النَّارِ فِيهَا فَجَاءَ بَيَانُهُ بِأَنَّهُ تَكْذِيبُهُمْ رُسُلَ اللَّهِ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ ، مَعَ مَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ مِنْ وَصْفِ نَدَامَةِ أَهْلِ النَّارِ عَلَى مَا فَرُطَ مِنْهُمْ مِنْ تَكْذِيبِ رُسُلِ اللَّهِ ، وَعَلَى إِهْمَالِهِمُ النَّظَرَ فِي دَعْوَةِ الرُّسُلِ وَالتَّدَبُّرِ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ .
"سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا" أي سألتهم الملائكة المُوَكَّلُونَ على جهنم _ وهم الزبانية ،سؤال توبيخ.
"أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ"
أي ألم يأتكم رسول ينذركم ويخوفكم من هذا اليوم الرهيب ؟
وهذا السؤال لِلتَّوْبِيخِ وَالتَّنْدِيمِ والإيلَامِ لِيَزِيدَهُمْ حَسْرَةً
فوقَ حَسْرَتِهم وعذابًا فوقَ عذابِهم .
وَالنَّذِيرُ : الْمُنْذِرُ ، أَيْ رَسُولٌ مُنْذِرٌ بِعِقَابِ اللَّهِ .
*قال صلى الله عليه وسلم:
"لَنْ يَهْلَكَ النَّاسُ حَتَّى يَعْذِرُوا، أَوْ يُعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ"
الراوي : رجل من الصحابة - المحدث : الألباني- المصدر : صحيح أبي داود-
الصفحة أو الرقم: 4347 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر-
الشرح:
تَعمُّدُ فِعلِ المعصيةِ مِن أكبرِ أسبابِ الهَلاكِ، وفي هذا الحديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم: "لَنْ يَهلَكَ الناسُ"، أي: لَنْ يُهلِكَ اللهُ عزَّ وجلَّ الناسَ في الدُّنيا بموتٍ أو عذابٍ، "حتى يَعذِرُوا، أو يُعذِرُوا من أنفُسِهم"، أي: حتى يُكثِروا من الذُّنوبِ والمعاصي ولم يَبقَ لهم عُذرٌ بعدَما قامَت علَيهِم مِن الحُجَجِ ما قامتْ، كأمرٍ بمعروفٍ أو نَهيٍ عن مُنكَرٍ ولم يَستَجِيبوا، فيَستَوجِبوا بذلكَ العُقوبةَ ولا عُذرَ لهم بعدَ ذلكَ.-الدرر-
يُقال: أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ، والمعنى: مَنْ حَذَّرَكَ ما يَحُلُّ بِكَ فَقَدْ رَفَعَ عَنْهُ الذَّنْبَ وَاللَّوْمَ.كذا في الوسيط .
وفي لسان العرب:
"ومن أَمثال العرب: قد أَعذَرَ من أَنذَر، أَي من أَعلَمك أَنه يُعاقِبُك على المكروهِ منك فيما يَستقبِله ثم أَتيتَ المكروه فعاقَبَك فقد جَعَل لنفسه عُذْراً يكُفُّ به لائِمَةَ الناس عنه"الألوكة/ المجلس العلمي -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ، حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً»
الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 6419 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
الشرح:
يَحكي أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "أَعذَر اللهُ إلى امرئٍ"؛ أي: قطَع عُذرَه في ارتكابِ المعاصي، "أخَّر أجَلَه"؛ أي: إذا أطال عُمُرَه "حتى بلَّغه ستِّين سَنةً" وهو على قيدِ الحياةِ.
فمَن طال عمرُه حتى بلَغ ستِّين عامًا، لم يَبقَ له عُذرٌ في اقتراف الخطايا؛ لأنَّه يجبُ عليه أن يَستعدَّ للِقاءِ الله عزَّ وجلَّ.
في الحديث: أنَّ الشَّيخوخة نذيرُ الموت والرَّحيلِ عن الدُّنيا؛ ولهذا ينبغي لِمَن بلَغ الستِّين الاستعدادُ للقاء الله.
وفيه: إشارةٌ إلى أنَّ استكمال الستِّين مَظِنَّةُ انقضاء الأجَل. - الدرر -
=فلنعتبر ولنحذر ونُحْسِن الاستجابة
"لما نزَلَتْ "وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ" صَعَدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على الصَّفا ، فجَعَل يُنادي : يا بني فِهْرٍ ، يا بني عَدِيٍّ ، لبطونِ قريشٍ ، حتى اجتمعوا ، فجَعَلَ الرجلُ إذا لم يَسْتَطِعْ أن يَخْرُجَ أَرَسَلَ رسولًا؛ ليَنْظُرَ ما هو ، فجاءَ أبو لهبٍ وقريشٌ ، فقال" أَرَأَيْتَكم لو أَخْبَرْتُكم أن خيلًا بالوادي تريدُ أن تُغِيرَ عليكم أَكُنْتُم مُصَدِّقِيَّ ؟ قالوا : نعم ، ما جَرَّبْنَا عليك إلا صدقًا . قال : فإني نذيرٌ لكم بينَ يَدَيْ عذابٍ شديدٍ . فقال أبو لهبٍ : تبًّا لك سائرَ اليومِ ، أَلِهذا جَمَعْتَنَا ! فنزَلَتْ "تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ"الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 4770 خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر -
كانت دَعْوَةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم سِرًّا في بدايةِ الأمرِ، إلى أنْ أَمَرَه اللهُ سبحانه وتعالى بالجَهْر بالدَّعْوَةِ فقال "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرْ".
ومِن جَهْرِه بالدعوةِ وتبليغِه إيَّاها: أنَّه لَمَّا نَزَل قولُه تعالى"وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ" صَعِد النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على جَبَلِ الصَّفَا، ونَادَى: يا بَنِي فِهْرٍ، يا بَنِي عَدِيٍّ، لِبُطُونِ قُرَيْشٍ، والبَطْنُ: أَقَلُّ مِن القَبِيلة، فاجْتَمَعوا عندَه، ومَنْ لم يَستطِعِ المَجِيءَ أَرْسَلَ رسولًا لِيَرَى: ما الأَمْرُ، وما الذي يُرِيد أنْ يُخبِرَ به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فلمَّا اجتَمَعوا وجاء أبو لَهَبٍ وقُرَيْشٌ، قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم «أَرَأَيْتَكُم لو أخبرتُكم أنَّ خيلًا بالوادِي تُرِيدُ أن تُغِيرَ عليكم، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ » يعني: لو أخبرتُكم أنَّ جَيْشًا يُريد أن يَهجُمَ عليكم؛ فهل كنتُم تُصدِّقونني؟ فقالوا: نَعَمْ، وأَقرُّوا بصِدْقِه صلَّى الله عليه وسلَّم، وقالوا: ما جَرَّبْنا عليك إلَّا صدقًا، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم «فإنِّي نَذِيرٌ لكم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شديدٍ»، فقال أبو لَهَبٍ: تَبًّا لك سَائِرَ اليومِ! أي: خَسِرْتَ بقيَّةَ اليومِ؛ أَلِهَذَا جَمَعْتَنا؟! فأنزَل الله تعالى فيه "تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ" أي: خَسِرَتْ يداه وخابَتْ، وخَسِرَ هو، وقيل"تبَّ" الأوَّل دُعَاءٌ، وَالثَّانِي خبَر، مِثل: أهْلَكَه الله وَقد هَلَك.-الدرر -
=نحن في البحبوحة :والإنسان إذا ما اسْتجاب وما اسْتفاد مما يُلقى إليه وما تاب وما عمل بما سمِع وبما علِم سَيَأتي عليه وقْتٌ ينْدم عليه ندم لا يوصف فنحن الآن أحْياء وفي بحْبوحة العُمُر فكُلّ شيء يُحل وأنت حيّ تتوب وتتصدّق وتَسْتَغْفِر ... .
"قالَ اللَّهُ تبارَكَ وتعالى: يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفَرتُ لَكَ على ما كانَ فيكَ ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ لو بلغت ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ، ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ إنَّكَ لو أتيتَني بقرابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقرابِها مغفرةً" الراوي : أنس بن مالك - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-
الصفحة أو الرقم: 3540 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
-" اللَّهُ أفرَحُ بتوبةِ عبدِهِ مِن أحدِكُم ، سقَطَ على بعيرِهِ ، وقد أضلَّهُ في أرضِ فَلاةٍ"الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 6309 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
فلنراجع أنفسَنَا ونستشعر الإيمان بالله وباليوم الآخر ،ونرجع ونتوب وندقق في أعمالنا . يا مصرف القلوب صرف قلوبَنَا على طاعَتِكَ.
=قال عبدُ اللهِ - ابنُ مسعودٍ -: إنَّ المؤمنَ يرَى ذنوبَه كأنه في أصلِ جبلٍ يخافُ أنْ يقعَ عليه وإنَّ الفاجرَ يرَى ذنوبَه كذبابٍ وقع على أنفِه قال به هكذا ، فطار .
الراوي : الحارث بن سويد - المحدث : الألباني- المصدر : صحيح الترمذي
الصفحة أو الرقم: 2497 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
الأثرُ موقوفٌ على ابنِ مسعودٍ.
شرح الأثر:
وصَف ابنُ مَسعود رَضِيَ الله عنه حالَ المؤمنِ مع ذُنوبِه، وشبَّهه برجلٍ قاعدٍ تحتَ جبلٍ يَخاف أن يَقَعَ عليه؛ ومَن وقَع عليه الجبلُ فلا يُظَنُّ له نجاةٌ، بينما يَنظُر المنافقُ لذنوبه باستخفافٍ، فكأنَّها ذُبابٌ مرَّ على أنفِه فأشار بيدِه فذَهَب الذبابُ ولم يؤثِّرْ عليه، فهو يَرى ذُنوبَه لا تُؤثِّرُ عليه ولا يَقْلَقُ لها. الدرر -
فالإيمانُ الحقيقيُّ يُعرِّفُ صاحِبَه بعَظَمةِ اللهِ تعالى، فيُبعِدُهُ عن التَّجاوُزِ في معصيتِهِ أو الاسْتِمرارِ في ذلك.
وفي هذا الأَثرِ يَقولُ عبدُ اللهِ بنِ مسعودٍ: إنَّ المؤمِنَ "يرى ذُنوبَهُ"، أي: ما اقْتَرَفَ مِنْ معاصٍ كأنَّه في "أَصَلِ جَبَلٍ"، أي: كأنَّ المؤمنَ واقفٌ عِنْدَ سَفْحِ جَبَلِ ويرى ذُنوبَهُ مِثْلَ ذلك الجَبَلِ "يَخافُ أنْ يَقَعَ عليه"، أي: يَخافُ أنْ يَقَعَ هذا الجبلُ عليه، وهو في أَسْفلِهِ؛ وذلك لاسْتِعظامِ المؤمنِ أَمْرَ معصيةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، "وإنَّ الفاجِرَ"، أي: الفاسِقَ "يرى ذُنوبَهُ كذُبابٍ"، أي: مِثْلَ تِلْكَ الحَشَرةِ الصَّغيرةِ في حَجْمِها وأذاها؛ فذنبُه سَهلٌ عِندَه لا يعتقدُ أنَّه يَحصُل له بسببِه كبيرُ ضررٍ، كما أنَّ ضررَ الذُّبابِ عنده سهلٌ، "وقَعَ على أَنْفِهِ قال بِهِ هكذا، فطار"، أي: عِنْدما يَقَعُ على أَنْفِهِ فيتأذَّى منه أزاحَه بيدِهِ ليَطيرَ؛ وذلك لضَعْفِ هَيبةِ مَعصيةِ اللهِ سُبحانَه وتعالى في قَلْبِ الفاجِرِ.
وفي الحديث: أنَّ على المؤمنِ أنْ يَخشَى ذُنوبَه، ويَعظُمَ خَوفُه منها، ولا يأمَنَ عِقابَ اللهِ عليها فيَستصغِرَها. - الدرر-
اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
سؤال:هل يرى أهل السنة والجماعة تخليد آكل الربا بعدما جاءته الموعظة في النار؟ ماذا عن الكاسيات العاريات؟ وماذا عن تارك الصلاة؟
الإجابة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن آكل الربا والمرأة المتبرجة وتارك الصلاة غير الجاحد لها، كل هؤلاء من أهل الكبائر الذين إذا ماتوا على التوحيد، ولم يتوبوا من ذنوبهم قبل الغرغرة أو طلوع الشمس من مغربها، فإنهم لن يخلدوا في النار لو أنهم دخوها، وقد يعذبون بقدر ذنوبهم إذا لم يتجاوز الله عنهم، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وليست لهم عقيدة سواها.
وأما قول الله تعالى" فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ "البقرة:275.
فليس فيها ما يخالف ما قررناه لأنها في من استحلّ الربا وقال ما نهاه الله عنه في صدر الآية" إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا" البقرة:275، ولا شك أن قائل هذا الكلام إن كان عالمًا بما يقول فإنه معترض على الله في شرعه وحكمه ومعقب عليه في أمره ونهيه وهذا كافر، ويخلد في النار، وإنما المسأله في المسلم الذي يقر أن الربا حرام ولكنه يفعله ضعفًا وشهوة فهذا عاصٍ، وإن مات بلا توبة فأمره إلى الله.
ورحم الله ابن عطية حيث قال في تفسيره للآية: إن قدَّرنا الآية في كافر فالخلود خلود تأبيد حقيقي، وإن لحظناها في مسلم عاصٍ فهذا خلود مستعار على معنى المبالغة، كما تقول العرب مُلْكٌ خالِد, عِبَارَة عَنْ دَوَام مَا لَا يَبْقَى عَلَى التَّأْبِيد الْحَقِيقِيّ. انتهى.
والله أعلم. إسلام ويب .
"قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ"9 .
"أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ" الجواب "قَالُوا بَلَى " بَلَى" هذه إثبات؛ لأن جواب السؤال المنفي بأداة نفي يكون ببلى في الإثبات، أي إثبات واعتراف بأن جاءهم نذير.
أما قوله"وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ"الأعراف:44- فالسؤال هنا جاء بعد أداة الاستفهام، لكن لا يوجد نفي، فالجواب هنا في الإثبات يكون بنعم، وعندما أقول لك: هل أنت متوضئ؟ تقول: نعم أو لا.
قولهم "قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ" موكدًا لما دلت عليه "بَلَى" ، وهو من تكرير الكلام عند التحسر ، مع زيادة التحقيق ب "قَدْ" ، وذلك التأكيد هو مناط الندامة والاعتراف بالخطأ .تفسير ابن عاشور.
فيذكر تعالى عدله في خلقه ، وأنه لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحُجة عليه وإرسال الرسول إليه ، كما قال " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا " الإسراء : 15 - وقال تعالى " وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ.وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ" الزمر : 71 . °وهكذا عادوا على أنفسهم بالملامة ، وندموا حيث لا تنفعهم الندامة .تفسير ابن كثير.
"قَالُوا بَلَى" انظر إلى الاعتراف، يعني: بلى قد جاءتنا الرسل، المصيبة الكبرى ليس فقط في اعترافهم بمجيء الرسل إليهم، وليس فقط بتكذيبهم الرسل، بل قالوا: نحن أفرطنا في التكذيب، ونفينا التنزيل والإرسال والنبوة.
قوله"وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ"الملك:9- "مِنْ " هنا قطعًا تدل على العموم، يعني: ما أنزل الله من شيء على الإطلاق، زيادة على هذا فقد بالغوا في نسبة الرسل إلى الضلال، وذلك بقولهم"إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ" وليس في ضلال فقط بل كَبِيرٍ!
=فجمعوا بين تكذيبهم الخاص، والتكذيب العام بكل ما أنزل الله ولم يكفهم ذلك، حتى أعلنوا بضلال الرسل المنذِرِينَ وهم الهداة المهتدون، ولم يكتفوا بمجرد الضلال، بل جعلوا ضلالهم، ضلالًا كبيرًا، فأي عناد وتكبر وظلم، يشبه هذا؟ تفسير السعدي.
"إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ" قيل:إنها من تمام كلام كل فوج لنذيرهم.
وقيل: إنها كلام خزنة جهنم.
حتى لو أردوا الكذب وإنكار جحودهم وكفرهم وما اكتسبوا في الدنيا من الذنوب، فيختم الله على أفواههم، وتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.
"يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"النور 24.
فكل جارحة تشهد عليهم بما عملته، ينطقها الذي أنطق كل شيء، فلا يمكنه الإنكار، ولقد عدل في العباد، من جعل شهودهم من أنفسهم- تفسير السعدي-
"وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ" 10.
" نَسْمَعُ" أي : سماع انتفاع لما جاءت به النُّذر.
"أَوْ نَعْقِلُ" أيضًا تعقل انتفاع لذلك ، فنفوا عن أنفسهم أعظم طرق الهداية وهما السمع والعقل لعدم انتفاعهم بهما.
لو كنا نتفكر في كلام الله الذي جاء به المرسلون سماع طالب للحق وعقلنا ذلك.
سؤال: القرآن الكريم ينفي عنهم أحيانًا العقل، مع أنه في مواضع أخرى يثبته، فما الجمع بينهما؟
الجواب
أن العقل موجود، لكن لما كانت الحكمة من خلق الإنسان وتكريمه بالعقل أساسًا هي أن يتفكر به في توحيد الله، ويتوصل به إلى إثبات الإسلام والتوحيد والنبوة، فلما عطل عقله عن هذه الوظيفة التي خلق من أجلها أساسًا، فبالتالي صار مستويًا مع من لا عقل له من البهائم والجمادات ونحوها، فلذلك بعض الآيات تثبت له العقل وبعضها تنفيه، وكذلك السمع والبصر، يقول تعالى"لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا"الأعراف:179- يعني: عندهم قلوب لكنهم لا يستعملونها فيما خُلِقَت من أجله وكذلك السمع والبصر.
وهذا الآية أيضًا تشير إلى أن الوصول إلى الحق لا يكون إلا عن طريق السمع أو العقل، "وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ" السمع هو الآيات والآثار والروايات، والعقل هو الدليل الثاني.
قال الناصر: لو تفطن نبيه لهذه الآية لعدها دليلاً على تفضيل السمع على البصر، فإنه قد استدل على ذلك بأخفى منها.
وقال ابن السمعاني: استدل بها من قال بتحكيم العقل في موضعه.
تفسير القرآن الكريم كاملًا
للشيخ: محمد أحمد إسماعيل المقدم=هنا=
هذه الآيات لا شك أن من عقِلَها وتدبرها فإنه يهون عليه كل ما يَلقى في هذه الدنيا من الأذى، والبلاء، والعلل، والأوصاب، والأمراض، والفقر، وما إلى ذلك.
فالعذاب الحقيقي، والألم الحقيقي هناك في هذه الأفواج، حينما تقاد فوجًا بعد فوج إلى النار، وهي تتغيض، ولها هذا الصوت المفزع تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ،ثم بعد ذلك يُلقون فيها بعد أن يعترفوا بذنوبهم، هذا هو المقام الذي ينبغي أن يخشاه العبد، وأن يفكر فيه طويلاً، فهو حري بأن يُزَهِّدُهُ بحطامِ الدنيا، وعَرَضِهَا الزائل، وأن تتقاصرَ هِمَّتُهُ، ونفسه عن طلب الشهوات المحرمة، وأن يكون هذا اليوم نُصب عَينَيه يحسب له حسابه، ويستعد له غاية الاستعداد؛ لأن ذلك هو المصير النهائي المحتوم الذي لا طعم للسعادة بعده إذا كان الإنسان من أهل الشقاء، -نسأل الله العافية لنا ولكم-.
"فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ "11.
قال تعالى عن هؤلاء الداخلين للنار، المعترفين بظلمهم وعنادهم:
"فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ" أي: فأقروا بإجرامهم وتكذيبهم للرسل .
لكن حين لا ينفع الندم ، فاعتراف الكفار وإيمانهم بعد فوات الأوان بالمعاينة -أي بعد معاينة ورؤية النار- لا ينفعهم "أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ . أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ . أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ " .الزمر 56 : 59 .
فسؤال الرد إلى الدنيا، نوع عبث، " وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ "الأنعام 28.
" فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ " أي فبعدًا وهلاكًا لأهل النار وبعدًا لهم عن رحمة الله .
فما أشقاهم وأرداهم، حيث فاتهم ثواب الله، وكانواملازمين للسعير، التي تستعر في أبدانهم، وتطلع على أفئدتهم!
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ " رواه مسلم :2703.
إذا طَلُعتِ الشَّمسُ مِن مَغرِبِها امتَنَعتِ التَّوبةُ على مَن لم يَكُنْ تاب قَبْلَ ذلك . الدرر- قال ابن كثير: دلت الأحاديث على أن من تاب إلى الله عز وجل وهو يرجو الحياة فإن توبته مقبولة, وأما متى وقع الإياس من الحياة وعاين الملك وحشرجت الروح في الحلق وضاق بها الصدر فلا توبة مقبولة حينئذ. اهـ
وكذلك عند نزول العذاب من الله سبحانه وتعالى لا ينفعهم الإقرار، كما قال تعالى عن فرعون"حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ"يونس:90- فبماذا أجيب؟ أجيب بقوله"آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" يونس:91.
إذًا: لا تنفع التوبة ولا الإقرار بالذنب عندما يصير الغيب شهادة، وعندما يرى المرء الملائكة أتت لقبض روحه، أو حينما يلقون في النار يوم القيامة"رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ"السجدة:12، فاليقين الذي ينفع هو اليقين في الدنيا في دار العمل، أما اليقين والإيمان في الآخرة عند نزول العذاب فهو يقين وإيمان رغم أنف الإنسان، ففيه نوع من الإكراه له، فلا يقبل الإيمان الذي يقع تحت الإكراه، قال الله"لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" البقرة:256، وإنما الإيمان واليقين الذي له قيمة هو الذي يقع هنا في دار التكليف في مجلس الامتحان، لكن هناك تظهر النتيجة فقط؛ لأنه ليس هناك عمل، ولذلك كانت أول صفات المؤمنين في القرآن الكريم"الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ"البقرة:3- فالإيمان بالغيب يتوصل إليه الإنسان عن طريق التفكر والتدبر في آيات الله وتحري الحق والبحث عنه والجهاد، قال عز وجل"وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا"العنكبوت:69، هذا الإيمان الذي له قيمة، لكن بعد معاينة العذاب لا يفيد.هنا-
"أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ"16.
بعد أن ذكر سبحانه وتعالى أن هذه الأرض سُهلَت للسالكين، توعَّدَ - وهدد،من استمر في طغيانه وتعديه، وعصيانه الموجب للنكال وحلول العقوبة- أن يجعل من الأرض نِقمة بعد أن كانت نِعمة، بخسفها فيُغَيَّبون في مجاهلِها بعد أن كانوا على ظاهرها يتنعمون، واستخدم ذلك صيغة السؤال ليظهر لهم مدى عجزهم وافتقارهم إليه سبحانه.هنا= بتصرف يسير.
فقال" أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ " وهو اللهُ تعالى، العالي على خلقه.ففيها إثبات لصفة العلو لله تعالى فالله جل وعلا في العلو بائِن من خلقِهِ سبحانه وتعالى. وهذه الصفة مِنْ لَوَازِمِ اسْمِ الْعَلِيِّ.
والعلي من أسماء الله الحسنى ، كما قال تعالى " وَهُوَ الْعَليُّ الْعَظِيمُ"سورة البقرة / آية : 255 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:من أسمائه الحسنى :العلي -الأعلى.
دليل اسم العلي: قال تعالى"وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ"البقرة: 255.
2 ودليل اسم الأعلى : قال تعالى"سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى"الأعلى: 1.
من أسمائه الحسنى :العلي الأعلى،وذلك دال على أن جميع معاني العلو ثابتة لله من كل وجه، فله :
علو الذات:
وهو :أنه مستوٍ على عرشه، فوق جميع خلقه، مباين لهم، وهو مع هذا مطلع على أحوالهم، مُشاهد لهم، مُدبر لأمورهم الظاهرة والباطنة .......توضيح الكافية الشافية :ص116.
"الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" طه 5 .
وأما علو القدر :
فهو علو صفاتِه، وعظمتها فلا يماثله صفة مخلوق، بل لا يقدر الخلائق كلهم أن يحيطوا ببعض معاني صفة واحدة من صفاته، قال تعالى"وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا" طه 110. وبذلك يُعلم أنه ليس كمثله شيء في كل نعوته.
"وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " الروم 27.
-فالمثل الأعلى: الصفات العليا التي لا يستحقها غيره-
قال تعالى " وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ"سورة الأنعام / آية : 91 .أي ما عظموه حق تعظيمه، وما أعطوه ما يستحقه- سبحانه- من تقديس وتكريم وتنزيه وطاعة.هنا-
وله علو القهر والغلبة:
فإنه الواحد القهار الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلّهم، فنواصيهم بيده، وما شاء كان لا يمانعه فيه ممانع، وما لم يشأ لم يكن فلو اجتمع الخلق على إيجاد ما لم يشأه الله لم يقدروا، ولو اجتمعوا على منع ما حكمت به مشيئته لم يمنعوه، وذلك لكمال اقتداره، ونفوذ مشيئته وشدة افتقار المخلوقات كلها إليه من كل وجه.الحق الواضح المبين :ص26،27.
-سبحانه وتعالى له مطلق القدرة على أن يرسل العذاب من السماء أو من بطن الأرض- هنا-
" هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ" الزمر 4.
-وقد جمع سبحانه بينهما-أي بين العلو والقهر- في قوله تعالى " وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ" سورة الأنعام / آية : 18 . -
فهو الذي على العرش استوى وعلى المُلْكِ احتوى، وبجميع صفات العظمة والكبرياء، والجلال والجمال وغاية الكمال اتصف وإليه فيها المنتهى. اهـ .تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي = هنا= ومصادر أخرى.
*قال ابن القيم رحمه الله:
"وَكَذَلِكَ اسْمُ الْعَلِيِّ، فَإِنَّ مِنْ لَوَازِمِ اسْمِ الْعَلِيِّ, الْعُلُوُّ الْمُطْلَقُ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ، فَلَهُ الْعُلُوُّ الْمُطْلَقُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ: عُلُوُّ الْقَدْرِ، وَعُلُوُّ الْقَهْرِ، وَعُلُوُّ الذَّاتِ، فَمَنْ جَحَدَ عُلُوَّ الذَّاتِ فَقَدْ جَحَدَ لَوَازِمَ اسْمِهِ الْعَلِيِّ" ا.هـ.
مدارك السالكين"1/ 55.الألوكة=
وقال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله :
"وأما قوله تعالى "أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ " الملك/16 .فمعناه : مَن على السماء ، يعني : على العرش" انتهى ."التمهيد" 7/130 .
لطيفة:
النصوص التي تصف الله تعالى بأنه في السماء ؛ تعني أنه سبحانه عالٍ على خلقه ، ولا تعني أنه عز وجل تحويه السماء وتحيط به ، وذلك لأن السماء هنا بمعنى العلو، وليست السماء المخلوقة ، أو يقال بأن حرف الجر في هنا بمعنى : على ، أي : على السماء،كما قال تعالى"وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ" - فِي بمعنى على، لأنه سيصلبهم على الجذوع وليس داخل جذوع النخل نفسه كما هو معلوم- وقال سبحانه "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ "العنكبوت 20، أي على الأرض وليس داخلها كما هو معلوم
ولا حاجة إلى هذا ، بل " السماء " اسم جنس للعالي ، لا يخص شيئًا ، فقوله " في السماء " أي : في العلو دون السفل .
وهو العلي الأعلى فله أعلى العلو ، وهو ما فوق العرش ، وليس هناك غيره العلي الأعلى سبحانه وتعالى " انتهى.
" مجموع الفتاوى " 16/100-101.
.هنا= بتصرف يسير.
" أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ " بكم وتضطرب، حتى تتلفكم وتهلككم.
والخسف: انقلاب ظاهر السطح من بعض الأرض فيصير باطنًا، والباطن ظاهرًا..كما فعل سبحانه بقارون:
"فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ"القصص 81.
لما انتهت بقارون حالة البغي والفخر، وازَّيَّنَتْت الدنيا عنده، وكثر بها إعجابه، بغته العذاب.
والمور: شدة الاضطراب والتحرك. يقال: مار الشيء مورا، إذا ارتج واضطرب.
فالمور: هو الحركة والاضطراب والدوران، والمجيء والذهاب، والتموج والتكفّؤ- تفسير الوسيط =
والمعنى: أأمنتم- أيها الناس- من في السماء وهو الله- عز وجل- أن يذهب الأرض بكم، فيجعل أعلاها أسفلها..
أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ: فيغيبكم إلى أسفل سافلين؟ وتمور بكم "فَإِذَا هِيَ تَمُورُ" أي: تضطرب وتهتز هزًا شديدًا بكم، وترتفع فوقكم، وتنقلب عليكم.
وهذا شبيه بقوله تعالى "يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا " أي: تدور السماء وتضطرب، وتدوم حركتها بانزعاج وعدم سكون- تفسير السعدي = هنا=
فالمقصود بالآية الكريمة تهديد الذين يخالفون أمره، بهذا العذاب الشديد، وتحذيرهم من نسيان بطشه وعقابه.
والباء في قوله بِكُمُ للمصاحبة. أى: يخسفها وأنتم مصاحبون لها بذواتكم، بعد أن كانت مذللة ومسخرة لمنفعتكم..
نسأل الله العافية لنا ولكم، اللهم سلم سلم
تفسير وتدبر سورة الملك
سورة المُلك مكية.
*بيان معنى مصطلح : المكي ،والمدني .
هو اصطلاح أطلقه العلماء ليميزوا بين الآيات والسور التي نزلت في المرحلة المكية للدعوة الإسلامية ، وبين ما نزل في المرحلة المدنية ، فاشتهر بين أكثر أهل العلم هذا التقسيم ، وجعلوا مناطَهُ ومدارَهُ على الزمانِ ، وليس على المكانِ :
فالمكيُّ من الآيات والسور : ما نزل قبل الهجرة النبوية ، سواء كان في مكة أو ضواحيها.
والمدني من الآيات والسور : ما نزل بعد الهجرة النبوية ، سواء كان مكان نزوله المدينة ، أو مكة بعد فتحها ، أو أي مكان في الجزيرة ذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم . الإسلام سؤال وجواب -
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" يتميز القسم المكي عن المدني من حيث الأسلوب والموضوع :
أ- أما من حيث الأسلوب فهو :
1- الغالب في المكي قوة الأسلوب ، وشدة الخطاب ؛ لأن غالب المخاطبين مُعْرِضُون مُسْتَكْبِرُون ، ولا يليق بهم إلا ذلك- الأسلوب الشديد- ، أقرأ سورتي المدثر ، والقمر .
أما المدني : فالغالب في أسلوبه اللين ، وسهولة الخطاب ؛ لأن غالب المخاطبين مقبلون منقادون ، اقرأ سورة المائدة .
2- الغالب في المكي: قصر الآيات ، وقوة المحاجة ؛ لأن غالب المخاطبين معاندون مشاقون ، فخوطبوا بما تقتضيه حالهم ، اقرأ سورة الطور .
أما المدني : فالغالب فيه طول الآيات ، وذكر الأحكام مرسلة بدون محاجة ؛ لأن حالهم تقتضي ذلك ، اقرأ آية الدَّين في سورة البقرة .
ب- وأما من حيث الموضوع فهو :
1- الغالب في المكي تقرير التوحيد والعقيدة السليمة ، خصوصًا ما يتعلق بتوحيد الألوهية والإيمان بالبعث ؛ لأن غالب المخاطَبين ينكرون ذلك .
أما المدني :
- فالغالب فيه تفصيل العبادات والمعاملات ؛ لأن المخاطبين قد تقرر في نفوسهم التوحيد والعقيدة السليمة ، فهم في حاجة لتفصيل العبادات والمعاملات.
- الإفاضة في ذكر الجهاد وأحكامه ،والمنافقين وأحوالهم في القسم المدني لاقتضاء الحال ، ذلك حيث شُرع الجهاد وظهر النفاق ، بخلاف القسم المكي " انتهى.
"أصول التفسير" ص/13. الإسلام سؤال وجواب -ومصادر أخرى
أما السور المدنية : فذكروا أن أَوَّل ما نزل بالمدينة : سورة البقرة ، ثم سورة الأَنفال ، ثم سورة آل عمران .....
قال الفيروز آبادي رحمه الله :
" فهذه جملة ما نزل بالمدينة . ولم نذكر الفاتحة لأَنَّه مختلَف فيها.
الإسلام سؤال وجواب -
*فضل التمسك وتلاوة القرآن الكريم حق التلاوة:
هو كلام الله المُنَزَّل على رسوله محمَّدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - المتعبَّدُ بتلاوته،المكتوبُ في المصاحف، المَحفوظ في الصُّدور.
من قال به صدَق، ومَن حكَم به عدَل، ومن دَعا إليه فقد هُدي إلى صراطٍ مستقيم.
* - أَبشِروا أليس تشهدون أن لا إله إلا اللهُ ، و أني رسولُ اللهِ ؟ قالوا : بلى : قال : إنَّ هذا القرآنَ سببٌ طرفُه بيدِ اللهِ ، و طرفُه بأيديكم ، فتمسَّكوا به ؛ فإنكم لن تضِلُّوا ولن تهلِكوا بعده أبدًا"
الراوي: أبو شريح العدوي الخزاعي الكعبي-المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 38 خلاصة حكم المحدث: صحيح درر -
عن جابر ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " القرآنُ شافعٌ مشفَّع ، وماحِلٌ مصدَّق ، مَنْ جعله أمامَه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار " .
رواه ابن حبان ـ صحيح ـ صحيح الترغيب والترهيب تحقيق الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ ج : 2 / ص : 164 /حديث رقم : 1423 .
الماحِلُ: المجادلُ لصاحبه لما يتبع ما فيه.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : القرآن .. يشفع لمن أحل حلاله وحرم حرامه واستقام على تعاليمه.هنا-
"اقْرَؤوا القرآنَ . فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابِهِ . اقرَؤوا الزَّهرَاوَين : البقرةَ وسورةَ آلِ عمرانَ . فإنهما تأتِيان يومَ القيامةِ كأنهما غَمامتانِ . أو كأنهما غَيايتانِ . أو كأنهما فِرْقانِ من طيرٍ صوافَّ . تُحاجّان عن أصحابهما . اقرَؤوا سورةَ البقرةِ . فإنَّ أَخْذَها بركةٌ . وتركَها حسرةٌ . ولا يستطيعُها البَطَلَةُ"الراوي : أبو أمامة الباهلي - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 804 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر -
"شفيعًا لأصحابِهِ"، أي: يَشْفَعُ لِقَارِئِيهِ، الَّذين يَقرؤونه مُتَدَبِّرِينَ له، عامِلين بما فيه.
وفي الحَديثِ: الحثُّ على قِراءَةِ القُرآنِ، وفَضيلةُ سُورَةِ البقَرةِ وآلِ عِمرانَ، وعظم سورة البقرة خُصوصًا.- الدرر -
"ما أصابَ عبدًا همٌّ ولا حزَنٌ ، فقالَ : اللَّهمَّ إنِّي عبدُكَ ، وابنُ عبدِكَ ، وابنُ أمتِكَ ، ناصِيتي بيدِكَ ، ماضٍ فيَّ حُكمُكَ ، عدلٌ فيَّ قضاؤُكَ ، أسألُكَ بِكُلِّ اسمٍ هوَ لَكَ ، سمَّيتَ بهِ نفسَكَ ، أو أنزلتَهُ في كتابِكَ ، أو علَّمتَهُ أحدًا مِن خلقِكَ ، أوِ استأثَرتَ بهِ في عِلمِ الغَيبِ عندَكَ ، أن تَجعلَ القرآنَ ربيعَ قَلبي ، ونورَ صَدري ، وجلاءَ حُزْني ، وذَهابَ هَمِّي ، إلَّا أذهبَ اللَّهُ همَّهُ وحزنَهُ ، وأبدلَهُ مَكانَهُ فرجًا"
الراوي : عبدالله بن مسعود- المحدث : الألباني- المصدر : الكلم الطيب-الصفحة أو الرقم- 124 خلاصة حكم المحدث : صحيح –الدرر-
*قال تعالى "قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ ْ" وهو القرآن، يُستضاء به في ظلمات الجهالة وعماية الضلالة. " وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ْ" لكل ما يحتاج الخلق إليه من أمور دينهم ودنياهم. من العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ومن العلم بأحكامه الشرعية وأحكامه الجزائية. .تفسير الشيخ السعدي -
اللهم اجعل القرآنَ ربيعَ قلوبِنا، ونورَ صدورِنا، وجلاءَ أحزانِنا ، اللهم اجعله شفيعًا لنا ، وشاهدًا لنا لا شاهدًا علينا ،ونسأل الله العافية في الدنيا والآخرة.
فللقرآن وتلاوته فضائل لا تعدّ ولا تُحصى، فقد بيّن لنا النبي أجر قراءة حرف من القرآن فهو بعشر حسنات، كذلك ما للقرآن من آثار نفسية عميقة في قرارة نفوسِنَا فهو أفضل الحلول للتخلّص من الهمّ والغمّ، ومن فضائل القرآن أنه نور في الحياة وفي الممات ويوم القيامة، وإن كان الله جعل للقرآن تلك الخصال الفريدة فقد خصّ بعض السور بشيء من الفضل، والتي نذكر منها سورة الملك.
*سورة الملك هي سورة من سور القرآن العظيم، و هي السورة السابعة والستون في ترتيب المصحف الشريف.
فضل سورة المُلْك :
-" إنَّ سورةً منَ القرآنِ ثلاثونَ آيةً شفعَت لرجلٍ حتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهيَ سورَةُ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ"
الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2891 - خلاصة حكم المحدث : حسن- الدرر السنية
"كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لاينامُ حتَّى يقرأ بـ تَنزيل السَّجدةِ وبـ تبارَك"الراوي : جابر بن عبدالله- المحدث : الألباني- المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم- 3404 خلاصة حكم المحدث :صحيح- الدرر-
- "كَانَ لا يَنامُ حتى يقرأَ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ ، و تَبارَكَ الذي بيدِهِ الملكُ"الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : الألباني - المصدر : السلسلة الصحيحة-الصفحة أو الرقم: 585 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر-
°مناسبة بداية سورة المُلك، للسورة التي قبلها وهي سورة التحريم :
قال تعالى في ختام سورة التحريم"
"ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12) "سورة التحريم.
التفسير:
قال "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا " أي : في مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم ، أن ذلك لا يجدي عنهم شيئًا ولا ينفعهم عند الله ، إن لم يكن الإيمان حاصلا في قلوبهم ، ثم ذكر المثل فقال " امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ" أي : نبيين رسولين عندهما في صحبتها ليلا ونهارا يؤاكلانهما ، ويضاجعانهما ، ويعاشرانهما أشد العشرة والاختلاط "فَخَانَتَاهُمَا" أي : في الإيمان ، لم يوافقاهما على الإيمان ، ولا صدقاهما في الرسالة ، فلم يجد ذلك كله شيئًا ، ولا دفع عنهما محذورًا ; ولهذا قال " فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا " أي : لكفرهما ، "وَقِيلَ" أي : للمرأتين "ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ" وليس المراد "فَخَانَتَاهُمَا" في فاحشة ، بل في الدين ، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة ; لحرمة الأنبياء ، كما قدمنا في سورة النور .
قال سفيان الثوري ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سليمان بن قتة : سمعت ابن عباس يقول في هذه الآية "فَخَانَتَاهُمَا" قال : ما زنتا ، أما امرأة نوح فكانت تخبر أنه مجنون ، وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدل قومها على أضيافه .
- وقال الضحاك ، عن ابن عباس : ما بغت امرأة نبي قط ، إنما كانت خيانتهما في الدين .تفسير ابن كثير -
"وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا .....وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ " وهذا وصف لها بالعلم والمعرفة، فإن التصديق بكلمات الله، يشمل كلماته الدينية والقدرية، والتصديق بكتبه، يقتضي معرفة ما به يحصل التصديق، ولا يكون ذلك إلا بالعلم والعمل، ولهذا قال تعالى" وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ " أي: المطيعين لله، المداومين على طاعته بخشية وخشوع، وهذا وصف لها بكمال العمل، فإنها رضي الله عنها صديقة، والصديقية: هي كمال العلم والعمل.تفسير الشيخ السعدي-
° فَوَجْهُ مُنَاسَبَتِهَا- أي سورة الملك- لِمَا قَبْلَهَا :
لَمَّا كَانَ قَدْ أَوْقَعَ فِي آخِرِ سُورَةِ التَّحْرِيمِ مَا فِيهِ أَعْظَمَ عِبْرَةٍ لِمَنْ تَذَكَّرَ، وَأَعْلَى آيَةٍ لِمَنِ اسْتَبْصَرَ، مِنْ ذِكْرِ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنَ قَدْ بَعَثَهُمَا اللَّهُ - تَعَالَى رَحْمَةً لِعِبَادِهِ - وَاجْتَهَدَا فِي دُعَاءِ الْخَلْقِ، فَحَرَّمَ الِاسْتِنَارَةَ بِنُورِهِمَا وَالْعِيَاذُ بِهُدَاهُمَا مَنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ جِنْسِهِمَا أَقْرَبُ إِلَيْهِمَا مِنْهُ وَلَا أَكْثَرَ مُشَاهَدَةً لِمَا مَدَّا بِهِ مِنَ الْآيَاتِ وَعَظِيمِ الْمُعْجِزَاتِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، ثُمَّ أَعْقَبَتْ هَذِهِ الْعِظَةُ بِمَا جَعَلَ فِي طَرَفٍ مِنْهَا وَنَقِيضٍ مِنْ حَالِهَا، وَهُوَ ذِكْرُ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ الَّتِي لَمْ يَغُرَّهَا مُرْتَكَبُ صَاحِبِهَا وَعَظِيمُ جُرْأَتِهِ مَعَ شِدَّةِ الْوَصْلَةِ وَاسْتِمْرَارِ الْأُلْفَةِ لِمَا سَبَقَ لَهَا فِي الْعِلْمِ الْقَدِيمِ مِنَ السَّعَادَةِ وَعَظِيمِ الرَّحْمَةِ فَقَالَتْ: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَحَصَلَ فِي هَاتَيْنِ الْقِصَّتَيْنِ تَقْدِيمُ سَبَبِ رَحْمَةٍ حَرَّمَ التَّمَسُّكَ بِهِ أَوْلَى النَّاسِ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ وَتَقْدِيمُ سَبَبِ امْتِحَانٍ عَصَمَ مِنْهُ أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَى التَّوَرُّطِ - فِيهِ، ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِقِصَّةٍ عَرِيَتْ عَنْ مِثْلِ هَذَيْنِ - السَّبَبَيْنِ - وَانْفَصَلَتْ فِي مُقَدِّمَاتِهَا عَنْ تَيْنِكَ الْقِصَّتَيْنِ، وَهُوَ ذِكْرُ مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ لِيَعْلَمَ الْعَاقِلُ حَيْثُ يَضَعُ الْأَسْبَابَ، وَأَنَّ الْقُلُوبَ بِيَدِ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ، أَعْقَبَ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ الْحَقِّ" تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" وَإِذَا كَانَ الْمَلِكُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِيَدِهِ الْمُلْكُ فَهُوَ الَّذِي يُؤْتِي الْمُلْكَ وَالْفَضْلَ مَنْ يَشَاءُ وَيَنْزِعُهُ مِمَّنْ يَشَاءُ وَيَعِزُّ مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْآيَةُ الْأُخْرَى فِي آلِ عِمْرَانَ ، فَقَدِ اتَّضَحَ اتِّصَالُ سُورَةِ الْمُلْكِ بِمَا قَبْلَهَا ثُمَّ بُنِيَتْ سُورَةُ الْمُلْكِ عَلَى التَّنْبِيهِ وَالِاعْتِبَارِ بِبَسْطِ الدَّلَائِلِ وَنَصْبِ الْبَرَاهِينِ حَسْبَمَا يُبْسِطُهُ التَّفْسِيرُ - انْتَهَى.
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور-
=فوجه المناسبة - بصيغة أخرى- بين آخر سورة التحريم وأول سورة الملك ،هو أنه سبحانه لما ضرب مثلًا للكفار بتينك المرأتين- "امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ" - المحتوم عليهما بالشقاوة ؛وإن كانتا تحت نَبِيينِ، ومثلًا للمؤمنين آسية ومريم ، وهما محتوم لهما بالجنة ؛وإن كان قومُهما كافرِينَ ،كان ذلك تصرفًا في ملكِهِ سبحانه على ما سبق قضاؤه .البحرالمحيط ،أبو حيان محمد بن يوسف- هنا=
=ووجه آخر للمناسبة:
لما خُتمت سورة التحريم بقول الله تعالى " وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ " جاءت بداية سورة تبارك مناسبة لها، حيث أن كلمة تبارك تعني تنزيه الله جل وجلاله عن صفات المخلوقين كالإنجاب، والولد ، ويشعرنا ذلك أن تبارك تنفي ما ادعاه النصارى بأن عيسى عليه السلام ابن الله، ببيان حقيقة مريم بنت عمران.
كما أن سورة الملك قد احتوت مشاهد من يوم القيامة ومن عذاب أهل النار، وكذلك سورة التحريمهنا =.
"اللَّهمَّ مُصرِّفَ القلوبِ صرِّف قلوبَنا على طاعتِكَ"
الراوي : عبدالله بن عمرو- المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2654 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر السنية-
"يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ"
الراوي : شهر بن حوشب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3522 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية-
لمريد شرح الحديث - هنا -
"رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ"آل عمران 8.
°لاتوجد سورة بُدِأت بكلمة تبارك سوى سورة الفرقان "تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا " وسورة الملك"تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ" .
هذه السورة العظيمة:
تعالج مسألة العقيدة وتوحيد الله ،ووصف معالم مُلْك الله ، وعظمة صنعه ، وسعة ملكوته ، والسورة تدور رحاها عن ملك الله من جوانبه المتعددة
فيها ذكر جملة من أسماء الله وصفاته،وفيها ذكر الغاية من خلق الموت والحياة، وفيها الحث على التفكر في السماء وما فيها من الآيات الباهرات، وفيها ذكر مآل شياطين الجن والإنس ، إلى غير ذلك من المعاني العظيمة التي يحيا بتذكرها القلب، فما أحوج المسلم إلى تدبر هذه السورة المباركة.
هنا- الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم .-
واشتملت على آيات تغرس في نفس المؤمن الذي يداوم على تلاوتها وتدبر معانيها الخشية بالغيب، الخشية من الله سبحانه وتعالى بالغيب. تؤسس الخشية بالغيب آية بعد آية بطريقة عملية.
ولذا جاءت هذه الخشية مبنية على أساس التعرف على الله سبحانه وتعالى وآياته، فكلما ازددتَ معرفة به سبحانه كلما ازددت تعرفًا على صفاته وأسمائه ،و ازددت استشعارًا لعظيم قدرته ورحمته سبحانه وتعالى ،وازددت خشية له، ولذا جاء في قول الله عز وجل "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ "28 فاطر .بالعلم والمعرفة بالله سبحانه وتعالى تزيد الخشية. لذا بدأت السورة المكية بقوله سبحانه وتعالى "تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" لنتعرف على الله وصفاته فله عز وجل في علاه القدرة التامة على التصرف في ملكوته، هبة ومنعًا وعطاء وأخذًا وردًا وإزالة وإقامة مُلك كامل ،وهو قادر على تحقيق هذا الملك سبحانه وتعالى، فكل ما في هذا الملكوت: الإنسان الشجر الطير ،لا تخرج عن إرادته سبحانه وتعالى بأي حال من الأحوال، حتى القَطْرة التي نشرب، حتى الطير الذي يحلّق بجناحيه في الفضاء ؛لا يستطيع أن يُفرد جناحيه ويقبض الجناحين إلا بإرادته سبحانه، هو الذي علَّم هو الذي أعطى، هو الذي وهب، هو الذي منح، حتى أنفاس الحياة هو سبحانه من يمنحها. هذا الملك العظيم الواسع بيده سبحانه وتعالى ولا يخرج عن قدرته عز وجل.
"تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"
*عناصر السورة:
سورة الملك كسائر السور المكية تُعْنَى بأصولِ العقيدةِ الأساسية، وهي إثبات وجود الله، وعظمته، وقدرته على كل شيء والاستدلال على وحدانيته، والإخبار عن البعث والحشر والنشر.
بُدِأت بالحديث عن تمجيد الله سبحانه، وإظهار عظمته، وتفرده بالملك والسلطان، وهيمنته على الأكوان، وتصرفه في الوجود بالإحياء والإماتة "الآيات: 1- 2" .
ثم أكدت الاستدلال على وجود الله عز وجل بخلقه السموات السبع، وما زيّنها به من الكواكب والنجوم المضيئة، وتسخيرها لرجم الشياطين ونحو ذلك من مظاهر قدرته وعلمه "الآيات: 3- 5" مما يدل على أن نظام العالم نظام مُحكم لا خلل فيه ولا تغاير.
ومن مظاهر قدرته تعالى: إعداد عذاب جهنم للكافرين، وتبشير المؤمنين بالمغفرة والأجر الكبير، وبذلك جمع بين الترهيب والترغيب على طريقة القرآن الكريم "الآيات: 6- 12" .
ومن مظاهر علمه وقدرته ونعمه: علمه بالسر والعلن، وخلقه الإنسان - ،ورزقه، وتذليل الأرض للعيش الهني عليها وحفظها من الخسف، وحفظ السماء من إنزال الحجارة المحرقة المدمرة للبشر، كما دمرت الأمم السابقة المكذبة رسلها، وإمساك الطير ونحوها من السقوط، وتحدي الناس أن ينصرهم غير الله إن أراد عذابهم "الآيات: 13- 20" .
وأردفت ذلك في الخاتمة بإثبات البعث، وحصر علمُه بالله تعالى، وإنذار المكذبين بدعوة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وتحذيرهم من إيقاع العذاب بهم، وإعلان وجوب التوكل على الله، والتهديد بتغوير الماء الجاري في الأنهار والينابيع دون أن يتمكن أحد بإجرائه والإتيان ببديل عنه "الآيات: 25- 30" .
والخلاصة: أن السورة إثبات لوجود الله تعالى ووحدانيته ببيان مظاهر علمه وقدرته، وإنذار بأهوال القيامة، وتذكير بنعم الله على عباده، وربط الرزق بالسعي في الأرض ثم التوكل على الله تعالى- بيان عاقبة المكذبين الجاحدين للبعث والنشور ..التفسير المنير للزحيلي* بتصرف.
______________
مشاركة رقم 2 = هنا =
البسملة:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
فالباء للاستعانة والتبرُّك. والمعنى هنا: أستعين وأتبرك بجميع أسماء الله الحسنى؛ لأن المفرد المضاف يفيد العموم، كقوله تعالى" وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ "النحل: 18؛ أي: جميع نعم الله؛ لأن " نِعْمَةَ " مفرد مضاف إلى اسم الجلالة.الألوكة=
ومن تفسير الشيخ السعدي للبسملة: أبتدئ بكل اسم لله تعالى، لأن لفظ "اسم" مفرد مضاف، فيعُم جميع الأسماء الحسنى . ا.هـ = هنا=
ولفظ الجلالة "الله"، هو علم على الذات. = الألوكة =
=قال ابن القيم :
الله أصله الإله ،كما هو قول سيبوبة وجمهور أصحابه إلا من شذ منهم .النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى / ص: 72.
اسم الله مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى دالٌّ عليها.واسم الله دالٌّ على كونه مألوهًا معبودًا ،تألهه الخلائق محبةً وتعظيمًا وخضوعًا، وفزعًا إليه في الحوائج والنوائب، وهذا يستلزم لكمال ربوبيته ورحمته ، المتضمنين لكمال الملك والحمد، وإلهيته وربوبيته ورحمانيته وملكه مستلزم لجميع صفات كماله، إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي ، ولا سميع ، ولا بصير،ولا قادر ...ولا فعال لما يريد ، ولا حكيم في أفعاله.
وصفات الجلال والجمال: أخص باسم "الله"
.شرح ابن القيم لأسماء الله الحسنى .ص: 28 = هنا=
*قول القائل " بسم الله " قبل الشروع في العمل معناه :
أَبتدأُ هذا الفعل مصاحبًا أو مستعينا بـ "اسم الله " ملتمسًا البركة منه.
ويوجد محذوف في عبارة باسم الله قبل البدء بالعمل ، وهذا المحذوف تقديره : أبتدئ عملي باسم الله ، مثل باسم الله أقرأ ، باسم الله أكتب ، باسم الله أركب ، ونحو ذلك . أو ابتدائي باسم الله ، ركوبي باسم الله ، قراءتي باسم الله وهكذا ، ويمكن أن يكون التقدير أيضًا : باسم الله أكتب ، باسم الله أقرأ , فيقدر الفعل مؤخرًا ، وهذا حسن ليحصل التبرك بتقديم اسم الله ، وليفيد الحصر أي أبدأ باسم الله لا باسم غيره .الشيخ محمد صالح المنجد = هنا =
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وإذا كانت البسملة مقصودة عند جمهورِهم فهي وسيلة، إذ قول القارئ بسم الله معناه: بسم الله أقرأ أو أنا قارئ.
ولهذا شُرِعَتِ التسميةُ في افتتاحِ الأعمال كلها، فيسمي الله عند الأكل والشرب ودخول المنزل والخروج منه ودخول المسجد والخروج منه.. وغير ذلك من الأفعال.. وهي عند الذبح من شعائر التوحيد.. فالصلاة والقراءة عمل من الأعمال فافتتحت بالتسمية. انتهى= هنا =
= دعاء الله بـ " اللهم" :
معنى "اللهم" كما يقول ابن القيم:
" ياالله" لذلك لا تستعمل إلا في الطلب ،فلا يقال : اللهم غفور رحيم، بل يُقال: اغفر لي وارحمني.
ونقل ابن القيم عن سيبوبة: أن "الميم" زيدت في آخر اللهم عِوضًا عن حرف النداء "يا" .شرح ابن القيم لأسماء الله الحسنى .ص: 34 = هنا=
"الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"
=ومن تفسير الشيخ السعدي للبسملة:
"الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل حي، وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسلِه. فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة، ومن عداهم فلهم نصيب منها.تفسير السعدي = هنا=
-فالنعم كلها, أثر من آثار رحمته = هنا =
الرحمة المطلقة أي التامة الموجبة للنجاة من النار ودخول الجنة، وهذه الرحمة قد كتبها الله تعالى لعباده المتقين، ومن عداهم من العصاة فلهم نصيب من الرحمة، فهم وإن عُذبوا ببعض ذنوبهم فإن الرحمة تدرك من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان منهم فيخرج من النار برحمة الله تعالى.=هنا=
وفي الدنيا نِعَم اللهِ كلها من آثار رحمته التي تَعُم الجميع - الهواء ،الماء،الرزق، ......
والرحمن يدل على سعة رحمة الله ، والرحيم يدل على إيصالها لخلقه ، فالرحمن : ذو الرحمة الواسعة ، والرحيم : ذو الرحمة الواصلة . الإسلام سؤال وجواب*
قال ابن القيم رحمه الله : "الرَّحْمَنِ: دال على الصفة القائمة به سبحانه ، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم ، فكان الأول للوصف والثاني للفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفته ، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته ، وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله "وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا " الأحزاب 43 . وقوله " إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ "التوبة 117. ولم يجئ قط " رحمن بهم " فعلم أن رحمن هو الموصوف بالرحمة ، ورحيم هو الراحم برحمته "ا.هـ بدائع الفوائد : 1/ 24 ..شرح ابن القيم لأسماء الله الحسنى .ص: 37 = هنا=
- وبصيغة أخرى:الرَّحْمَنِ صفة للذات -ذات الله - والرَّحِيمِ صفة للفعل . فالله في ذاته بلغت رحمته الكمال ، والرَّحِيمِ دل على أنه يرحم خلقه برحمته- هنا=
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : الرحمن : هو ذو الرحمة الواسعة ؛ لأن فَعْلان في اللغة العربية تدل على السعة والامتلاء ، كما يقال : رجل غضبان ، إذا امتلأ غضبًا .
الرحيم : اسم يدل على الفعل ؛ لأنه فعيل بمعنى فاعل ، فهو دال على الفعل ، فيجتمع من "الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " أن رحمة الله واسعة ، وتؤخذ من " الرحمن "، وأنها واصلة إلى الخلق ، وتؤخذ من " الرحيم " .
، وهذا ما رمى إليه بعضهم بقوله : الرحمن : رحمة عامة ، و الرحيم : رحمة خاصة بالمؤمنين . ولكن ما ذكرناه أولى .
انتهى من شرح العقيدة الواسطية 1/22 ، وهذا ما رمى إليه بعضهم بقوله : الرحمن : رحمة عامة ، و الرحيم : رحمة خاصة بالمؤمنين . ولكن ما ذكرناه أولى .
والله أعلم .
"الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"وهما بدل من الله تابعان له في جره، وقيل: نعت.
أنواع الدعاء:
دعاء الطلب والثناء، ودعاء العبادة بأسمائه الحسنى.
فدعاء المسألة: أن تقدم بين يدي مطلوبك من أسماء الله تعالى ما يكون مناسبًا مثل أن تقول: يا غفور اغفر لي. ويا رحيم ارحمني. ويا حفيظ احفظني. ونحو ذلك.
ودعاء العبادة: أن تتعبد لله تعالى بمقتضى هذه الأسماء، فتقوم بالتوبة إليه؛ لأنه التواب، وتذكره بلسانك لأنه السميع، وتتعبد له بجوارحك لأنه البصير، وتخشاه في السر لأنه اللطيف الخبير، وهكذا.
مقدمة كتاب :القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى للشيخ العثيمين رحمه الله تعالى.
دعاء العبادة بمقتضى اسمه الرحمن الرحيم:
أن تكون رحيمًا بالخلق ،الرحمة بالضعفاء والأطفال وسائر المخلوقات وتمتد هذه الرحمة لتشمل البهائم والطير= هنا = فالرحمة من الأخلاق العظيمة التي حضَّ الله سبحانه عباده على التخلُّق بها، ومدح بها أشرف رسله، فقال جلَّ وعلا"لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ"التوبة:128، هنا=
أنواع الدعاء:
دعاء الطلب والثناء، ودعاء العبادة بأسمائه الحسنى.
فدعاء المسألة: أن تقدم بين يدي مطلوبك من أسماء الله تعالى ما يكون مناسبًا مثل أن تقول: يا غفور اغفر لي. ويا رحيم ارحمني. ويا حفيظ احفظني. ونحو ذلك.
ودعاء العبادة: أن تتعبد لله تعالى بمقتضى هذه الأسماء، فتقوم بالتوبة إليه؛ لأنه التواب، وتذكره بلسانك لأنه السميع، وتتعبد له بجوارحك لأنه البصير، وتخشاه في السر لأنه اللطيف الخبير، وهكذا.
مقدمة كتاب :القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى للشيخ العثيمين رحمه الله تعالى.
دعاء العبادة بمقتضى اسمه الرحمن الرحيم:
أن تكون رحيمًا بالخلق ،الرحمة بالضعفاء والأطفال وسائر المخلوقات وتمتد هذه الرحمة لتشمل البهائم والطير= هنا = فالرحمة من الأخلاق العظيمة التي حضَّ الله سبحانه عباده على التخلُّق بها، ومدح بها أشرف رسله، فقال جلَّ وعلا"لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ"التوبة:128، هنا=
____________
بدأ سبحانه بآية واحدة تعتبر تلخيصًا لكل ما يأتي ،مقدمة شاملة لما يأتي بعدها.فبدأت بإثبات المُلْك الحقيقي المطلق الذي لا يزول لله سبحانه ؛بيده لا بيد غيره، وهذا المُلْك يلازمه البركة والخيرالذي يفيض على المملوكات والخلق، لذا بدأ سبحانه بفعل "تبارك" ،وفعل تبارك يدل على المبالغة في وفرة الخير،وهو في مقام الثناء الذي يقتضي العموم ،فيعم كل صفة كمال لله تعالى، فـ تَبارَكَ:أي سبحانه تعالى تعاظم قدْرُهُ، وهي تدل على غاية الكمال ومنتهى التعظيم والإجلال، ولذا لا يجوز استعمالُها في حقِّ غير اللهِ تعالى.
فيقدس الرب تعالى نفسه ، ويعظمها ، وينزهها عن العيوب والنقائص.عظُمَ قدرُه وعلا جاهُهُ وبعُدُ سلطانُهُ،فلا يماثلُه أحدٌ، ولم يكن له كفوًا أحد.
ومنها البِرْكَة: وهي ثبوت بعض الماء في حفرة ويتوالى الماء على الحفرة ويزداد حتى صار بِرْكَة، لذا سُمي محبس الماء بِرْكَة أي ماء كثيرًا مجتمعًا ، كذلك خير الله ثابت أبدًا لايزول ،ونِعَم اللهِ ، وفضله ثابت لايزول أبدًا مهما سرق العباد ... ، والبَرَكة: ثبوت الخير الإلهي .ومن خيره أن خلق السماوات والأرض، وخلق الخلق وخلق الطير والحشرات خلق كل شيء ، مما نرى له فائدة في حياتنا أو لانرى له فائدة ،حتى نقول بجهلنا لماذا خلق الله كذا ما فائدته ،اعْلَمْ أنَّ كلَّ ما خلقه الله تعالى أنه لحِكَم ومصلحة وإن جهلناها ؛فلم نؤتَى مِنَ العلمِ إلا قليلًا ،قال تعالى " وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" 85 الإسراء .أما الله فقد وسع علمُهُ ما في السموات وما في الأرض. قَالَ تعالى" إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا "98 طه .أَيْ:وَسِعَ عِلْمُهُ كُلَّ شَيْءٍ؛ فَهُوَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يَعْلَمُ الْوُجُودَ كُلَّهُ؛ مِنْ مُبْتَدَئِهِ إِلَى مُنْتَهَاهُ؛ وَمَآلَهُ؛ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا لِلْخَالِقِ الْمُدَبِّرِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في قولة تعالى" تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ "البركة نوعان:
أحدهما: بركةٌ هي فعله سبحانه، والفعل فيها بارك ويتعدى بنفسه تارة وبأداة "على"، وبأداة "في" تارة، والمفعول منها مبارَك.
*فتقول :بارك عليك، وبارك فيك.
والنوع الثاني: بركة تضاف إليه إضافة الرحمة والعزة، والفعل منها: تبارك، ولهذا لا يقال لغيره ذلك، ولا يصلح إلا له -عز وجل-، فهو سبحانه المبارِك وعبده ورسوله المبارَك كما قال المسيح" وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ" سورة مريم"31 ،فمن بارك الله فيه وعليه فهو المبارَك، وأما صفته تبارك فمختصة به تعالى كما أطلق على نفسه بقوله" تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ "سورة الأعراف:54 .ومن هنا قيل معناه:تعالى وتعاظم،وقيل: تبارك تقدس، والقدس الطهارة، وقيل: تَبَارَكَ: أي: باسمه يبارك في كل شيء، وحقيقة اللفظة أن البركة كثرة الخير ودوامه ولا أحد أحق بذلك وصفًا وفعلاً منه -تبارك وتعالى-" بدائع الفوائد :2/185، بتصرف يسير.هنا=
قال الشيخ ابن باز رحمه الله وبارك في آثاره: فلان مُبارك إذا عُرف منه الخير، وأن الله يجري على يديه الخير يقال: مُبارك.=هنا=
جعلني الله وإياكم مبارَكين أينما كنا.
أنواع البركة باعتبار آخر:
-البركة المعنوية الحسية :وهي الزيادة والنماء في أي شيء روحي أو معنوي ترتاح وتفرح له النفس، وذات علاقة بالروحانيات مثل :البركة في الدين وفي العبادات وفي السلوكيات وفي العلاقات المعنوية مع الآخرين .
- البركة المادية أو العقلية الملموسة : وهي الزيادة والنماء في الأشياء المادية مثل الكثرة في الأموال والأعيان والأمتعة ونحو ذلك .
- البركة المادية أو العقلية الملموسة : وهي الزيادة والنماء في الأشياء المادية مثل الكثرة في الأموال والأعيان والأمتعة ونحو ذلك .
فالْبَرَكَةُ: النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ ، حِسِّيَّةً كَانَتْ أَوْ عَقْلِيَّةً، وَكَثْرَةُ الْخَيْرِ وَدَوَامُهُ، وَنِسْبَتُهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ- حِسِّيَّةً- وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِالْمَقَامِ بِاعْتِبَارِ تَعَالِيهِ جَلَّ وَعَلَا عَمَّا سِوَاهُ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ.
وَصِيغَةُ التَّفَاعُلِ- أي :تبارك على وزن تفاعل- لِلْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ . وَعَلَى الثَّانِي -عَقْلِيَّةً- بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ مَا يَفِيضُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَخْلُوقَاتِهِ مِنْ فُنُونِ الْخَيْرَاتِ، وَالصِّيغَةُ -أي صِيغَةُ التَّفَاعُلِ- أي :تبارك على وزن تفاعل- حِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِإِفَادَةِ نَمَاءِ تِلْكَ الْخَيْرَاتِ وَازْدِيَادِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا وَآنًا فَآنًا بِحَسَبِ حُدُوثِهَا أَوْ حُدُوثِ مُتَعَلِّقَاتِهَا. تفسير أبو السعود -هنا-
= بِيَدِهِ الْمُلْكُ:
فيه إثبات اليد لله ،إثباتًا يليق بجلاله ؛من غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ ومن غيرِ تمثيلٍ ولا تكييف .
=التحريف معناه تغيير ألفاظ الأسماء والصفات أو تغيير معانيها، كقول الجهمية في"استوى": استولى،
وكتحريف الأشاعرة والمعتزلة والجهمية لصفات الله تعالى 'مثل قولهم .:المراد باليد النعمة أو القدرة.
=تعطيلٍ:معناه نفي صفات الله تعالى ،وإنكار قيام صفات الله تعالى به أو أسمائه كلها أو بعضها ،،
فالجهمية وأشباههم قد عطلوا الله عن صفاته؛ فلذلك سموا بالمعطلة، وقولهم هذا من أبطل الباطل؛ إذ لا يعقل وجود ذات بدون صفات، والقرآن والسنة متضافران على إثبات هذه الصفات على وجه يليق بجلال الله وعظمته.
تمثيلٍ: هو اعتقاد مشابهة من كل وجه أو مماثلة أي شيء من صفات الله تعالى لصفات المخلوقات.
فالتكييف هو: جعل الشيء على حقيقة معينة من غير أن يقيدها بمماثل.
بل على المؤمن أن يلتزم قوله تعالى "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "الشورى:11.
ومعنى قول أهل السنة"من غير تكييف" أي من غير كيف يعقله البشر، وليس المراد من قولهم"من غير تكييف" أنهم ينفون الكيف مطلقًا؛ فإن كل شيء لابد أن يكون على كيفية ما، ولكن المراد أنهم ينفون علمهم بالكيف؛ إذ لا يعلم كيفية ذاته وصفاته إلا هو سبحانه.شرح العقيدة الواسطية ص: 21. هنا=
"رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا " مريم:65.
أي: هل تعلم لله مساميًا ومشابهًا ومماثلًا من المخلوقين. وهذا استفهام بمعنى النفي، المعلوم بالعقل. أي: لا تعلم له مساميًا ولا مشابهًا، لأنه الرب، وغيره مربوب، الخالق، وغيره مخلوق، الغني من جميع الوجوه، وغيره فقير بالذات من كل وجه، الكامل الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه، وغيره ناقص ليس فيه من الكمال إلا ما أعطاه الله تعالى، فهذا برهان قاطع على أن الله هو المستحق لإفراده بالعبودية، وأن عبادته حق، وعبادة ما سواه باطل، فلهذا أمر بعبادته وحده، والاصطبار لها، وعلل ذلك بكماله وانفراده بالعظمة والأسماء الحسنى.تفسير السعدي .
وهكذا قال سفيان الثوري ، وابن عيينة والأوزاعي ، والإمام أحمد بن حنبل ، والإمام إسحاق بن راهويه ، وغيرهم من أئمة السلف، وهكذا الصحابة والتابعون على هذا الطريق، لا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، ولا يكيفونها، ولا يقولون: كيف كيف؟ بل يقولون: نثبتها لله، على الوجه اللائق بالله، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، بل نقول كما قال سبحانه" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ "الشورى:11، نعم.
الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى .
*ومن أدلة إثبات اليد لله من الكتاب :
قال تعالى" مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ" ص:75.
وقال تعالى "وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ".المائدة 64.
*ومن أدلة إثبات اليد لله من السنة الصحيحة:
"إن اللهَ عز وجل يبسطُ يدَه بالليلِ ، ليتوبَ مسيءُ النهارِ . ويبسطُ يدَه بالنهارِ ، ليتوبَ مسيءُ الليلِ . حتى تطلعَ الشمسُ من مغربِها"الراوي : أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2759 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
شرح الحديث:
رَحمةُ اللهِ وَسِعَت كُلَّ شيءٍ ومِن رَحمتِه أنَّه فَتحَ بابَ التَّوبةِ لعِبادِه باللَّيلِ والنَّهارِ.
وهذا الحديثُ يُبيِّنُ عَظيمَ فَضلِ اللهِ تَعالى وَسَعَةِ رَحمتِه وأنَّه يَقبَلُ التَّوبةَ مِن عِبادِه وإنْ تَأخَّرت بَعدَ ارتِكابِ الذَّنبِ، فالتَّوبةُ وإنْ كانتْ مَأمورًا بِها على الفَورِ إلَّا أَنَّها إذا تَأخَّرت قَبِلَها اللهُ عزَّ وجلَّ، فإنْ أَذنَبَ العَبدُ ذَنبًا بالنَّهارِ وَتابَ باللَّيلِ قَبِلَ اللهُ تَوبَتَه، وإنْ أَذنَبَ ذَنبًا باللَّيلِ وَتابَ بالنَّهارِ قَبِلَ اللهُ تَوبَتَه، وبَسَطَ يَدَه سُبحانَه يَتَلقَّى بِهما تَوبةَ التَّائبِ فَرحًا بِها وقَبولًا لَها. ولا يَزالُ الأَمرُ كَذلكَ بالعِبادِ حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ مِن مَغرِبِها، فإذا طَلعَتْ مِن مَغرِبِها قَبيلَ يَومِ القِيامةِ فإنَّ بابَ التَّوبةِ يُغلَقُ، فلا تُقبَلُ بَعدَ تِلكَ العَلامةِ تَوبةُ أحدٍ.
وفي الحديثِ: مَحبَّةُ اللهِ للتَّوبةِ.
وفيه: إِثباتُ صِفةِ اليدِ للهِ عَزَّ وجلَّ، فنُؤمِن بها مِن غيرِ تَأويلٍ ولا تَمثيلٍ، ومِن غيرِ تَحريفٍ ولا تَعطيلٍ. - الدرر-
*" تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ"
له سبحانه الْمُلْكُ التام من جميع الوجوه،المُلك غير المِلك ،لكن المُلك هو التصرف في المِلك :فالمِلك امتلاك الشيء لكن قد لايستطيع التصرف في مِلْكِهِ كما هو مشاهد ،فالملوك ، والسلاطين ، ملكهم غير تام ؛ لأنه لا يعم المملوكات كلها ، ومعرض للزوال ، وملك الله هو الملك الحقيقي قال الله تعالى "فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ " المؤمنون : 116. أما القدرة المطلقة التامة على التصرف فيه هو المُلْك، فهو سبحانه بيده تصريف الخلق جميعًا بإرادته ؛بأمره. فإرادة الله هي النافذه أبدًا.
يخبر تعالى أنه بيده المُلك أي هو المتصرف في جميع المخلوقات بما يشاء ،يخلق ما يشاء، ويعز من يشاء ، ويذل من يشاء ، ويغني من يشاء ، ويفقر من يشاء ، ويحيي ويميت ويعطي ويمنع بحكمته.
كما قال تعالى"قُلِ
اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ
الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء
بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "آل عمران 26 .وقال تعالى "وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " المائدة 17.
وقال تعالى "فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ "يس 83.
=نستفيد من معرفتنا ذلك : أن نطلب العز والعافية وكل شيء ممن يملكها بحق سبحانه.
فالْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ كَامِلُ الْإِحَاطَةِ .. بِنَاءً عَلَى أَنَّ بِيَدِهِ الْمُلْكُ.
، وَلِاسْتِدْعَاءِ ذَلِكَ اسْتِغْنَاءُ الْمُتَّصِفِ بِهِ- الله- مَعَ افْتِقَارِ الْغَيْرِ إِلَيْهِ - العبد- .
فَلِذَا قِيلَ هُنَا فِي بَيَانِ مَعْنَى الْآيَةِ: تَعَالَى وَتَعَاظَمَ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ ذَاتًا وَصِفَةً وَفِعْلًا، الْكَامِلُ الْإِحَاطَةِ عَلَى كُلِّ مَوْجُودٍ .
"وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"
فهو القادر على كل شيء كما قال تعالى:
"وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ" فاطر 44.
أي إذا أراد إنزال عذاب بقوم لم يعجزه ذلك . إنه كان عليمًا قديرًا .تفسير القرطبي =هنا=
*بيان أهم خصائص هذا المُلك: القدرة المطلقة للموجود ومَا لَمْ يُوجَدْ؛ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقُدْرَةِ "قَدِيرٌ".
@"وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" تَكْمِيلٌ لِذَلِكَ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ الْأُولَى تَدُلُّ عَلَى التَّصَرُّفِ التَّامِّ فِي الْمَوْجُودَاتِ عَلَى مُقْتَضَى إِرَادَتِهِ سُبْحَانَهُ وَمَشِيئَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ وَلَا مُدَافِعٍ لَا مُتَصَرِّفَ فِيهَا غَيْرُهُ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا يُؤْذِنُ بِهِ تَقْدِيمُ الظَّرْفِ وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى الْقُدْرَةِ الْكَامِلَةِ الشَّامِلَةِ، وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْأُولَى لَأَوْهَمَ أَنَّ تَصَرُّفَهُ تَعَالَى مَقْصُورٌ عَلَى تَغْيِيرِ أَحْوَالِ الْمِلْكِ كَمَا يُشَاهَدُ مِنْ تَصَرُّفِ الْمُلَّاكِ الْمَجَازِيِّ، فَقُرِنَتْ بِالثَّانِيَةِ لِيُؤْذِنَ بِأَنَّهُ عَزَّ سُلْطَانُهُ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ وَعَلَى إِيجَادِ الْأَعْيَانِ الْمُتَصَرِّفِ فِيهَا وَعَلَى إِيجَادِ عَوَارِضِهَا الذَّاتِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَمِنْ ثَمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِالْوَصْفِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْعَوَارِضِ اخْتَارَ فِي الْقَرِينَةِ الْأُولَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيهَا مِنَ التَّخْصِيصِ بِالْمَوْجُودِ :
فَقَالَ: أَيْ تَعَالَى وَتَعَاظَمَ عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ عَلَى كُلِّ مَوْجُودٍ لِمَا سَمِعْتَ، وَفِي الثَّانِيَةِ التَّخْصِيصُ بِالْمَعْدُومِ فَقَالَ"وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" مَا لَمْ يُوجَدْ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقُدْرَةِ قَدِيرٌ.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ "وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "عَامٌّ لِمَا وُضِعَ لَهُ الشَّيْءُ فَيَكُونُ قَدْ قَصَدَ بَيَانَ الْقُدْرَةِ أَوَّلًا وَعُمُومَهَا ثَانِيًا،
مقتبس من تفسير الألوسي .و تفسير الشيخ عبد البديع أبو هاشم رحمه الله.ومصادر أخرى.
" تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"
*تدل الآية على أمورٍ ثلاثة: أن الله تعالى وتعاظم عن -صفة له سبحانه - كل ما سواه من المخلوقات، وأنه المالك المتصرف في السموات والأرض في الدنيا والآخرة، وهو صاحب القدرة -العامة- التامة والسلطان المطلق على كل شيء.
*ومن مظاهر قدرته وعلمه قوله سبحانه:
" الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ "الملك 2.
@قال تعالى في سورة النجم:
"وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى "31 : النجم .
أي إنه تعالى مُوجِد الموت والحياة ومقدرهما من الأزل، وهو الذي جعل البشر عقلاء ليدركوا معاني التكليف ويقوموا به، وليعاملهم معاملة المختبِر لأعمالِهِم، فيجازيهم على ذلك، وليعرّفهم أيهم أطوع وأخلص لله وخير عملا، وهو القوي الغالب القاهر الذي لا يغلبه ولا يعجزه أحد، الكثير المغفرة والستر لذنوب من تاب وأناب بعد ما عصاه وخالفه، فهو سبحانه مع كونه عزيزًا منيعًا يغفر ويرحم، ويعفو ويصفح، كما في آية أخرى" نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ "الحجر 15/ 49- 50 .
والآية الثانية من سورة الملك؛ دليل على أن الموت أمر وجودي، لأنه مخلوق. والموت: انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقتها له، والحياة: تعلق الروح بالبدن واتصالها به، وإيجاد الحياة معناه: خلق الروح في الكائنات الحية، ومنها إيجاد الإنسان.
والمقصد الأصلي من الابتلاء: هو ظهور كمال إحسان المحسنين.
"الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ"
وقدم الموت على الحياة في الآية لأن الموت أهيب في النفوس وأفزع، فيحفز على العمل وهوأقوى داعيًا إلى العمل لمن يتدبر ويعي ويعتبر .
وهذه الآية الأولى من دلائل ملك الله عز وجل وقدرته تريد أن تخرج بنا من النظرة المألوفة المعتادة التي لا توقظ الضمير، التي لا تبعث الإيمان في قلب المؤمن، التي لا تجدد الإيمان، التي تجعل حتى قضية الحياة والموت قضية مألوفة معتاد عليها. فكل الناس يرون الحياة أمام أعينهم ويرون المواليد الجدد ويرون كذلك الموت، ولكن ألِفوا هذا ،ولم يعد ذلك عبرة توقظ القلوب الغافلة ، ولكن سورة الملك تريد أن تغير هذه النظرة وتخرج بها من الإلف والاعتياد الذي لا يجدد الإيمان ،إلى إحيائها في القلب من جديد لتصبح قضية الموت وقضية الحياة قضية غير مألوفة، قضية تصل بنا إلى الإيمان بالله، قضية تقربنا من معرفة الله عز وجل، واستشعار هذه المعرفة والوصول بها إلى الخشية من الله سبحانه وتعالى. الموت والحياة ليست قضية مألوفة، كون أنها تتكرر في كل ساعة وفي كل يوم وفي كل لحظة ومع كل مخلوق هذا لا يخرج بها عن حد الإعجاز والقدرة العظيمة لله إلى حد الإلف والاعتياد حتى تصبح مسألة معتادة لا تحرك فينا ساكنًا ولا تجدد فينا إيمانًا ولا تبعث في حياتنا ولا في قلوبنا الإيمان والخشوع والخشية والخضوع لله من جديد هذا ليس بمقبول، كيف؟ فلنتأمل ختام الآية "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" إذًا الموت والحياة ليست مجرد قضية معتادة ومألوفة، الموت والحياة لهما غاية، فالمسألة مسألة اختبار. حياتنا على هذه الأرض وبقاؤنا على الأرض ليست مجرد رحلة ليست مجرد أيام وسنوات نقضيها ونقلب الأوراق في ثناياها ليست مجرد عد للأيام دون حساب ولا كتاب، أبدًا. القضية من ورائها هدف ما هو الهدف؟ ليختبركم أيكم أحسن عملاً.
وإحسان العمل يكون بإخلاصه وبموافقته للشريعة ، أي خالصًا لله ؛ وصوابًا على ما جاء بالشريعة أي الاتباع .
=قال ابن القيم رحمه الله :وَالْعَمَلُ الأَحْسَنُ هُوَ الأَخْلَصُ وَالأَصْوَبُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَرْضَاتِهِ وَمَحَبَّتِهِ - هنا-
=قال الشيخ السعدي في تفسيرها: هو أخلَصه وأصوبه.هنا-
إذًا أحسن العمل أخلصه، وأصوبه أي :ما كان وفق ما جاء به الله سبحانه وتعالى من أوامر في القرآن وما جاء على لسان حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم في سنته.
، ولكي أصل إلى مرحلة الإخلاص هذه المرحلة العظيمة عليّ أن أكون أكثر خشية وأكثر معرفة بالله سبحانه وهو ما تقدمه لي آيات سورة الملك.
الإحسان : أن يأتي بالعمل حسنًا متقنًا لا نقص فيه ولا وصم ، وإحسان العمل لا يمكن إلا بمراقبة خالق هذا الكون .
ولذلك فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان لما سأله جبريل ما الإحسان :بقوله:
"أن تَعْبُدَ اللهَ كأنك تراه ، فإن لم تَكُنْ تراه فإنه يَراكَ " الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-
الصفحة أو الرقم: 50 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-
فأخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ مرتبة الإحْسَان على درجتين، وأنَّ المحسنين في الإحْسَان على درجتين متفاوتتين: الدَّرجة الأولى: وهي «أن تعبد الله كأنَّك تراه». الدَّرجة الثَّانية: أن تعبد الله كأنَّه يراك، والمعنى إذا لم تستطع أن تعبد الله كأنَّك تراه وتشاهده رأي العين، فانزل إلى المرتبة الثَّانية، وهي أن تعبد الله كأنَّه يراك. فالأُولى عبادة رغبة وطمع، والثَّانية عبادة خوف ورهب"
*ومن أنواع الإحسان: الإحسان إلى الخلق من الآدميين والبهائم، بإغاثة الملهوف من الخلق وإطعام الجائع والتصدق على المحتاج وإعانة العاجز، والتيسير على المعسر والإصلاح بين الناس.
فالإحسان إلى الناس : أن تعاملهم ابتغاءً لوجهِ اللهِ كما تحب أن يعاملوك به ، من حسن الخلق ، وطلاقة الوجه ، وكف الأذى ، وغير ذلك من المعروف .
قال صلى الله عليه وسلم".... فمَن أحبَّ منكم أن يُزَحْزَحَ عن النارِ ، ويُدْخَلَ الجنةَ فلتُدْرِكْه موتَتُه ، وهو مؤمنٌ باللهِ واليومِ الآخرِ ، وليَأْتِ إلى الناسِ ما يُحِبُّ أن يُؤْتَى إليه....." الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح النسائي-الصفحة أو الرقم: 4202 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر-
الإحسان إلى البهائم بالرفق بهم حتى عند الذبح:
قال صلى الله عليه وسلم:
"إن اللهَ كتبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ ، فإذا قتلتم فأحسِنوا القِتلَةَ ، و إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحةَ ، و ليُحِدَّ أحدُكم شفرتَه ، و ليُرحْ ذبيحتَه".الراوي : شداد بن أوس - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح النسائي-الصفحة أو الرقم: 4417 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
في الحديثِ: الحثُّ على الإحسانِ في كُلِّ شَيءٍ؛ لأنَّ اللهَ تَعالى كتَبَ ذلك، أي: شَرَعَه شَرعًا مُؤَكَّدًا.
وفيه: حُسْنُ تَعليمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بضَرْبِ الأَمثالِ؛ لأنَّ الأَمْثِلةَ تُقرِّبُ المعانيَ. - الدرر-
قال الله تعالى"وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"البقرة 195. ، وقال تعالى"وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"النساء:36، فقد أمر الله سبحانه بالإحسان إلى هذه الأصناف بإيصال الخير إليهم ودفع الشر عنهم، وقال تعالى"إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ"الذاريات:15-19. فبين الله سبحانه سبب حصولهم على هذه الكرامة العظيمة وأن ذلك بما أسلفوه من الإحسان في الدنيا من صلاة الليل والاستغفار بالأسحار والتصدق على المحتاجين، وقال تعالى "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ* وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ* كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ* إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ" المرسلات:41-44.الشيخ الفوزان -هنا-
والإحسان قد أمر اللهُ به في مواضعَ من كتابِهِ، منه ما هو واجب ومنه ما هو مستحب، فهو في كل شيء بحسبه.
فالإحسان في معاملة الخالق بفعل الواجبات وترك المحرمات واجب، وفي فعل المستحبات وترك المكروهات متسحب، والإحسان في معاملة الخلق، منه ما هو واجب كالإحسان إلى الوالدين والأقارب بالبر والصلة، ومنه ما هو مستحب كصدقة التطوع، وإعانة المحتاج، والإحسان في قتل ما يجوز قتله من الناس والدواب بإزهاق نفسه على أسرع الوجوه وأسهلها، من غير زيادة في التعذيب، وهكذا مطلوب من المسلم أن يكون محسنًا في كل شيء مما يأتي وما يَذَر، محسن في عمله، محسن في تعامله مع الله ومع خلقه، ومحسن في نيته وقصده، قال الله تعالى"لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ"التوبة:91، فهؤلاء الذين لا يستطيعون القتال لعجزهم الجسمي والمالي مع سلامة نياتهم وحسن مقاصدهم، قد عذرهم الله لأنهم محسنون في نياتِهم، لم يتركوا الجهاد لعدم رغبتهم فيه، وإنما تركوه لعجزهم عنه، ولو تمكنوا منه لفعلوه، فهم يشاركون المجاهدين في الأجر لنياتهم الصالحة وحسن قصدهم، فقد روى أبو داود، أن رسول الله قال "لقد ترَكتُم بالمدينةِ أقوامًا ما سِرتُم مسيرًا ولا أنفَقتُم من نفقةٍ ولا قطعتُم من وادٍ إلَّا وَهم معَكم فيه قالوا يا رسولَ اللَّه وَكيفَ يَكونونَ معنا وَهم بالمدينة فقال حبَسَهمُ العذرُ" الراوي : أنس بن مالك - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود- الصفحة أو الرقم: 2508 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر -
الشيخ الفوزان -هنا-
الله -تبارك وتعالى- خلق الموت والحياة من أجل أن يختبر الخلق كيف يعملون، فإذا أوجدهم ونُفخت فيهم الأرواح وصاروا إلى حال من التمييز والإدراك بعد ذلك يتجرون برءوس الأموال هذه التي هي الأنفاس -الأعمار- فيبتليهم الله -عز وجل- أيهم أحسن عملا، فيتفاضلون في ذلك ويتفاوتون غاية التفاوت، سواء منهم من يعمل الطاعات بإقباله على ربه وجده في العمل الصالح، أو فيما يقابل ذلك ممن يجد ويجتهد في المنكرات، والذنوب، والمعاصي، والكفر.
ليس العبرة بكثرة الكتب، وكثرة المؤلفات، وكثرة الدروس، أو المحاضرات، أو
البرامج التي يقوم عليها الإنسان، وإنما العبرة بالإتقان، وإحسان العمل،
وإرادة ما عند الله -تبارك وتعالى-، وأن يأتي بذلك على الوجه الصحيح، وهكذا
في عبادته، ليست العبرة بكثرة صلاته، وسجوده، ونحو ذلك، وإنما العبرة بما
يكون مع ذلك من استحضار النية، والخشوع، والإتيان بالعمل على الوجه
المشروع، ليست العبرة بكثرة الحج، وكثرة العمرة، ... العبرة بتوافر الإخلاص والمتابعة . الشخ خالد عثمان السبت =هنا= ومصادر أخرى .
ودعونا هنا نتوقف للحظات أليس الله سبحانه وتعالى وهو اللطيف الخبير -كما ستأتي علينا في السورة- أليس بعالم من سيقدم من خلقه أحسن العمل مِن
أسوأ العمل؟ بكل تأكيد، ولكنه سبحانه وتعالى من تمام عدله ورحمته وكرمه مع
خلقه أنه لم يُقِم الحُجة علينا بعلمه ،بل أراد أن يُقيم الحُجة علينا
بأعمالنا وتصرفاتنا وسلوكياتنا،وجوارحنا ستشهد علينا .قال تعالى "يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "النجم :31.
اللهم سلم سلم
فالقرآن ليس لمجرد التلاوة أن أتلو كل ليلة سورة الملك وتنتهي المسألة، لا. القرآن يؤسس القرآن يغير القرآن يحيي القرآن يبني القرآن يبثّ الحياة ويجدد الإيمان والتوحيد في القلوب .
في سورة الملك الآيات تسير معي خطوة بخطوة للوصول إلى درجة أحسن العمل.
"وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ"
ثم تُخْتَم الآية العظيمة باسمين كريمين :
-عزة القدر: معناه أن الله تعالى ذو قدر عزيز، يعني: لا نظير له.
- عزة الامتناع، وهي أن الله تعالى يمتنع أن يناله سوء أو نقص، هو الغني بذاته، فلا يحتاج إلى أحد ولا يبلغ العباد ضره فيضرونه، ولا نفعه فينفعونه.ثم تُخْتَم الآية العظيمة باسمين كريمين :
في أحدهما : معنى القهر للعباد في اسمه "الْعَزِيزُ" ،فلا
يشذ أحد عن قدرته ، ولا يشذ عن أخذه وبطشه ، والموت مظهرٌ هائلٌ من مظاهر
عزة وجلالة جناب المَلِك عظيم الُملْك . فبالموت ينكسر مُلكُ كل مَلِك
ويظهر أن المُلك الحقيقي لمالك الملك سبحانه وتعالى .
فالعزة لها ثلاثة معان، وكلها كاملة لله عز وجل:-عزة القدر: معناه أن الله تعالى ذو قدر عزيز، يعني: لا نظير له.
- عزة القهر والغلبة لكل الكائنات، فهي كلها مقهورة لله خاضعة لعظمته منقادة لإرادته، فجميع نواصي الخلق بيده، لا يتحرك منها متحرك ولا يتصرف منها متصرف إلا بحوله وقوته وإذنه، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن؛ لا حول ولا قوة إلا به. فمن قوته واقتداره أنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وأنه خلق الخلق ثم يميتهم ثم يحييهم ثم إليه يرجعون.
ومنه قوله تعالى"فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ" ص 23 - يعني: غلبني في الخطاب.
*الآثار المترتبة على الإيمان باسم الله العزيز:
-إن اسمه سبحانه " العزيز " يستلزم توحيده وعبادته وحده لا شريك له ، إذ الشركة تنافي كمال العزة .
-من طلب العزة فليطلبها من رب العزة، قال تعالى" مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا "فاطر: 10، أي من أحب أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله، فإنه يحصل له مقصوده، لأن الله مالك الدنيا والآخرة، وله العزة جميعًا.اللهم أعزنا بطاعتك ولا تذلنا بمعصيتك.آمين.
-
وفي اسمه الآخر " الْغَفُورُ": يظهر معنى الرحمة والعفو والمغفرة لمن تاب وأناب " الْغَفُورُ" . وأما الغفر فأصله في اللغة التغطية والستر.. والمغفرة إلباس الله تعالى العفو للمذنبين وسترهم بذنوبهم بعدم إطلاع العباد عليها.هنا
فهو الذي يغفر الذنوب وإن كانت كبارًا , ويسترها وإن كانت كثيرة , فالله عز وجل ربنا غفور يستر عباده ويتجاوز عن ذنوبهم وسيئاتهم.هنا=
سبحانه حينما يغفر لا يكون ذلك عن عجز عن المؤاخذة لأنه العزيز ، وبهذا الجمع بين هذين الاسمين "العزيز الغفور" يحصل الكمال الثالث من مجموعهما وأنه -تبارك وتعالى- لا يقنط العبد من رحمته ولا ييأس من فضله، وإن تعاظمت ذنوبه،فهو سبحانه مع عزته، أيضًا كثير المغفرة لمن تاب وأناب.
وهذا الوصفان -العزة والمغفرة - هما ركنا المُلك ، فالمُلك يحتاج إلى عِزة جناب ، وتفرد بالأمر ، وقوة في الأخذ ، وفي ذات الوقت يحتاج إلى رحمة وعفو .وقفة: من عرف الله زهد فيما سواه، إذا عرفت الله لا يمكن أن ترى مع عزة الله عزيزًا، ولا ترى مع قدرة الله قديرًا، ولا ترى مع حكمة الله حكيمًا. اللهم اغفر لنا وارحمنا واعفو عنا وعافنا إنك ولي ذلك والقادر عليه
____________________
مشاركة رقم 3 = هنا =
"الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ" 3.
في الآيات السابقة تعرفنا على الله وأنه تبارك سبحانه
أي تعاظم وتعالى، وكثر خيره، وعم إحسانه، ومن عظمته أن بيده ملك العالم العلوي والسفلي، فهو الذي خلقه، ويتصرف فيه بما شاء، من الأحكام القدرية، والأحكام الشرعية، التابعة لحكمته، ومن عظمته، كمال قدرته التي يقدر بها على كل شيء، وبها أوجد ما أوجد من المخلوقات العظيمة، كالسماوات والأرض.
وأنه عزيز غفور .
ثم تنتقل الآيات لتذكِّر العباد بأن هذا المَلِك هو الذي خلق الموت والحياة ليختبر أعمال العباد في ميادين السبق إلى أحسن الأعمال ،وأنه هو الذي يجازي عليها .
ومع وضوح معالم الملك وظهور دلائله : فالموت آية متكررة هائلة ، والحياة مثله ، آيتان باهرتان ، وخلق السموات والأرض وتزيينهما أكبر من خلق الناس ، إلا أن هناك قلوبًا جاحدة منكرة مستكبرة قاسية ، لا يزيل قسوتها ،ويذهب كبرياءَها إلا النار تحرقهم فيستغيثون ويشهقون ويصرخون وهي تغلي بهم .
سورة الملك تقدّم لنا الخطوات التي تصل بنا إلى مرحلة الخشية ،ومن أعظم وسائل الوصول لخشية الله سبحانه وتعالى بالغيب التفكر في ملكوت السموات والأرض،لذا قال سبحانه"الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ" وقفة للتفكر والتدبر في آيات الله وخلقه، فهو على كل شيء قدير.
عبادة التفكر بها يستدل العبد على عظمة الله بآياته الكونية، ويدرك سننه الشرعية، ويعلم حقيقة الوجود، وأهمية العمل لليوم الموعود،" إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"آل عمران: 190- 191.
لذا قال سبحانه" الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا " أي: كل واحدة فوق الأخرى، وليست طبقة واحدة، وخلقها في غاية الحسن والإتقان " مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ " أي: لا ترى خلل ونقص.لا تشاهد -أيها الرائي- فيما خلق الله أي تفاوت أو عدم تناسب ،تَبَايَن ، اِخْتَلَاف. فارجع البصر هل ترى من تَشَقُّق أو تَصَدُّع؟! لن ترى ذلك، وإنما ترى خلقًا محكمًا متقَنًا.
فإنك مهما نظرت فإنك لن تجد خللاً في بناء هذه السماء على سعتها، وقيامها هكذا من دون أعمدة، وعبر هذه المدة الطويلة جدًّا، أما بناء الإنسان فمهما كانت قوته فإنه ما يلبث حتى يتفطر، ويتشقق ثم يئول إلى السقوط، ثم بعد ذلك يتهاوى، أين الأبنية عبر القرون؟، ذهبت .هنا=
وإذا انتفى النقص من كل وجه، صارت حسنة كاملة، متناسبة من كل
وجه، في لونها وهيئتها وارتفاعها، وما فيها من الشمس والقمر
والكواكب النيرات، الثوابت منهن والسيارات.ولما كان كمالها معلومًا، أمر -الله- تعالى بتكرار النظر إليها والتأمل في أرجائها، قال:
" فَارْجِعِ الْبَصَرَ " أي: أعده إليها، ناظرًا معتبرًا " هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ " أي: نقص واختلال.
"ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ"4 .
" ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ " المراد بذلك: كثرة التكرار.
وإنما أمر بالنظر مرتين لأن الإنسان إذا نظر في الشيء مرة لا يرى عيبه ما لم ينظر إليه مرة أخرى .....
"ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ" تعجيز إثر تعجيز، وتحد في أعقاب تحد.. أي: ثم لا تكتف بإعادة النظر مرة واحدة، فربما يكون قد فاتك شيء في النظرة الأولى والثانية.. بل أعد النظر مرات ومرات.. فتكون النتيجة التي لا مفر لك منها، أن بصرك- بعد طول النظر والتأمل- ينقلب إليك خائبًا وهو كليل متعب.. لأنه- بعد هذا النظر الكثير- لم يجد في خلقنا شيئًا من الخلل أو الوهن.هنا=
"يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ " أي: يرجع البصر عاجزًا عن أن يرى خللًا أو فطورًا، ولو حرص غاية الحرص.
حَسِيرٌ أي: كليل قد انقطع من الإعياء من كثرة التكرر، ولا يرى نقصًا.
= لنحيا مع هذا الحديث الصحيح لنتصور السموات وما تحوي ولنستشعر عظمتها، وعظمة خالقها سبحانه وتعالى:
=يَحْكي أنَسُ بنُ مالِك رضي الله عنه عَن لَيلةِ أُسْرِيَ بِالنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن مَسجِدِ الكَعبةِ إلى بَيتِ المَقْدِسِ:
" ليلةَ أُسريَ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِن مَسجِدِ الكعبةِ: أنَّه جاءَه ثَلاثةُ نَفَرٍ قَبلَ أن يُوحى إليهِ، وهوَ نائِمٌ في المَسجدِ الحَرامِ، فَقال أوَّلُهم: أيُّهم هوَ؟ فَقال أَوسَطُهم: هوَ خَيرُهم، فَقال آخِرُهم: خُذوا خَيرَهم، فَكانت تلكَ اللَّيلةَ، فَلم يَرَهُم حتَّى أَتَوْه لَيلةً أُخرى فيما يَرى قَلبُه- وتَنامُ عَينُه ولا يَنامُ قَلبُه، وَكذلكَ الأَنبياءُ تَنامُ أَعينُهم وَلا تَنامُ قُلوبُهم- فلم يُكلِّموه حتَّى احتَمَلوه، فوَضَعوه عندَ بئرِ زَمزمَ، فتَولَّاه مِنهُم جِبريلُ، فشَقَّ جِبريلُ ما بَين نَحرِه إلى لَبَّتِه، حتَّى فَرَغ مِن صَدرِه وجَوفِه، فغَسَلَه مِن ماءِ زَمزَمَ بِيدِه، حتَّى أَنْقى جَوفَه، ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِن ذَهبٍ فيه تَوْرٌ مِن ذَهبٍ، مَحشوٌّ إيمانًا وحِكمةً، فحُشِي به صَدرُه ولَغاديدُه- يَعني عُروقَ حَلْقِه- ثُمَّ أَطبَقَه ثُمَّ عَرَجَ به إلى السَّماءِ الدُّنيا، فضَرَب بابًا مِن أَبوابِها، فَناداه أهلُ السَّماءِ: مَن هَذا؟ فَقال: جِبريلُ، قالوا: وَمَن مَعَك؟ قال: مَعي مُحمَّدٌ، قال: وَقد بُعِثَ؟ قال: نَعَم، قالوا: فمَرحبًا بِه وأهلًا، فيَستَبشِرُ بهِ أَهلُ السَّماءِ، لا يَعلَمُ أَهلُ السَّماءِ بِما يُريدُ اللهُ بِه في الأَرضِ حتَّى يُعلِمَهم، فوَجَدَ في السَّماءِ الدُّنيا آدمَ، فَقال له جِبريلُ: هذا أَبوكَ فَسلِّمْ عَليهِ، فسَلَّمَ عليهِ وردَّ عليهِ آدمُ وقال: مَرحبًا وأَهلًا بابْنِي، نِعْمَ الابنُ أنتَ، فإذا هوَ في السَّماءِ الدُّنيا بِنَهرينِ يَطَّرِدانِ، فقال: ما هَذانِ النَّهرانِ يا جِبريلُ؟ قال: هَذا النِّيلُ والفُراتُ، عُنْصُرُهُما، ثُمَّ مَضى بِه في السَّماءِ، فإذا هوَ بِنَهرٍ آخرَ، عليهِ قَصرٌ مِن لُؤلؤٍ وزَبَرْجَدٍ، فضَربَ يَدَه فإذا هوَ مِسْكٌ أَذْفَرُ، قال: ما هَذا يا جِبريلُ؟ قال: هَذا الكَوثرُ الَّذي خَبَّأ لك ربُّك، ثُمَّ عَرَج بِه إلى السَّماءِ الثَّانيةِ، فَقالتِ المَلائكةُ لَه مِثلَ ما قالت له الأُولَى: مَن هذا؟ قال: جِبريلُ، قالوا: ومَن مَعكَ؟ قال: مُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، قالوا: وَقد بُعِثَ إليه؟ قال: نَعَم، قالوا: مَرحبًا بِه وأهلًا، ثُمَّ عَرَج بِه إلى السَّماءِ الثَّالثةِ، وقالوا له مِثلَ ما قالتِ الأولى وَالثَّانيةُ، ثُمَّ عَرَج بِه إلى الرَّابعةِ، فَقالوا لَه مثلَ ذلكَ، ثُمَّ عَرَج بِه إلى السَّماءِ الخامِسةِ، فَقالوا مثلَ ذلكَ، ثُمَّ عَرَج بِه إلى السَّماءِ السَّادسَةِ، فَقالوا له مِثلَ ذلكَ، ثُمَّ عَرَج بِه إلى السَّماءِ السَّابعةِ، فَقالوا لَه مثلَ ذلكَ، كلُّ سماءٍ فيها أَنبياءُ قد سمَّاهُم، فوَعَيتُ مِنهم إدريسَ في الثَّانيةِ، وهارونَ في الرَّابعةِ، وآخَرَ في الخامسَةِ لم أحفَظِ اسمَه، وإبراهيمَ في السَّادسةِ، وموسَى في السَّابعةِ؛ بتَفضيلِ كَلامِ اللهِ. فَقال موسى: ربِّ لم أظُنَّ أن تَرفَعَ عليَّ أحدًا، ثُمَّ عَلا بِه فوقَ ذلكَ بِما لا يَعلَمُه إلَّا اللهُ، حتَّى جاءَ سِدْرةَ المُنتَهى، ودَنا الجبَّارُ ربُّ العزَّةِ، فتَدلى حتَّى كان مِنه قابَ قَوسَينِ أو أَدْنى، فأوحى اللهُ فيما أَوْحى إليهِ: خَمسينَ صَلاةً عَلى أُمَّتِك كلَّ يومٍ ولَيلةٍ، ثًمَّ هَبَط حتَّى بَلَغ مُوسى، فاحتَبَسَه موسَى فقال: يا مُحمَّدُ، ماذا عَهِد إليكَ ربُّكَ؟ قال: عَهِد إليَّ خَمسينَ صَلاةً كلَّ يومٍ ولَيلةٍ، قال: إنَّ أُمَّتَك لا تَستطيعُ ذلكَ، فارجِعْ فلْيُخفِّفْ عَنك ربُّك وعَنْهم، فالْتَفتَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إلى جِبريلَ كأنَّه يَستشيرُه في ذلكَ، فأَشار إليهِ جِبريلُ: أنْ نَعَم إن شِئتَ، فَعلا بِه إلى الجبَّارِ، فَقال وهوَ مَكانَه: يا ربِّ، خفِّفْ عنَّا؛ فإنَّ أُمَّتي لا تَستطيعُ هَذا، فوَضعَ عَنه عَشْرَ صَلَواتٍ، ثُمَّ رَجَع إلى موسى فاحتَبَسَه، فلَم يَزَلْ يُردِّدُه موسى إلى رَبِّه حتَّى صارتْ إلى خَمْسِ صَلواتٍ، ثُمَّ احتَبَسه موسى عندَ الخَمسِ، فَقال: يا مُحمَّدُ، واللهِ لَقد راوَدْتُ بَني إسرائيلَ قَومي على أَدنى مِن هذا فَضَعُفوا فَتَرَكوه، فأُمَّتُك أَضعَفُ أَجْسادًا، وقُلوبًا وأَبدانًا، وأَبصارًا وأَسماعًا، فارجِعْ فلْيُخفِّف عَنكَ ربُّك، كلَّ ذلكَ يَلتفِتُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إلى جِبريلَ لِيُشيرَ عليهِ، ولا يَكْرَهُ ذلكَ جِبريلُ، فرَفَعَه عندَ الخامسَةِ فَقال: يا ربِّ، إنَّ أُمَّتي ضُعفاءُ، أَجسادُهم وقُلوبُهُم، وأَسماعُهُم وأَبدانُهُم، فخَفِّف عنَّا، فقال الجبَّارُ: يا مُحمَّدُ، قال: لبَّيكَ وسَعدَيك. قال: إنَّه لا يُبدَّلُ القولُ لَديَّ، كما فَرَضْتُ عليكَ في أُمِّ الكِتابِ، قال: فكلُّ حَسنةٍ بِعَشْرِ أَمثالِها، فهيَ خَمْسونَ في أُمِّ الكتابِ، وهيَ خَمسٌ عَليك، فرَجَع إلى موسَى فَقال: كيفَ فَعَلتَ؟ فَقال: خفَّفَ عنَّا، أَعطانا بكُلِّ حَسَنةٍ عَشْرَ أَمثالِها، قال موسى: قد واللهِ راوَدتُ بَني إِسرائيلَ على أَدنى مِن ذلكَ، فتَرَكوه، ارجِعْ إلى ربِّك فلْيُخفِّفْ عنكَ أيضًا، قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: يا موسى، قَد واللهِ استَحيَيتُ مِن ربِّي ممَّا اختَلَفتُ إليهِ، قال: فاهبِطْ باسمِ اللهِ، قال: واستَيقَظَ وهوَ في مَسجدِ الحَرامِ."
الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري
-الصفحة أو الرقم: 7517 | خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنبية -
شرح الحَديثِ:
يَحْكي أنَسُ بنُ مالِك رضي الله عنه عَن لَيلةِ أُسْرِيَ بِالنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن مَسجِدِ الكَعبةِ إلى بَيتِ المَقْدِسِ، أنَّه جاءَ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثَلاثةُ نَفَرٍ مِن المَلائِكةِ، قَبلَ أن يُوحى إليه، وَهوَ نائِمٌ في المَسجِدِ الحَرامِ. فَقالَ أوَّلهم: أيُّهم هو؟ أيُّ الثَّلاثةِ مُحَمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم، وَكانَ صلَّى الله عليه وسلَّم نائِمًا بَينَ اثنَينِ أو أكْثَرَ، فَقالَ أوسَطُهم: هو خَيرُهم، يَعْني النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّه كانَ نائِمًا بَينَ الاثْنَينِ، وَقالَ آخِرُهم: خُذوا خَيرَهم للعُروجِ بِه إلى السَّماءِ، فَكانَتْ تِلكَ، أي: القِصَّةُ، أي: لَم يَقَعْ في تِلكَ اللَّيلةِ غَيرُ ما ذُكِرَ مِن الكَلامِ. فَلَم يَرَهم عليه الصَّلاة والسَّلام، حَتَّى جاؤوا إليه لَيلةً أُخْرى فيما يَرى قَلبُه، والنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم نائِمةٌ عَيْناه وَلا يَنامُ قَلبُه، وَكَذَلك الأنْبياءُ تَنامُ أعْيُنُهم وَلا تَنامُ قُلوبُهم....
في الحَديثِ:
ثُبوتُ رِحلةِ الإِسراءِ والمِعْراجِ.
وفيه: عَظيمُ رَحْمةِ الله عَزَّ وَجَلَّ بِنَبيِّه وَأُمَّتِهِ.
وفيه: أَدَبُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في اسْتِشارتِه لجِبْريلَ عليه السَّلامُ قَبلَ مُراجَعتِه لرَبِّه عَزَّ وجلَّ.
وفيه: تَفضيلُ نَبيِّنا مُحَمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم على سائِرِ إِخْوانِه الأنْبياءِ عليهم السَّلامُ.
وفيه: ثُبوتُ صِفةِ الكَلامِ للهِ سُبْحانَه وَتعالى.
وفيه: ثُبوتُ صِفةِ العُلوِّ للهِ سُبحانَه وَتعالى - الدرر السنبية -
الخلاصة:
*وَجَدَ في السَّماءِ الدُّنيا آدمَ، أصل نهري النِّيلُ والفُراتُ، ونهرالكَوثرُ .
السَّماءِ الثَّانيةِ: رحبت به صلى الله عليه وسلم الملائكةُ ورأى فيها النبي إدريسَ.
السَّماءِ الثَّالثةِ: رحبت به صلى الله عليه وسلم الملائكةُ الرَّابعةِ: رحبت به صلى الله عليه وسلم الملائكةُ ورأى فيها هارون عليه السلام.
الخامِسةِ: رحبت به صلى الله عليه وسلم الملائكةُ وَرَأى فيها نبي آخَرَ لَم يَحْفَظ اسمَه
السَّادسَةِ: رحبت به صلى الله عليه وسلم الملائكةُ ورأى فيها إبراهيمَ عليه السلام .
السَّابعةِ: رحبت به صلى الله عليه وسلم الملائكةُ ورأى فيها
موسَى عليه السلام .
وَلَم يَكُن موسى يَعتَقِد أن يَرفَع اللهُ عليه أحدًا؛ حَيثُ عَلا جِبْريلُ عليه السَّلامُ بِمُحَمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم فَوْقَ ذَلك بِما لا يَعلَمه إِلَّا اللهُ، حَتَّى جاءَ سِدْرةَ المُنتَهى الَّتي إليها يَنتَهي عِلمُ المَلائِكةِ، وَلَم يُجاوِزْها أحَدٌ إِلَّا نَبيُّنا صلَّى الله عليه وسلَّم، وَدَنا الجَبَّارُ رَبُّ العِزَّةِ فَتَدَلَّى، وَأصلُ التَّدَلِّي النُّزولُ إلى الشَّيْءِ حَتَّى يَقرَب مِنه، حَتَّى كانَ مِنه قَدرَ قَوسَينِ أو أقْرَبَ، فَأوْحى اللهُ إليه فيما أوْحى خَمْسينَ صَلاةً على الأُمَّةِ كُلَّ يَوم وَلَيلة، ثُمَّ هَبَطَ صلَّى الله عليه وسلَّم، وَهُنا تَكَلَّمَ معه موسى عليه السَّلامُ أن يَرجِعَ إلى رَبِّه وَيَطلُب مِنه التَّخفيفَ في عَدَدِ الصَّلَواتِ، فَخَفَّفَها الرَّحْمَنُ مِن خَمْسينَ إلى عَشْرٍ، وَلَم يَزَلْ يَرْدُده موسى إلى رَبِّه تعالى حَتَّى صارَتْ خَمْسًا، وَلمَّا هَبَطَ قالَ لَه موسى: واللهِ، لَقَدْ راجَعتُ بَني إِسْرائيلَ قومي على أقَلَّ مِن هَذا القَدْرِ، أي: مِن هَذِه الصَّلَواتِ الخَمْسِ فَضَعُفوا فَتَرَكوه، فَأُمَّتكُ أضْعَفُ أجْسادًا وَقُلوبًا وَأبْدانًا وَأبْصارًا وَأسْماعًا، فارْجِع إلى رَبِّك فَلْيُخَفِّف عَنْك كُلَّ ذَلك، والنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَلتَفِت إلى جِبْريلَ؛ ليُشيرَ عليه، وَلا يَكرَه ذَلك جِبْريلُ، فَرَفَعَه إلى رَبِّه، فَطَلَب مِنه التَّخْفيفَ، فَقالَ الجَبَّار: يا مُحَمَّدُ. فَأجابَه: لَبَّيْكَ رَبِّ وسَعدَيك، قالَ: إِنَّه لا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ كَما فَرَضتُ عليك، أي: وَعلى أُمَّتِك في أُمِّ الكِتابِ، وَهوَ اللَّوْح المَحْفوظ، قالَ: فَكُلُّ حَسَنةٍ بِعَشْر أمْثالِها، فَهيَ خَمْسونَ في أُمِّ الكِتابِ وَهيَ خُمْسٌ عليك، أي: وَعلى أُمَّتِك، فَرَجَعَ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى موسى عليه السَّلامُ، فَسَألَه: كَيْفَ فَعَلتَ؟ فَقالَ: خَفَّفَ رَبُّنا عَنَّا؛ أعْطانا بِكُلِّ حَسَنة عَشْرَ أمْثالِها. قالَ موسى: قَد واللهِ راجَعتُ بَني إِسْرائيلَ على أقَلَّ مِن ذَلك فَتَرَكوه، ارْجِعْ إلى رَبِّك فَلْيُخَفِّف عَنْك أيْضًا. قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: يا موسى، قَد واللهِ اسْتَحيَيْتُ مِن رَبِّي مِمَّا اخْتَلَفتُ إليه، قالَ لَه جِبْريلُ: فاهْبِط باسمِ اللهِ، قالَ: واستَيقَظَ صلَّى الله عليه وسلَّم وَهوَ في مَسجِدِ الحَرامِ. أي: واستَيقَظ مِن نَوْمةٍ نامَها بَعدَ الإِسْراءِ والمِعْراجِ.
"لَبَّته" وَهوَ مَوضِع القِلادةِ مِن الصَّدرِ. "تَوْر": إِناءٌ يُشْرَبُ فيهِ. "يَطرُدانِ": يَجريانِ. "عُنْصُرهما": أصْلُهما. "خَبَّأ لَك": أيْ ادَّخَرَ لَك.
_____________________
مشاركة رقم : 4 = هنا =
"وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ" 5 .
لما نفى سبحانه عن السماء في خلقها النقص ،بيّنَ كمالَها وزينتَها فقال"وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا" أي السماء القريبة منا .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسير الآية: ولقد جمَّلْنَا " السَّمَاءَ الدُّنْيَا " التي ترونها وتليكم " بِمَصَابِيحَ " وهي: النجوم، على اختلافها في النور والضياء، فإنه لولا ما فيها من النجوم، لكانت سقفًا مظلمًا، لا حُسن فيه ولا جَمال.
ولكن جعل اللهُ هذه النجوم زينة للسماء، وجمالًا، ونورًا وهداية يُهْتَدَى بها في ظلمات البر والبحر، ولا ينافي إخباره أنه زين السماء الدنيا بمصابيح،..... "وَجَعَلْنَاهَا " أي: المصابيح " رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ " الذين يريدون استراق خبر السماء، فجعل الله هذه النجوم، حراسة للسماء عن تلقف الشياطين أخبار الأرض، فهذه الشُّهُب التي تُرمَى من النجوم، أعدها اللهُ في الدنيا للشياطين، " وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ " في الآخرة " عَذَابِ السَّعِيرِ " لأنهم تمردوا على اللهِ، وأضَلُّوا عبادَهُ، ولهذا كان أَتْبَاعُهم من الكفار مثلهم، قد أعد الله لهم عذاب السعير.ا.هـ .هنا=
أي: جعلنا للشياطين هذا الخزي في الدنيا، وأعتدنا لهم عذاب السعير في الآخرة .ولكن جعل اللهُ هذه النجوم زينة للسماء، وجمالًا، ونورًا وهداية يُهْتَدَى بها في ظلمات البر والبحر، ولا ينافي إخباره أنه زين السماء الدنيا بمصابيح،..... "وَجَعَلْنَاهَا " أي: المصابيح " رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ " الذين يريدون استراق خبر السماء، فجعل الله هذه النجوم، حراسة للسماء عن تلقف الشياطين أخبار الأرض، فهذه الشُّهُب التي تُرمَى من النجوم، أعدها اللهُ في الدنيا للشياطين، " وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ " في الآخرة " عَذَابِ السَّعِيرِ " لأنهم تمردوا على اللهِ، وأضَلُّوا عبادَهُ، ولهذا كان أَتْبَاعُهم من الكفار مثلهم، قد أعد الله لهم عذاب السعير.ا.هـ .هنا=
أي أعددنا للشياطين عذاب السعير وهو طبقة في جهنم ، أشد طبقات النار حرارة وتوقدًا فإن جهنم طبَقَات .
وعذاب السعير هو أشد الحريق،نسأل الله العافية .
من أهل العلم من قال: إن السعير إحدى دركات النار, وقد سلف أن منهم من قال: هناك الحطمة, وجهنم, والسعير, ولظى, إلى غير ذلك.هنا- سلسلة التفسير للشيخ مصطفى العدوي.
وفي قوله سبحانه" وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ" ما يدل على ما سلف التأكيد عليه مرارًا أن النار مخلوقة, فأعتدنا معناها: أعددنا, وأعددنا فعل ماضٍ.
قال تعالى" النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ "غافر 46.
وقد جاء في السنة ما يؤكد هذا:
"أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: إن أحدَكم إذا مات، عُرِضَ عليه مقعدُه بالغداةِ والعشيِّ، إن كان من أهلِ الجنةِ فمن أهلِ الجنةِ ، وإن كان من أهلِ النارِ فمن أهلِ النارِ، فَيُقالُ: هذا مقعدُك حتى يبعثَك اللهُ يومَ القيامةِ."الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 1379 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية-
-قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" اشتَكَتِ النارُ إلى ربها ، فقالتْ : ربِّ أكلَ بعضي بعضًا ، فأذِنَ لها بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الشتاءِ ونَفَسٍ في الصيفِ ، فأشدُّ ما تجدونَ من الحرِّ ، وأشدُّ ما تجدون من الزَّمْهَرِيرِ"
الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 3260- خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-
الشرح:ذكرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنَّ النَّارَ اشتكَتْ إلى ربِّها، فكانَت شِدَّةُ الحرِّ مِنْ وهَجِها وفَيْحِها، وجعلَ اللهُ فيها بقُدرتِه إدراكًا حتَّى تَكلَّمَتْ، فأذِنَ لها في كلِّ عامٍ بنفَسَينِ، والنَّفَسُ هو ما يخرجُ منَ الجَوفِ ويدخلَ فيه مِنَ الهواءِ؛ نفَسٍ في الشتاءِ، ونفَسٍ في الصَّيفِ. وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ عذابَ النَّارِ منه ما هو حَرٌّ، ومنه ما هو بَرْدٌ.- الدرر-
نسأل الله العافية
*وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" قال العلماء في تفسير قوله تعالى وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ .." : أي : جعلنا شُهُابَهَا الذي ينطلق منها ،......
فالشُّهُب : نيازك تنطلق من النجوم .
وهي كما قال أهل الفلك : تنزل إلى الأرض ، وقد تحدث تصدعًا فيها ، أما النجم فلو وصل إلى الأرض لأحرقها " انتهى ."القول المفيد على كتاب التوحيد" / 227 .
قال قتادة:
" خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثٍ : جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ، وَعَلَامَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا ؛......." .رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.
وذكره البخاري عنه في صحيحه :4/107، معلقًا مجزومًا به .
والمقصود بجعلها رجومًا للشياطين أنه يخرج منها شُهب من نارٍ ، فتصيب هذه الشياطين ، ولا يعني جعلها رجومًا أنها بذواتها يُقذف بها ، كما قال تعالى " إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ " الصافات / 10 . فالذي يصيب هذه الشياطين من تلك النجوم هي تلك الشُّهُب التي تخرج منها .ويدل على ذلك ما ورد في الحديث " فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ فَيُحْرِقَهُ" يدل على أن شهاب النار يخرج من تلك النجوم فيصيب تلك الشياطين ."الإسلام سؤال وجواب .
الحديث بتمامه:عن أبي هريرة رضي الله عنه ،قال:قال رسول صلى الله عليه وسلم"إذا قضَى اللهُ الأمرَ في السَّماءِ، ضرَبَتِ الملائكةُ بأجنِحَتِها خُضْعانًا لقولِه؛ كالسِّلسِلةِ على صَفوانٍ - قال عليٌّ: وقال غيرُه: صَفوانٍ يَنفُذُهم ذلك - فإذا فُزِّع عن قُلوبِهم، قالوا: ماذا قال ربُّكم؟ قالوا للَّذي قال: الحقَّ، وهو العلِيُّ الكَبيرُ، فيَسمَعُها مُستَرِقُو السَّمعِ، ومُستَرِقُو السَّمعِ هكذا واحِدٌ فوْقَ الآخَرِ - ووصَف سُفيانُ بيَدِه، وفرَّج بينَ أصابِعِ يدِه اليُمنى؛ نصَبَها بعضَها فوقَ بَعضٍ -فربَّما أدرَك الشِّهابُ المستمِعَ قبلَ أن يَرميَ بها إلى صاحِبِه فيَحرِقُه، وربَّما لَم يُدرِكْه حتَّى يَرميَ بها الَّذي يَليه، إلى الَّذي هو أسفَلَ مِنه، حتَّى يُلْقوها إلى الأرضِ - وربَّما قال سُفيانُ: حتَّى تَنتهيَ إلى الأرضِ - فتُلْقَى على فَمِ السَّاحِرِ، فيَكذِبُ معها مِائةَ كَذْبَةٍ، فيُصدَّقُ فيَقولون: ألَم يُخبِرْنا يومَ كذا وكذا يَكونُ كذا وكذا، فوجَدْناه حقًّا؟ للكلمَةِ الَّتي سُمِعَتْ مِن السَّماءِ. حدَّثَنا علِيُّ بنُ عبدِ اللهِ، حدَّثَنا سُفيانُ، حدَّثنا عَمرٌو، عن عِكرمَةَ، عن أبي هُريرةَ: إذا قَضى اللهُ الأمرَ، وزاد: والكاهِنِ، وحدَّثَنا سُفيانُ فقال: قال عَمرٌو: سمِعتُ عِكرمَةَ: حدَّثنا أبو هُريرةَ قال: إذا قضَى اللهُ الأمرَ، وقال: على فَمِ السَّاحِرِ، قلتُ لِسُفيانَ: أأنتَ سَمِعتَ عَمرًا قال: سمِعتُ عِكرمَةَ، قال: سمعتُ أبا هُريرةَ؟ قال: نعَم، قلتُ لسُفيانَ: إنَّ إنسانًا روَى عنك: عن عمرٍو، عن عِكرمَةَ، عن أبي هُريرةَ، ويرفَعُه: أنَّه قرَأ: فُرِّغ، قال سُفيانُ: هكذا قرَأ عمرٌو، فلا أدرِي: سمِعه هكذا أم لا، قال سُفيانُ: وهي قِراءتُنا.الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 4701 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية-
" خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثٍ : جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ، وَعَلَامَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا ؛......." .رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.
وذكره البخاري عنه في صحيحه :4/107، معلقًا مجزومًا به .
والمقصود بجعلها رجومًا للشياطين أنه يخرج منها شُهب من نارٍ ، فتصيب هذه الشياطين ، ولا يعني جعلها رجومًا أنها بذواتها يُقذف بها ، كما قال تعالى " إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ " الصافات / 10 . فالذي يصيب هذه الشياطين من تلك النجوم هي تلك الشُّهُب التي تخرج منها .ويدل على ذلك ما ورد في الحديث " فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ فَيُحْرِقَهُ" يدل على أن شهاب النار يخرج من تلك النجوم فيصيب تلك الشياطين ."الإسلام سؤال وجواب .
الحديث بتمامه:عن أبي هريرة رضي الله عنه ،قال:قال رسول صلى الله عليه وسلم"إذا قضَى اللهُ الأمرَ في السَّماءِ، ضرَبَتِ الملائكةُ بأجنِحَتِها خُضْعانًا لقولِه؛ كالسِّلسِلةِ على صَفوانٍ - قال عليٌّ: وقال غيرُه: صَفوانٍ يَنفُذُهم ذلك - فإذا فُزِّع عن قُلوبِهم، قالوا: ماذا قال ربُّكم؟ قالوا للَّذي قال: الحقَّ، وهو العلِيُّ الكَبيرُ، فيَسمَعُها مُستَرِقُو السَّمعِ، ومُستَرِقُو السَّمعِ هكذا واحِدٌ فوْقَ الآخَرِ - ووصَف سُفيانُ بيَدِه، وفرَّج بينَ أصابِعِ يدِه اليُمنى؛ نصَبَها بعضَها فوقَ بَعضٍ -فربَّما أدرَك الشِّهابُ المستمِعَ قبلَ أن يَرميَ بها إلى صاحِبِه فيَحرِقُه، وربَّما لَم يُدرِكْه حتَّى يَرميَ بها الَّذي يَليه، إلى الَّذي هو أسفَلَ مِنه، حتَّى يُلْقوها إلى الأرضِ - وربَّما قال سُفيانُ: حتَّى تَنتهيَ إلى الأرضِ - فتُلْقَى على فَمِ السَّاحِرِ، فيَكذِبُ معها مِائةَ كَذْبَةٍ، فيُصدَّقُ فيَقولون: ألَم يُخبِرْنا يومَ كذا وكذا يَكونُ كذا وكذا، فوجَدْناه حقًّا؟ للكلمَةِ الَّتي سُمِعَتْ مِن السَّماءِ. حدَّثَنا علِيُّ بنُ عبدِ اللهِ، حدَّثَنا سُفيانُ، حدَّثنا عَمرٌو، عن عِكرمَةَ، عن أبي هُريرةَ: إذا قَضى اللهُ الأمرَ، وزاد: والكاهِنِ، وحدَّثَنا سُفيانُ فقال: قال عَمرٌو: سمِعتُ عِكرمَةَ: حدَّثنا أبو هُريرةَ قال: إذا قضَى اللهُ الأمرَ، وقال: على فَمِ السَّاحِرِ، قلتُ لِسُفيانَ: أأنتَ سَمِعتَ عَمرًا قال: سمِعتُ عِكرمَةَ، قال: سمعتُ أبا هُريرةَ؟ قال: نعَم، قلتُ لسُفيانَ: إنَّ إنسانًا روَى عنك: عن عمرٍو، عن عِكرمَةَ، عن أبي هُريرةَ، ويرفَعُه: أنَّه قرَأ: فُرِّغ، قال سُفيانُ: هكذا قرَأ عمرٌو، فلا أدرِي: سمِعه هكذا أم لا، قال سُفيانُ: وهي قِراءتُنا.الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 4701 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية-
_______________________________
مشاركة رقم: 5 = هنا =
"وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" "6
معطوف على ما قبله.
أى: هيأنا للشياطين عذاب السعير، وهيأنا- أيضًا- للذين كفروا بربهم من الإنس عذاب جهنم، وبئس المصير .
فهؤلاء الشياطين من الجن لهم عذاب السعير، وهؤلاء الكفار أيضًا لهم عذاب السعير، فانتقل من هذا إلى هذا.
هذا تتميم لئلا يُتَوهم أن العذابَ أُعِدَّ للشياطين خاصة ، والمعنى : ولجميع الذين كفروا بالله عذاب جهنم فالمراد عامة المشركين.
ولا يمنع أن يدخل الجن جهنم أيضًا، ويدخل الإنس السعير أيضًا بدليل قوله تعالى مخبرًا عن قول الجن"وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا"الجن:14-15.
الْقَاسِطُونَ: أي: الجائرون العادلون عن الصراط المستقيم.تفسير السعدي- هنا-
الْقَاسِطُونَ:هم الذين جعلوا لله ندًا ، يقال : أقسط الرجل إذا عدل فهو مُقْسِط ، وقَسَطَ إذا جَارَ فهو قاسِط.تفسير الغوي -هنا-
وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا: فمن الجن من يدخل جهنم, وهذا على القول بأن جهنم دركة، والسعير دركة أخرى، أما إذا قيل: إن جهنم والسعير ولظى والحطمة كلها مسمى لشيء واحد وهو النار على اختلاف دركاتها؛ فلا إشكال، وهو قول تبناه عدد من أهل العلم.هنا - سلسلة التفسير للشيخ مصطفى العدوي.
"وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" أي : بئس المآل والمنقلب .
بِئْسَ :فِعل ماض جامد ، يدلّ على الذمّ بمعنى قبُح . هنا-
"إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ "7.
"إِذَا أُلْقُوا فِيهَا " على وجه الإهانة والذل "سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا"أي: صوتًا عاليًا فظيعًا مفزعًا .
وفيه دليل على أن النار لها شهيق.
ولها أيضًا زفير كما قال تعالى"إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا"الفرقان:12-
-قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" اشتَكَتِ النارُ إلى ربها ، فقالتْ : ربِّ أكلَ بعضي بعضًا ، فأذِنَ لها بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الشتاءِ ونَفَسٍ في الصيفِ ، فأشدُّ ما تجدونَ من الحرِّ ، وأشدُّ ما تجدون من الزَّمْهَرِيرِ"
الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 3260- خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-
والنَّفَسُ هو ما يخرجُ منَ الجَوفِ ويدخلَ فيه مِنَ الهواءِ؛ نفَسٍ في الشتاءِ، ونفَسٍ في الصَّيفِ. وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ عذابَ النَّارِ منه ما هو حَرٌّ، ومنه ما هو بَرْدٌ.- الدرر-
نسأل الله العافية
فإن قال قائل: لماذا عُبِّرَ في هذه الآية الكريمة بلفظ: الشهيق، وفي الآية الأخرى بلفظ الزفير؟ الشهيق -كما هو معلوم لديكم- إدخال الهواء بشدة إلى الجوف, فكأن جهنم عندما يُلقَى فيها الكفارُ تشهق شهقة تأخذهم وتسحبهم إلى جوفها من الداخل، أما "إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ" فكأنها كانت تكتم شيئًا في صدرها، فأخرجت النَّفَسَ ارتياحًا لأنها رأت بُغيتها! فلما رأتهم من مكان بعيد أخرجت الهواء الذي بداخلها ثُم لما أُلْقُوا فيها سحبتهم بشهيقٍ زائدٍ حتى أدخلتهم في جوفها حتى يتمكنوا فيها من الداخل, والله أعلم.
-" تَخرجُ عنقٌ منَ النَّارِ يومَ القيامةِ لَها عَينانِ تُبْصِرانِ ، وأذُنانِ تسمَعانِ ، ولِسانٌ ينطِقُ ، يقولُ : إنِّي وُكِّلتُ بثلاثةٍ : بِكُلِّ جبَّارٍ عَنيدٍ، وبِكُلِّ مَن دعا معَ اللَّهِ إلَهًا آخرَ ، وبالمصوِّرينَ" الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي -الصفحة أو الرقم: 2574 - خلاصة حكم المحدث : صحيح
الدرر السنية -
الشرح :
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كثيرًا ما يُرغِّبُ الصَّحابةَ فيما عِندَ اللهِ مِن الخيرِ والثَّوابِ، وأيضًا يُخوِّفُهم ممَّا يُغضِبُ اللهَ عزَّ وجلَّ، ويَذكُرُ لهم النَّارَ وما فيها مِن عذابٍ أليمٍ؛ ليَجتنبِوا أسبابَ الوقوعِ فيها.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "تَخرُجُ عُنقٌ مِن النَّارِ"، أي: شيءٌ يُشبِهُ الرَّقبةَ في هَيئتِها يَخرُج مِن النَّارِ، أو تَخرُجُ قِطعةٌ مِنَ النَّارِ على هَيئةِ الرَّقبةِ الطَّويلةِ؛ وذلك "يومَ القيامةِ" يومَ الحسابِ والجَزاءِ، وتكونُ "لها"، أي: لهذا العُنقِ "عَينانِ تُبصِران، وأُذنانِ تَسمَعانِ، ولسانٌ يَنطِقُ"، أي: يَخلُقُ اللهُ لها عَينَين تَرى بهِما، وأُذنَين تَسمَعُ بهِما، ولسانًا تتَكلَّمُ وتُفصِحُ به، تقول: "إنِّي وُكِّلتُ"، أي: أمَرني اللهُ سبحانه وتعالى "بثلاثةٍ"، أي: بثلاثةِ أصنافٍ مِن النَّاسِ أدخَلَهم في جَهنَّمَ: "بكلِّ جبَّارٍ عنيدٍ"، أي: بكلِّ إنسانٍ ظالمٍ، عارفٍ بالحقِّ، ولكنَّه جحَده، وتكَبَّر وعانَد، والثَّاني: "وبكلِّ مَن دعا"، أي: عبدٍ، وأشرَك "مع اللهِ إلهًا آخَرَ"، أي: جعَل للهِ سُبحانه وتعالى نِدًّا، والثَّالثُ: "وبالمصوِّرين".
وفي الحديثِ: تَهديدٌ ووعيدٌ لكلِّ مَن تَكبَّر وتجَبَّر وعانَد، ولِمَن دعَا غيرَ اللهِ تعالى، ولِمَن صَوَّرَ وضاهَى خلْقَ اللهِ سبحانَه.الدرر السنية -
وينبغي على المسلم أن لا يأمَن على نفسه من النفاق أو من سوء الخاتمة، نسأل الله تعالى العفو والعافية في الدنيا وفي الآخرة، فالبعض يستهين بالمعاصي وخطورتها، فيتمتعون بمتاع الدنيا ظنًا منهم أن حتى لو دخلوا النار فسيخرجون منها إلى الجنة، ومثل هؤلاء يُسيئون الظن بالله تعالى، فلو أحسنوا الظن، لأحسنوا العمل، ولو أذنبوا لتابوا.هنا -
*أحاديث عن وصف النارأعاذنا اللهُ وإياكم منها:
"إنَّ منهُم من تأخذُه النَّارُ إلى كَعبيهِ . ومنهُم من تأخذُه إلى حُجزتِه . ومنهم مَن تأخذُه إلى عنقِهِ"الراوي : سمرة بن جندب - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 2845 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر السنية -
الشرح:
في هذا الحَديثِ يُبيِّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بعضَ عَذابِ جَهنَّم، فيَقولُ: إنَّ مِنهم، أي: مِن أهلِ النَّارِ، مَن تَأخذُه النَّارُ إلى كَعبيْهِ وهوَ العَظمُ النَّاتئُ منَ الجانِبينِ عندَ مَفصِلِ السَّاقِ مِنَ القَدمِ، وليسَ هوَ نهايةَ القَدمِ المُسمَّى بالعَقِبِ، ومِنهم مَن تَأخذُه النَّارُ إلى رُكبتيْه، ومِنهمْ مَن تَأخذُه النَّارُ إلى حُجزَتِه وهوَ مَعْقِدُ إِزاره ووَسطِه، ومِنهُم مَن تَأخذُه النَّارُ إلى تَرقوتِه وهوَ العَظمُ الَّذي بَينَ ثُغْرةِ النَّحرِ والعاتقِ. وفي رِوايةٍ: جعَلَ مَكانَ حُجزتِه: حَقوَيْه، والمَعنى واحدٌ.
وفي الحَديثِ: بيانُ تَفاوُتِ العُقوباتِ في الضَّعفِ والشِّدَّةِ، لا أنَّ بعضًا مِن الشَّخصِ يُعذَّبُ دونَ بعضٍ، كَما في حديثٍ آخرَ: وهوَ مُتنعِّلٌ بنَعليْنِ يَغلي مِنهُما دِماغُه . - الدرر السنية -
" إنَّ أهوَنَ أهلِ النَّارِ عذابًا يومَ القيامةِ رجلٌ ، على أخمَصِ قدمَيْه جَمْرَتَانِ ، يَغلي منهما دماغُه كما يَغلي المِرجَلُ بالقُمْقمِ"الراوي : النعمان بن بشير - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 6562 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
الشرح:
أشار رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى شِدَّةِ عذابِ النَّارِ بذِكْرِ أقلِّ أهلِها وأهونِهم عذابًا والعِياذُ بالله، وهو رجلٌ تُوضَع جَمْرَتَيْنِ في أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ - وهو ما لم يُصِبِ الأرضَ مِن باطِن الأقدام- فيَغْلِي من حَرِّهما دِماغُه، نسأل الله السلامةَ والعافيةَ، وقِيلَ بأنَّه عَمُّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أبو طَالِبٍ؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد ذُكِر عندَه عَمُّه أبو طالِبٍ: «لعلَّه تَنفعُه شَفاعتي يومَ القِيامة؛ فيُجعَل في ضَحْضَاحٍ من نارٍ يَبلُغ كَعْبَيْهِ، يَغلِي منه أُمُّ دِماغِه»، والحديثُ يَحتمِلُه وغيرَه مِمَّن حالُه كحالِه.
وفي الحديث: شِدَّةُ عذابِ النَّارِ- سَلَّمنا اللهُ تعالى منها. - الدرر-
"أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذُكر عندَهُ عمُّهُ أبو طالبٍ . فقال لعلهُ تنفعهُ شفاعتي يومَ القيامةِ . فيُجعلُ في ضَحْضْاحٍ منْ نارٍ، يبلغُ كعبيهِ، يغْلي منهُ دماغُهُ " .الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : مسلم- المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 210 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر -
" صلى بنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ فلما قضى الصلاةَ أقبلَ علينا بوجهِه، فقال: أيها الناسُ إني إمامُكم فلا تسبقوني بالركوعِ ولا بالسجودِ ولا بالقيامِ ولا بالانصرافِ فإني أراكم أمامي ومن خلفي. ثم قال:والذي نفسُ محمدٍ بيدِه لو رأيتُم ما رأيتُ لضحكتُم قليلاً ولبكيتُم كثيرًا.قالوا: وما رأيتَ يا رسولَ اللهِ ؟ قال: رأيتُ الجنةَ والنارَ.الراوي : أنس بن مالك - المحدث : مسلم- المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 426 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية -
الشرح
....لو رأيتُم ما رأيتُ، أي: يُخبِر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أصحابَه أنَّهم لو كُشِفَ لهم عمَّا يُكشَفُ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، لضَحِكْتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا، أي: لقَلَّ ضَحِكُكم وزاد بكاؤُكم؛ لهولِ ما ستَطَّلِعون عليه وَترَوْنه، فقال الصحابةُ رضِي اللهُ عنه: وما رأيتَ يا رسولَ الله؟ أي: ما الذي تُريدنا أنْ نراه؟ قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: رأيتُ الجنَّةَ والنَّارَ، أي: لو رأيتم ما رأيتُه في الجنَّةِ والنَّارِ مِن النَّعيمِ للمُطيعين في الجنَّةِ، ومِن العذابِ للعاصين في النَّارِ، لأصابَكم الهَمُّ والغَمُّ حيثُ تَرجُون وتخافون؛ ترجُون الجنَّةَ وما فيها، وتخافون النَّارَ وما فيها، ولا أحدَ يستطيعُ أن يعرِفَ مصيرَه، وبذلك تتركون الضَّحِكَ في الدُّنيا إلَّا قليلًا، وتلازمون البكاءَ كثيرًا.- الدرر السنية -
اللهم اغفر لنا وارحمنا وصَرِّف قلوبَنَا على طاعتِكَ.
عن عبدالله بن عمر قال: "كان الرَّجلُ في حياةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إذا رَأى رُؤيا قصَّها على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فتَمنَّيتُ أن أَرى رُؤيا فأَقصُّها على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وكُنتُ غُلامًا شابًّا، وكُنتُ أَنامُ في المَسجدِ عَلى عهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فرَأيتُ في النَّومِ كأنَّ مَلكَينِ أَخذاني فَذَهبا بي إلى النَّارِ، فإذا هيَ مَطويَّةٌ كَطيِّ البِئْرِ، وإذا لَها قَرنانِ، وإذا فيها أناسٌ قد عَرفتُهم، فجَعلتُ أَقولُ: أَعوذُ باللهِ مِنَ النَّارِ، قال: فلَقِيَنا مَلكٌ آخَرُ، قال لي: لم تُرَعْ. فقَصصتُها على حَفصةَ، فقصَّتْها حَفصةُ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فقال: نِعمَ الرَّجلُ عبدُ اللهِ لو كان يُصلِّي منَ اللَّيلِ. فكان بَعدُ لا ينامُ منَ اللَّيلِ إلَّا قَليلًا.الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 1121 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر السنية-
الشرح:
الرُّؤياالصالحةُ جزءٌ مِن ستَّةٍ وأربعين جزءًا مِن النُّبوَّة؛ كما نطَق به عليه أفضلُ الصَّلاة والسَّلام:
الرؤيا الصالحةُ جزءٌ من ستةٍ وأربعينَ جزءًا من النُّبُوَّةِ"الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6989 - خلاصة حكم المحدث :صحيح-الدرر-
وفي هذا الحديثِ يخبِرُ عبدُ الله بن عمرَ رضي الله عنهما: أنَّ الرَّجلَ في زمَن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا رأى رؤيا قصَّها على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فتمنَّى ابنُ عمر رضي الله عنهما أنْ يرى رؤيا ليُخبِرَ بها النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيُفسِّرَها له، وهذا يدلُّ على أنَّ للإنسان أن يتمنَّى الرُّؤيا الصَّالحة؛ ليعرِفَ صاحبُها ما له عند الله، فلمَّا نام عبدُ الله بن عمر رضي الله عنهما، رأى أنَّ ملَكينِ أخذاه فذهَبا به إلى النَّارِ، فإذا هي مَطْويَّةٌ طَيَّ البئرِ، أي: مَبنيَّةُ الجوانبِ، والبئرُ إذا لم تكُنْ مَبنيَّةَ الجوانبِ تُسمَّى قَليبًا، ورأى لها قرنينِ، وهما المنارتانِ عن جانبيِ البئرِ، اللَّتانِ تُجعَلُ عليها الخشَبةُ الَّتي تُعلَّقُ عليها البَكَرةُ، ورأى عبدُ الله بن عمر رضي الله عنهما في النَّارِ ناسًا يعرِفُهم، ولكنَّه لم يذكُرْ أسماءَهم في الرُّؤيا، فلمَّا رأى ذلك، ظلَّ يقولُ: أعوذُ باللهِ مِن النَّارِ، فلقِيه ملَكٌ آخرُ فقال له: لم تُرَعْ، أي: لم تَخَفْ؛ فلا رَوْعَ عليك ولا ضرَرَ ولا فزَعَ، فلمَّا قصَّ هذه الرُّؤيا على أختِه حَفْصةَ رضي الله عنها، قصَّتِ الرُّؤيا للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: «نِعْمَ الرَّجلُ عبدُ الله لو كان يُصلِّي مِن اللَّيل»، أي: إنَّ عبدَ الله رجلٌ صالحٌ لو كان يُصلِّي مِن اللَّيل، فكان عبدُ الله بن عمر رضي الله عنهما بعد ذلك لا ينامُ في اللَّيلِ إلَّا قليلًا.
وفي الحديثِ فضلُ قيام اللَّيل، وفضيلةُ عبد الله بن عُمر وثباتُه على فِعل ما أرشده إليه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. -الدرر السنية-
" أما أهل النارِ الذين هُمْ أهلها ، فإنهم لا يموتونَ فيها ولا يحيونَ . ولكن ناس أصابتْهم النارُ بذنوبهم - أو قال بخطاياهم - فأماتَهم إماتةً . حتى إذا كانوا فحْمًا ، أذِنَ بالشفاعةِ . فجيء بهم ضَبائِرَ ضَبائِرَ . فبُثّوا على أنهار الجنةِ . ثم قيل : يا أهلَ الجنةِ أفِيضُوا عليهِم . فينبتون نباتَ الحبّةِ تكون في حميلِ السيلِ ، فقال رجلٌ من القومِ : كأن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد كان بالباديَةِ" . وفي رواية : سمعتُ أبا نضْرَة عن أبي سعيدٍ الخدريّ ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثلهِ . إلى قوله : في حميلِ السيلِ . ولم يذكرْ ما بعدهُ .الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 185 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر السنية-
معنى الحديث كما في شرح مسلم للنووي:
أَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَالظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، مِنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ : أَنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ النَّارِ وَالْمُسْتَحِقُّونَ لِلْخُلُودِ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ حَيَاةً يَنْتَفِعُونَ بِهَا وَيَسْتَرِيحُونَ مَعَهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : ثُمَّ "لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى" وَهَذَا جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ نَعِيمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دَائِمٌ ، وَأَنَّ عَذَابَ أَهْلِ الْخُلُودِ فِي النَّارِ دَائِمٌ . وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ " إِلَى آخِرِهِ . فَمَعْنَاهُ : أَنَّ الْمُذْنِبِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُمِيتُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِمَاتَةً بَعْدَ أَنْ يُعَذَّبُوا الْمُدَّةَ الَّتِي أَرَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى ، وَهَذِهِ الْإِمَاتَةُ إِمَاتَةٌ حَقِيقِيَّةٌ يَذْهَبُ مَعَهَا الْإِحْسَاسُ وَيَكُونُ عَذَابُهُمْ عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِمْ ، ثُمَّ يُمِيتُهُمْ ، ثُمَّ يَكُونُونَ مَحْبُوسِينَ فِي النَّارِ مِنْ غَيْرِ إِحْسَاسٍ الْمُدَّةَ الَّتِي قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ مَوْتَى قَدْ صَارُوا فَحْمًا ، فَيُحْمَلُونَ ضَبَائِرَ-جَمَاعَاتٌ فِي تَفْرِقَةٍ - كَمَا تُحْمَلُ الْأَمْتِعَةُ وَيُلْقَوْنَ عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ وَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ فِي سُرْعَةِ نَبَاتِهَا وَضَعْفِهَا ، فَتَخْرُجُ لِضَعْفِهَا صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً ثُمَّ تَشْتَدُّ قُوَّتُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَصِيرُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَتَكْمُلُ أَحْوَالُهُمْ ، فَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ . وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا إِمَاتَةٌ حَقِيقِيَّةٌ ، وَالثَّانِي : لَيْسَ بِمَوْتٍ حَقِيقِيٍّ ، وَلَكِنْ تَغَيَّبَ عَنْهُمْ إِحْسَاسُهُمْ بِالْآلَامِ ، قَالَ : وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ آلَامُهُمْ أَخَفَّ فَهَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْنَاهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
صحيح مسلم » كتاب الإيمان » باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار -هنا-
وَمِن أَسبَابِ دُخُولِ النَّارِ الظُّلمُ وَالأَذَى، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: " عُذِّبَتِ امرَأَةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتهَا حَتَّى مَاتَت، فَدَخَلَت فِيهَا النَّارَ. لا هِيَ أَطعَمَتُهَا وَلا سَقَتهَا إِذْ حَبَسَتهَا، وَلا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأكُلُ مِن خَشَاشِ الأَرضِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. الدرر -
فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَقِفُوا عِندَ حُدُودِهِ، وَاحذَرُوا المَعَاصِيَ صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا وَقَلِيلَهَا وَكَثِيرَهَا، فَإِنَّ أَعمَالَ أَهلِ النَّارِ كُلَّهَا تَدخُلُ في مَعصِيَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ " وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ "النساء: 14. الألوكة -
"وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا " الأحزاب36.
*عن سَمُرَةَ بنُ جُنْدب قال: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى صلاةً أقبلَ علينا بوجهِه ، فقال : مَنْ رأى منكم الليلةَ رؤيا ؟ قال : فإِنْ رأى أحدٌ قصَّهَا. فيقولُ : ما شاءَ اللهُ . فسألَنا يومًا فقال : هل رأى أحدُ منكم رؤيا ؟ قلْنَا : لا . قال : لكني رأيتُ الليلةَ رجلين أَتَيَاني فأخذَا بيدي ، فأَخْرَجَانِي إلى الأرضِ المُقَدَّسّةِ ، فإذا رجلٌ جالسٌ ، ورجلٌ قائمٌ بيدِه كَلُّوبٍ من حديدٍ. قال بعضُ أصحابِنَا عن موسى : إنه يَدْخُلُ ذلك الكَلُّوبُ في شِدْقِه حتى يَبْلُغَ قَفَاه ، ثم يَفْعَلُ بشِدْقِه الآخرِ مثلَ ذلك ، ويَلْتَئِمُ شِدْقُه هذا ، فيَعُودُ فَيَصْنَعُ مثلَه . قلتُ : ما هذا ؟ قالا : انطلقْ. فانطلقْنَا حتى أتيْنَا على رجلٍ مُضْطَجِعٍ على قفاه ، ورجلٍ قائمٍ على رأسِه بفِهْرٍ ، أو صخرةٍ ، فيَشْدَخُ بها رأسَه ، فإذا ضربَه تَدَهْدَهَ الحَجَرُ ، فانطلقَ إليه ليَأْخُذَه ، فلا يَرْجِعُ إلى هذا ، حتى يَلْتَئِمَ رأسُه ، وعادَ رأسُه كما هو ؛ فعاد إليه فضربَه ، قلت : مَنْ هذا ؟ قالا : انطلقْ . فانطلقْنَا إلى ثَقْبٍ مثلَ التَّنُّورِ أعلاه ضيقٌ وأسفلُه واسعٌ يَتَوَقَّدُ تحتَه نارًا ، فإذا اقتربَ ارتفعُوا حتى كادُوا أَنْ يَخْرُجُوا ، فإذا خَمَدَتْ رجَعُوا فيها ، وفيها رجالٌ ونساءٌ عُرَاةٌ ، فقلتُ : مَنْ هذا ؟ قالا : انطلقْ . فانطلقنا حتى أَتَيْنَا على نَهَرٍ من دَمٍّ فيه رجلٌ قائمٌ ، وعلى وسَطِ النَّهَرِ - قال يزيدُ ووهْبُ ابْنُ جَرِيرٍ ، عن جَرِيرِ بْنِ حازمٍ - وعلى شَطِّ النَّهَرِ رجلٌ بينَ يديه حجارةٌ ، فأقبلَ الرجلُ الذي في النَّهَرِ ، فإذا أرادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرجلُ بحجرٍ في فِيهِ ؛ فردَّهُ حيثُ كان ؛ فجعل كلَّمَا جاءَ ليَخْرُجَ رمى في فِيهِ بحجرٍ ؛ فيَرْجِعُ كما كان ، فقلتُ : مَنْ هذا ؟ قالا : انطلق . فانطلقْنَا حتى انتهيَا إلى رَوْضَةٍ خضراءَ فيها شجرةٌ عظيمةٌ ، وفي أصلِها شيخٌ وصِبْيَانٌ ، وإذا رجلٌ قريبٌ مِنَ الشجرةِ بينَ يديه نارٌ يُوقِدُها ، فصعدَا بي في الشَّجَرَةِ ، وأَدْخَلانِي دارًا لم أرَ قَطُّ أحسنَ منها ، فيها رجالٌ شيوخٌ ، وشبابٌ ونساءٌ وصِبْيَانٌ ، ثم أخرجَانِي منها فصعدَا بي الشجرةَ ، فأَدْخَلانِي دارًا هي أحسنُ وأفضلُ ، فيها شيوخٌ وشبابٌ ، قلتُ : طَوَّفْتُمَانِي الليلةَ ؛ فأَخْبِرَانِي عما رأيتُ . قالا : نعم ، أمَّا الذي رأيتَه يَشُقُّ شِدْقَه، فكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بالكِذْبَةِ ، فتُحْمَلُ عنه حتى تَبْلُغَ الآَفَاقَ، فيُصْنَعُ به إلى يومِ القيامةِ ، والذي رأيتَه يَشْدَخُ رأسَه ، فرجلٌ علَّمَه اللهُ القرآنَ، فنامَ عنه بالليلِ ، ولم يَعْمَلْ فيه بالنهارِ ، يُفْعَلُ به إلى يومِ القيامةِ ، والذي رأيتَه في الثَّقْبِ فهم الزُّنَاةُ ، والذي رأيتَه في النَّهَرِ آَكِلُوا الرَّبَا ، والشيخُ في أصلِ الشَّجَرَةِ إبراهيمُ- عليه السلام- ، والصِّبْيَانُ حولَه فأولادُ النَّاسِ ، والذي يُوقِدُ النَّارَ مالِكٌ خازنُ النَّارِ ، والدَّارُ الأولى التي دخلْتَ دارُ عامةِ المؤمنين ، وأمَّا هذه الدارُ فدارُ الشُّهداءِ ، وأنا جبريلُ ، وهذا مِكَيائِيلُ ، فارفعْ رأسَك ، فرفعتُ رأسِي ، فإذا فوقِي مثلَ السَّحَابِ ، قالا : ذاكَ منزلُك . قلتُ : دعانِي أدخلْ منزلي . قالا : إنه بَقِيَ لك عُمُرٌ لم تَسْتَكْمِلْه ، فلو اسْتَكْمَلْتَ أتيتَ منزلَك" .الراوي : سمرة بن جندب - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 1386 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية-
الشرح:
يَحكي سَمُرَةُ بنُ جُنْدُبٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلَّم كانَ إِذا صَلَّى صَلاةً أقْبَلَ عَلَيْنا بِوَجهِه الكَريمِ وسَألَ: مَن رَأى مِنكم اللَّيلةَ رُؤْيا؟ فَإِن رَأى أحَد رُؤْيا قَصَّها عليه، فَيَقول: ما شاءَ اللهُ، فَسَألَنا يَومًا: هَلْ رَأى أحَدٌ مِنكم رُؤْيا؟ قُلْنا: لا. قالَ: لَكنِّي رَأيتُ اللَّيْلةَ رَجُلَينِ، أي: مَلَكَينِ، أتَياني، فَأخَذَا بيَدي، فَأخرَجاني إلى الأرضِ المُقدَّسةِ، فَإذا رَجُل جالِس ورَجُل قائِم بيَدِه كَلُّوبٌ مِن حَديدٍ، وهو حَديدةٌ مَعطوفةُ الرَّأسِ يُعَلَّقُ عليها اللَّحمُ يُدخِله في "شِدقِهِ"، أي: جانِبِ فَمِ الرَّجُلِ الجالِسِ حَتَّى يَبلُغَ قَفاه، أي: يَقطَعه شَقًّا، ثمَّ يَفعَل بِشِدقِه الآخَرِ مِثلَ ما فَعَلَ بِشِدقِه الأوَّلِ ويَلتَئِم شِدقُه هذا فَيَعود، فَيَصنَع مِثلَه. فَسَألَ صَلَّى الله عليه وسلَّم مَن هذا؟ فَقال المَلَكانِ: انطَلِق. فانطَلَقْنا حَتَّى أتَيْنا عَلى رَجُلٍ مُضطَجِعٍ عَلى قَفاه، ورَجُلٍ قائِمٍ عَلى رَأْسِه "بِفِهْر"، أي: حَجَرٍ مَلْء الكَفِّ، أو صَخرةٍ فَيَشْدَخ بِه رَأسَه، فَإِذا ضَرَبَه "تَدَهْدَه الحَجَرُ"، أي: تَدَحْرَجَ. فانطَلَقَ إليه، أي: إلى الحَجَرِ؛ ليَأخُذَه فَيَصنَع بِه كما صَنَعَ، فَلا يَرجِع إلى هذا الَّذي شَدَخَ رَأْسَه حَتَّى يَلتَئِمَ رَأسُه، أي: يَصِحَّ رَأْسُه وعاد رَأسُه كَما هو، فَعادَ إليه فَضَرَبَه، فَسَألَ صَلَّى الله عليه وسلَّم: مَن هذا؟ فَقالا: انْطَلِق. فانطَلَقْنا إلى ثقْبٍ مِثلِ "التَّنُّورِ"، وهو ما يُخْبَزُ فيه أعْلاه ضَيِّق، وأسفَله واسِع، يَتَوَقَّد تَحتَه نارًا، فَإِذا اقتَرَبَ ارتَفَعوا حَتَّى كادَ أن يَخرُجوا، فَإِذا "خَمَدَت"، أي: سَكَنَ لَهيبُها ولَم يُطْفَأْ حَرُّها رَجَعوا فيها، وفيها رِجال ونِساء عُراة، فَسَألتُ: مَن هذا؟ فَقالا: انْطَلِق. فانْطَلَقْنا حَتَّى أتَيْنا عَلى نَهْرٍ مِن دَمٍ فيه رَجُل، وقائِمٌ عَلى وسَطِ النَّهرِ رَجُل بَينَ يَدَيْه حِجارة، فَأقبَلَ الرَّجُل الَّذي في النَّهْرِ، فَإِذا أرادَ أن يَخرُجَ مِنه رَمى الرَّجُلُ الَّذي بَينَ يَدَيْه الحِجارةُ بِحَجَرٍ في "فيهِ"، أي: في فَمِه فَرَدَّه حيثُ كانَ مِن النَّهرِ، فَجَعَل كُلَّما جاءَ ليَخرُجَ مِن النَّهرِ رَمى في فيه بِحَجَر، فَيَرجِع كَما كانَ فيهِ. فَسَألتُ: ما هذا؟ فَقالا: انْطَلِق. فانْطَلَقْنا حَتَّى انتَهَيْنا إلى رَوْضةٍ خَضراءَ، فيها شَجَرة عَظيمة، وفي أصْلِها شَيْخ وصِبيان وإذا رَجُل قَريب مِن الشَّجَرةِ بَينَ يَدَيْه نارٌ يُوقِدها، فَصَعِدا بي في الشَّجَرةِ الَّتي هيَ، في الرَّوضةِ الخَضراءِ، وأدْخَلاني دارًا لَم أرَ قَطُّ أحسَنَ منها، فيها رِجال شُيوخ وشَباب ونِساء وصِبيان، ثمَّ أخْرَجاني منها، أي: مِن الدَّارِ، فَصَعِدا بي الشَّجَرةَ فَأدْخَلاني دارًا هيَ أحسَنُ وأفضَلُ مِن الأولى، فيها شُيوخ وشَباب، فَقُلْتُ: طوَّفتُماني اللَّيلةَ. فَأخْبَراني عَمَّا رَأيتُ؟ قالا: نَعَم نُخبِرك، أمَّا الَّذي رَأيتَه يَشُقُّ شِدْقَه فَكَذَّاب يُحَدِّث بالكِذبةِ فَتُحْمَل عَنه حَتَّى يَبلُغَ الآفاقَ فَيُصنَع بِه ما رَأيتَ؛ لِما يَنْشَأ عَن تلك الكِذْبةِ مِن المَفاسِدِ. وأمَّا الَّذي رَأيتَه يَشْدَخ رَأْسَه فَرَجُلٌ علَّمَه اللهُ القُرآنَ، فَنامَ عَنه باللَّيلِ، أي: أعْرَضَ عَن تِلاوتِه ولَم يَعمَل فيه بالنَّهارِ، يُفعَل به ما رأيتَ، وَأمَّا الَّذي رَأيتَه في الثُّقبِ فَهم الزُّناة. والَّذي رَأيتَه في النَّهرِ آكِلو الرِّبا. والشَّيْخُ الكائِنُ في أصلِ الشَّجَرةِ إبراهيمُ الخَليلُ عليه السَّلام. وأمَّا الصِّبيانُ حَولَه، أي: فَأولادُ النَّاسِ. والَّذي يوقِد النَّارَ: مالِكٌ خازِنُ النَّارِ، والدَّار الأولى الَّتي دَخَلتَ فيها دارُ عامَّةِ المُؤمِنينَ، وأمَّا هذه الدَّارُ فَدار الشُّهَداءِ، وأنا جِبْريلُ، وهذا مِيكائِيلُ، فارفَعْ رَأْسَك. فَرَفَعتُ رَأْسي فَإِذا فَوقي مِثلُ السَّحابِ، قالا: ذاكَ مَنزِلك، قُلتُ: "دَعاني"، أي: اتْرُكاني أَدخُل مَنزِلي، فَقالا: إِنَّه بَقيَ لك عُمُرٌ، لَم تَستَكمِلْه، فلو اسْتَكمَلتَ عُمُرَك أتَيتَ مَنزِلَك .
- الدرر السنية-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
نلتقي اليوم مع قصة منامية ثبتت في صحيح الإمام البخاري ، رواها سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ قَالَ : كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ « مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا » ؟ قَالَ فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا ، فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ ،.........
هذه قصة عظيمة اشتملت على المشاهد التالية :
المشهد الأول :
رَجُلٌ جَالِسٌ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ والكلوب حديدة في آخرها انحناء كتلك التي يعلق اللحم بها ، فيُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِى خده ، ويُقَطِّعُه حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا ، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ .
وهذا المعذب هو الرجل يكذب الكِذْبَة تبلغ الآفاق . قال ابن حجر رحمه الله :" وَإِنَّمَا اِسْتَحَقَّ التَّعْذِيب لِمَا يَنْشَأ عَنْ تِلْكَ الْكِذْبَة مِنْ الْمَفَاسِد وَهُوَ فِيهَا مُخْتَار غَيْر مُكْرَه وَلَا مُلْجَأ".
المشهد الثاني :
رجل مضطجع عَلَى قَفَاهُ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِصَخْرَةٍ ، فَيَشْدَخُ بِهِا رَأْسَهُ ، والشدخ كسر الشيء المجوف، فيكسر رأسه بحجر معه ، فإذا كسر الحجر رأسه ونأى عنه ذهب الآخر ليأتي بالحجر ، فإذا عاد إلى المعذب عاد رأسه سالماً ، فيفعل به ذلك إلى يوم القيامة .
من هو المعذب هنا ؟ صاحب القرآن يرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة .. لكن أليس النوم عذرا؟ الجواب : من بذل وسعه ليستيقظ فلم ينهض فهو معذور .. وأما المتهاون الذي ينام ويعلم أنه سيستيقظ متأخرًا .. وهذا دأبه فهذا هو الذي ينام عن الصلاة المكتوبة .
المشهد الثالث :
ينطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ ، والتنور كالهرم ، أَعْلاَهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ ، فيه نار من تحته ، وفوق النار رجال ونساء عراة ، فإذا ارتفع لهيبها صعدوا إلى المكان الضيق وضوضوا : أي صاحوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا .
جمع الله لهم بين عقوبيتين :
الأولى : جعل الله عقوبتهم في مكان واحدٍ فهتك سترهم ، فإنهم كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ففضحهم .
الثانية : لما عصُوْا الله بأسفل أجسادهم جاءتهم النار من تحتهم .
المشهد الرابع :
انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجلان حَتَّى أتَوْا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ ، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ ، وفيه رجل يسبح فيه . فيقبل السابح إلى الواقف ، فيلقمه حجراً يعيده إلى مكانه ، فإذا جاء إليه فعل به ذلك .
وإنما ألقم حجرًا والحجر لا فائدة فيه لبدنه كما كان يزيد ماله بشيء أخبر الله أنه لا بركة فيه.
المشهد الخامس :
ينطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ غَنّاء كثيرةِ العشب، فيها من كل نَورِ الربيع وزهره ، وفِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ ، وفي رواية «إلى مدينة مَبْنِيَّة بِلَبِنِ ذَهَب وَلَبِن فِضَّة» وهي الجنة التي أعدها الله لعباده المؤمنين ، فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ..
فإن قيل : كيف نوفق بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيها ما لا عين رأت وبين كونها صلى الله عليه وسلم قد رآها كما في هذا الحديث ؟
الجواب :
المشهد السادس :
في تلك الروضة رأى النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم عليه السلام وحوله صبيان المسلمين . وهم : من مات منهم قبل أن يبلغ ، فأي عزاء للوالدين الذين فقدا ابنهما الصغير أحسن من هذا العزاء ؟ أيها الأب .. أيتها الأم .. يا من تقرح كبده بفقد ولده اعلموا : أنّ رحمة الله خير له منكما ، وثواب الله خير لكما منه .
المشهد السابع:
يرى دارًا أفضل من تلك الدار ، وهي دار الشهداء ، وداراً أفضل من الدراين وهي بيت النبي صلى الله عليه وسلم . ويرى صلى الله عليه وسلم خازن النار ، وقد نعته بكونه (كريه الرؤية) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ زِيَادَة فِي عَذَاب أَهْلِ النَّارِ .
أسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة .وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وسيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
*د. مهران ماهر عثمان*
معطوف على ما قبله.
أى: هيأنا للشياطين عذاب السعير، وهيأنا- أيضًا- للذين كفروا بربهم من الإنس عذاب جهنم، وبئس المصير .
فلما
ذكر الله -تبارك وتعالى- دلائل القدرة، وما زين به السماء من هذه
المصابيح، أخبر أنه جعلها رجومًا للشياطين، هذا في الدنيا، ثم ذكر ما يكون
لهؤلاء الشياطين في الآخرة فقال" وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ" يعذب هؤلاء الشياطين بعذاب السعير.
فلما ذكر جزاء الشياطين في الآخرة ذكر جزاء الكفار كذلك في الآخرة .فهؤلاء الشياطين من الجن لهم عذاب السعير، وهؤلاء الكفار أيضًا لهم عذاب السعير، فانتقل من هذا إلى هذا.
هذا تتميم لئلا يُتَوهم أن العذابَ أُعِدَّ للشياطين خاصة ، والمعنى : ولجميع الذين كفروا بالله عذاب جهنم فالمراد عامة المشركين.
ولا يمنع أن يدخل الجن جهنم أيضًا، ويدخل الإنس السعير أيضًا بدليل قوله تعالى مخبرًا عن قول الجن"وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا"الجن:14-15.
الْقَاسِطُونَ: أي: الجائرون العادلون عن الصراط المستقيم.تفسير السعدي- هنا-
الْقَاسِطُونَ:هم الذين جعلوا لله ندًا ، يقال : أقسط الرجل إذا عدل فهو مُقْسِط ، وقَسَطَ إذا جَارَ فهو قاسِط.تفسير الغوي -هنا-
وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا: فمن الجن من يدخل جهنم, وهذا على القول بأن جهنم دركة، والسعير دركة أخرى، أما إذا قيل: إن جهنم والسعير ولظى والحطمة كلها مسمى لشيء واحد وهو النار على اختلاف دركاتها؛ فلا إشكال، وهو قول تبناه عدد من أهل العلم.هنا - سلسلة التفسير للشيخ مصطفى العدوي.
"وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" أي : بئس المآل والمنقلب .
بِئْسَ :فِعل ماض جامد ، يدلّ على الذمّ بمعنى قبُح . هنا-
"إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ "7.
"إِذَا أُلْقُوا فِيهَا " على وجه الإهانة والذل "سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا"أي: صوتًا عاليًا فظيعًا مفزعًا .
وفيه دليل على أن النار لها شهيق.
ولها أيضًا زفير كما قال تعالى"إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا"الفرقان:12-
-قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" اشتَكَتِ النارُ إلى ربها ، فقالتْ : ربِّ أكلَ بعضي بعضًا ، فأذِنَ لها بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الشتاءِ ونَفَسٍ في الصيفِ ، فأشدُّ ما تجدونَ من الحرِّ ، وأشدُّ ما تجدون من الزَّمْهَرِيرِ"
الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 3260- خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-
والنَّفَسُ هو ما يخرجُ منَ الجَوفِ ويدخلَ فيه مِنَ الهواءِ؛ نفَسٍ في الشتاءِ، ونفَسٍ في الصَّيفِ. وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ عذابَ النَّارِ منه ما هو حَرٌّ، ومنه ما هو بَرْدٌ.- الدرر-
نسأل الله العافية
فإن قال قائل: لماذا عُبِّرَ في هذه الآية الكريمة بلفظ: الشهيق، وفي الآية الأخرى بلفظ الزفير؟ الشهيق -كما هو معلوم لديكم- إدخال الهواء بشدة إلى الجوف, فكأن جهنم عندما يُلقَى فيها الكفارُ تشهق شهقة تأخذهم وتسحبهم إلى جوفها من الداخل، أما "إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ" فكأنها كانت تكتم شيئًا في صدرها، فأخرجت النَّفَسَ ارتياحًا لأنها رأت بُغيتها! فلما رأتهم من مكان بعيد أخرجت الهواء الذي بداخلها ثُم لما أُلْقُوا فيها سحبتهم بشهيقٍ زائدٍ حتى أدخلتهم في جوفها حتى يتمكنوا فيها من الداخل, والله أعلم.
قال تعالى"إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ"
" وَهِيَ تَفُورُ" تغلي. تغلي بهم كما يغلي الحب القليل في الماء الكثير ; وهذا من شدة لهب النار من شدة الغضب ; كما تقول فلان يفور غيظًا .
فالنار لها شهيق، ولها زفير، وهي تتكلم, وهي أيضًا تتغيظ كما قال تعالى"إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا" وكل هذه صفات للنار على وجه الإجمال، فهي تتكلم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
" يَخرُجُ عُنقٌ من النَّارِ يتكلمُ يقولُ : وُكِّلْتُ اليومَ بثلاثةٍ : بِكلِّ جبارٍ عنيدٍ ، ومَن جعلَ مع اللهِ إلهًا آخرَ ، ومَن قَتَلَ نفْسًا بغيرِ حقٍ ، فيَنْطَوِي عليهِم ، فيَقْذِفُهم في غَمَرَاتِ جهنَّمَ"الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : - الألباني المصدر : صحيح الترغيب -الصفحة أو الرقم: 2451 - خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره
" وَهِيَ تَفُورُ" تغلي. تغلي بهم كما يغلي الحب القليل في الماء الكثير ; وهذا من شدة لهب النار من شدة الغضب ; كما تقول فلان يفور غيظًا .
فالنار لها شهيق، ولها زفير، وهي تتكلم, وهي أيضًا تتغيظ كما قال تعالى"إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا" وكل هذه صفات للنار على وجه الإجمال، فهي تتكلم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
" يَخرُجُ عُنقٌ من النَّارِ يتكلمُ يقولُ : وُكِّلْتُ اليومَ بثلاثةٍ : بِكلِّ جبارٍ عنيدٍ ، ومَن جعلَ مع اللهِ إلهًا آخرَ ، ومَن قَتَلَ نفْسًا بغيرِ حقٍ ، فيَنْطَوِي عليهِم ، فيَقْذِفُهم في غَمَرَاتِ جهنَّمَ"الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : - الألباني المصدر : صحيح الترغيب -الصفحة أو الرقم: 2451 - خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره
-" تَخرجُ عنقٌ منَ النَّارِ يومَ القيامةِ لَها عَينانِ تُبْصِرانِ ، وأذُنانِ تسمَعانِ ، ولِسانٌ ينطِقُ ، يقولُ : إنِّي وُكِّلتُ بثلاثةٍ : بِكُلِّ جبَّارٍ عَنيدٍ، وبِكُلِّ مَن دعا معَ اللَّهِ إلَهًا آخرَ ، وبالمصوِّرينَ" الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي -الصفحة أو الرقم: 2574 - خلاصة حكم المحدث : صحيح
الدرر السنية -
الشرح :
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كثيرًا ما يُرغِّبُ الصَّحابةَ فيما عِندَ اللهِ مِن الخيرِ والثَّوابِ، وأيضًا يُخوِّفُهم ممَّا يُغضِبُ اللهَ عزَّ وجلَّ، ويَذكُرُ لهم النَّارَ وما فيها مِن عذابٍ أليمٍ؛ ليَجتنبِوا أسبابَ الوقوعِ فيها.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "تَخرُجُ عُنقٌ مِن النَّارِ"، أي: شيءٌ يُشبِهُ الرَّقبةَ في هَيئتِها يَخرُج مِن النَّارِ، أو تَخرُجُ قِطعةٌ مِنَ النَّارِ على هَيئةِ الرَّقبةِ الطَّويلةِ؛ وذلك "يومَ القيامةِ" يومَ الحسابِ والجَزاءِ، وتكونُ "لها"، أي: لهذا العُنقِ "عَينانِ تُبصِران، وأُذنانِ تَسمَعانِ، ولسانٌ يَنطِقُ"، أي: يَخلُقُ اللهُ لها عَينَين تَرى بهِما، وأُذنَين تَسمَعُ بهِما، ولسانًا تتَكلَّمُ وتُفصِحُ به، تقول: "إنِّي وُكِّلتُ"، أي: أمَرني اللهُ سبحانه وتعالى "بثلاثةٍ"، أي: بثلاثةِ أصنافٍ مِن النَّاسِ أدخَلَهم في جَهنَّمَ: "بكلِّ جبَّارٍ عنيدٍ"، أي: بكلِّ إنسانٍ ظالمٍ، عارفٍ بالحقِّ، ولكنَّه جحَده، وتكَبَّر وعانَد، والثَّاني: "وبكلِّ مَن دعا"، أي: عبدٍ، وأشرَك "مع اللهِ إلهًا آخَرَ"، أي: جعَل للهِ سُبحانه وتعالى نِدًّا، والثَّالثُ: "وبالمصوِّرين".
وفي الحديثِ: تَهديدٌ ووعيدٌ لكلِّ مَن تَكبَّر وتجَبَّر وعانَد، ولِمَن دعَا غيرَ اللهِ تعالى، ولِمَن صَوَّرَ وضاهَى خلْقَ اللهِ سبحانَه.الدرر السنية -
وينبغي على المسلم أن لا يأمَن على نفسه من النفاق أو من سوء الخاتمة، نسأل الله تعالى العفو والعافية في الدنيا وفي الآخرة، فالبعض يستهين بالمعاصي وخطورتها، فيتمتعون بمتاع الدنيا ظنًا منهم أن حتى لو دخلوا النار فسيخرجون منها إلى الجنة، ومثل هؤلاء يُسيئون الظن بالله تعالى، فلو أحسنوا الظن، لأحسنوا العمل، ولو أذنبوا لتابوا.هنا -
*أحاديث عن وصف النارأعاذنا اللهُ وإياكم منها:
"إنَّ منهُم من تأخذُه النَّارُ إلى كَعبيهِ . ومنهُم من تأخذُه إلى حُجزتِه . ومنهم مَن تأخذُه إلى عنقِهِ"الراوي : سمرة بن جندب - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 2845 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر السنية -
الشرح:
في هذا الحَديثِ يُبيِّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بعضَ عَذابِ جَهنَّم، فيَقولُ: إنَّ مِنهم، أي: مِن أهلِ النَّارِ، مَن تَأخذُه النَّارُ إلى كَعبيْهِ وهوَ العَظمُ النَّاتئُ منَ الجانِبينِ عندَ مَفصِلِ السَّاقِ مِنَ القَدمِ، وليسَ هوَ نهايةَ القَدمِ المُسمَّى بالعَقِبِ، ومِنهم مَن تَأخذُه النَّارُ إلى رُكبتيْه، ومِنهمْ مَن تَأخذُه النَّارُ إلى حُجزَتِه وهوَ مَعْقِدُ إِزاره ووَسطِه، ومِنهُم مَن تَأخذُه النَّارُ إلى تَرقوتِه وهوَ العَظمُ الَّذي بَينَ ثُغْرةِ النَّحرِ والعاتقِ. وفي رِوايةٍ: جعَلَ مَكانَ حُجزتِه: حَقوَيْه، والمَعنى واحدٌ.
وفي الحَديثِ: بيانُ تَفاوُتِ العُقوباتِ في الضَّعفِ والشِّدَّةِ، لا أنَّ بعضًا مِن الشَّخصِ يُعذَّبُ دونَ بعضٍ، كَما في حديثٍ آخرَ: وهوَ مُتنعِّلٌ بنَعليْنِ يَغلي مِنهُما دِماغُه . - الدرر السنية -
" إنَّ أهوَنَ أهلِ النَّارِ عذابًا يومَ القيامةِ رجلٌ ، على أخمَصِ قدمَيْه جَمْرَتَانِ ، يَغلي منهما دماغُه كما يَغلي المِرجَلُ بالقُمْقمِ"الراوي : النعمان بن بشير - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 6562 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
الشرح:
أشار رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى شِدَّةِ عذابِ النَّارِ بذِكْرِ أقلِّ أهلِها وأهونِهم عذابًا والعِياذُ بالله، وهو رجلٌ تُوضَع جَمْرَتَيْنِ في أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ - وهو ما لم يُصِبِ الأرضَ مِن باطِن الأقدام- فيَغْلِي من حَرِّهما دِماغُه، نسأل الله السلامةَ والعافيةَ، وقِيلَ بأنَّه عَمُّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أبو طَالِبٍ؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد ذُكِر عندَه عَمُّه أبو طالِبٍ: «لعلَّه تَنفعُه شَفاعتي يومَ القِيامة؛ فيُجعَل في ضَحْضَاحٍ من نارٍ يَبلُغ كَعْبَيْهِ، يَغلِي منه أُمُّ دِماغِه»، والحديثُ يَحتمِلُه وغيرَه مِمَّن حالُه كحالِه.
وفي الحديث: شِدَّةُ عذابِ النَّارِ- سَلَّمنا اللهُ تعالى منها. - الدرر-
"أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذُكر عندَهُ عمُّهُ أبو طالبٍ . فقال لعلهُ تنفعهُ شفاعتي يومَ القيامةِ . فيُجعلُ في ضَحْضْاحٍ منْ نارٍ، يبلغُ كعبيهِ، يغْلي منهُ دماغُهُ " .الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : مسلم- المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 210 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر -
" صلى بنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ فلما قضى الصلاةَ أقبلَ علينا بوجهِه، فقال: أيها الناسُ إني إمامُكم فلا تسبقوني بالركوعِ ولا بالسجودِ ولا بالقيامِ ولا بالانصرافِ فإني أراكم أمامي ومن خلفي. ثم قال:والذي نفسُ محمدٍ بيدِه لو رأيتُم ما رأيتُ لضحكتُم قليلاً ولبكيتُم كثيرًا.قالوا: وما رأيتَ يا رسولَ اللهِ ؟ قال: رأيتُ الجنةَ والنارَ.الراوي : أنس بن مالك - المحدث : مسلم- المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 426 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية -
الشرح
....لو رأيتُم ما رأيتُ، أي: يُخبِر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أصحابَه أنَّهم لو كُشِفَ لهم عمَّا يُكشَفُ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، لضَحِكْتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا، أي: لقَلَّ ضَحِكُكم وزاد بكاؤُكم؛ لهولِ ما ستَطَّلِعون عليه وَترَوْنه، فقال الصحابةُ رضِي اللهُ عنه: وما رأيتَ يا رسولَ الله؟ أي: ما الذي تُريدنا أنْ نراه؟ قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: رأيتُ الجنَّةَ والنَّارَ، أي: لو رأيتم ما رأيتُه في الجنَّةِ والنَّارِ مِن النَّعيمِ للمُطيعين في الجنَّةِ، ومِن العذابِ للعاصين في النَّارِ، لأصابَكم الهَمُّ والغَمُّ حيثُ تَرجُون وتخافون؛ ترجُون الجنَّةَ وما فيها، وتخافون النَّارَ وما فيها، ولا أحدَ يستطيعُ أن يعرِفَ مصيرَه، وبذلك تتركون الضَّحِكَ في الدُّنيا إلَّا قليلًا، وتلازمون البكاءَ كثيرًا.- الدرر السنية -
اللهم اغفر لنا وارحمنا وصَرِّف قلوبَنَا على طاعتِكَ.
عن عبدالله بن عمر قال: "كان الرَّجلُ في حياةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إذا رَأى رُؤيا قصَّها على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فتَمنَّيتُ أن أَرى رُؤيا فأَقصُّها على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وكُنتُ غُلامًا شابًّا، وكُنتُ أَنامُ في المَسجدِ عَلى عهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فرَأيتُ في النَّومِ كأنَّ مَلكَينِ أَخذاني فَذَهبا بي إلى النَّارِ، فإذا هيَ مَطويَّةٌ كَطيِّ البِئْرِ، وإذا لَها قَرنانِ، وإذا فيها أناسٌ قد عَرفتُهم، فجَعلتُ أَقولُ: أَعوذُ باللهِ مِنَ النَّارِ، قال: فلَقِيَنا مَلكٌ آخَرُ، قال لي: لم تُرَعْ. فقَصصتُها على حَفصةَ، فقصَّتْها حَفصةُ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فقال: نِعمَ الرَّجلُ عبدُ اللهِ لو كان يُصلِّي منَ اللَّيلِ. فكان بَعدُ لا ينامُ منَ اللَّيلِ إلَّا قَليلًا.الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 1121 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر السنية-
الشرح:
الرُّؤياالصالحةُ جزءٌ مِن ستَّةٍ وأربعين جزءًا مِن النُّبوَّة؛ كما نطَق به عليه أفضلُ الصَّلاة والسَّلام:
الرؤيا الصالحةُ جزءٌ من ستةٍ وأربعينَ جزءًا من النُّبُوَّةِ"الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6989 - خلاصة حكم المحدث :صحيح-الدرر-
وفي هذا الحديثِ يخبِرُ عبدُ الله بن عمرَ رضي الله عنهما: أنَّ الرَّجلَ في زمَن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا رأى رؤيا قصَّها على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فتمنَّى ابنُ عمر رضي الله عنهما أنْ يرى رؤيا ليُخبِرَ بها النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيُفسِّرَها له، وهذا يدلُّ على أنَّ للإنسان أن يتمنَّى الرُّؤيا الصَّالحة؛ ليعرِفَ صاحبُها ما له عند الله، فلمَّا نام عبدُ الله بن عمر رضي الله عنهما، رأى أنَّ ملَكينِ أخذاه فذهَبا به إلى النَّارِ، فإذا هي مَطْويَّةٌ طَيَّ البئرِ، أي: مَبنيَّةُ الجوانبِ، والبئرُ إذا لم تكُنْ مَبنيَّةَ الجوانبِ تُسمَّى قَليبًا، ورأى لها قرنينِ، وهما المنارتانِ عن جانبيِ البئرِ، اللَّتانِ تُجعَلُ عليها الخشَبةُ الَّتي تُعلَّقُ عليها البَكَرةُ، ورأى عبدُ الله بن عمر رضي الله عنهما في النَّارِ ناسًا يعرِفُهم، ولكنَّه لم يذكُرْ أسماءَهم في الرُّؤيا، فلمَّا رأى ذلك، ظلَّ يقولُ: أعوذُ باللهِ مِن النَّارِ، فلقِيه ملَكٌ آخرُ فقال له: لم تُرَعْ، أي: لم تَخَفْ؛ فلا رَوْعَ عليك ولا ضرَرَ ولا فزَعَ، فلمَّا قصَّ هذه الرُّؤيا على أختِه حَفْصةَ رضي الله عنها، قصَّتِ الرُّؤيا للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: «نِعْمَ الرَّجلُ عبدُ الله لو كان يُصلِّي مِن اللَّيل»، أي: إنَّ عبدَ الله رجلٌ صالحٌ لو كان يُصلِّي مِن اللَّيل، فكان عبدُ الله بن عمر رضي الله عنهما بعد ذلك لا ينامُ في اللَّيلِ إلَّا قليلًا.
وفي الحديثِ فضلُ قيام اللَّيل، وفضيلةُ عبد الله بن عُمر وثباتُه على فِعل ما أرشده إليه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. -الدرر السنية-
" أما أهل النارِ الذين هُمْ أهلها ، فإنهم لا يموتونَ فيها ولا يحيونَ . ولكن ناس أصابتْهم النارُ بذنوبهم - أو قال بخطاياهم - فأماتَهم إماتةً . حتى إذا كانوا فحْمًا ، أذِنَ بالشفاعةِ . فجيء بهم ضَبائِرَ ضَبائِرَ . فبُثّوا على أنهار الجنةِ . ثم قيل : يا أهلَ الجنةِ أفِيضُوا عليهِم . فينبتون نباتَ الحبّةِ تكون في حميلِ السيلِ ، فقال رجلٌ من القومِ : كأن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد كان بالباديَةِ" . وفي رواية : سمعتُ أبا نضْرَة عن أبي سعيدٍ الخدريّ ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثلهِ . إلى قوله : في حميلِ السيلِ . ولم يذكرْ ما بعدهُ .الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 185 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر السنية-
معنى الحديث كما في شرح مسلم للنووي:
أَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَالظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، مِنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ : أَنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ النَّارِ وَالْمُسْتَحِقُّونَ لِلْخُلُودِ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ حَيَاةً يَنْتَفِعُونَ بِهَا وَيَسْتَرِيحُونَ مَعَهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : ثُمَّ "لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى" وَهَذَا جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ نَعِيمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دَائِمٌ ، وَأَنَّ عَذَابَ أَهْلِ الْخُلُودِ فِي النَّارِ دَائِمٌ . وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ " إِلَى آخِرِهِ . فَمَعْنَاهُ : أَنَّ الْمُذْنِبِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُمِيتُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِمَاتَةً بَعْدَ أَنْ يُعَذَّبُوا الْمُدَّةَ الَّتِي أَرَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى ، وَهَذِهِ الْإِمَاتَةُ إِمَاتَةٌ حَقِيقِيَّةٌ يَذْهَبُ مَعَهَا الْإِحْسَاسُ وَيَكُونُ عَذَابُهُمْ عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِمْ ، ثُمَّ يُمِيتُهُمْ ، ثُمَّ يَكُونُونَ مَحْبُوسِينَ فِي النَّارِ مِنْ غَيْرِ إِحْسَاسٍ الْمُدَّةَ الَّتِي قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ مَوْتَى قَدْ صَارُوا فَحْمًا ، فَيُحْمَلُونَ ضَبَائِرَ-جَمَاعَاتٌ فِي تَفْرِقَةٍ - كَمَا تُحْمَلُ الْأَمْتِعَةُ وَيُلْقَوْنَ عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ وَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ فِي سُرْعَةِ نَبَاتِهَا وَضَعْفِهَا ، فَتَخْرُجُ لِضَعْفِهَا صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً ثُمَّ تَشْتَدُّ قُوَّتُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَصِيرُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَتَكْمُلُ أَحْوَالُهُمْ ، فَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ . وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا إِمَاتَةٌ حَقِيقِيَّةٌ ، وَالثَّانِي : لَيْسَ بِمَوْتٍ حَقِيقِيٍّ ، وَلَكِنْ تَغَيَّبَ عَنْهُمْ إِحْسَاسُهُمْ بِالْآلَامِ ، قَالَ : وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ آلَامُهُمْ أَخَفَّ فَهَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْنَاهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
صحيح مسلم » كتاب الإيمان » باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار -هنا-
وَمِن أَسبَابِ دُخُولِ النَّارِ الظُّلمُ وَالأَذَى، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: " عُذِّبَتِ امرَأَةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتهَا حَتَّى مَاتَت، فَدَخَلَت فِيهَا النَّارَ. لا هِيَ أَطعَمَتُهَا وَلا سَقَتهَا إِذْ حَبَسَتهَا، وَلا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأكُلُ مِن خَشَاشِ الأَرضِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. الدرر -
فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَقِفُوا عِندَ حُدُودِهِ، وَاحذَرُوا المَعَاصِيَ صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا وَقَلِيلَهَا وَكَثِيرَهَا، فَإِنَّ أَعمَالَ أَهلِ النَّارِ كُلَّهَا تَدخُلُ في مَعصِيَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ " وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ "النساء: 14. الألوكة -
"وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا " الأحزاب36.
*عن سَمُرَةَ بنُ جُنْدب قال: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى صلاةً أقبلَ علينا بوجهِه ، فقال : مَنْ رأى منكم الليلةَ رؤيا ؟ قال : فإِنْ رأى أحدٌ قصَّهَا. فيقولُ : ما شاءَ اللهُ . فسألَنا يومًا فقال : هل رأى أحدُ منكم رؤيا ؟ قلْنَا : لا . قال : لكني رأيتُ الليلةَ رجلين أَتَيَاني فأخذَا بيدي ، فأَخْرَجَانِي إلى الأرضِ المُقَدَّسّةِ ، فإذا رجلٌ جالسٌ ، ورجلٌ قائمٌ بيدِه كَلُّوبٍ من حديدٍ. قال بعضُ أصحابِنَا عن موسى : إنه يَدْخُلُ ذلك الكَلُّوبُ في شِدْقِه حتى يَبْلُغَ قَفَاه ، ثم يَفْعَلُ بشِدْقِه الآخرِ مثلَ ذلك ، ويَلْتَئِمُ شِدْقُه هذا ، فيَعُودُ فَيَصْنَعُ مثلَه . قلتُ : ما هذا ؟ قالا : انطلقْ. فانطلقْنَا حتى أتيْنَا على رجلٍ مُضْطَجِعٍ على قفاه ، ورجلٍ قائمٍ على رأسِه بفِهْرٍ ، أو صخرةٍ ، فيَشْدَخُ بها رأسَه ، فإذا ضربَه تَدَهْدَهَ الحَجَرُ ، فانطلقَ إليه ليَأْخُذَه ، فلا يَرْجِعُ إلى هذا ، حتى يَلْتَئِمَ رأسُه ، وعادَ رأسُه كما هو ؛ فعاد إليه فضربَه ، قلت : مَنْ هذا ؟ قالا : انطلقْ . فانطلقْنَا إلى ثَقْبٍ مثلَ التَّنُّورِ أعلاه ضيقٌ وأسفلُه واسعٌ يَتَوَقَّدُ تحتَه نارًا ، فإذا اقتربَ ارتفعُوا حتى كادُوا أَنْ يَخْرُجُوا ، فإذا خَمَدَتْ رجَعُوا فيها ، وفيها رجالٌ ونساءٌ عُرَاةٌ ، فقلتُ : مَنْ هذا ؟ قالا : انطلقْ . فانطلقنا حتى أَتَيْنَا على نَهَرٍ من دَمٍّ فيه رجلٌ قائمٌ ، وعلى وسَطِ النَّهَرِ - قال يزيدُ ووهْبُ ابْنُ جَرِيرٍ ، عن جَرِيرِ بْنِ حازمٍ - وعلى شَطِّ النَّهَرِ رجلٌ بينَ يديه حجارةٌ ، فأقبلَ الرجلُ الذي في النَّهَرِ ، فإذا أرادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرجلُ بحجرٍ في فِيهِ ؛ فردَّهُ حيثُ كان ؛ فجعل كلَّمَا جاءَ ليَخْرُجَ رمى في فِيهِ بحجرٍ ؛ فيَرْجِعُ كما كان ، فقلتُ : مَنْ هذا ؟ قالا : انطلق . فانطلقْنَا حتى انتهيَا إلى رَوْضَةٍ خضراءَ فيها شجرةٌ عظيمةٌ ، وفي أصلِها شيخٌ وصِبْيَانٌ ، وإذا رجلٌ قريبٌ مِنَ الشجرةِ بينَ يديه نارٌ يُوقِدُها ، فصعدَا بي في الشَّجَرَةِ ، وأَدْخَلانِي دارًا لم أرَ قَطُّ أحسنَ منها ، فيها رجالٌ شيوخٌ ، وشبابٌ ونساءٌ وصِبْيَانٌ ، ثم أخرجَانِي منها فصعدَا بي الشجرةَ ، فأَدْخَلانِي دارًا هي أحسنُ وأفضلُ ، فيها شيوخٌ وشبابٌ ، قلتُ : طَوَّفْتُمَانِي الليلةَ ؛ فأَخْبِرَانِي عما رأيتُ . قالا : نعم ، أمَّا الذي رأيتَه يَشُقُّ شِدْقَه، فكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بالكِذْبَةِ ، فتُحْمَلُ عنه حتى تَبْلُغَ الآَفَاقَ، فيُصْنَعُ به إلى يومِ القيامةِ ، والذي رأيتَه يَشْدَخُ رأسَه ، فرجلٌ علَّمَه اللهُ القرآنَ، فنامَ عنه بالليلِ ، ولم يَعْمَلْ فيه بالنهارِ ، يُفْعَلُ به إلى يومِ القيامةِ ، والذي رأيتَه في الثَّقْبِ فهم الزُّنَاةُ ، والذي رأيتَه في النَّهَرِ آَكِلُوا الرَّبَا ، والشيخُ في أصلِ الشَّجَرَةِ إبراهيمُ- عليه السلام- ، والصِّبْيَانُ حولَه فأولادُ النَّاسِ ، والذي يُوقِدُ النَّارَ مالِكٌ خازنُ النَّارِ ، والدَّارُ الأولى التي دخلْتَ دارُ عامةِ المؤمنين ، وأمَّا هذه الدارُ فدارُ الشُّهداءِ ، وأنا جبريلُ ، وهذا مِكَيائِيلُ ، فارفعْ رأسَك ، فرفعتُ رأسِي ، فإذا فوقِي مثلَ السَّحَابِ ، قالا : ذاكَ منزلُك . قلتُ : دعانِي أدخلْ منزلي . قالا : إنه بَقِيَ لك عُمُرٌ لم تَسْتَكْمِلْه ، فلو اسْتَكْمَلْتَ أتيتَ منزلَك" .الراوي : سمرة بن جندب - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 1386 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية-
الشرح:
يَحكي سَمُرَةُ بنُ جُنْدُبٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلَّم كانَ إِذا صَلَّى صَلاةً أقْبَلَ عَلَيْنا بِوَجهِه الكَريمِ وسَألَ: مَن رَأى مِنكم اللَّيلةَ رُؤْيا؟ فَإِن رَأى أحَد رُؤْيا قَصَّها عليه، فَيَقول: ما شاءَ اللهُ، فَسَألَنا يَومًا: هَلْ رَأى أحَدٌ مِنكم رُؤْيا؟ قُلْنا: لا. قالَ: لَكنِّي رَأيتُ اللَّيْلةَ رَجُلَينِ، أي: مَلَكَينِ، أتَياني، فَأخَذَا بيَدي، فَأخرَجاني إلى الأرضِ المُقدَّسةِ، فَإذا رَجُل جالِس ورَجُل قائِم بيَدِه كَلُّوبٌ مِن حَديدٍ، وهو حَديدةٌ مَعطوفةُ الرَّأسِ يُعَلَّقُ عليها اللَّحمُ يُدخِله في "شِدقِهِ"، أي: جانِبِ فَمِ الرَّجُلِ الجالِسِ حَتَّى يَبلُغَ قَفاه، أي: يَقطَعه شَقًّا، ثمَّ يَفعَل بِشِدقِه الآخَرِ مِثلَ ما فَعَلَ بِشِدقِه الأوَّلِ ويَلتَئِم شِدقُه هذا فَيَعود، فَيَصنَع مِثلَه. فَسَألَ صَلَّى الله عليه وسلَّم مَن هذا؟ فَقال المَلَكانِ: انطَلِق. فانطَلَقْنا حَتَّى أتَيْنا عَلى رَجُلٍ مُضطَجِعٍ عَلى قَفاه، ورَجُلٍ قائِمٍ عَلى رَأْسِه "بِفِهْر"، أي: حَجَرٍ مَلْء الكَفِّ، أو صَخرةٍ فَيَشْدَخ بِه رَأسَه، فَإِذا ضَرَبَه "تَدَهْدَه الحَجَرُ"، أي: تَدَحْرَجَ. فانطَلَقَ إليه، أي: إلى الحَجَرِ؛ ليَأخُذَه فَيَصنَع بِه كما صَنَعَ، فَلا يَرجِع إلى هذا الَّذي شَدَخَ رَأْسَه حَتَّى يَلتَئِمَ رَأسُه، أي: يَصِحَّ رَأْسُه وعاد رَأسُه كَما هو، فَعادَ إليه فَضَرَبَه، فَسَألَ صَلَّى الله عليه وسلَّم: مَن هذا؟ فَقالا: انْطَلِق. فانطَلَقْنا إلى ثقْبٍ مِثلِ "التَّنُّورِ"، وهو ما يُخْبَزُ فيه أعْلاه ضَيِّق، وأسفَله واسِع، يَتَوَقَّد تَحتَه نارًا، فَإِذا اقتَرَبَ ارتَفَعوا حَتَّى كادَ أن يَخرُجوا، فَإِذا "خَمَدَت"، أي: سَكَنَ لَهيبُها ولَم يُطْفَأْ حَرُّها رَجَعوا فيها، وفيها رِجال ونِساء عُراة، فَسَألتُ: مَن هذا؟ فَقالا: انْطَلِق. فانْطَلَقْنا حَتَّى أتَيْنا عَلى نَهْرٍ مِن دَمٍ فيه رَجُل، وقائِمٌ عَلى وسَطِ النَّهرِ رَجُل بَينَ يَدَيْه حِجارة، فَأقبَلَ الرَّجُل الَّذي في النَّهْرِ، فَإِذا أرادَ أن يَخرُجَ مِنه رَمى الرَّجُلُ الَّذي بَينَ يَدَيْه الحِجارةُ بِحَجَرٍ في "فيهِ"، أي: في فَمِه فَرَدَّه حيثُ كانَ مِن النَّهرِ، فَجَعَل كُلَّما جاءَ ليَخرُجَ مِن النَّهرِ رَمى في فيه بِحَجَر، فَيَرجِع كَما كانَ فيهِ. فَسَألتُ: ما هذا؟ فَقالا: انْطَلِق. فانْطَلَقْنا حَتَّى انتَهَيْنا إلى رَوْضةٍ خَضراءَ، فيها شَجَرة عَظيمة، وفي أصْلِها شَيْخ وصِبيان وإذا رَجُل قَريب مِن الشَّجَرةِ بَينَ يَدَيْه نارٌ يُوقِدها، فَصَعِدا بي في الشَّجَرةِ الَّتي هيَ، في الرَّوضةِ الخَضراءِ، وأدْخَلاني دارًا لَم أرَ قَطُّ أحسَنَ منها، فيها رِجال شُيوخ وشَباب ونِساء وصِبيان، ثمَّ أخْرَجاني منها، أي: مِن الدَّارِ، فَصَعِدا بي الشَّجَرةَ فَأدْخَلاني دارًا هيَ أحسَنُ وأفضَلُ مِن الأولى، فيها شُيوخ وشَباب، فَقُلْتُ: طوَّفتُماني اللَّيلةَ. فَأخْبَراني عَمَّا رَأيتُ؟ قالا: نَعَم نُخبِرك، أمَّا الَّذي رَأيتَه يَشُقُّ شِدْقَه فَكَذَّاب يُحَدِّث بالكِذبةِ فَتُحْمَل عَنه حَتَّى يَبلُغَ الآفاقَ فَيُصنَع بِه ما رَأيتَ؛ لِما يَنْشَأ عَن تلك الكِذْبةِ مِن المَفاسِدِ. وأمَّا الَّذي رَأيتَه يَشْدَخ رَأْسَه فَرَجُلٌ علَّمَه اللهُ القُرآنَ، فَنامَ عَنه باللَّيلِ، أي: أعْرَضَ عَن تِلاوتِه ولَم يَعمَل فيه بالنَّهارِ، يُفعَل به ما رأيتَ، وَأمَّا الَّذي رَأيتَه في الثُّقبِ فَهم الزُّناة. والَّذي رَأيتَه في النَّهرِ آكِلو الرِّبا. والشَّيْخُ الكائِنُ في أصلِ الشَّجَرةِ إبراهيمُ الخَليلُ عليه السَّلام. وأمَّا الصِّبيانُ حَولَه، أي: فَأولادُ النَّاسِ. والَّذي يوقِد النَّارَ: مالِكٌ خازِنُ النَّارِ، والدَّار الأولى الَّتي دَخَلتَ فيها دارُ عامَّةِ المُؤمِنينَ، وأمَّا هذه الدَّارُ فَدار الشُّهَداءِ، وأنا جِبْريلُ، وهذا مِيكائِيلُ، فارفَعْ رَأْسَك. فَرَفَعتُ رَأْسي فَإِذا فَوقي مِثلُ السَّحابِ، قالا: ذاكَ مَنزِلك، قُلتُ: "دَعاني"، أي: اتْرُكاني أَدخُل مَنزِلي، فَقالا: إِنَّه بَقيَ لك عُمُرٌ، لَم تَستَكمِلْه، فلو اسْتَكمَلتَ عُمُرَك أتَيتَ مَنزِلَك .
- الدرر السنية-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
نلتقي اليوم مع قصة منامية ثبتت في صحيح الإمام البخاري ، رواها سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ قَالَ : كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ « مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا » ؟ قَالَ فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا ، فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ ،.........
هذه قصة عظيمة اشتملت على المشاهد التالية :
المشهد الأول :
رَجُلٌ جَالِسٌ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ والكلوب حديدة في آخرها انحناء كتلك التي يعلق اللحم بها ، فيُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِى خده ، ويُقَطِّعُه حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا ، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ .
وهذا المعذب هو الرجل يكذب الكِذْبَة تبلغ الآفاق . قال ابن حجر رحمه الله :" وَإِنَّمَا اِسْتَحَقَّ التَّعْذِيب لِمَا يَنْشَأ عَنْ تِلْكَ الْكِذْبَة مِنْ الْمَفَاسِد وَهُوَ فِيهَا مُخْتَار غَيْر مُكْرَه وَلَا مُلْجَأ".
المشهد الثاني :
رجل مضطجع عَلَى قَفَاهُ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِصَخْرَةٍ ، فَيَشْدَخُ بِهِا رَأْسَهُ ، والشدخ كسر الشيء المجوف، فيكسر رأسه بحجر معه ، فإذا كسر الحجر رأسه ونأى عنه ذهب الآخر ليأتي بالحجر ، فإذا عاد إلى المعذب عاد رأسه سالماً ، فيفعل به ذلك إلى يوم القيامة .
من هو المعذب هنا ؟ صاحب القرآن يرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة .. لكن أليس النوم عذرا؟ الجواب : من بذل وسعه ليستيقظ فلم ينهض فهو معذور .. وأما المتهاون الذي ينام ويعلم أنه سيستيقظ متأخرًا .. وهذا دأبه فهذا هو الذي ينام عن الصلاة المكتوبة .
المشهد الثالث :
ينطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ ، والتنور كالهرم ، أَعْلاَهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ ، فيه نار من تحته ، وفوق النار رجال ونساء عراة ، فإذا ارتفع لهيبها صعدوا إلى المكان الضيق وضوضوا : أي صاحوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا .
جمع الله لهم بين عقوبيتين :
الأولى : جعل الله عقوبتهم في مكان واحدٍ فهتك سترهم ، فإنهم كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ففضحهم .
الثانية : لما عصُوْا الله بأسفل أجسادهم جاءتهم النار من تحتهم .
المشهد الرابع :
انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجلان حَتَّى أتَوْا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ ، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ ، وفيه رجل يسبح فيه . فيقبل السابح إلى الواقف ، فيلقمه حجراً يعيده إلى مكانه ، فإذا جاء إليه فعل به ذلك .
وإنما ألقم حجرًا والحجر لا فائدة فيه لبدنه كما كان يزيد ماله بشيء أخبر الله أنه لا بركة فيه.
المشهد الخامس :
ينطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ غَنّاء كثيرةِ العشب، فيها من كل نَورِ الربيع وزهره ، وفِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ ، وفي رواية «إلى مدينة مَبْنِيَّة بِلَبِنِ ذَهَب وَلَبِن فِضَّة» وهي الجنة التي أعدها الله لعباده المؤمنين ، فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ..
فإن قيل : كيف نوفق بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيها ما لا عين رأت وبين كونها صلى الله عليه وسلم قد رآها كما في هذا الحديث ؟
الجواب :
المشهد السادس :
في تلك الروضة رأى النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم عليه السلام وحوله صبيان المسلمين . وهم : من مات منهم قبل أن يبلغ ، فأي عزاء للوالدين الذين فقدا ابنهما الصغير أحسن من هذا العزاء ؟ أيها الأب .. أيتها الأم .. يا من تقرح كبده بفقد ولده اعلموا : أنّ رحمة الله خير له منكما ، وثواب الله خير لكما منه .
المشهد السابع:
يرى دارًا أفضل من تلك الدار ، وهي دار الشهداء ، وداراً أفضل من الدراين وهي بيت النبي صلى الله عليه وسلم . ويرى صلى الله عليه وسلم خازن النار ، وقد نعته بكونه (كريه الرؤية) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ زِيَادَة فِي عَذَاب أَهْلِ النَّارِ .
أسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة .وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وسيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
*د. مهران ماهر عثمان*
______________________
مشاركة رقم : 6 = هنا =
"تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ" 8.
"تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ"الملك:8. يعني: تكاد أن تتفرق وتتقطع قطعًا من شدة تغيظها على الكفار، وذكر بعض علماء الحيوان أن من الحيات حيات شديدة التغيظ على بني آدم، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن الحيات على وجه الإجمال"والله ما سالمناهن منذ حاربناهن" فبين الحيات وبين بني آدم عداوات منذ أن بدأت بينهما الحرب، ......الشاهد: أنهم يذكرون أن من أنواع الحيات حيات شديدة التغيظ جدًا على بني آدم، كلها غيظ عليك، إذا رأتك من مكان بعيد دفعت برأسها وطارت إليك! ويسمع لها دوي هائل وهي في الطريق إليك، فإذا صادفتك خرقت جسمك ودخلت من ناحية وخرجت من ناحية أخرى!! وذكروا مخرجًا من هذه الحيات فقالوا: إذا سمعت صوتها في الهواء، وهي متجهة إليك، فانبطح على الأرض على بطنك، فإذا نزلت بجوارك ولم تصب مرادها منك، تقطعت قطعًا من شدة غيظها، وتتفتت أمامك!! فالغيظ يفتتها قطعًا! فجهنم يقول الله عنها"تَكَادُ تَمَيَّزُ" والتميز: التقطع والانفصال, ومنه قوله تعالى"وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ"يس:59. أي: انفصلوا اليوم أيها المجرمون، فـ ""تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ" أي: تكاد تتقطع النار من شدة غيظها على الكفار، انظر إذا كنت متغيظًا على شخص ثم تمكنت منه كيف تكاد تتقطع منه؟! هنا = سلسلة التفسير لمصطفى العدوي
" ما سالَمْناهنَّ منذ حاربناهنَّ ومن تركَ شيئًا منهن خِيفةً فليس منا".الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 5248 - خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح- الدرر-
الشرح :
أمرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بقَتلِ الفَواسقِ الضارَّةِ من الهوَامِّ والحيواناتِ المؤذِيةِ، وأمرَ بقَتلِ الحيَّاتِ الضارَّةِ، ولا سيَّما تلكَ التي تسكُنُ البيوتَ وتُؤذِي.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم "ما سالَمْناهنَّ منذُ حارَبناهُنَّ"، أي: ما سالَمنا الحيَّاتِ والثعابينَ وصالَحْناهم منذُ أنْ وقعتْ بَينَنا وبينَهم الحربُ؛ فإنَّ المحاربةَ والمعاداةَ بينَ الحيَّةِ والإنسانِ جِبِليَّةٌ، وقيلَ: إنَّ المرادَ أنَّها قديمةٌ منذُ آدمَ عليهِ السلامُ. "ومَن تركَ شيئًا مِنهنَّ خِيفةً فليسَ مِنَّا"، وهذا حثٌّ على عدمِ الخَوفِ من الحيَّاتِ وعدمِ تَرْكِ قَتلهِنَّ؛ لأنها مُؤذِيةٌ وقاتلةٌ وسامَّةٌ، فكأنَّها عدُوٌّ فإنْ لم تَقتلْها قتلَتْكَ، وقولُه: "فليسَ منَّا"، أي: فليسَ على صِفة أمرِنا والمقتَدينَ بسُنَّتِنا.
هذا معَ مراعاةِ معاني بَقيَّةِ الرِّواياتِ في هذا الأمرِ؛ حيثُ وردَ النهيُ الأخيرُ عن قَتلِ حيَّاتِ البيوتِ- وتُسمَّى بالعَوامِرِ- إلَّا بعدَ استئذانِها ثلاثَ مرَّاتٍ؛ فإذا خرَجْنَ من البُيوتِ فلا سَبيلَ علَيها، ولكنْ إنْ أبَتِ الخُروجَ فيجِب قَتْلُها.- الدرر-
"كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ"أي كلما طُرِحَ فيها جماعةٌ من الكفرةِ ، على وجه الإهانة والذل.
وَالْفَوْجُ : الْجَمَاعَةُ أَيْ جَمَاعَةٌ ، ويُقْصَدُ مِمَّنْ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْخُلُودُ في النَّارِ .
فيه دليل على أن دخول الكفار النار يكون على مراحل، فئة تدخل، ثم تدخل فئة، ثم تدخل فئة، وكذلك دخول المؤمنين الجنة يكون على مراحل" وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا "الزمر:73- أي: جماعات جماعات.
اللهم اجعلنا ممن يدخلون الجنة زُمرًا ،وعافانا وإياكم من جهنم وأفواجها .
أُتْبِعَ وَصْفُ مَا يَجِدُهُ أَهْلُ النَّارِ عِنْدَ إِلْقَائِهِمْ فِيهَا مِنْ فَظَائِعَ أَهْوَالِهَا بِوَصْفِ مَا يَتَلَقَّاهُمْ بِهِ خَزَنَةُ النَّارِ .
..... قد يَتَسَاءَلُ السَّامِعُ عَنْ سَبَبِ وُقُوعِ أَهْلِ النَّارِ فِيهَا فَجَاءَ بَيَانُهُ بِأَنَّهُ تَكْذِيبُهُمْ رُسُلَ اللَّهِ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ ، مَعَ مَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ مِنْ وَصْفِ نَدَامَةِ أَهْلِ النَّارِ عَلَى مَا فَرُطَ مِنْهُمْ مِنْ تَكْذِيبِ رُسُلِ اللَّهِ ، وَعَلَى إِهْمَالِهِمُ النَّظَرَ فِي دَعْوَةِ الرُّسُلِ وَالتَّدَبُّرِ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ .
"سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا" أي سألتهم الملائكة المُوَكَّلُونَ على جهنم _ وهم الزبانية ،سؤال توبيخ.
"أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ"
أي ألم يأتكم رسول ينذركم ويخوفكم من هذا اليوم الرهيب ؟
وهذا السؤال لِلتَّوْبِيخِ وَالتَّنْدِيمِ والإيلَامِ لِيَزِيدَهُمْ حَسْرَةً
فوقَ حَسْرَتِهم وعذابًا فوقَ عذابِهم .
وَالنَّذِيرُ : الْمُنْذِرُ ، أَيْ رَسُولٌ مُنْذِرٌ بِعِقَابِ اللَّهِ .
*قال صلى الله عليه وسلم:
"لَنْ يَهْلَكَ النَّاسُ حَتَّى يَعْذِرُوا، أَوْ يُعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ"
الراوي : رجل من الصحابة - المحدث : الألباني- المصدر : صحيح أبي داود-
الصفحة أو الرقم: 4347 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر-
الشرح:
تَعمُّدُ فِعلِ المعصيةِ مِن أكبرِ أسبابِ الهَلاكِ، وفي هذا الحديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم: "لَنْ يَهلَكَ الناسُ"، أي: لَنْ يُهلِكَ اللهُ عزَّ وجلَّ الناسَ في الدُّنيا بموتٍ أو عذابٍ، "حتى يَعذِرُوا، أو يُعذِرُوا من أنفُسِهم"، أي: حتى يُكثِروا من الذُّنوبِ والمعاصي ولم يَبقَ لهم عُذرٌ بعدَما قامَت علَيهِم مِن الحُجَجِ ما قامتْ، كأمرٍ بمعروفٍ أو نَهيٍ عن مُنكَرٍ ولم يَستَجِيبوا، فيَستَوجِبوا بذلكَ العُقوبةَ ولا عُذرَ لهم بعدَ ذلكَ.-الدرر-
يُقال: أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ، والمعنى: مَنْ حَذَّرَكَ ما يَحُلُّ بِكَ فَقَدْ رَفَعَ عَنْهُ الذَّنْبَ وَاللَّوْمَ.كذا في الوسيط .
وفي لسان العرب:
"ومن أَمثال العرب: قد أَعذَرَ من أَنذَر، أَي من أَعلَمك أَنه يُعاقِبُك على المكروهِ منك فيما يَستقبِله ثم أَتيتَ المكروه فعاقَبَك فقد جَعَل لنفسه عُذْراً يكُفُّ به لائِمَةَ الناس عنه"الألوكة/ المجلس العلمي -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ، حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً»
الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 6419 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
الشرح:
يَحكي أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "أَعذَر اللهُ إلى امرئٍ"؛ أي: قطَع عُذرَه في ارتكابِ المعاصي، "أخَّر أجَلَه"؛ أي: إذا أطال عُمُرَه "حتى بلَّغه ستِّين سَنةً" وهو على قيدِ الحياةِ.
فمَن طال عمرُه حتى بلَغ ستِّين عامًا، لم يَبقَ له عُذرٌ في اقتراف الخطايا؛ لأنَّه يجبُ عليه أن يَستعدَّ للِقاءِ الله عزَّ وجلَّ.
في الحديث: أنَّ الشَّيخوخة نذيرُ الموت والرَّحيلِ عن الدُّنيا؛ ولهذا ينبغي لِمَن بلَغ الستِّين الاستعدادُ للقاء الله.
وفيه: إشارةٌ إلى أنَّ استكمال الستِّين مَظِنَّةُ انقضاء الأجَل. - الدرر -
=فلنعتبر ولنحذر ونُحْسِن الاستجابة
"لما نزَلَتْ "وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ" صَعَدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على الصَّفا ، فجَعَل يُنادي : يا بني فِهْرٍ ، يا بني عَدِيٍّ ، لبطونِ قريشٍ ، حتى اجتمعوا ، فجَعَلَ الرجلُ إذا لم يَسْتَطِعْ أن يَخْرُجَ أَرَسَلَ رسولًا؛ ليَنْظُرَ ما هو ، فجاءَ أبو لهبٍ وقريشٌ ، فقال" أَرَأَيْتَكم لو أَخْبَرْتُكم أن خيلًا بالوادي تريدُ أن تُغِيرَ عليكم أَكُنْتُم مُصَدِّقِيَّ ؟ قالوا : نعم ، ما جَرَّبْنَا عليك إلا صدقًا . قال : فإني نذيرٌ لكم بينَ يَدَيْ عذابٍ شديدٍ . فقال أبو لهبٍ : تبًّا لك سائرَ اليومِ ، أَلِهذا جَمَعْتَنَا ! فنزَلَتْ "تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ"الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 4770 خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر -
كانت دَعْوَةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم سِرًّا في بدايةِ الأمرِ، إلى أنْ أَمَرَه اللهُ سبحانه وتعالى بالجَهْر بالدَّعْوَةِ فقال "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرْ".
ومِن جَهْرِه بالدعوةِ وتبليغِه إيَّاها: أنَّه لَمَّا نَزَل قولُه تعالى"وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ" صَعِد النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على جَبَلِ الصَّفَا، ونَادَى: يا بَنِي فِهْرٍ، يا بَنِي عَدِيٍّ، لِبُطُونِ قُرَيْشٍ، والبَطْنُ: أَقَلُّ مِن القَبِيلة، فاجْتَمَعوا عندَه، ومَنْ لم يَستطِعِ المَجِيءَ أَرْسَلَ رسولًا لِيَرَى: ما الأَمْرُ، وما الذي يُرِيد أنْ يُخبِرَ به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فلمَّا اجتَمَعوا وجاء أبو لَهَبٍ وقُرَيْشٌ، قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم «أَرَأَيْتَكُم لو أخبرتُكم أنَّ خيلًا بالوادِي تُرِيدُ أن تُغِيرَ عليكم، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ » يعني: لو أخبرتُكم أنَّ جَيْشًا يُريد أن يَهجُمَ عليكم؛ فهل كنتُم تُصدِّقونني؟ فقالوا: نَعَمْ، وأَقرُّوا بصِدْقِه صلَّى الله عليه وسلَّم، وقالوا: ما جَرَّبْنا عليك إلَّا صدقًا، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم «فإنِّي نَذِيرٌ لكم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شديدٍ»، فقال أبو لَهَبٍ: تَبًّا لك سَائِرَ اليومِ! أي: خَسِرْتَ بقيَّةَ اليومِ؛ أَلِهَذَا جَمَعْتَنا؟! فأنزَل الله تعالى فيه "تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ" أي: خَسِرَتْ يداه وخابَتْ، وخَسِرَ هو، وقيل"تبَّ" الأوَّل دُعَاءٌ، وَالثَّانِي خبَر، مِثل: أهْلَكَه الله وَقد هَلَك.-الدرر -
=نحن في البحبوحة :والإنسان إذا ما اسْتجاب وما اسْتفاد مما يُلقى إليه وما تاب وما عمل بما سمِع وبما علِم سَيَأتي عليه وقْتٌ ينْدم عليه ندم لا يوصف فنحن الآن أحْياء وفي بحْبوحة العُمُر فكُلّ شيء يُحل وأنت حيّ تتوب وتتصدّق وتَسْتَغْفِر ... .
"قالَ اللَّهُ تبارَكَ وتعالى: يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفَرتُ لَكَ على ما كانَ فيكَ ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ لو بلغت ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ، ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ إنَّكَ لو أتيتَني بقرابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقرابِها مغفرةً" الراوي : أنس بن مالك - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-
الصفحة أو الرقم: 3540 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
-" اللَّهُ أفرَحُ بتوبةِ عبدِهِ مِن أحدِكُم ، سقَطَ على بعيرِهِ ، وقد أضلَّهُ في أرضِ فَلاةٍ"الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 6309 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
فلنراجع أنفسَنَا ونستشعر الإيمان بالله وباليوم الآخر ،ونرجع ونتوب وندقق في أعمالنا . يا مصرف القلوب صرف قلوبَنَا على طاعَتِكَ.
=قال عبدُ اللهِ - ابنُ مسعودٍ -: إنَّ المؤمنَ يرَى ذنوبَه كأنه في أصلِ جبلٍ يخافُ أنْ يقعَ عليه وإنَّ الفاجرَ يرَى ذنوبَه كذبابٍ وقع على أنفِه قال به هكذا ، فطار .
الراوي : الحارث بن سويد - المحدث : الألباني- المصدر : صحيح الترمذي
الصفحة أو الرقم: 2497 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
الأثرُ موقوفٌ على ابنِ مسعودٍ.
شرح الأثر:
وصَف ابنُ مَسعود رَضِيَ الله عنه حالَ المؤمنِ مع ذُنوبِه، وشبَّهه برجلٍ قاعدٍ تحتَ جبلٍ يَخاف أن يَقَعَ عليه؛ ومَن وقَع عليه الجبلُ فلا يُظَنُّ له نجاةٌ، بينما يَنظُر المنافقُ لذنوبه باستخفافٍ، فكأنَّها ذُبابٌ مرَّ على أنفِه فأشار بيدِه فذَهَب الذبابُ ولم يؤثِّرْ عليه، فهو يَرى ذُنوبَه لا تُؤثِّرُ عليه ولا يَقْلَقُ لها. الدرر -
فالإيمانُ الحقيقيُّ يُعرِّفُ صاحِبَه بعَظَمةِ اللهِ تعالى، فيُبعِدُهُ عن التَّجاوُزِ في معصيتِهِ أو الاسْتِمرارِ في ذلك.
وفي هذا الأَثرِ يَقولُ عبدُ اللهِ بنِ مسعودٍ: إنَّ المؤمِنَ "يرى ذُنوبَهُ"، أي: ما اقْتَرَفَ مِنْ معاصٍ كأنَّه في "أَصَلِ جَبَلٍ"، أي: كأنَّ المؤمنَ واقفٌ عِنْدَ سَفْحِ جَبَلِ ويرى ذُنوبَهُ مِثْلَ ذلك الجَبَلِ "يَخافُ أنْ يَقَعَ عليه"، أي: يَخافُ أنْ يَقَعَ هذا الجبلُ عليه، وهو في أَسْفلِهِ؛ وذلك لاسْتِعظامِ المؤمنِ أَمْرَ معصيةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، "وإنَّ الفاجِرَ"، أي: الفاسِقَ "يرى ذُنوبَهُ كذُبابٍ"، أي: مِثْلَ تِلْكَ الحَشَرةِ الصَّغيرةِ في حَجْمِها وأذاها؛ فذنبُه سَهلٌ عِندَه لا يعتقدُ أنَّه يَحصُل له بسببِه كبيرُ ضررٍ، كما أنَّ ضررَ الذُّبابِ عنده سهلٌ، "وقَعَ على أَنْفِهِ قال بِهِ هكذا، فطار"، أي: عِنْدما يَقَعُ على أَنْفِهِ فيتأذَّى منه أزاحَه بيدِهِ ليَطيرَ؛ وذلك لضَعْفِ هَيبةِ مَعصيةِ اللهِ سُبحانَه وتعالى في قَلْبِ الفاجِرِ.
وفي الحديث: أنَّ على المؤمنِ أنْ يَخشَى ذُنوبَه، ويَعظُمَ خَوفُه منها، ولا يأمَنَ عِقابَ اللهِ عليها فيَستصغِرَها. - الدرر-
اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
سؤال:هل يرى أهل السنة والجماعة تخليد آكل الربا بعدما جاءته الموعظة في النار؟ ماذا عن الكاسيات العاريات؟ وماذا عن تارك الصلاة؟
الإجابة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن آكل الربا والمرأة المتبرجة وتارك الصلاة غير الجاحد لها، كل هؤلاء من أهل الكبائر الذين إذا ماتوا على التوحيد، ولم يتوبوا من ذنوبهم قبل الغرغرة أو طلوع الشمس من مغربها، فإنهم لن يخلدوا في النار لو أنهم دخوها، وقد يعذبون بقدر ذنوبهم إذا لم يتجاوز الله عنهم، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وليست لهم عقيدة سواها.
وأما قول الله تعالى" فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ "البقرة:275.
فليس فيها ما يخالف ما قررناه لأنها في من استحلّ الربا وقال ما نهاه الله عنه في صدر الآية" إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا" البقرة:275، ولا شك أن قائل هذا الكلام إن كان عالمًا بما يقول فإنه معترض على الله في شرعه وحكمه ومعقب عليه في أمره ونهيه وهذا كافر، ويخلد في النار، وإنما المسأله في المسلم الذي يقر أن الربا حرام ولكنه يفعله ضعفًا وشهوة فهذا عاصٍ، وإن مات بلا توبة فأمره إلى الله.
ورحم الله ابن عطية حيث قال في تفسيره للآية: إن قدَّرنا الآية في كافر فالخلود خلود تأبيد حقيقي، وإن لحظناها في مسلم عاصٍ فهذا خلود مستعار على معنى المبالغة، كما تقول العرب مُلْكٌ خالِد, عِبَارَة عَنْ دَوَام مَا لَا يَبْقَى عَلَى التَّأْبِيد الْحَقِيقِيّ. انتهى.
والله أعلم. إسلام ويب .
"قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ"9 .
"أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ" الجواب "قَالُوا بَلَى " بَلَى" هذه إثبات؛ لأن جواب السؤال المنفي بأداة نفي يكون ببلى في الإثبات، أي إثبات واعتراف بأن جاءهم نذير.
أما قوله"وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ"الأعراف:44- فالسؤال هنا جاء بعد أداة الاستفهام، لكن لا يوجد نفي، فالجواب هنا في الإثبات يكون بنعم، وعندما أقول لك: هل أنت متوضئ؟ تقول: نعم أو لا.
قولهم "قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ" موكدًا لما دلت عليه "بَلَى" ، وهو من تكرير الكلام عند التحسر ، مع زيادة التحقيق ب "قَدْ" ، وذلك التأكيد هو مناط الندامة والاعتراف بالخطأ .تفسير ابن عاشور.
فيذكر تعالى عدله في خلقه ، وأنه لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحُجة عليه وإرسال الرسول إليه ، كما قال " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا " الإسراء : 15 - وقال تعالى " وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ.وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ" الزمر : 71 . °وهكذا عادوا على أنفسهم بالملامة ، وندموا حيث لا تنفعهم الندامة .تفسير ابن كثير.
"قَالُوا بَلَى" انظر إلى الاعتراف، يعني: بلى قد جاءتنا الرسل، المصيبة الكبرى ليس فقط في اعترافهم بمجيء الرسل إليهم، وليس فقط بتكذيبهم الرسل، بل قالوا: نحن أفرطنا في التكذيب، ونفينا التنزيل والإرسال والنبوة.
قوله"وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ"الملك:9- "مِنْ " هنا قطعًا تدل على العموم، يعني: ما أنزل الله من شيء على الإطلاق، زيادة على هذا فقد بالغوا في نسبة الرسل إلى الضلال، وذلك بقولهم"إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ" وليس في ضلال فقط بل كَبِيرٍ!
=فجمعوا بين تكذيبهم الخاص، والتكذيب العام بكل ما أنزل الله ولم يكفهم ذلك، حتى أعلنوا بضلال الرسل المنذِرِينَ وهم الهداة المهتدون، ولم يكتفوا بمجرد الضلال، بل جعلوا ضلالهم، ضلالًا كبيرًا، فأي عناد وتكبر وظلم، يشبه هذا؟ تفسير السعدي.
"إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ" قيل:إنها من تمام كلام كل فوج لنذيرهم.
وقيل: إنها كلام خزنة جهنم.
حتى لو أردوا الكذب وإنكار جحودهم وكفرهم وما اكتسبوا في الدنيا من الذنوب، فيختم الله على أفواههم، وتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.
"يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"النور 24.
فكل جارحة تشهد عليهم بما عملته، ينطقها الذي أنطق كل شيء، فلا يمكنه الإنكار، ولقد عدل في العباد، من جعل شهودهم من أنفسهم- تفسير السعدي-
"وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ" 10.
" نَسْمَعُ" أي : سماع انتفاع لما جاءت به النُّذر.
"أَوْ نَعْقِلُ" أيضًا تعقل انتفاع لذلك ، فنفوا عن أنفسهم أعظم طرق الهداية وهما السمع والعقل لعدم انتفاعهم بهما.
لو كنا نتفكر في كلام الله الذي جاء به المرسلون سماع طالب للحق وعقلنا ذلك.
سؤال: القرآن الكريم ينفي عنهم أحيانًا العقل، مع أنه في مواضع أخرى يثبته، فما الجمع بينهما؟
الجواب
أن العقل موجود، لكن لما كانت الحكمة من خلق الإنسان وتكريمه بالعقل أساسًا هي أن يتفكر به في توحيد الله، ويتوصل به إلى إثبات الإسلام والتوحيد والنبوة، فلما عطل عقله عن هذه الوظيفة التي خلق من أجلها أساسًا، فبالتالي صار مستويًا مع من لا عقل له من البهائم والجمادات ونحوها، فلذلك بعض الآيات تثبت له العقل وبعضها تنفيه، وكذلك السمع والبصر، يقول تعالى"لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا"الأعراف:179- يعني: عندهم قلوب لكنهم لا يستعملونها فيما خُلِقَت من أجله وكذلك السمع والبصر.
وهذا الآية أيضًا تشير إلى أن الوصول إلى الحق لا يكون إلا عن طريق السمع أو العقل، "وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ" السمع هو الآيات والآثار والروايات، والعقل هو الدليل الثاني.
قال الناصر: لو تفطن نبيه لهذه الآية لعدها دليلاً على تفضيل السمع على البصر، فإنه قد استدل على ذلك بأخفى منها.
وقال ابن السمعاني: استدل بها من قال بتحكيم العقل في موضعه.
تفسير القرآن الكريم كاملًا
للشيخ: محمد أحمد إسماعيل المقدم=هنا=
هذه الآيات لا شك أن من عقِلَها وتدبرها فإنه يهون عليه كل ما يَلقى في هذه الدنيا من الأذى، والبلاء، والعلل، والأوصاب، والأمراض، والفقر، وما إلى ذلك.
فالعذاب الحقيقي، والألم الحقيقي هناك في هذه الأفواج، حينما تقاد فوجًا بعد فوج إلى النار، وهي تتغيض، ولها هذا الصوت المفزع تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ،ثم بعد ذلك يُلقون فيها بعد أن يعترفوا بذنوبهم، هذا هو المقام الذي ينبغي أن يخشاه العبد، وأن يفكر فيه طويلاً، فهو حري بأن يُزَهِّدُهُ بحطامِ الدنيا، وعَرَضِهَا الزائل، وأن تتقاصرَ هِمَّتُهُ، ونفسه عن طلب الشهوات المحرمة، وأن يكون هذا اليوم نُصب عَينَيه يحسب له حسابه، ويستعد له غاية الاستعداد؛ لأن ذلك هو المصير النهائي المحتوم الذي لا طعم للسعادة بعده إذا كان الإنسان من أهل الشقاء، -نسأل الله العافية لنا ولكم-.
"فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ "11.
قال تعالى عن هؤلاء الداخلين للنار، المعترفين بظلمهم وعنادهم:
"فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ" أي: فأقروا بإجرامهم وتكذيبهم للرسل .
لكن حين لا ينفع الندم ، فاعتراف الكفار وإيمانهم بعد فوات الأوان بالمعاينة -أي بعد معاينة ورؤية النار- لا ينفعهم "أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ . أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ . أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ " .الزمر 56 : 59 .
فسؤال الرد إلى الدنيا، نوع عبث، " وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ "الأنعام 28.
" فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ " أي فبعدًا وهلاكًا لأهل النار وبعدًا لهم عن رحمة الله .
فما أشقاهم وأرداهم، حيث فاتهم ثواب الله، وكانواملازمين للسعير، التي تستعر في أبدانهم، وتطلع على أفئدتهم!
*التوبة أو الإيمان والإقرار والاعتراف بالحق بعد فوات أوانه لا ينفع الإنسان شيئًا: كأن يتوب عند الغرغرة؛ وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام"إنَّ اللهَ يقبلُ توبةَ العبدِ مالم يُغَرْغِرْ"الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب- الصفحة أو الرقم: 3143 - خلاصة حكم المحدث : حسن-الدرر السنية-وقال المناوي في شرح حديث ما لم يغرغر: إن
محل قبول التوبة ما لم ييأس من الحياة؛ لأن من شروط التوبة العزم على عدم
العودة له, وذلك إنما يتحقق مع تمكن التائب منه وبقاء الأوان الاختياري.هنا-
شرح الحديث:خلَقَ اللهُ سُبحانَه الخلْقَ وهداهم إلى الخَيرِ والحقِّ، وعرَّفَهم صِفاتِ الشَّرِّ؛ ليجْتنِبوها، ولِعِلْمِه سُبحانَه بضعْفِ خلْقِه فيمَن يقَعُ منهم في فِتَنِ الدُّنيا، فتَحَ لهم بابَ التَّوبةِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عمرَ، أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "إنَّ اللهَ يقبَلُ توبةَ العبْدِ ما لم يُغرْغِرْ"، أي: يقبَلُ مِن عبْدِه التَّوبةَ والرُّجوعَ إلى الحقِّ، والاعترافَ بالذَّنْبِ والتَّبرُّؤَ منه طوالَ حَياتِه، ما دام واعيًا ولم يُدْرِكْه الموتُ، لا أنْ يكونَ في حالةِ الاحتضارِ، ففي هذه الحالةِ لا يقبَلُ اللهُ توبةً؛ وذلك أنَّ العبدَ يَرى ملائكةَ ربِّه، ويتيقَّنُ أنَّه ميِّتٌ، ولا اختيارَ له في العودةِ؛ فإنَّ التَّوبةَ بعدَ التَّيقُّنِ بالموتِ لا يُعتَدُّ بها، فالمُعتبَرُ هو الإيمانُ بالغيبِ، والمُرادُ بالغرْغرةِ، أي: ما لم تبلُغْ رُوحُه حُلْقومَه، فيكونُ بمنزلةِ الشَّيءِ الَّذي يتغرغَرُ به المريضُ، وهذا مِصداقُ قولِه تعالى"إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ"النساء: 17، 18.
وفي الحديثِ: بَيان سَعَةِ رَحمةِ اللهِ بخلْقِه.
وفيه: الحثُّ على الإسراعِ إلى التَّوبةِ قبْلَ سَكراتِ الموتِ، التي لا يَدري الإنسانُ متَى تأتِيه. -الدرر السنية-
، فإذا فاجأه الموت فلا تنفعه التوبة عند الموت.
وكذلك في الدنيا إذا طلعت الشمس من المغرب يغلق باب التوبة، وذلك لقوله تعالى"يَوْمَ
يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ
تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا"الأنعام:158.شرح الحديث:خلَقَ اللهُ سُبحانَه الخلْقَ وهداهم إلى الخَيرِ والحقِّ، وعرَّفَهم صِفاتِ الشَّرِّ؛ ليجْتنِبوها، ولِعِلْمِه سُبحانَه بضعْفِ خلْقِه فيمَن يقَعُ منهم في فِتَنِ الدُّنيا، فتَحَ لهم بابَ التَّوبةِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عمرَ، أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "إنَّ اللهَ يقبَلُ توبةَ العبْدِ ما لم يُغرْغِرْ"، أي: يقبَلُ مِن عبْدِه التَّوبةَ والرُّجوعَ إلى الحقِّ، والاعترافَ بالذَّنْبِ والتَّبرُّؤَ منه طوالَ حَياتِه، ما دام واعيًا ولم يُدْرِكْه الموتُ، لا أنْ يكونَ في حالةِ الاحتضارِ، ففي هذه الحالةِ لا يقبَلُ اللهُ توبةً؛ وذلك أنَّ العبدَ يَرى ملائكةَ ربِّه، ويتيقَّنُ أنَّه ميِّتٌ، ولا اختيارَ له في العودةِ؛ فإنَّ التَّوبةَ بعدَ التَّيقُّنِ بالموتِ لا يُعتَدُّ بها، فالمُعتبَرُ هو الإيمانُ بالغيبِ، والمُرادُ بالغرْغرةِ، أي: ما لم تبلُغْ رُوحُه حُلْقومَه، فيكونُ بمنزلةِ الشَّيءِ الَّذي يتغرغَرُ به المريضُ، وهذا مِصداقُ قولِه تعالى"إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ"النساء: 17، 18.
وفي الحديثِ: بَيان سَعَةِ رَحمةِ اللهِ بخلْقِه.
وفيه: الحثُّ على الإسراعِ إلى التَّوبةِ قبْلَ سَكراتِ الموتِ، التي لا يَدري الإنسانُ متَى تأتِيه. -الدرر السنية-
، فإذا فاجأه الموت فلا تنفعه التوبة عند الموت.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ " رواه مسلم :2703.
إذا طَلُعتِ الشَّمسُ مِن مَغرِبِها امتَنَعتِ التَّوبةُ على مَن لم يَكُنْ تاب قَبْلَ ذلك . الدرر- قال ابن كثير: دلت الأحاديث على أن من تاب إلى الله عز وجل وهو يرجو الحياة فإن توبته مقبولة, وأما متى وقع الإياس من الحياة وعاين الملك وحشرجت الروح في الحلق وضاق بها الصدر فلا توبة مقبولة حينئذ. اهـ
وكذلك عند نزول العذاب من الله سبحانه وتعالى لا ينفعهم الإقرار، كما قال تعالى عن فرعون"حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ"يونس:90- فبماذا أجيب؟ أجيب بقوله"آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" يونس:91.
إذًا: لا تنفع التوبة ولا الإقرار بالذنب عندما يصير الغيب شهادة، وعندما يرى المرء الملائكة أتت لقبض روحه، أو حينما يلقون في النار يوم القيامة"رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ"السجدة:12، فاليقين الذي ينفع هو اليقين في الدنيا في دار العمل، أما اليقين والإيمان في الآخرة عند نزول العذاب فهو يقين وإيمان رغم أنف الإنسان، ففيه نوع من الإكراه له، فلا يقبل الإيمان الذي يقع تحت الإكراه، قال الله"لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" البقرة:256، وإنما الإيمان واليقين الذي له قيمة هو الذي يقع هنا في دار التكليف في مجلس الامتحان، لكن هناك تظهر النتيجة فقط؛ لأنه ليس هناك عمل، ولذلك كانت أول صفات المؤمنين في القرآن الكريم"الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ"البقرة:3- فالإيمان بالغيب يتوصل إليه الإنسان عن طريق التفكر والتدبر في آيات الله وتحري الحق والبحث عنه والجهاد، قال عز وجل"وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا"العنكبوت:69، هذا الإيمان الذي له قيمة، لكن بعد معاينة العذاب لا يفيد.هنا-
__________________________
مشاركة رقم: 7 =هنا =
"إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ"الملك:12.
= لما ذكر سبحانه حالة الأشقياء الفجار، ذكر حالة السعداء الأبرار فَعَقَّبَ الرهبة بالرغبة ،أي لما ذكر سبحانه ما أعد للكافرين المعرضين عن خشية الله وهذا ترهيب ؛ أعقبه بما أعد للذين يخشون ربهم بالغيب من المغفرة والثواب وهذا ترغيب. .
فقال" إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ" أي: في جميع أحوالهم، حتى في الحالة التي لا يطلع عليهم فيها إلا الله، فلا يُقْدِمُونَ على معاصيه، ولا يقصرون فيما أمر به.
هؤلاء الذين يخشون ربهم بالغيب، يعبدون الله بأعلى درجات العبادة وهي الإحسان:
وهذا لا يتمُّ للعبد إلَّا إذا كان شعوره قويًّا بخشية الله بالغيب، وبمراقبة الله عزَّ وجلَّ حتى كأنَّه يراه تعالى ويشاهده، أو على الأقلِّ يشعر نفسه بأنَّ الله تعالى مطَّلع عليه، وناظرٌ إليه، وهذا ما أرشد إليه الرَّسول صلى الله عليه وسلم في قوله"الإحْسَان أن تعبد الله كأنَّك تراه ،فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك".
المقام الأول للإحْسَان: أن تعبد الله كأنَّك تراه وهو أعلاهما.
وفي هذا المقام: تعبُد اللهَ عبادةَ مَن يرى اللهَ تعالى، ويراه اللهُ تعالى؛فإذا استشعرت ذلك فإنَّك لا تستبقي شيئًا مِن الخضوعِ والخشوعِ والإخلاصِ، وحفظِ القلبِ والجوارحِ، ومراعاةِ الآدابِ الظَّاهرةِ والباطنةِ في كل أمورك وتحقق العبودية بحقها مع كل نَفَس .
المقام الثاني. :للإحْسَان:فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك.
فإن عجَز عن المقام الأول وشقَّ عليه انتقَل إلى مَقامٍ آخرَ، وهو أن يعبُدَ اللهَ على أنَّ اللهَ يراه ويطَّلِعُ على سِرِّه وعلانيتِه، ولا يَخفى عليه شيءٌ مِن أمرِه.
هؤلاء :الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ،لهم البشارة بالمغفرة وبالأجر الكبير:
" لَهُمْ مَغْفِرَةٌ" لهم مغفرة لذنوبهم،وقدم المغفرة تطمينًا لقلوبهم لأنهم يخشون المؤاخذة على ما وقعوا فيه من المعاصي ومن اللمم ونحوه ،وإذا غفر الله ذنوبهم؛ وقاهم شرها، ووقاهم عذاب الجحيم.
ثم أعقبت بالبشارة" وَأَجْرٌ كَبِيرٌ " البشارة بالأجر الكبير وهو ما أعده لهم في الجنة، من النعيم المقيم، والملك الكبير، واللذات المتواصلات، والمشتهيات، والقصور العاليات، والحور الحسان، والخدم والولدان.
وأعظم من ذلك وأكبر، رضا الرحمن، الذي يحله الله على أهل الجنة.تفسير السعدي و تفسير ابن عاشور .
فكان الكلامُ جاريًا على قاعدة تقديم التخلية على التحْلية ، أو تقديم دفع الضُّر – ضُر الذنوب بمغفرتها برحمته -على جلب النفع وهو الأجر الكبير، والوصف بالكبير بمعنى العظيم نظير ما تقدم آنفًا في قوله "إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ"الملك : 9 .
وتنكير "مَغْفِرَةٌ" للتعظيم بقرينة مقارنته ب "أَجْرٌ كَبِيرٌ"وبقرينة التقديم .تفسير ابن عاشور.
وأهم ما يميز الإنسان هو أن الله سبحانه وتعالى أعطاه عقلاً، و بهذا العقل يستطيع أن يعرف حقيقةً غائبةً عن حواسِّه، فالحيوان أعطاه الله حواسّ إلا أنه يرى بهذه الحواس محيطَهُ فقط، أما الإنسان فقد أعطاه الله حواسًا يرى بها محيطه، وأعطاه عقلاً وقلبًا يكْشِفُ له ما غَيَّبه عن حواسِّه، و هذه ميزةٌ كبيرةٌ للإنسان، فالله سبحانه وتعالى لا تُدركه الأبصار،فمعرفة الله سبحانه تكون بالعقل والقلب معًا، فالتفكر في مخلوقات الله يكون بالعقل، ثم ينتقل من دائرة العقل إلى دائرة اليقين بالقلب، وقد قَرَنَتِ الآياتُ القرآنية التفكر في خلق السماوات والأرض -وهذا يكون بالعقل- بالتوجه القلبي لذكر الله وعبادته.فقال الله تعالى"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"آل عمران:190-191.
وقال صلى الله عليه وسلم:
"ألا وإن في الجسدِ مُضغَةً : إذا صلَحَتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ ."الراوي : النعمان بن بشير - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 52-خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية-
الشرح:
فهذه كلمةٌ جامعةٌ لصلاحِ حركاتِ بني آدَمَ وفسادِها، وأنَّ ذلك كلَّه بحسَبِ صلاحِ القلب وفسادِه، فإذا صلَح القلبُ صلَحَت إرادتُه، وصلَحَت جميعُ الجوارحِ، فلم تنبعِثْ إلَّا إلى طاعةِ اللهِ، واجتنابِ سَخَطِه، فقنِعَتْ بالحلالِ عنِ الحرامِ، وإذا فسَد القلبُ فسَدَت إرادتُه، ففسَدَتِ الجوارحُ كلُّها، وانبعثَتْ في معاصي الله عزَّ وجلَّ، وما فيه سَخَطُه، ولم تقنَعْ بالحلالِ، بل أسرَعَتْ في الحرامِ بحسَبِ هوى القلبِ ومَيلِه عنِ الحقِّ. - الدرر السنية-
فهذا القلب تتجاذبه قوتان «قوة الهوى» وما تميل إليه النفس وتشتهي، وقوة «الإيمان» أو التصديق والاطمئنان بما في العقل من أفكار وقناعات، والأقوى منهما وقت اتخاذ القرار هو الذي يستولى على الإرادة، ويوجه القرار لصالحه،فعندما يسمع المسلم أذان الفجر ويريد أن ينهض من نومه للصلاة فإن صراعًا ينشب داخله، بين إيمانه بأهمية وضرورة القيام لصلاة الفجر وبين هوى نفسه وحبها للراحة والنوم وعدم التعرض للمشقة، فإن استيقظ فإنما أيقظه إيمانه الذي كان أقوى من الهوى في هذه اللحظة، وإن نام فإنما أنامه هواه الذي كان أقوى من إيمانه في هذه اللحظة.
فلنقوي إيمانَنَا ونسقي شجرة الإيمان في قلوبنا ،وهذه بعض وسائل الثبات على الحق وزيادة الإيمان المورِّث لخشية الله.
مرافقة الأخيار:
"وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا " الكهف:28 .
=الدعاء:
- إنَّ الإيمانَ لَيَخْلَقُ في جَوْفِ أحدِكُمْ كَما يَخلَقُ الثّوبُ ، فاسْألُوا اللهَ تعالَى : أنْ يُجَدِّدَ الإيمانَ في قُلوبِكمْ"الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم: 1590 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر السنية-
اللهم جدد الإيمان في قلوبنا.
=الذكر: فإن المدومة على ذكر الله يغرس شجرة الإيمان في القلب، ويغذيها وينميها. إن الإنسان كلَّما ارتقى خاف بعقله، وكلَّما هبط مستواه خاف بحواسِّه، فالإنسان حينما يرى الخطر أمامه بعينه يخافه، أما الإنسان العاقل هو الذي يُدرِك الخطر البعيد فيخشاه في الوقت المناسب
*الفرق بين الخشية والخوف:
فالخشية هي خوف الله عز وجل المقرون بالهيبة والتعظيم ولا يصدر ذلك إلا من عالم بالله .
وأما الخوف فهو خوف مجرد ذعر يحصل للإنسان ولو بلا علم، ولهذا قد يخاف الإنسان من شيء يتوهمه، قد يرى في الليلة الظلماء شبحًا لا حقيقة له فيخاف منه، فهذا ذعر مبني على وهم، لكن الخشية تكون عن علم.
«الخشية» تكون لعظم المخشيّ؛ و«الخوف» لضعف الخائف وإن كان المخوف ليس بعظيم،فكل خشية خوف وليس كل خوف خشية ولهذا يخاف الإنسان من الأسد ولكنه لا يخشاه أما الله عز وجل فإن الإنسان يخاف منه ويخشاه قال الله تعالى"فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ " المائدة 44
وإن المؤمن في هذه الحياة لا غنى له عن أمرين؛ حتى يلقى الله - تعالى - الخوف والرجاء، فهو يحب ربه ويرجوه، ويخافه ويخشاه ولا يعصيه، وهما جناحان لا غنى للعبد عنهما، كجناحي الطائر إذا استويا، استوى الطير وتمَّ طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت.
"صنَع النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيئًا فرخَّص فيه، فتَنَزَّه عنه قَومٌ، فبلَغ ذلك النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فخطَب فحمِد اللهَ ثم قال "ما بالُ أقوامٍ يتنَزَّهونَ عن الشيءِ أصنعُه، فواللهِ إني لأعلمُهم باللهِ، وأشدُّهم له خَشيَةً"
الراوي : عائشة أم المؤمنين المحدث : البخاري المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 6101- خلاصة حكم المحدث : صحيح-
«صَنَع»، أي: عَمِل «النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم شيئًا فرخَّص فيه، فتنزَّه عنه قومٌ»، أي: تَباعَدوا واحْترَزُوا عنه صِيانةً لدِينهم في ظنِّهم، «فبَلَغ ذلك النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فخَطَب» الناسَ لِتَعُمَّ الفائدةُ «فحَمِد اللهَ تعالى، ثُمَّ قال: ما بَالُ أقوامٍ»، أي: ما حالُهم؟ ولم يُسمِّهم سَترًا عليهم وتأليفًا لهم، «يَتنَزَّهون عن الشَّيءِ أَصنَعُه؟!» فإنْ كان هذا منهم لأمرٍ شرعيٍّ «فواللهِ إنِّي لَأعلَمُهم بالله»؛ لأنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم هو رسولُه والمخبِر عنه، «وأشدُّهم له»، أي: أكثرُهم لله «خَشْيَةً»، والخَشيةُ: هي الخوفُ مع مع العِلم، فلمْ يَبْقَ لهم عُذرٌ في تَرْكِ ما صَنَع نَبِيُّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
في الحديثِ:رِفقُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأُمَّتِه، وعدَمُ مواجهتِه بالعِتابِ لِمَن يُعاتِبُه.
وفيه: خُطورةُ التنقُّصِ مِمَّا ثَبَت عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِعلًا وتركًا.
وفيه: أنَّ العِلمَ باللهِ والخشيةِ منه هي ما يُجنِّب المُسلِمَ الزَّلَلَ والضَّلالَ.الدرر السنية
ولقد جاء في السنة موقف من مواقف تعليم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأُمَّته عن هذين الأمرين؛ لكي يقف العبد عندهما ويجعلهما نُصْب عينيه، فلا يغفل عنهما؛ فعن أنس - رضي الله عنه"أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ دخلَ على شابٍّ وَهوَ في الموتِ فقالَ "كيفَ تجدُكَ" قالَ واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي أرجو اللَّهَ وإنِّي أخافُ ذنوبي فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ "لا يجتَمِعانِ في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطِنِ إلَّا أعطاهُ اللَّهُ ما يرجو وآمنَهُ ممَّا يخافُ"
الراوي : أنس بن مالك-المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترمذي
الصفحة أو الرقم: 983 -خلاصة حكم المحدث : حسن.
وكلما زاد خوف العبد من ربِّه، زاد عمله، وقل عُجْبه، وقلت معصيته، وكلما قلَّ خوف العبد من ربِّه، نقص عمله، وزاد عجبه، وكثرت معصيته.
فالخوف صفة بارزة من صفات عباد الله الصالحين، لا غنى لهم عنها في مسيرهم إلى الله – تعالى - فتراهم يؤدون حقوق الله، وهم خائفون وجلون من عدم قبولها.فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت"سألتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ عن هذِهِ الآيةِ "وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ" قالت عائشةُ : أَهُمُ الَّذينَ يشربونَ الخمرَ ويسرِقونَ قالَ"لا يا بنتَ الصِّدِّيقِ ، ولَكِنَّهمُ الَّذينَ يصومونَ ويصلُّونَ ويتصدَّقونَ ، وَهُم يخافونَ أن لا تُقبَلَ منهُم"أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ"الراوي : عائشة أم المؤمنين-المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3175-خلاصة حكم المحدث : صحيح.
خطَب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خطبةً ما سمِعتُ مثلَها قَطُّ قال" لو تَعلَمونَ ما أعلَمُ لضَحِكتُم قليلًا ولبَكيتُم كثيرًا " .قال فغطَّى أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وجوهَهم لهم خَنينٌ ، فقال رجلٌ : من أبي ؟ قال " فلانٌ " .فنزَلَتْ هذه الآيةُ"لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " .
الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-
الصفحة أو الرقم: 4621 - خلاصة حكم المحدث : صحيح
وفي الحديثِ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهِ عليه وسلَّم أعظمُ النَّاس خَشيةً لربِّه؛ لأنَّ خَشيةَ اللهِ إنَّما تكونُ على مِقدارِ العِلمِ بِه، ولمَّا لم يَعلمْ أحدٌ كعِلمِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، لم يَخشَ كخَشيتِه.
وفيه:فضلُ الصَّحابةِ وبُكاؤُهم عندَ موعظةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ لهم.
وفيه:النَّهيُ عن كَثرةِ السُّؤالِ وتَكلُّفِ ما لا يَعْنِي.الدرر السني
" لو تَعلَمونَ ما أعلَمُ لضَحِكتُم قليلًا ولبَكيتُم كثيرًا " أي: لو أنكم علمتم ما أعلمه من عظمة الله عز وجل، وانتقامه ممن يعصيه، لطال بكاؤكم وحزنكم وخوفكم مما ينتظركم، ولما ضحكتم أصلاً، فالقليل هنا بمعنى المعدوم، وهو مفهوم من السياق. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب
ولقد بلغ سلفنا الصالح مبلغًا عظيمًا في هذا الباب من شدة خوفهم من الله - تعالى -
•رُوي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال "لو نادى منادٍ من السماء: أيها الناس، إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلاً واحدًا، لخفت أن أكون أنا هو"؛ "التخويف من النار"؛ لابن رجب، ص :17. فانظروا لهذا الخليفة الراشد، وقد شهد له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالجنة يقول أنه يخاف ألا يكون من أهل الجنة، فماذا نقول نحن وقد قصرت بنا أعمالنا، وغلبت علينا الذنوب والمعاصي، ونحن نأمل دخول الجنة مع التقصير في العمل ومحبة طول الأمل
• ورُوي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: "كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه، فقال لي: ضع رأسي، قال: فوضعته على الأرض، فقال: "ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي"
• ورُوي أن أبا هريرة - رضي الله عنه - بكى في مرضه، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: "أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بُعد سفري، وقِلَّة زادي، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار، لا أدري إلى أيتهما يُؤخذ بي"
ونحن والله في أشد الحاجة لمثل هذا الكلام أن نستشعره في قلوبنا، فإذا كان هذا الصحابي الجليل وصاحب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - والحافظ لكثير من أحاديثه، يقول هذا الكلام، فما نقول نحن وقد قلَّت طاعتنا، وكثرت ذنوبنا، فإلى الله المشتكى من أحوالنا.
•ورُوي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه جالس في أصل جبل، يخشى أن ينقلب عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه، فقال به هكذا"، ولو نظر كل منَّا لنفسه وحاسبها، لوجد أنه يقع في كثير من المعاصي وهو لا يشعر، وهذا من الغفلة العظيمة عن محاسبة النفس.
• ورُوي أن علي بن الحسينكان إذا توضأ اصفرَّ وتغيَّر، فيقال: مالك؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟
فكيف به لو نظر لحال بعضنا الآن وهم داخلون إلى الصلاة في ضحك وسواليف، وانشغال بالدنيا! بل يدخل الواحد منَّا إلى الصلاة ويخرج، ولم يخشع قلبه أو تدمع عينه، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ " المؤمنون: 57 – 61.
وقيل "أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله - عزَّ وجلَّ - وكل قلب ليس فيه خوف، فهو قلب خرب".الألوكة
هذه بعض الثمرات التي قد ينالها المرء من مخافة الله عز وجل . فمن ثمرات الخوف من الله :
- يظله الله يوم لا ظل إلا ظله:
" سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ : إمامٌ عدلٌ ، وشابٌّ نشأَ في عبادةِ اللهِ ، ورجلٌ قلبُهُ مُعَلَّقٌ في المساجدِ ، ورجلانِ تحابَّا في اللهِ ، اجتمعا عليهِ وتفرَّقا عليهِ ، ورجلٌ دعَتْهُ امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ ، فقال : إني أخافُ اللهَ ، ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ ، فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تُنْفِقْ يمينُهُ ، ورجلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عيناهُ ".الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري -المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 1423 - خلاصة حكم المحدث : صحيح
-سبب للنجاة من كل سوء:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-" ثلاثٌ كفَّاراتٌ ، و ثلاثٌ درجاتٌ ، و ثلاثٌ مُنجِياتٌ ، و ثلاثٌ مُهلِكاتٌ ؛ فأما الكفَّاراتُ ، فإسباغُ الوُضوءِ في السَّبَرَاتِ ، و انتِظارُ الصَّلاةِ بعد الصَّلاةِ ، و نقلُ الأقدامِ إلى الجَماعاتِ ، وأمَّا الدَّرجاتُ فإطعامُ الطعامِ ، وإفشاءُ السلامِ ، والصَّلاةُ باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ ، و أمَّا المنجِياتُ ، فالعَدلُ في الغَضبِ و الرِّضَا ، و القَصدُ في الفقرِ والغِنَى ، و خَشيةُ اللهِ في السِّرِّ و العَلانيةِ ، و أمَّا المهلِكاتُ ، فشُحٌّ مُطاعٌ ، و هوًى مُتَّبَعٌ ، و إعجابُ المرءِ بنَفسِه"الراوي : أنس بن مالك - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب -الصفحة أو الرقم: 453 - خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره.
"إسباغُ الوُضوءِ في السَّبَرَاتِ"والإسباغ: هو الإحسان وموافقة السنة. السَّبَرَاتِ أي المكاره, عندما يثقل الوضوء على العبد بسبب البرد, أو الكسل عنه, فإنه يعظم أجره, ولذلك صارت المحافظة على الوضوء لكل صلاة من علامات الإيمان, حتى لو كان المسلم على طهارة, لقوله صلى الله عليه وسلم"استَقيموا ولن تُحصوا واعلَموا أنَّ مِن أفضلِ أعمالِكُمُ الصَّلاةَ ،ولا يحافظُ علَى الوضوءِ إلَّا مؤمنٌ"الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه- الصفحة أو الرقم: 227 - خلاصة حكم المحدث : صحيح
"استَقيموا ولن تُحصوا"ولن تستطيعوا أن تحصوا ثواب الاستقامة .خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان
"انتِظارُ الصَّلاةِ بعد الصَّلاةِ"، وذلك أن في انتظار الصلاة بعد الصلاة دلالة على تعلق قلب والمراد بها تعلق القلب بالصلاة والمسجد, كلما فرغ من فريضة تعلق قلبه بالتي بعدها, فتجده مشغولاً بهذه العبادة قلباوقالبا, فكره مشغول بها, وبدنه مشغول بأدائها, والمواظبة عليها.
-ثناء الله عليهم:
قال تعالى "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"السجدة:16-17.
ترتفع جنوب هؤلاء الذين يؤمنون بآيات الله عن فراش النوم, يتهجدون لربهم في صلاة الليل, يدعون ربهم خوفًا من العذاب وطمعًا في الثواب, ومما رزقناهم ينفقون في طاعة الله وفي سبيله.التفسير الميسر
وقال تعالى"أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ "الزمر9 .
-حصول المغفرة الموجبة لدخول الجنة:
كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال"كان رجلٌ يُسْرِفُ على نفسِه ، فلمَّا حضَرَه الموتُ قال لبنيه : إذ أنا مِتُّ فأحرِقوني ، ثمَّ اطحَنوني ، ثمَّ ذُرُّوني في الرِّيحِ ، فواللهِ لئن قدَر عليَّ ربِّي ليُعَذِّبَنِّي عذابًا ما عذَّبه أحَدٌ ، فلمَّا مات فُعِلَ به ذلك ، فأمَر اللهُ الأرضَ فقال : اجمَعي ما فيك منه ، ففعَلَتْ ، فإذا هو قائمٌ ، فقال : ما حمَلَك على ما صنَعْتَ ؟ قال : يا ربِّ خشيتُك ، فغفَر له. وقال غيرُه : مخافتُك يا ربِّ"الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 3481 - خلاصة حكم المحدث :صحيح.
وعن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" يعجَبُ ربُّكم مِن راعي غنمٍ في رأسِ شظيَّةٍ بجبلٍ ، يؤذِّنُ بالصَّلاةِ ، ويصلِّي ، فيقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: انظروا إلى عبدي هذا يؤذِّنُ ، ويقيمُ الصَّلاةَ ، يخافُ منِّي ، قد غفَرتُ لعبدي وأدخلتُهُ الجنَّةَ"الراوي : عقبة بن عامر- المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود -الصفحة أو الرقم: 1203- خلاصة حكم المحدث : صحيح
- ومن أعظم فضائل الخوف: حصول الأمن في الآخرة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم"قال اللهُ عزَّ وجلَّ ، و عزَّتي لا أَجْمَعُ لعبدي أَمْنَيْنِ و لا خَوْفَيْنِ ، إنْ هو أَمِنَنِي في الدنيا أَخَفْتُهُ يومَ أَجْمَعُ فيهِ عبادِي ، و إنْ هو خَافَنِي في الدنيا أَمَّنْتُهُ يومَ أَجْمَعُ فيهِ عِبادِي"الراوي : شداد بن أوس - المحدث : الألباني - المصدر : السلسلة الصحيحة-الصفحة أو الرقم: 742 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
= لما ذكر سبحانه حالة الأشقياء الفجار، ذكر حالة السعداء الأبرار فَعَقَّبَ الرهبة بالرغبة ،أي لما ذكر سبحانه ما أعد للكافرين المعرضين عن خشية الله وهذا ترهيب ؛ أعقبه بما أعد للذين يخشون ربهم بالغيب من المغفرة والثواب وهذا ترغيب. .
فقال" إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ" أي: في جميع أحوالهم، حتى في الحالة التي لا يطلع عليهم فيها إلا الله، فلا يُقْدِمُونَ على معاصيه، ولا يقصرون فيما أمر به.
هؤلاء الذين يخشون ربهم بالغيب، يعبدون الله بأعلى درجات العبادة وهي الإحسان:
وهذا لا يتمُّ للعبد إلَّا إذا كان شعوره قويًّا بخشية الله بالغيب، وبمراقبة الله عزَّ وجلَّ حتى كأنَّه يراه تعالى ويشاهده، أو على الأقلِّ يشعر نفسه بأنَّ الله تعالى مطَّلع عليه، وناظرٌ إليه، وهذا ما أرشد إليه الرَّسول صلى الله عليه وسلم في قوله"الإحْسَان أن تعبد الله كأنَّك تراه ،فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك".
المقام الأول للإحْسَان: أن تعبد الله كأنَّك تراه وهو أعلاهما.
وفي هذا المقام: تعبُد اللهَ عبادةَ مَن يرى اللهَ تعالى، ويراه اللهُ تعالى؛فإذا استشعرت ذلك فإنَّك لا تستبقي شيئًا مِن الخضوعِ والخشوعِ والإخلاصِ، وحفظِ القلبِ والجوارحِ، ومراعاةِ الآدابِ الظَّاهرةِ والباطنةِ في كل أمورك وتحقق العبودية بحقها مع كل نَفَس .
المقام الثاني. :للإحْسَان:فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك.
فإن عجَز عن المقام الأول وشقَّ عليه انتقَل إلى مَقامٍ آخرَ، وهو أن يعبُدَ اللهَ على أنَّ اللهَ يراه ويطَّلِعُ على سِرِّه وعلانيتِه، ولا يَخفى عليه شيءٌ مِن أمرِه.
هؤلاء :الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ،لهم البشارة بالمغفرة وبالأجر الكبير:
" لَهُمْ مَغْفِرَةٌ" لهم مغفرة لذنوبهم،وقدم المغفرة تطمينًا لقلوبهم لأنهم يخشون المؤاخذة على ما وقعوا فيه من المعاصي ومن اللمم ونحوه ،وإذا غفر الله ذنوبهم؛ وقاهم شرها، ووقاهم عذاب الجحيم.
ثم أعقبت بالبشارة" وَأَجْرٌ كَبِيرٌ " البشارة بالأجر الكبير وهو ما أعده لهم في الجنة، من النعيم المقيم، والملك الكبير، واللذات المتواصلات، والمشتهيات، والقصور العاليات، والحور الحسان، والخدم والولدان.
وأعظم من ذلك وأكبر، رضا الرحمن، الذي يحله الله على أهل الجنة.تفسير السعدي و تفسير ابن عاشور .
فكان الكلامُ جاريًا على قاعدة تقديم التخلية على التحْلية ، أو تقديم دفع الضُّر – ضُر الذنوب بمغفرتها برحمته -على جلب النفع وهو الأجر الكبير، والوصف بالكبير بمعنى العظيم نظير ما تقدم آنفًا في قوله "إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ"الملك : 9 .
وتنكير "مَغْفِرَةٌ" للتعظيم بقرينة مقارنته ب "أَجْرٌ كَبِيرٌ"وبقرينة التقديم .تفسير ابن عاشور.
وأهم ما يميز الإنسان هو أن الله سبحانه وتعالى أعطاه عقلاً، و بهذا العقل يستطيع أن يعرف حقيقةً غائبةً عن حواسِّه، فالحيوان أعطاه الله حواسّ إلا أنه يرى بهذه الحواس محيطَهُ فقط، أما الإنسان فقد أعطاه الله حواسًا يرى بها محيطه، وأعطاه عقلاً وقلبًا يكْشِفُ له ما غَيَّبه عن حواسِّه، و هذه ميزةٌ كبيرةٌ للإنسان، فالله سبحانه وتعالى لا تُدركه الأبصار،فمعرفة الله سبحانه تكون بالعقل والقلب معًا، فالتفكر في مخلوقات الله يكون بالعقل، ثم ينتقل من دائرة العقل إلى دائرة اليقين بالقلب، وقد قَرَنَتِ الآياتُ القرآنية التفكر في خلق السماوات والأرض -وهذا يكون بالعقل- بالتوجه القلبي لذكر الله وعبادته.فقال الله تعالى"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"آل عمران:190-191.
وقال صلى الله عليه وسلم:
"ألا وإن في الجسدِ مُضغَةً : إذا صلَحَتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ ."الراوي : النعمان بن بشير - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 52-خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية-
الشرح:
فهذه كلمةٌ جامعةٌ لصلاحِ حركاتِ بني آدَمَ وفسادِها، وأنَّ ذلك كلَّه بحسَبِ صلاحِ القلب وفسادِه، فإذا صلَح القلبُ صلَحَت إرادتُه، وصلَحَت جميعُ الجوارحِ، فلم تنبعِثْ إلَّا إلى طاعةِ اللهِ، واجتنابِ سَخَطِه، فقنِعَتْ بالحلالِ عنِ الحرامِ، وإذا فسَد القلبُ فسَدَت إرادتُه، ففسَدَتِ الجوارحُ كلُّها، وانبعثَتْ في معاصي الله عزَّ وجلَّ، وما فيه سَخَطُه، ولم تقنَعْ بالحلالِ، بل أسرَعَتْ في الحرامِ بحسَبِ هوى القلبِ ومَيلِه عنِ الحقِّ. - الدرر السنية-
فهذا القلب تتجاذبه قوتان «قوة الهوى» وما تميل إليه النفس وتشتهي، وقوة «الإيمان» أو التصديق والاطمئنان بما في العقل من أفكار وقناعات، والأقوى منهما وقت اتخاذ القرار هو الذي يستولى على الإرادة، ويوجه القرار لصالحه،فعندما يسمع المسلم أذان الفجر ويريد أن ينهض من نومه للصلاة فإن صراعًا ينشب داخله، بين إيمانه بأهمية وضرورة القيام لصلاة الفجر وبين هوى نفسه وحبها للراحة والنوم وعدم التعرض للمشقة، فإن استيقظ فإنما أيقظه إيمانه الذي كان أقوى من الهوى في هذه اللحظة، وإن نام فإنما أنامه هواه الذي كان أقوى من إيمانه في هذه اللحظة.
فلنقوي إيمانَنَا ونسقي شجرة الإيمان في قلوبنا ،وهذه بعض وسائل الثبات على الحق وزيادة الإيمان المورِّث لخشية الله.
مرافقة الأخيار:
"وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا " الكهف:28 .
=الدعاء:
- إنَّ الإيمانَ لَيَخْلَقُ في جَوْفِ أحدِكُمْ كَما يَخلَقُ الثّوبُ ، فاسْألُوا اللهَ تعالَى : أنْ يُجَدِّدَ الإيمانَ في قُلوبِكمْ"الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم: 1590 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر السنية-
اللهم جدد الإيمان في قلوبنا.
=الذكر: فإن المدومة على ذكر الله يغرس شجرة الإيمان في القلب، ويغذيها وينميها. إن الإنسان كلَّما ارتقى خاف بعقله، وكلَّما هبط مستواه خاف بحواسِّه، فالإنسان حينما يرى الخطر أمامه بعينه يخافه، أما الإنسان العاقل هو الذي يُدرِك الخطر البعيد فيخشاه في الوقت المناسب
*الفرق بين الخشية والخوف:
فالخشية هي خوف الله عز وجل المقرون بالهيبة والتعظيم ولا يصدر ذلك إلا من عالم بالله .
وأما الخوف فهو خوف مجرد ذعر يحصل للإنسان ولو بلا علم، ولهذا قد يخاف الإنسان من شيء يتوهمه، قد يرى في الليلة الظلماء شبحًا لا حقيقة له فيخاف منه، فهذا ذعر مبني على وهم، لكن الخشية تكون عن علم.
«الخشية» تكون لعظم المخشيّ؛ و«الخوف» لضعف الخائف وإن كان المخوف ليس بعظيم،فكل خشية خوف وليس كل خوف خشية ولهذا يخاف الإنسان من الأسد ولكنه لا يخشاه أما الله عز وجل فإن الإنسان يخاف منه ويخشاه قال الله تعالى"فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ " المائدة 44
وإن المؤمن في هذه الحياة لا غنى له عن أمرين؛ حتى يلقى الله - تعالى - الخوف والرجاء، فهو يحب ربه ويرجوه، ويخافه ويخشاه ولا يعصيه، وهما جناحان لا غنى للعبد عنهما، كجناحي الطائر إذا استويا، استوى الطير وتمَّ طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت.
"صنَع النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيئًا فرخَّص فيه، فتَنَزَّه عنه قَومٌ، فبلَغ ذلك النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فخطَب فحمِد اللهَ ثم قال "ما بالُ أقوامٍ يتنَزَّهونَ عن الشيءِ أصنعُه، فواللهِ إني لأعلمُهم باللهِ، وأشدُّهم له خَشيَةً"
الراوي : عائشة أم المؤمنين المحدث : البخاري المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 6101- خلاصة حكم المحدث : صحيح-
«صَنَع»، أي: عَمِل «النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم شيئًا فرخَّص فيه، فتنزَّه عنه قومٌ»، أي: تَباعَدوا واحْترَزُوا عنه صِيانةً لدِينهم في ظنِّهم، «فبَلَغ ذلك النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فخَطَب» الناسَ لِتَعُمَّ الفائدةُ «فحَمِد اللهَ تعالى، ثُمَّ قال: ما بَالُ أقوامٍ»، أي: ما حالُهم؟ ولم يُسمِّهم سَترًا عليهم وتأليفًا لهم، «يَتنَزَّهون عن الشَّيءِ أَصنَعُه؟!» فإنْ كان هذا منهم لأمرٍ شرعيٍّ «فواللهِ إنِّي لَأعلَمُهم بالله»؛ لأنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم هو رسولُه والمخبِر عنه، «وأشدُّهم له»، أي: أكثرُهم لله «خَشْيَةً»، والخَشيةُ: هي الخوفُ مع مع العِلم، فلمْ يَبْقَ لهم عُذرٌ في تَرْكِ ما صَنَع نَبِيُّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
في الحديثِ:رِفقُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأُمَّتِه، وعدَمُ مواجهتِه بالعِتابِ لِمَن يُعاتِبُه.
وفيه: خُطورةُ التنقُّصِ مِمَّا ثَبَت عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِعلًا وتركًا.
وفيه: أنَّ العِلمَ باللهِ والخشيةِ منه هي ما يُجنِّب المُسلِمَ الزَّلَلَ والضَّلالَ.الدرر السنية
ولقد جاء في السنة موقف من مواقف تعليم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأُمَّته عن هذين الأمرين؛ لكي يقف العبد عندهما ويجعلهما نُصْب عينيه، فلا يغفل عنهما؛ فعن أنس - رضي الله عنه"أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ دخلَ على شابٍّ وَهوَ في الموتِ فقالَ "كيفَ تجدُكَ" قالَ واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي أرجو اللَّهَ وإنِّي أخافُ ذنوبي فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ "لا يجتَمِعانِ في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطِنِ إلَّا أعطاهُ اللَّهُ ما يرجو وآمنَهُ ممَّا يخافُ"
الراوي : أنس بن مالك-المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترمذي
الصفحة أو الرقم: 983 -خلاصة حكم المحدث : حسن.
وكلما زاد خوف العبد من ربِّه، زاد عمله، وقل عُجْبه، وقلت معصيته، وكلما قلَّ خوف العبد من ربِّه، نقص عمله، وزاد عجبه، وكثرت معصيته.
فالخوف صفة بارزة من صفات عباد الله الصالحين، لا غنى لهم عنها في مسيرهم إلى الله – تعالى - فتراهم يؤدون حقوق الله، وهم خائفون وجلون من عدم قبولها.فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت"سألتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ عن هذِهِ الآيةِ "وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ" قالت عائشةُ : أَهُمُ الَّذينَ يشربونَ الخمرَ ويسرِقونَ قالَ"لا يا بنتَ الصِّدِّيقِ ، ولَكِنَّهمُ الَّذينَ يصومونَ ويصلُّونَ ويتصدَّقونَ ، وَهُم يخافونَ أن لا تُقبَلَ منهُم"أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ"الراوي : عائشة أم المؤمنين-المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3175-خلاصة حكم المحدث : صحيح.
خطَب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خطبةً ما سمِعتُ مثلَها قَطُّ قال" لو تَعلَمونَ ما أعلَمُ لضَحِكتُم قليلًا ولبَكيتُم كثيرًا " .قال فغطَّى أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وجوهَهم لهم خَنينٌ ، فقال رجلٌ : من أبي ؟ قال " فلانٌ " .فنزَلَتْ هذه الآيةُ"لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " .
الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-
الصفحة أو الرقم: 4621 - خلاصة حكم المحدث : صحيح
وفي الحديثِ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهِ عليه وسلَّم أعظمُ النَّاس خَشيةً لربِّه؛ لأنَّ خَشيةَ اللهِ إنَّما تكونُ على مِقدارِ العِلمِ بِه، ولمَّا لم يَعلمْ أحدٌ كعِلمِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، لم يَخشَ كخَشيتِه.
وفيه:فضلُ الصَّحابةِ وبُكاؤُهم عندَ موعظةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ لهم.
وفيه:النَّهيُ عن كَثرةِ السُّؤالِ وتَكلُّفِ ما لا يَعْنِي.الدرر السني
" لو تَعلَمونَ ما أعلَمُ لضَحِكتُم قليلًا ولبَكيتُم كثيرًا " أي: لو أنكم علمتم ما أعلمه من عظمة الله عز وجل، وانتقامه ممن يعصيه، لطال بكاؤكم وحزنكم وخوفكم مما ينتظركم، ولما ضحكتم أصلاً، فالقليل هنا بمعنى المعدوم، وهو مفهوم من السياق. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب
ولقد بلغ سلفنا الصالح مبلغًا عظيمًا في هذا الباب من شدة خوفهم من الله - تعالى -
•رُوي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال "لو نادى منادٍ من السماء: أيها الناس، إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلاً واحدًا، لخفت أن أكون أنا هو"؛ "التخويف من النار"؛ لابن رجب، ص :17. فانظروا لهذا الخليفة الراشد، وقد شهد له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالجنة يقول أنه يخاف ألا يكون من أهل الجنة، فماذا نقول نحن وقد قصرت بنا أعمالنا، وغلبت علينا الذنوب والمعاصي، ونحن نأمل دخول الجنة مع التقصير في العمل ومحبة طول الأمل
• ورُوي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: "كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه، فقال لي: ضع رأسي، قال: فوضعته على الأرض، فقال: "ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي"
• ورُوي أن أبا هريرة - رضي الله عنه - بكى في مرضه، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: "أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بُعد سفري، وقِلَّة زادي، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار، لا أدري إلى أيتهما يُؤخذ بي"
ونحن والله في أشد الحاجة لمثل هذا الكلام أن نستشعره في قلوبنا، فإذا كان هذا الصحابي الجليل وصاحب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - والحافظ لكثير من أحاديثه، يقول هذا الكلام، فما نقول نحن وقد قلَّت طاعتنا، وكثرت ذنوبنا، فإلى الله المشتكى من أحوالنا.
•ورُوي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه جالس في أصل جبل، يخشى أن ينقلب عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه، فقال به هكذا"، ولو نظر كل منَّا لنفسه وحاسبها، لوجد أنه يقع في كثير من المعاصي وهو لا يشعر، وهذا من الغفلة العظيمة عن محاسبة النفس.
• ورُوي أن علي بن الحسينكان إذا توضأ اصفرَّ وتغيَّر، فيقال: مالك؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟
فكيف به لو نظر لحال بعضنا الآن وهم داخلون إلى الصلاة في ضحك وسواليف، وانشغال بالدنيا! بل يدخل الواحد منَّا إلى الصلاة ويخرج، ولم يخشع قلبه أو تدمع عينه، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ " المؤمنون: 57 – 61.
وقيل "أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله - عزَّ وجلَّ - وكل قلب ليس فيه خوف، فهو قلب خرب".الألوكة
الخوف من الله وثمراته
- يظله الله يوم لا ظل إلا ظله:
" سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ : إمامٌ عدلٌ ، وشابٌّ نشأَ في عبادةِ اللهِ ، ورجلٌ قلبُهُ مُعَلَّقٌ في المساجدِ ، ورجلانِ تحابَّا في اللهِ ، اجتمعا عليهِ وتفرَّقا عليهِ ، ورجلٌ دعَتْهُ امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ ، فقال : إني أخافُ اللهَ ، ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ ، فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تُنْفِقْ يمينُهُ ، ورجلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عيناهُ ".الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري -المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 1423 - خلاصة حكم المحدث : صحيح
-سبب للنجاة من كل سوء:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-" ثلاثٌ كفَّاراتٌ ، و ثلاثٌ درجاتٌ ، و ثلاثٌ مُنجِياتٌ ، و ثلاثٌ مُهلِكاتٌ ؛ فأما الكفَّاراتُ ، فإسباغُ الوُضوءِ في السَّبَرَاتِ ، و انتِظارُ الصَّلاةِ بعد الصَّلاةِ ، و نقلُ الأقدامِ إلى الجَماعاتِ ، وأمَّا الدَّرجاتُ فإطعامُ الطعامِ ، وإفشاءُ السلامِ ، والصَّلاةُ باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ ، و أمَّا المنجِياتُ ، فالعَدلُ في الغَضبِ و الرِّضَا ، و القَصدُ في الفقرِ والغِنَى ، و خَشيةُ اللهِ في السِّرِّ و العَلانيةِ ، و أمَّا المهلِكاتُ ، فشُحٌّ مُطاعٌ ، و هوًى مُتَّبَعٌ ، و إعجابُ المرءِ بنَفسِه"الراوي : أنس بن مالك - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب -الصفحة أو الرقم: 453 - خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره.
"إسباغُ الوُضوءِ في السَّبَرَاتِ"والإسباغ: هو الإحسان وموافقة السنة. السَّبَرَاتِ أي المكاره, عندما يثقل الوضوء على العبد بسبب البرد, أو الكسل عنه, فإنه يعظم أجره, ولذلك صارت المحافظة على الوضوء لكل صلاة من علامات الإيمان, حتى لو كان المسلم على طهارة, لقوله صلى الله عليه وسلم"استَقيموا ولن تُحصوا واعلَموا أنَّ مِن أفضلِ أعمالِكُمُ الصَّلاةَ ،ولا يحافظُ علَى الوضوءِ إلَّا مؤمنٌ"الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه- الصفحة أو الرقم: 227 - خلاصة حكم المحدث : صحيح
"استَقيموا ولن تُحصوا"ولن تستطيعوا أن تحصوا ثواب الاستقامة .خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان
"انتِظارُ الصَّلاةِ بعد الصَّلاةِ"، وذلك أن في انتظار الصلاة بعد الصلاة دلالة على تعلق قلب والمراد بها تعلق القلب بالصلاة والمسجد, كلما فرغ من فريضة تعلق قلبه بالتي بعدها, فتجده مشغولاً بهذه العبادة قلباوقالبا, فكره مشغول بها, وبدنه مشغول بأدائها, والمواظبة عليها.
-ثناء الله عليهم:
قال تعالى "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"السجدة:16-17.
ترتفع جنوب هؤلاء الذين يؤمنون بآيات الله عن فراش النوم, يتهجدون لربهم في صلاة الليل, يدعون ربهم خوفًا من العذاب وطمعًا في الثواب, ومما رزقناهم ينفقون في طاعة الله وفي سبيله.التفسير الميسر
وقال تعالى"أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ "الزمر9 .
-حصول المغفرة الموجبة لدخول الجنة:
كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال"كان رجلٌ يُسْرِفُ على نفسِه ، فلمَّا حضَرَه الموتُ قال لبنيه : إذ أنا مِتُّ فأحرِقوني ، ثمَّ اطحَنوني ، ثمَّ ذُرُّوني في الرِّيحِ ، فواللهِ لئن قدَر عليَّ ربِّي ليُعَذِّبَنِّي عذابًا ما عذَّبه أحَدٌ ، فلمَّا مات فُعِلَ به ذلك ، فأمَر اللهُ الأرضَ فقال : اجمَعي ما فيك منه ، ففعَلَتْ ، فإذا هو قائمٌ ، فقال : ما حمَلَك على ما صنَعْتَ ؟ قال : يا ربِّ خشيتُك ، فغفَر له. وقال غيرُه : مخافتُك يا ربِّ"الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 3481 - خلاصة حكم المحدث :صحيح.
وعن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" يعجَبُ ربُّكم مِن راعي غنمٍ في رأسِ شظيَّةٍ بجبلٍ ، يؤذِّنُ بالصَّلاةِ ، ويصلِّي ، فيقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: انظروا إلى عبدي هذا يؤذِّنُ ، ويقيمُ الصَّلاةَ ، يخافُ منِّي ، قد غفَرتُ لعبدي وأدخلتُهُ الجنَّةَ"الراوي : عقبة بن عامر- المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود -الصفحة أو الرقم: 1203- خلاصة حكم المحدث : صحيح
- ومن أعظم فضائل الخوف: حصول الأمن في الآخرة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم"قال اللهُ عزَّ وجلَّ ، و عزَّتي لا أَجْمَعُ لعبدي أَمْنَيْنِ و لا خَوْفَيْنِ ، إنْ هو أَمِنَنِي في الدنيا أَخَفْتُهُ يومَ أَجْمَعُ فيهِ عبادِي ، و إنْ هو خَافَنِي في الدنيا أَمَّنْتُهُ يومَ أَجْمَعُ فيهِ عِبادِي"الراوي : شداد بن أوس - المحدث : الألباني - المصدر : السلسلة الصحيحة-الصفحة أو الرقم: 742 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
________________________
مشاركة رقم: 8 =هنا =
وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" 13 – 14.
اللَّفْظُ لَفْظُ الْأَمْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخَبَرُ ، يَعْنِي إِنْ أَخْفَيْتُمْ كَلَامَكُمْ .... أَوْ جَهَرْتُمْ بِهِ فَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ يَعْنِي بِمَا فِي الْقُلُوبِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ . يَعْنِي : أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ فِي سَائِرِ الْأَقْوَالِ . أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ; أَعْلِنُوهُ .
وجملة" إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ" تعليل للتسوية المستفادة من صيغة الأمر - أي التسوية في الجهر أو الإخفاء -أي: سواء في علمه- تعالى- إسراركم وجهركم،بما فيها من النيات، والإرادات، فكيف بالأقوال والأفعال، التي تُسْمَع وتُرَى؟!
فلا يلطف بك إلا من عرفك وكان خبيرًا بمواطن ضعفك وقوتك وبكل أحوالك.
فالصانع أعلم بصنعته. ..... عليم بما خلقه وصنعه ، فهو العالم بخباياه وسرائره، وعلمه بالعبد محوط بلطفه لا يفارقه كما سيأتي إن شاء الله .
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" ق 16.
الوسوسة : وهو الصوت الخفى، والمراد به حديث الإنسان مع نفسه.
وحبل الوريد: عِرْق في باطن العنق يسرى فيه الدم،
فالمقصود من الآية الكريمة بيان أن علمَ اللهِ- تعالى- بأحوال الإنسان، أقرب إلى هذا الإنسان، من أعضائه ومن دمائه التي تسري في تلك الأعضاء.هنا=
والمقصود من القرب: قرب العلم والقدرة.
وقوله"يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ"غافر4.
=قال ابن كثير في تفسيره:
يخبر تعالى عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء ، جليلها وحقيرها ، صغيرها وكبيرها ، دقيقها ولطيفها ; ليحذر الناس علمه فيهم ، فيستحيوا من الله حق الحياء ، ويتقوه حق تقواه ، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه ، فإنه تعالى يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة ، ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر .
"يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ " وهو النظر الذي يخفيه العبد من جليسه ومقارنه، وهو نظر المسارقة.
" وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ " مما لم يبينه العبد لغيره، فالله تعالى يعلم ذلك الخفي، فغيره من الأمور الظاهرة من باب أولى وأحرى. تفسير السعدي = هنا=
"لمَّا كان يومُ فتحِ مكةَ اختبأَ عبدُاللهِ بنُ سعدِ بنِ أبي السَّرْحِ عِندَ عثمانَ بنِ عفانَ فجاءَ به حتى أوقفَهُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقال يا رسولَ اللهِ بايعْ عبدَاللهِ ،فرفعَ رأسَهُ فنظرَ إليه ثلاثًا كلُّ ذلك يأبَى فبايعَهُ بعدَ ثلاثٍ ثم أقبلَ على أصحابِهِ فقال أما كان فيكم رجلٌ رشيدٌ ، يقومُ إلى هذا حيث رآني كففْتُ يَدي عن بيعتِهِ فيقتلُهُ ؟ فقالوا : ما نَدري يا رسولَ اللهِ ما في نفسِكَ ألَّا أومأتَ إلينا بعينِكَ ! قال : إنَّهُ لا يَنبغي لنبيٍّ أن تكونَ له خائنةُ الأعينِ"الراوي : سعد بن أبي وقاص - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود -الصفحة أو الرقم: 4359 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية-
الشرح:
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أحسن الناس خُلُقًا، وليس له خائنَةُ الأعْيُنِ، ولا يَليقُ بِمقامِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أن يُشيرَ بعَيْنِه إشارَةً خفيَّةً ولو إلى شيءٍ مُباحٍ؛ مِثلَ قتْلِ شخْصٍ مهْدورِ الدَّمِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ سعْدُ بنُ أبي وقَّاصٍ"لمَّا كان يوْمُ فتْحِ مكَّةَ"، أي: حين كان اليومُ الَّذي فتَحَ فيهِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مكَّةَ، "اخْتبَأَ"، أي: اخْتَفى عبدُ اللهِ بنُ سعْدِ بنِ أبي السَّرْحِ عند عُثمانَ بنِ عفَّانٍ؛ وكانوا إخْوةً من الرَّضاعِ، وكان عبدُ اللهِ بنُ أبي السَّرحِ يَكتبُ الوحْيَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ثمَّ ارتَدَّ عن الإسْلامِ، فأمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بقتْلِه، "فَجاء بهِ"، أي: جاء بهِ عُثمانُ رضِيَ اللهُ عنه "حتَّى أوْقَفَه"، أي: أَقامَه على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال عُثمانُ رضِيَ اللهُ عنه: يا رسولَ اللهِ "بايِعْ عبدَ اللهِ"، أي: خُذْ منه البيْعَةَ على الإسْلامِ فإنَّه يُريدُ أنْ يَتوبَ، "فرفَعَ رأْسَه"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم "فنَظَرَ إليهِ"، أي: صوَّبَ نظَرَه إلى عبدِ اللهِ بنِ أبي السَّرْحِ "ثلاثًا"، أي: ثلاثَ مرَّاتٍ، "كلُّ ذلك يأْبَى"، أي: يرفُضُ أنْ يُبايِعَه، "فبايَعَه" النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بعْد ثلاثٍ، "ثمَّ أقْبَلَ على أصْحابِه"، أي: توجَّهَ إليهم، فقال لهم: "أَما كان فيكم رجَلٌ رَشيدٌ"، أي: أَليس يوجَدُ بيْنكم رجلٌ لَبيبٌ ذو عقْلٍ يَفْهم ما أُريدُ بامتِناعي عن مُبايعَتِه، "يَقومُ إلى هذا"، أي: إلى عبدِ اللهِ بنِ أبي السَّرْحِ، "حيثُ رآني كففْتُ يَدي"، أي: حيثُ رآني أمسَكْتُ يَدي وامتنَعتُ عن بيْعتِه، "فيَقْتُلُه؟"؛ وفي هذا دَليلٌ على عدَمِ رِضا النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم على بيْعَةِ عبدِ اللهِ بنِ أبي السَّرْحِ، "فقالوا"، أي: الصَّحابةُ رِاضونُ اللهِ عليهم "ما نَدْري"، أي: لا نعْرِفُ يا رسولَ اللهِ "ما في نفْسِك"، أي: ما يَدورُ في نفْسِك "ألَا أوْمَأْتَ إلينا بعيْنِك"، أي: أشرْتَ إلينا بعيْنِك، فقال لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "إنَّه لا ينْبَغي لِنبيٍّ"، أي: إنَّه لا يَليقُ بالنَّبيِّ "أنْ تَكونَ له خائنَةُ الأعْيُنِ"؛ ومعنى خائنةُ الأعيُنِ: أنْ يُخفِيَ في قلْبِه غيرَ الَّذي يُظهِرُه للنَّاسِ، أو يُظهِرَ للنَّاسِ أو بسببِ بعْضِ النَّاسِ أمانًا ثمَّ يلْتفِتَ إلى غيرِه ويومِئَ له بعيْنِه أو بأَيِّ إشارةٍ فيها الغدْرُ بمَن أمَّنَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فيكونُ ذلك خِيانةً، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم منزَّهٌ عنِ الخيانَةِ مُطلَقًا.
وفي الحَديثِ: بيانٌ لأخْلاقِ الأنْبياءِ الحَسنةِ صلَواتُ اللهِ وسَلامُه عليهم.الدرر السنية =
فصفات ومعالم الملك في هذه السورة لا تنقضي ، فالسر والجهر عند الله سواء حتى خواطر القلوب وخلجاتها ، فمن خصائص المَلِك الحق أنه سبحانه هو الملك الذي يستحق الخشية والإجلال ؛ لأنه المطلع على الغيب ، ومكنونات الصدور مع الإحاطة بجميع المعلومات فليس ثمة ملك يخرج ما في القبور ويعلم ما في الصدور إلا الله سبحانه "
تأملات في سورة الملك . بقلم / ماجد بن أحمد الصغير.
والخطاب لجميع الخلق أي أخفوا قولكم وكلامكم أو أعلنوه وأظهروه ، فالسر والعلانية عنده – سبحانه – سواء.
وفي هذا دليل على أنه ينبغي للإنسان أن ينوي في قلبه كل خير ، وأن يحرص أن يكون مخلصًا لله في جميع أعماله ، وأن يحذر كل الحذر أن يخفي الرياء والسمعة أو الحسد والبغض وغيرها من الصفات القلبية الذميمة ، فإن الله مطلع عليها .
وفي هذا دليل على أن الإنسان ينبغي له أن يصلح قلبه وأن يهتم بإصلاحه ، لأن في صلاح القلب صلاح للجسد كما في الحديث:
"ألا وإن في الجسدِ مُضغَةً : إذا صلَحَتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ ."الراوي : النعمان بن بشير - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 52-خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية-
"وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ "الملك : 13 .
"أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"14 الملك.
"وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " الذي لطف علمه وخبره، حتى أدرك السرائر والضمائر، والخبايا -والخفايا والغيوب-، وهو الذي " يعلم السر وأخفى " ومن معاني اللطيف، أنه الذي يلطف بعبده ووليه، فيسوق إليه البِرَّ والإحسان من حيث لا يشعر، ويعصمه من الشر، من حيث لا يحتسب، ويرقيه إلى أعلى المراتب، بأسباب لا تكون من –العبد- على بال، حتى إنه يذيقه المكاره، ليتوصل بها إلى المحاب الجليلة، والمقامات النبيلة.تفسير السعدي.
"وَهُوَ اللَّطِيفُ " الذي له اللطف التام بمعنييه ، وهما :
الأول : اللطف بمعنى معرفة أسرار الأمور وحكمها الدقيقة الخفية ، فهو أخص من الخبير ، ولهذا قدم عليه في جميع المواضع التي اقترن فيها بالقرآن كما في قوله تعالى "لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخبِيرُ "الأنعام 103.وكما في قوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا " الأحزاب34.
الثاني : اللطف بمعنى الإحسان إلى عباده والتيسير عليهم والتخفيف عنهم كما قال تعالى "اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ"الشورى19.
بَرّهم وفاجرهم حيث لم يهلكهم جوعًا بمعاصيهم "يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ"من كل منهم ما يشاء "وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ"على مراده "الْعَزِيزُ"الغالب على أمره.
قال ابن القيم: واسمه اللطيف يتضمن علمه بالأشياء الدقيقة، وإيصاله الرحمة بالطرق الخفية.
قال الشيخ السعدي: فإذا قال العبد "يا لطيف الطف بي.. وأسألك لطفك.."، فمعناه: تولني ولاية خاصة، بها تصلح أحوالي الظاهرة والباطنة، وبها تندفع عني جميع المكروهات من الأمور الداخلية والخارجية.المواهب الربانية من الآيات القرآنية للشيخ السعدي.ملتقى أهل التفسير =هنا= تفسير الأسماء الحسنى للشيخ السعدي = هنا=
ومن لطفه بعباده المؤمنين أنه يتولاهم بلطفه فيخرجهم من الظلمات إلى النور من ظلمات الجهل، والكفر، والبدع، والمعاصي إلى نور العلم والإيمان والطاعة، ومن لطفه أنه يرحمهم من طاعة أنفسهم الأمارة بالسوء التي هذا طبعها وديدنها فيوفقهم لنهي النفس عن الهوى ويصرف عنهم السوء والفحشاء فتوجد أسباب الفتنة، وجواذب المعاصي وشهوات الغي فيرسل الله عليها برهان لطفه ونور إيمانهم الذي منَّ به عليهم فيدعونها مطمئنين لذلك منشرحة لتركها صدورهم.
تفسير الأسماء الحسنى للشيخ السعدي = هنا=
ومن لطف الله تعالى بعبده أن يجعل ما يبتليه به من المعاصي سببًا لرحمته فيفتح له عند وقوع ذلك باب التوبة والتضرع والابتهال إلى ربه وازدراء نفسه واحتقارها وزوال العجب والكبر من قلبه ما هو خير له من كثير من الطاعات.تفسير الأسماء الحسنى للشيخ السعدي = هنا=
قال الشيخ السعدي في كتابة المواهب الربانية:
فاعلم أن اللطف الذي يطلبه العباد من الله بلسان المقال ولسان الحال هو من الرحمة، بل هو رحمة خاصة؛ فالرحمة التي تصل العبد من حيث لا يشعر بها أو لا يشعر بأسبابها هي اللطف، فإذا قال العبد: يا لطيف الطف بي أو لي وأسألك لطفك؛ فمعناه: تولني ولاية خاصة، بها تصلح أحوالي الظاهرة والباطنة، وبها تندفع عني جميع المكروهات: من الأمور الداخلية والأمور الخارجية، فالأمور الداخلية لطف بالعبد والأمور الخارجية لطف للعبد، فإذا يسر الله عبده وسهل طريق الخير وأعانه عليه فقد لطف به، وإذا قيض الله له أسبابًا خارجية غير داخلة تحت قدرة العبد، فيها صلاحه فقد لطف له. ا.هـ.
الخبير:
هو العليم بسرائر عباده وضمائر قلوبهم ، الخبير بأمورهم الذي لا يخفى عنه شيء " الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا " الفرقان 59.
سر اقتران اسم اللطيف باسم الخبير:
لم يقترن اسم الله اللطيف إلا باسمه الخبير ، ويرجع السبب لان الاسميين يتلاقيان في المعنى … فالله تعالى يطلِّع على بواطن الأمور ويلطف بعباده، فلا يُقدِر لهم إلا ما فيه الخير .. وقد يخفى على العبد هذا الخير، فيُقابل قضاء الله بالاعتراض .. والله تعالى يقول "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"الملك: 14. فلا يلطف بك إلا من عرفك وكان خبيرًا بمواطن ضعفك وقوتك وبكل أحوالك.
فإذا عَلِمَ العبد أن ربَّه متصفٌ بدقة العلم، وإحاطته بكل صغيرة وكبيرة، حاسب نفسه على أقواله وأفعاله، وحركاته وسكناته ؛ لأنه يعلم في كل وقتٍ وحين أنه بين يدي اللطيف الخبير"أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"الملك: 14.
= هنا =
اللَّفْظُ لَفْظُ الْأَمْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخَبَرُ ، يَعْنِي إِنْ أَخْفَيْتُمْ كَلَامَكُمْ .... أَوْ جَهَرْتُمْ بِهِ فَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ يَعْنِي بِمَا فِي الْقُلُوبِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ . يَعْنِي : أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ فِي سَائِرِ الْأَقْوَالِ . أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ; أَعْلِنُوهُ .
وجملة" إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ" تعليل للتسوية المستفادة من صيغة الأمر - أي التسوية في الجهر أو الإخفاء -أي: سواء في علمه- تعالى- إسراركم وجهركم،بما فيها من النيات، والإرادات، فكيف بالأقوال والأفعال، التي تُسْمَع وتُرَى؟!
وتقديمُ
السرِّ على الجهرِ للإيذانِ بافتضاحِهِم ووقوعِ ما يحذرونَهُ من أولِ
الأمرِ والمبالغةِ في بيانِ شمولِ علمِهِ المحيطِ لجميعِ المعلوماتِ كأنَّ
علمَهُ تعالَى بما يُسرُّونَهُ أقدرُ منهُ بما يجهرونَ بهِ مع كونِهِما في
الحقيقةِ على السويةِ .
"أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ " هذا دليل عقلي على علمه سبحانه ،فمن خلق الخلق وأتقنه وأحسنه، كيف لا يعلمه؟! فلا يلطف بك إلا من عرفك وكان خبيرًا بمواطن ضعفك وقوتك وبكل أحوالك.
فالصانع أعلم بصنعته. ..... عليم بما خلقه وصنعه ، فهو العالم بخباياه وسرائره، وعلمه بالعبد محوط بلطفه لا يفارقه كما سيأتي إن شاء الله .
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" ق 16.
الوسوسة : وهو الصوت الخفى، والمراد به حديث الإنسان مع نفسه.
وحبل الوريد: عِرْق في باطن العنق يسرى فيه الدم،
فالمقصود من الآية الكريمة بيان أن علمَ اللهِ- تعالى- بأحوال الإنسان، أقرب إلى هذا الإنسان، من أعضائه ومن دمائه التي تسري في تلك الأعضاء.هنا=
والمقصود من القرب: قرب العلم والقدرة.
وقوله"يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ"غافر4.
=قال ابن كثير في تفسيره:
يخبر تعالى عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء ، جليلها وحقيرها ، صغيرها وكبيرها ، دقيقها ولطيفها ; ليحذر الناس علمه فيهم ، فيستحيوا من الله حق الحياء ، ويتقوه حق تقواه ، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه ، فإنه تعالى يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة ، ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر .
"يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ " وهو النظر الذي يخفيه العبد من جليسه ومقارنه، وهو نظر المسارقة.
" وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ " مما لم يبينه العبد لغيره، فالله تعالى يعلم ذلك الخفي، فغيره من الأمور الظاهرة من باب أولى وأحرى. تفسير السعدي = هنا=
"لمَّا كان يومُ فتحِ مكةَ اختبأَ عبدُاللهِ بنُ سعدِ بنِ أبي السَّرْحِ عِندَ عثمانَ بنِ عفانَ فجاءَ به حتى أوقفَهُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقال يا رسولَ اللهِ بايعْ عبدَاللهِ ،فرفعَ رأسَهُ فنظرَ إليه ثلاثًا كلُّ ذلك يأبَى فبايعَهُ بعدَ ثلاثٍ ثم أقبلَ على أصحابِهِ فقال أما كان فيكم رجلٌ رشيدٌ ، يقومُ إلى هذا حيث رآني كففْتُ يَدي عن بيعتِهِ فيقتلُهُ ؟ فقالوا : ما نَدري يا رسولَ اللهِ ما في نفسِكَ ألَّا أومأتَ إلينا بعينِكَ ! قال : إنَّهُ لا يَنبغي لنبيٍّ أن تكونَ له خائنةُ الأعينِ"الراوي : سعد بن أبي وقاص - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود -الصفحة أو الرقم: 4359 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية-
الشرح:
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أحسن الناس خُلُقًا، وليس له خائنَةُ الأعْيُنِ، ولا يَليقُ بِمقامِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أن يُشيرَ بعَيْنِه إشارَةً خفيَّةً ولو إلى شيءٍ مُباحٍ؛ مِثلَ قتْلِ شخْصٍ مهْدورِ الدَّمِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ سعْدُ بنُ أبي وقَّاصٍ"لمَّا كان يوْمُ فتْحِ مكَّةَ"، أي: حين كان اليومُ الَّذي فتَحَ فيهِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مكَّةَ، "اخْتبَأَ"، أي: اخْتَفى عبدُ اللهِ بنُ سعْدِ بنِ أبي السَّرْحِ عند عُثمانَ بنِ عفَّانٍ؛ وكانوا إخْوةً من الرَّضاعِ، وكان عبدُ اللهِ بنُ أبي السَّرحِ يَكتبُ الوحْيَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ثمَّ ارتَدَّ عن الإسْلامِ، فأمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بقتْلِه، "فَجاء بهِ"، أي: جاء بهِ عُثمانُ رضِيَ اللهُ عنه "حتَّى أوْقَفَه"، أي: أَقامَه على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال عُثمانُ رضِيَ اللهُ عنه: يا رسولَ اللهِ "بايِعْ عبدَ اللهِ"، أي: خُذْ منه البيْعَةَ على الإسْلامِ فإنَّه يُريدُ أنْ يَتوبَ، "فرفَعَ رأْسَه"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم "فنَظَرَ إليهِ"، أي: صوَّبَ نظَرَه إلى عبدِ اللهِ بنِ أبي السَّرْحِ "ثلاثًا"، أي: ثلاثَ مرَّاتٍ، "كلُّ ذلك يأْبَى"، أي: يرفُضُ أنْ يُبايِعَه، "فبايَعَه" النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بعْد ثلاثٍ، "ثمَّ أقْبَلَ على أصْحابِه"، أي: توجَّهَ إليهم، فقال لهم: "أَما كان فيكم رجَلٌ رَشيدٌ"، أي: أَليس يوجَدُ بيْنكم رجلٌ لَبيبٌ ذو عقْلٍ يَفْهم ما أُريدُ بامتِناعي عن مُبايعَتِه، "يَقومُ إلى هذا"، أي: إلى عبدِ اللهِ بنِ أبي السَّرْحِ، "حيثُ رآني كففْتُ يَدي"، أي: حيثُ رآني أمسَكْتُ يَدي وامتنَعتُ عن بيْعتِه، "فيَقْتُلُه؟"؛ وفي هذا دَليلٌ على عدَمِ رِضا النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم على بيْعَةِ عبدِ اللهِ بنِ أبي السَّرْحِ، "فقالوا"، أي: الصَّحابةُ رِاضونُ اللهِ عليهم "ما نَدْري"، أي: لا نعْرِفُ يا رسولَ اللهِ "ما في نفْسِك"، أي: ما يَدورُ في نفْسِك "ألَا أوْمَأْتَ إلينا بعيْنِك"، أي: أشرْتَ إلينا بعيْنِك، فقال لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "إنَّه لا ينْبَغي لِنبيٍّ"، أي: إنَّه لا يَليقُ بالنَّبيِّ "أنْ تَكونَ له خائنَةُ الأعْيُنِ"؛ ومعنى خائنةُ الأعيُنِ: أنْ يُخفِيَ في قلْبِه غيرَ الَّذي يُظهِرُه للنَّاسِ، أو يُظهِرَ للنَّاسِ أو بسببِ بعْضِ النَّاسِ أمانًا ثمَّ يلْتفِتَ إلى غيرِه ويومِئَ له بعيْنِه أو بأَيِّ إشارةٍ فيها الغدْرُ بمَن أمَّنَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فيكونُ ذلك خِيانةً، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم منزَّهٌ عنِ الخيانَةِ مُطلَقًا.
وفي الحَديثِ: بيانٌ لأخْلاقِ الأنْبياءِ الحَسنةِ صلَواتُ اللهِ وسَلامُه عليهم.الدرر السنية =
فصفات ومعالم الملك في هذه السورة لا تنقضي ، فالسر والجهر عند الله سواء حتى خواطر القلوب وخلجاتها ، فمن خصائص المَلِك الحق أنه سبحانه هو الملك الذي يستحق الخشية والإجلال ؛ لأنه المطلع على الغيب ، ومكنونات الصدور مع الإحاطة بجميع المعلومات فليس ثمة ملك يخرج ما في القبور ويعلم ما في الصدور إلا الله سبحانه "
تأملات في سورة الملك . بقلم / ماجد بن أحمد الصغير.
والخطاب لجميع الخلق أي أخفوا قولكم وكلامكم أو أعلنوه وأظهروه ، فالسر والعلانية عنده – سبحانه – سواء.
وفي هذا دليل على أنه ينبغي للإنسان أن ينوي في قلبه كل خير ، وأن يحرص أن يكون مخلصًا لله في جميع أعماله ، وأن يحذر كل الحذر أن يخفي الرياء والسمعة أو الحسد والبغض وغيرها من الصفات القلبية الذميمة ، فإن الله مطلع عليها .
وفي هذا دليل على أن الإنسان ينبغي له أن يصلح قلبه وأن يهتم بإصلاحه ، لأن في صلاح القلب صلاح للجسد كما في الحديث:
"ألا وإن في الجسدِ مُضغَةً : إذا صلَحَتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ ."الراوي : النعمان بن بشير - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 52-خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية-
"وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ "الملك : 13 .
"أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"14 الملك.
"وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " الذي لطف علمه وخبره، حتى أدرك السرائر والضمائر، والخبايا -والخفايا والغيوب-، وهو الذي " يعلم السر وأخفى " ومن معاني اللطيف، أنه الذي يلطف بعبده ووليه، فيسوق إليه البِرَّ والإحسان من حيث لا يشعر، ويعصمه من الشر، من حيث لا يحتسب، ويرقيه إلى أعلى المراتب، بأسباب لا تكون من –العبد- على بال، حتى إنه يذيقه المكاره، ليتوصل بها إلى المحاب الجليلة، والمقامات النبيلة.تفسير السعدي.
"وَهُوَ اللَّطِيفُ " الذي له اللطف التام بمعنييه ، وهما :
الأول : اللطف بمعنى معرفة أسرار الأمور وحكمها الدقيقة الخفية ، فهو أخص من الخبير ، ولهذا قدم عليه في جميع المواضع التي اقترن فيها بالقرآن كما في قوله تعالى "لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخبِيرُ "الأنعام 103.وكما في قوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا " الأحزاب34.
الثاني : اللطف بمعنى الإحسان إلى عباده والتيسير عليهم والتخفيف عنهم كما قال تعالى "اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ"الشورى19.
بَرّهم وفاجرهم حيث لم يهلكهم جوعًا بمعاصيهم "يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ"من كل منهم ما يشاء "وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ"على مراده "الْعَزِيزُ"الغالب على أمره.
قال ابن القيم: واسمه اللطيف يتضمن علمه بالأشياء الدقيقة، وإيصاله الرحمة بالطرق الخفية.
قال الشيخ السعدي: فإذا قال العبد "يا لطيف الطف بي.. وأسألك لطفك.."، فمعناه: تولني ولاية خاصة، بها تصلح أحوالي الظاهرة والباطنة، وبها تندفع عني جميع المكروهات من الأمور الداخلية والخارجية.المواهب الربانية من الآيات القرآنية للشيخ السعدي.ملتقى أهل التفسير =هنا= تفسير الأسماء الحسنى للشيخ السعدي = هنا=
ومن لطفه بعباده المؤمنين أنه يتولاهم بلطفه فيخرجهم من الظلمات إلى النور من ظلمات الجهل، والكفر، والبدع، والمعاصي إلى نور العلم والإيمان والطاعة، ومن لطفه أنه يرحمهم من طاعة أنفسهم الأمارة بالسوء التي هذا طبعها وديدنها فيوفقهم لنهي النفس عن الهوى ويصرف عنهم السوء والفحشاء فتوجد أسباب الفتنة، وجواذب المعاصي وشهوات الغي فيرسل الله عليها برهان لطفه ونور إيمانهم الذي منَّ به عليهم فيدعونها مطمئنين لذلك منشرحة لتركها صدورهم.
تفسير الأسماء الحسنى للشيخ السعدي = هنا=
ومن لطف الله تعالى بعبده أن يجعل ما يبتليه به من المعاصي سببًا لرحمته فيفتح له عند وقوع ذلك باب التوبة والتضرع والابتهال إلى ربه وازدراء نفسه واحتقارها وزوال العجب والكبر من قلبه ما هو خير له من كثير من الطاعات.تفسير الأسماء الحسنى للشيخ السعدي = هنا=
قال الشيخ السعدي في كتابة المواهب الربانية:
فاعلم أن اللطف الذي يطلبه العباد من الله بلسان المقال ولسان الحال هو من الرحمة، بل هو رحمة خاصة؛ فالرحمة التي تصل العبد من حيث لا يشعر بها أو لا يشعر بأسبابها هي اللطف، فإذا قال العبد: يا لطيف الطف بي أو لي وأسألك لطفك؛ فمعناه: تولني ولاية خاصة، بها تصلح أحوالي الظاهرة والباطنة، وبها تندفع عني جميع المكروهات: من الأمور الداخلية والأمور الخارجية، فالأمور الداخلية لطف بالعبد والأمور الخارجية لطف للعبد، فإذا يسر الله عبده وسهل طريق الخير وأعانه عليه فقد لطف به، وإذا قيض الله له أسبابًا خارجية غير داخلة تحت قدرة العبد، فيها صلاحه فقد لطف له. ا.هـ.
الخبير:
هو العليم بسرائر عباده وضمائر قلوبهم ، الخبير بأمورهم الذي لا يخفى عنه شيء " الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا " الفرقان 59.
سر اقتران اسم اللطيف باسم الخبير:
لم يقترن اسم الله اللطيف إلا باسمه الخبير ، ويرجع السبب لان الاسميين يتلاقيان في المعنى … فالله تعالى يطلِّع على بواطن الأمور ويلطف بعباده، فلا يُقدِر لهم إلا ما فيه الخير .. وقد يخفى على العبد هذا الخير، فيُقابل قضاء الله بالاعتراض .. والله تعالى يقول "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"الملك: 14. فلا يلطف بك إلا من عرفك وكان خبيرًا بمواطن ضعفك وقوتك وبكل أحوالك.
فإذا عَلِمَ العبد أن ربَّه متصفٌ بدقة العلم، وإحاطته بكل صغيرة وكبيرة، حاسب نفسه على أقواله وأفعاله، وحركاته وسكناته ؛ لأنه يعلم في كل وقتٍ وحين أنه بين يدي اللطيف الخبير"أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"الملك: 14.
= هنا =
___________________________________
مشاركة رقم: 9 = هنا =
"هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ "15.
قال تعالى في الآية السابقة:
"وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" 13 – 14.
لما أظهر الله علمه ولطفه وأنه بكل شيء خبير، أمتن الله على عباده بمظهر من مظاهر هذا العلم واللطف والخبرة، ألا وهو تمهيد الأرض للسالكين، وذلك يدفع المتأمل إلى الإيمان بالله وحسن عبادته وشكره= هنا =
لما أظهر اللهُ علمَهُ ولطفَهُ وأنه بكلِ شيءٍ خبيرٌ،وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا غَامِضًا، دَلَّ عَلَيْهِ بِأَمْرٍ مُشَاهَدٍ أَبْدَعَهُ بِلُطْفِهِ وَأَتْقَنَهُ - بقدرتِهِ- لِاسْتِدْعَاءِ الشُّكْرِ مِنْ عِبَادِهِ عَلَى مَا أَبْدَعَ لَهُمْ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ بِهِ مِنَ النِّعَمِ الْبَاهِرَةِ الَّتِي بِهَا قِوَامُهُمْ، وَلَوْلَاهُ لَمَا كَانَ لَهُمْ بَقَاءٌ فَقَالَ مُسْتَأْنِفًا"هُوَ" أَيْ وَحْدَهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ -لِتَتَوَصَّلُوا إِلَى مَا يَنْفَعُكُمْ - الأَرْضَ عَلَى سِعَتِهَا وَعِظَمِهَا وَجَزْوَنَةِ كَثِيرٍ مِنْهَا ،ذَلُولًا أَيْ مُسَخَّرَةً لَا تَمْتَنِعُ، قَابِلَةً لِلِانْقِيَادِ لِمَا تُرِيدُونَ مِنْهَا مِنْ مَشْيٍ وَإِنْبَاطِ-استخراج- مِيَاهٍ ،وَزَرْعِ حُبُوبٍ، وَغَرْسِ أَشْجَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ غَايَةَ الِانْقِيَادِ، بِمَا تَفْهَمُهُ صِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ مَعَ أَنَّ فِيهَا أَمَاكِنُ خَوَّارَةً تَسُوخُ فِيهَا الْأَرْجُلُ وَيَغُوصُ فِيهَا مَا خَالَطَهَا، وَمَوَاضِعُ مُشْتَبِكَةٌ بِالْأَشْجَارِ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ سُلُوكُهَا، وَأَمَاكِنُ- ص: 245 - مَلْأَى سِبَاعًا وَحَيَّاتٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَانِعِ، وَأَمَاكِنَ هِيَ جِبَالٌ شَاهِقَةٌ إِمَّا يَتَعَذَّرُ سُلُوكُهَا كَجَبَلِ السَّدِّ بَيْنَنَا وَبَيْنِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، ....تَزْلَقُ عَلَيْهِ الْأَرْجُلُ وَلَا تَثْبُتُ، أَوْ يُشَقُّ سُلُوكُهَا، وَمَوَاطِنُ هِيَ بُحُورٌ عَذْبَةٌ أَوْ ملحة ، فَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهَا كُلَّهَا كَذَلِكَ لِيَكُونَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا، فَمَا قَسَّمَهَا إِلَى سُهُولٍ وَجِبَالٍ وَبُرُورٍ وَبُحُورٍ وَأَنْهَارٍ وَعُيُونٍ وَمِلْحٍ وَعَذْبٍ وَزَرْعٍ وَشَجَرٍ وَتُرَابٍ وَحَجَرٍ وَرِمَالٍ وَمَدَرٍ - قِطَعُ الطينِ اليابِسِ -وَغَيْرِ ذَلِكَ إِلَّا لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ وَقُدْرَةٍ بَاهِرَةٍ، لِتَكُونَ قَابِلَةً لِجَمِيعِ مَا تُرِيدُونَ مِنْهَا، صَالِحَةً لِسَائِرِ مَا يَنْفَعُكُمْ فِيهَا. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور= هنا =
=ولو تأملنا وتفكرنا بنظرة أوسع وأشمل في آيات تذليل الأرض ،ما أكثر الآيات التي نمر عليها ونحن غافلون عنها وعن عظمتها ودلالاتها ومعجزاتها.قال تعالى"أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ"النمل: 61.
هذه آية عظيمة للتأمل والتفكر: مَن الذي جعل الأرض قرارًا أي مكانًا يستقرون فيه؟ ومن الذي خلق هذه الأنهار، ومن الذي خلق الجبال، ومن الذي جعل البرزخ بين البحار...
فالإنسان يعيش على هذه الأرض منذ آلاف السنين وهو لا يشعر بأي فوضى أو عدم استقرار ولا يدرك نعمة وقيمة أن تكون الأرض مكانًا يستقر عليه ولا تضطرب حياته فيها.
إنها قوة سخرها الله لجميع الأجسام في الكون لتتجاذب، فالأرض تشدنا نحو مركزها، بفعل قوة جاذبيتها، ولذلك فإننا نشعر بالاستقرار على ظهرها، وبالتالي فهي قرار لنا. لو كنا على سطح القمر مثلاً فإن وزن أحدنا سدس وزنه على الأرض، أي أن الرجل الذي يزن على الأرض 90 كيلو غرام، سيكون وزنه على القمر 15 كيلو غرام فقط!
ولانشعر بنعمة الجاذبية إلا عندما نغادر الأرض! وهذا ما يشكو منه رواد الفضاء، حيث يقول العلماء الذين صعدوا إلى الفضاء الخارجي وعاشوا حالة انعدام الوزن أو انعدام الجاذبية أو انعدام الاستقرار على الأرض:وهذا أدى إلى أمراض كثيرة ، فالدورة الدموية تتأثر بالجاذبية حيث يصعد الدم للأعلى في الجسد بدلاً من الأسفل ، واضطراب الدورة الدموية ينتج عنه كثير من الأمراض -تؤثر على الكلى وضغط الدم وعضلات وعظام الجسم و....-
فنعمة الجاذبية الأرضية المعتدلة المهيأة لعيش الكائنات في استقرار من كل الوجوه من تذليل الأرض للمخلوقات.
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى
فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا :والأمر في قوله فَامْشُوا فِي مَناكِبِها للإباحة، والمناكب جمع منكب وهو ملتقى الكتف مع العضد والمراد به هنا: جوانبها أو طرقها وفجاجها أو أطرافها..وهو مَثَل لفرط التذليل، وشدة التسخير..
ومادام الأمر كذلك فامشوا في جوانبها وأطرافها وفجاجها.. ملتمسين رزق ربكم فيها، وداوموا على ذلك،
وَلِيَكُنْ مِشْيَتُكُمْ فِيهَا وَتَصَرُّفُكُمْ بَذْلٌ وَإِخْبَاتٌ وَسُكُونٌ اسْتِصْغَارًا لِأَنْفُسِكُمْ وَشُكْرًا لِمَنْ سَخَّرَ لَكُمْ ذَلِكَ - وَاللَّهُ الْهَادِي.
وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ:
وَلَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يَسَرَّهَا لِلْمَشْيِ، ذَكَّرَهُمْ بِأَنَّهُ سَهَّلَهَا لِإِخْرَاجِ الْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ فَقَالَ: وَكُلُوا وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّزْقَ فَوْقَ الْكِفَايَةِ بِقَوْلِهِ: مِنْ رِزْقِهِ أَيِ الَّذِي أَوْدَعَهُ لَكُمْ فِيهَا وَأَمْكَنَكُمْ مِنْ إِخْرَاجِهِ بِضِدِّ مَا تَعْرِفُونَ مِنْ أَحْوَالِكُمْ فَإِنَّ الدَّفْنَ فِي الْأَرْضِ مِمَّا يُفْسِدُ الْمَدْفُونَ وَيُحِيلُهُ إِلَى جَوْهَرِهَا كَمَا يَكُونُ لِمَنْ قَبَرْتُمُوهُ فِيهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَأَنْتُمْ تَدْفِنُونَ الْحُبَّ وَغَيْرَهُ مِمَّا يَنْفَعُكُمْ فَيُخْرِجُهُ لَكُمْ سُبْحَانَهُ عَلَى أَحْسَنِ مَا تُرِيدُونَ وَيَخْرُجُ لَكُمْ مِنَ الْأَقْوَاتِ وَالْفَوَاكِهِ وَالْأَدْهَانِ وَالْمَلَابِسِ مَا تَعْلَمُونَ، وَكَذَلِكَ النُّفُوسُ هِيَ صَعْبَةٌ كَالْجِبَالِ وَإِنْ قُدْتَهَا لِلْخَيْرِ انْقَادَتْ لَكَ كَمَا قِيلَ "هِيَ النَّفْسُ مَا عَوَّدْتَهَا تَتَعَوَّدُ" .
"وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ" واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئًا ، إلا أن ييسره الله لكم ; ولهذا قال "وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ"
فالسعي في السبب لا ينافي التوكل
كما قال الإمام أحمد :حدثنا أبو عبد الرحمن ، قال:حدثنا حيوة ،قال: أخبرني بكر بن عمرو أنه سمع عبد الله بن هبيرة يقول : إنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول : إنه سمع عمر بن الخطاب يقول : إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول"لو أنَّكم كنتُم توَكَّلونَ علَى اللهِ حقَّ توَكّله لرزقتُم كما يرزقُ الطَّيرُ تغدو خماصًا وتروحُ بطانًا" الراوي : عمر بن الخطاب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-
الصفحة أو الرقم: 2344 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر السنية =
فأثبت لها رَوَاحًا وغُدُوًا لطلب الرزق ، مع توكلها على الله ، عز وجل ، وهو المسخِر المسَيِّر المُسَبِّب.
شرح الحديث:
حَثَّ الشَّرعُ على التوكُّلِ على اللهِ تعالى والأخْذِ بالأسبابِ، وأنْ يكونَ المسلِمُ مُستعينًا باللهِ تعالى معترِفًا بأنَّ الله بيدِه كلُّ شيءٍ، وأنَّه هو الَّذي يقدِّرُ الأشياءَ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "لو أنَّكم كُنتم تَوَكَّلون على اللهِ حقَّ توكُّلِه"، أي: لو حقَّقتُم معنى التَّوكُّلِ على اللهِ، واعتمَدتُم عليه بصِدقٍ، وأخَذتُم بما تيَسَّر لكم مِن أسبابٍ، وعَلِمتم أنَّ اللهَ بيَدِه العطاءُ والمنعُ، وأنَّ تَكَسُّبَكم وسعيَكم مِن أسبابِ اللهِ، وليسَت قوَّتُكم هي الرَّازِقةَ لكم، "لَرُزِقتُم"، أي: لرزَقَكم اللهُ ويسَّر لكم الأسبابَ، "كما يرزُقُ الطَّيرَ"، أي: كما يَأتي بالرِّزقِ إلى الطَّيرِ عندما "تَغدو"، أي: تذهَبُ بُكرةً في أوَّلِ نَهارِها، "خِماصًا"، أي: جِياعًا وبطونُها فارِغةٌ، "وتروحُ"، أي: وتأتي في آخِرِ النَّهارِ إلى بَياتِها "بِطانًا"، أي: وقد مُلِئَتْ بُطونُها بالطَّعامِ، وهذا نوعٌ مِن أنواعِ الأسبابِ في السَّعيِ لطلَبِ الرِّزقِ دون التَّواكُلِ والتَّكاسُلِ، والجلوسِ والزُّهدِ الكاذِبِ في الدُّنيا، لكنْ يَنبَغي على العبدِ الأخذُ بأسبابِ الرِّزقِ مع اليَقينِ في اللهِ وعدَمِ الانشغالِ بالدُّنيا عن الآخرَةِ-الدرر السنية =
"وَإِلَيْهِ النُّشُورُ " أَيْ: بَعْدَ أَنْ تَنْتَقِلُوا مِنْ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ امْتِحَانًا، وَبُلْغَةً يَتَبَلَّغُ بِهَا إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ، تُبْعَثُونَ بَعْدَ مَوْتِكُمْ، وَتُحْشَرُونَ إِلَى اللَّهِ، لِيُجَازِيَكُمْ بِأَعْمَالِكُمُ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ. = قَالَ: وَإِلَيْهِ أَيْ وَحْدَهُ النُّشُورُ وَهُوَ إِخْرَاجُ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ - الأجساد - الَّتِي أَكَلَتْهَا الْأَرْضُ وَأَفْسَدَتْهَا، يُخْرِجُهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُهُ - ص: 247 -عَلَى مَا كَانَ كُلٌّ مِنْهَا - عَلَيْهِ - عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَا أَخْرَجَ تِلْكَ الْأَرْزَاقَ، لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَذَاكَ، غَيْرَ أَنَّكُمْ لَا تَتَأَمَّلُونَ - فَيَسْأَلُكُمْ - عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، فَيَا فَوْزَ مَنْ شَكَرَ وَيَا هَلَاكَ مَنْ كَفَرَ، فَإِنَّ هَذَا أَبْعَثُ شَيْءٍ عَلَى الشُّكْرِ، وَأَشَدُّ شَيْءٍ إِبْعَادًا عَنِ الْعِصْيَانِ لَا سِيَّمَا الْكُفْرُ، لِمَا قَرَّرَ مِنْ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ، -وَ - الْإِحْسَانِ - إِلَيْهِ - بِأَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ.
مقتبس من نظم الدرر في تناسب الآيات والسور= هنا =
فالذي خلق السماء لا تفاوت فيها ، والأرض ذلولًا قادر فإليه وحده مرجعكم، وبعثكم من قبوركم، بعد أن قضيتم على هذه الأرض، الأجل الذي قدره- سبحانه- لكم.
" وَإِلَيْهِ النُّشُورُ " أي المرجع يوم القيامة إلى الله لا إلى غيره كما قال تعالى "إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ " الغاشية :25.،26.
وفي هذا دليل على أن الدنيا ليست دار قرار وبقاء ، وأن الناس فيها غير مستوطنين ولا مقيمين ، بل هم عابري سبيل يتزودون فيها للدار الباقية دار القرار .
_____________________
قال تعالى في الآية السابقة:
"وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" 13 – 14.
لما أظهر الله علمه ولطفه وأنه بكل شيء خبير، أمتن الله على عباده بمظهر من مظاهر هذا العلم واللطف والخبرة، ألا وهو تمهيد الأرض للسالكين، وذلك يدفع المتأمل إلى الإيمان بالله وحسن عبادته وشكره= هنا =
لما أظهر اللهُ علمَهُ ولطفَهُ وأنه بكلِ شيءٍ خبيرٌ،وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا غَامِضًا، دَلَّ عَلَيْهِ بِأَمْرٍ مُشَاهَدٍ أَبْدَعَهُ بِلُطْفِهِ وَأَتْقَنَهُ - بقدرتِهِ- لِاسْتِدْعَاءِ الشُّكْرِ مِنْ عِبَادِهِ عَلَى مَا أَبْدَعَ لَهُمْ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ بِهِ مِنَ النِّعَمِ الْبَاهِرَةِ الَّتِي بِهَا قِوَامُهُمْ، وَلَوْلَاهُ لَمَا كَانَ لَهُمْ بَقَاءٌ فَقَالَ مُسْتَأْنِفًا"هُوَ" أَيْ وَحْدَهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ -لِتَتَوَصَّلُوا إِلَى مَا يَنْفَعُكُمْ - الأَرْضَ عَلَى سِعَتِهَا وَعِظَمِهَا وَجَزْوَنَةِ كَثِيرٍ مِنْهَا ،ذَلُولًا أَيْ مُسَخَّرَةً لَا تَمْتَنِعُ، قَابِلَةً لِلِانْقِيَادِ لِمَا تُرِيدُونَ مِنْهَا مِنْ مَشْيٍ وَإِنْبَاطِ-استخراج- مِيَاهٍ ،وَزَرْعِ حُبُوبٍ، وَغَرْسِ أَشْجَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ غَايَةَ الِانْقِيَادِ، بِمَا تَفْهَمُهُ صِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ مَعَ أَنَّ فِيهَا أَمَاكِنُ خَوَّارَةً تَسُوخُ فِيهَا الْأَرْجُلُ وَيَغُوصُ فِيهَا مَا خَالَطَهَا، وَمَوَاضِعُ مُشْتَبِكَةٌ بِالْأَشْجَارِ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ سُلُوكُهَا، وَأَمَاكِنُ- ص: 245 - مَلْأَى سِبَاعًا وَحَيَّاتٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَانِعِ، وَأَمَاكِنَ هِيَ جِبَالٌ شَاهِقَةٌ إِمَّا يَتَعَذَّرُ سُلُوكُهَا كَجَبَلِ السَّدِّ بَيْنَنَا وَبَيْنِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، ....تَزْلَقُ عَلَيْهِ الْأَرْجُلُ وَلَا تَثْبُتُ، أَوْ يُشَقُّ سُلُوكُهَا، وَمَوَاطِنُ هِيَ بُحُورٌ عَذْبَةٌ أَوْ ملحة ، فَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهَا كُلَّهَا كَذَلِكَ لِيَكُونَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا، فَمَا قَسَّمَهَا إِلَى سُهُولٍ وَجِبَالٍ وَبُرُورٍ وَبُحُورٍ وَأَنْهَارٍ وَعُيُونٍ وَمِلْحٍ وَعَذْبٍ وَزَرْعٍ وَشَجَرٍ وَتُرَابٍ وَحَجَرٍ وَرِمَالٍ وَمَدَرٍ - قِطَعُ الطينِ اليابِسِ -وَغَيْرِ ذَلِكَ إِلَّا لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ وَقُدْرَةٍ بَاهِرَةٍ، لِتَكُونَ قَابِلَةً لِجَمِيعِ مَا تُرِيدُونَ مِنْهَا، صَالِحَةً لِسَائِرِ مَا يَنْفَعُكُمْ فِيهَا. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور= هنا =
=ولو تأملنا وتفكرنا بنظرة أوسع وأشمل في آيات تذليل الأرض ،ما أكثر الآيات التي نمر عليها ونحن غافلون عنها وعن عظمتها ودلالاتها ومعجزاتها.قال تعالى"أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ"النمل: 61.
هذه آية عظيمة للتأمل والتفكر: مَن الذي جعل الأرض قرارًا أي مكانًا يستقرون فيه؟ ومن الذي خلق هذه الأنهار، ومن الذي خلق الجبال، ومن الذي جعل البرزخ بين البحار...
فالإنسان يعيش على هذه الأرض منذ آلاف السنين وهو لا يشعر بأي فوضى أو عدم استقرار ولا يدرك نعمة وقيمة أن تكون الأرض مكانًا يستقر عليه ولا تضطرب حياته فيها.
نعمة الجاذبية الأرضية
حجم الأرض وكتلتها وبعدها عن الشمس وسرعة دورانها حول نفسها وحول الشمس، مناسب جدًا للحياة، ولو أن حجم الأرض أو كتلتها أو بعدها عن الشمس أو سرعة دورانها كانت أكبر بقليل أو أصغر بقليل لاختلت الحياة على ظهرها.
إن الذي يتأمل موقع الأرض داخل المنظومة الشمسية يلاحظ أن الله تبارك وتعالى هيَّأ هذه الأرض لتكون صالحة للحياة، بعكس بقية الكواكب. وهذه نعمة من نعم المولى يجب أن نشكره عليها.
ولكن هناك أمر مهم جدًا لولاه لا يمكن لنا أن نستقر على هذه الأرض وهو الجاذبية الأرضية،
فكوكب الأرض يمتاز بجاذبية محددة مناسبة للحياة المستقرة، ولو كانت
جاذبية الأرض أقل مما هي عليه مثل القمر فإن الإنسان سيطير في الهواء
عندما يبذل أي جهد، ولو كانت الجاذبية أكبر مما هي عليه مثل كوكب المشتري لالتصق الإنسان بالأرض ولم يعد قادرًا على الحركة!!!حجم الأرض وكتلتها وبعدها عن الشمس وسرعة دورانها حول نفسها وحول الشمس، مناسب جدًا للحياة، ولو أن حجم الأرض أو كتلتها أو بعدها عن الشمس أو سرعة دورانها كانت أكبر بقليل أو أصغر بقليل لاختلت الحياة على ظهرها.
إن الذي يتأمل موقع الأرض داخل المنظومة الشمسية يلاحظ أن الله تبارك وتعالى هيَّأ هذه الأرض لتكون صالحة للحياة، بعكس بقية الكواكب. وهذه نعمة من نعم المولى يجب أن نشكره عليها.
إنها قوة سخرها الله لجميع الأجسام في الكون لتتجاذب، فالأرض تشدنا نحو مركزها، بفعل قوة جاذبيتها، ولذلك فإننا نشعر بالاستقرار على ظهرها، وبالتالي فهي قرار لنا. لو كنا على سطح القمر مثلاً فإن وزن أحدنا سدس وزنه على الأرض، أي أن الرجل الذي يزن على الأرض 90 كيلو غرام، سيكون وزنه على القمر 15 كيلو غرام فقط!
ولانشعر بنعمة الجاذبية إلا عندما نغادر الأرض! وهذا ما يشكو منه رواد الفضاء، حيث يقول العلماء الذين صعدوا إلى الفضاء الخارجي وعاشوا حالة انعدام الوزن أو انعدام الجاذبية أو انعدام الاستقرار على الأرض:وهذا أدى إلى أمراض كثيرة ، فالدورة الدموية تتأثر بالجاذبية حيث يصعد الدم للأعلى في الجسد بدلاً من الأسفل ، واضطراب الدورة الدموية ينتج عنه كثير من الأمراض -تؤثر على الكلى وضغط الدم وعضلات وعظام الجسم و....-
فنعمة الجاذبية الأرضية المعتدلة المهيأة لعيش الكائنات في استقرار من كل الوجوه من تذليل الأرض للمخلوقات.
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى
ومادام الأمر كذلك فامشوا في جوانبها وأطرافها وفجاجها.. ملتمسين رزق ربكم فيها، وداوموا على ذلك،
وَلِيَكُنْ مِشْيَتُكُمْ فِيهَا وَتَصَرُّفُكُمْ بَذْلٌ وَإِخْبَاتٌ وَسُكُونٌ اسْتِصْغَارًا لِأَنْفُسِكُمْ وَشُكْرًا لِمَنْ سَخَّرَ لَكُمْ ذَلِكَ - وَاللَّهُ الْهَادِي.
وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ:
وَلَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يَسَرَّهَا لِلْمَشْيِ، ذَكَّرَهُمْ بِأَنَّهُ سَهَّلَهَا لِإِخْرَاجِ الْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ فَقَالَ: وَكُلُوا وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّزْقَ فَوْقَ الْكِفَايَةِ بِقَوْلِهِ: مِنْ رِزْقِهِ أَيِ الَّذِي أَوْدَعَهُ لَكُمْ فِيهَا وَأَمْكَنَكُمْ مِنْ إِخْرَاجِهِ بِضِدِّ مَا تَعْرِفُونَ مِنْ أَحْوَالِكُمْ فَإِنَّ الدَّفْنَ فِي الْأَرْضِ مِمَّا يُفْسِدُ الْمَدْفُونَ وَيُحِيلُهُ إِلَى جَوْهَرِهَا كَمَا يَكُونُ لِمَنْ قَبَرْتُمُوهُ فِيهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَأَنْتُمْ تَدْفِنُونَ الْحُبَّ وَغَيْرَهُ مِمَّا يَنْفَعُكُمْ فَيُخْرِجُهُ لَكُمْ سُبْحَانَهُ عَلَى أَحْسَنِ مَا تُرِيدُونَ وَيَخْرُجُ لَكُمْ مِنَ الْأَقْوَاتِ وَالْفَوَاكِهِ وَالْأَدْهَانِ وَالْمَلَابِسِ مَا تَعْلَمُونَ، وَكَذَلِكَ النُّفُوسُ هِيَ صَعْبَةٌ كَالْجِبَالِ وَإِنْ قُدْتَهَا لِلْخَيْرِ انْقَادَتْ لَكَ كَمَا قِيلَ "هِيَ النَّفْسُ مَا عَوَّدْتَهَا تَتَعَوَّدُ" .
"وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ" واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئًا ، إلا أن ييسره الله لكم ; ولهذا قال "وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ"
فالسعي في السبب لا ينافي التوكل
كما قال الإمام أحمد :حدثنا أبو عبد الرحمن ، قال:حدثنا حيوة ،قال: أخبرني بكر بن عمرو أنه سمع عبد الله بن هبيرة يقول : إنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول : إنه سمع عمر بن الخطاب يقول : إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول"لو أنَّكم كنتُم توَكَّلونَ علَى اللهِ حقَّ توَكّله لرزقتُم كما يرزقُ الطَّيرُ تغدو خماصًا وتروحُ بطانًا" الراوي : عمر بن الخطاب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-
الصفحة أو الرقم: 2344 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر السنية =
فأثبت لها رَوَاحًا وغُدُوًا لطلب الرزق ، مع توكلها على الله ، عز وجل ، وهو المسخِر المسَيِّر المُسَبِّب.
شرح الحديث:
حَثَّ الشَّرعُ على التوكُّلِ على اللهِ تعالى والأخْذِ بالأسبابِ، وأنْ يكونَ المسلِمُ مُستعينًا باللهِ تعالى معترِفًا بأنَّ الله بيدِه كلُّ شيءٍ، وأنَّه هو الَّذي يقدِّرُ الأشياءَ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "لو أنَّكم كُنتم تَوَكَّلون على اللهِ حقَّ توكُّلِه"، أي: لو حقَّقتُم معنى التَّوكُّلِ على اللهِ، واعتمَدتُم عليه بصِدقٍ، وأخَذتُم بما تيَسَّر لكم مِن أسبابٍ، وعَلِمتم أنَّ اللهَ بيَدِه العطاءُ والمنعُ، وأنَّ تَكَسُّبَكم وسعيَكم مِن أسبابِ اللهِ، وليسَت قوَّتُكم هي الرَّازِقةَ لكم، "لَرُزِقتُم"، أي: لرزَقَكم اللهُ ويسَّر لكم الأسبابَ، "كما يرزُقُ الطَّيرَ"، أي: كما يَأتي بالرِّزقِ إلى الطَّيرِ عندما "تَغدو"، أي: تذهَبُ بُكرةً في أوَّلِ نَهارِها، "خِماصًا"، أي: جِياعًا وبطونُها فارِغةٌ، "وتروحُ"، أي: وتأتي في آخِرِ النَّهارِ إلى بَياتِها "بِطانًا"، أي: وقد مُلِئَتْ بُطونُها بالطَّعامِ، وهذا نوعٌ مِن أنواعِ الأسبابِ في السَّعيِ لطلَبِ الرِّزقِ دون التَّواكُلِ والتَّكاسُلِ، والجلوسِ والزُّهدِ الكاذِبِ في الدُّنيا، لكنْ يَنبَغي على العبدِ الأخذُ بأسبابِ الرِّزقِ مع اليَقينِ في اللهِ وعدَمِ الانشغالِ بالدُّنيا عن الآخرَةِ-الدرر السنية =
"وَإِلَيْهِ النُّشُورُ " أَيْ: بَعْدَ أَنْ تَنْتَقِلُوا مِنْ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ امْتِحَانًا، وَبُلْغَةً يَتَبَلَّغُ بِهَا إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ، تُبْعَثُونَ بَعْدَ مَوْتِكُمْ، وَتُحْشَرُونَ إِلَى اللَّهِ، لِيُجَازِيَكُمْ بِأَعْمَالِكُمُ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ. = قَالَ: وَإِلَيْهِ أَيْ وَحْدَهُ النُّشُورُ وَهُوَ إِخْرَاجُ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ - الأجساد - الَّتِي أَكَلَتْهَا الْأَرْضُ وَأَفْسَدَتْهَا، يُخْرِجُهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُهُ - ص: 247 -عَلَى مَا كَانَ كُلٌّ مِنْهَا - عَلَيْهِ - عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَا أَخْرَجَ تِلْكَ الْأَرْزَاقَ، لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَذَاكَ، غَيْرَ أَنَّكُمْ لَا تَتَأَمَّلُونَ - فَيَسْأَلُكُمْ - عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، فَيَا فَوْزَ مَنْ شَكَرَ وَيَا هَلَاكَ مَنْ كَفَرَ، فَإِنَّ هَذَا أَبْعَثُ شَيْءٍ عَلَى الشُّكْرِ، وَأَشَدُّ شَيْءٍ إِبْعَادًا عَنِ الْعِصْيَانِ لَا سِيَّمَا الْكُفْرُ، لِمَا قَرَّرَ مِنْ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ، -وَ - الْإِحْسَانِ - إِلَيْهِ - بِأَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ.
مقتبس من نظم الدرر في تناسب الآيات والسور= هنا =
فالذي خلق السماء لا تفاوت فيها ، والأرض ذلولًا قادر فإليه وحده مرجعكم، وبعثكم من قبوركم، بعد أن قضيتم على هذه الأرض، الأجل الذي قدره- سبحانه- لكم.
" وَإِلَيْهِ النُّشُورُ " أي المرجع يوم القيامة إلى الله لا إلى غيره كما قال تعالى "إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ " الغاشية :25.،26.
وفي هذا دليل على أن الدنيا ليست دار قرار وبقاء ، وأن الناس فيها غير مستوطنين ولا مقيمين ، بل هم عابري سبيل يتزودون فيها للدار الباقية دار القرار .
_____________________
مشاركة رقم : 10 = هنا =
"أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ"16.
بعد أن ذكر سبحانه وتعالى أن هذه الأرض سُهلَت للسالكين، توعَّدَ - وهدد،من استمر في طغيانه وتعديه، وعصيانه الموجب للنكال وحلول العقوبة- أن يجعل من الأرض نِقمة بعد أن كانت نِعمة، بخسفها فيُغَيَّبون في مجاهلِها بعد أن كانوا على ظاهرها يتنعمون، واستخدم ذلك صيغة السؤال ليظهر لهم مدى عجزهم وافتقارهم إليه سبحانه.هنا= بتصرف يسير.
فقال" أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ " وهو اللهُ تعالى، العالي على خلقه.ففيها إثبات لصفة العلو لله تعالى فالله جل وعلا في العلو بائِن من خلقِهِ سبحانه وتعالى. وهذه الصفة مِنْ لَوَازِمِ اسْمِ الْعَلِيِّ.
والعلي من أسماء الله الحسنى ، كما قال تعالى " وَهُوَ الْعَليُّ الْعَظِيمُ"سورة البقرة / آية : 255 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:من أسمائه الحسنى :العلي -الأعلى.
دليل اسم العلي: قال تعالى"وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ"البقرة: 255.
2 ودليل اسم الأعلى : قال تعالى"سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى"الأعلى: 1.
من أسمائه الحسنى :العلي الأعلى،وذلك دال على أن جميع معاني العلو ثابتة لله من كل وجه، فله :
علو الذات:
وهو :أنه مستوٍ على عرشه، فوق جميع خلقه، مباين لهم، وهو مع هذا مطلع على أحوالهم، مُشاهد لهم، مُدبر لأمورهم الظاهرة والباطنة .......توضيح الكافية الشافية :ص116.
"الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" طه 5 .
وأما علو القدر :
فهو علو صفاتِه، وعظمتها فلا يماثله صفة مخلوق، بل لا يقدر الخلائق كلهم أن يحيطوا ببعض معاني صفة واحدة من صفاته، قال تعالى"وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا" طه 110. وبذلك يُعلم أنه ليس كمثله شيء في كل نعوته.
"وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " الروم 27.
-فالمثل الأعلى: الصفات العليا التي لا يستحقها غيره-
قال تعالى " وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ"سورة الأنعام / آية : 91 .أي ما عظموه حق تعظيمه، وما أعطوه ما يستحقه- سبحانه- من تقديس وتكريم وتنزيه وطاعة.هنا-
وله علو القهر والغلبة:
فإنه الواحد القهار الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلّهم، فنواصيهم بيده، وما شاء كان لا يمانعه فيه ممانع، وما لم يشأ لم يكن فلو اجتمع الخلق على إيجاد ما لم يشأه الله لم يقدروا، ولو اجتمعوا على منع ما حكمت به مشيئته لم يمنعوه، وذلك لكمال اقتداره، ونفوذ مشيئته وشدة افتقار المخلوقات كلها إليه من كل وجه.الحق الواضح المبين :ص26،27.
-سبحانه وتعالى له مطلق القدرة على أن يرسل العذاب من السماء أو من بطن الأرض- هنا-
" هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ" الزمر 4.
-وقد جمع سبحانه بينهما-أي بين العلو والقهر- في قوله تعالى " وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ" سورة الأنعام / آية : 18 . -
فهو الذي على العرش استوى وعلى المُلْكِ احتوى، وبجميع صفات العظمة والكبرياء، والجلال والجمال وغاية الكمال اتصف وإليه فيها المنتهى. اهـ .تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي = هنا= ومصادر أخرى.
*قال ابن القيم رحمه الله:
"وَكَذَلِكَ اسْمُ الْعَلِيِّ، فَإِنَّ مِنْ لَوَازِمِ اسْمِ الْعَلِيِّ, الْعُلُوُّ الْمُطْلَقُ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ، فَلَهُ الْعُلُوُّ الْمُطْلَقُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ: عُلُوُّ الْقَدْرِ، وَعُلُوُّ الْقَهْرِ، وَعُلُوُّ الذَّاتِ، فَمَنْ جَحَدَ عُلُوَّ الذَّاتِ فَقَدْ جَحَدَ لَوَازِمَ اسْمِهِ الْعَلِيِّ" ا.هـ.
مدارك السالكين"1/ 55.الألوكة=
وقال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله :
"وأما قوله تعالى "أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ " الملك/16 .فمعناه : مَن على السماء ، يعني : على العرش" انتهى ."التمهيد" 7/130 .
لطيفة:
النصوص التي تصف الله تعالى بأنه في السماء ؛ تعني أنه سبحانه عالٍ على خلقه ، ولا تعني أنه عز وجل تحويه السماء وتحيط به ، وذلك لأن السماء هنا بمعنى العلو، وليست السماء المخلوقة ، أو يقال بأن حرف الجر في هنا بمعنى : على ، أي : على السماء،كما قال تعالى"وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ" - فِي بمعنى على، لأنه سيصلبهم على الجذوع وليس داخل جذوع النخل نفسه كما هو معلوم- وقال سبحانه "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ "العنكبوت 20، أي على الأرض وليس داخلها كما هو معلوم
ولا حاجة إلى هذا ، بل " السماء " اسم جنس للعالي ، لا يخص شيئًا ، فقوله " في السماء " أي : في العلو دون السفل .
وهو العلي الأعلى فله أعلى العلو ، وهو ما فوق العرش ، وليس هناك غيره العلي الأعلى سبحانه وتعالى " انتهى.
" مجموع الفتاوى " 16/100-101.
.هنا= بتصرف يسير.
" أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ " بكم وتضطرب، حتى تتلفكم وتهلككم.
والخسف: انقلاب ظاهر السطح من بعض الأرض فيصير باطنًا، والباطن ظاهرًا..كما فعل سبحانه بقارون:
"فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ"القصص 81.
لما انتهت بقارون حالة البغي والفخر، وازَّيَّنَتْت الدنيا عنده، وكثر بها إعجابه، بغته العذاب.
والمور: شدة الاضطراب والتحرك. يقال: مار الشيء مورا، إذا ارتج واضطرب.
فالمور: هو الحركة والاضطراب والدوران، والمجيء والذهاب، والتموج والتكفّؤ- تفسير الوسيط =
والمعنى: أأمنتم- أيها الناس- من في السماء وهو الله- عز وجل- أن يذهب الأرض بكم، فيجعل أعلاها أسفلها..
أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ: فيغيبكم إلى أسفل سافلين؟ وتمور بكم "فَإِذَا هِيَ تَمُورُ" أي: تضطرب وتهتز هزًا شديدًا بكم، وترتفع فوقكم، وتنقلب عليكم.
وهذا شبيه بقوله تعالى "يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا " أي: تدور السماء وتضطرب، وتدوم حركتها بانزعاج وعدم سكون- تفسير السعدي = هنا=
فالمقصود بالآية الكريمة تهديد الذين يخالفون أمره، بهذا العذاب الشديد، وتحذيرهم من نسيان بطشه وعقابه.
والباء في قوله بِكُمُ للمصاحبة. أى: يخسفها وأنتم مصاحبون لها بذواتكم، بعد أن كانت مذللة ومسخرة لمنفعتكم..
نسأل الله العافية لنا ولكم، اللهم سلم سلم
_____________________