الاثنين، 12 يناير 2015

السلف الصالح ومحاسبة النفس

السلف الصالح ومحاسبة النفس 

أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، اعلموا أنه يجب علينا أن نحاسب أنفسنا في كل وقت وحين قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ) يعني: كل نفس، (مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) يوم القيامة من الأعمال، فما كان من خير فإنه يحمد الله عليه ويزداد منه ويستمر عليه، وما كان غير ذلك فإنه يتوب إلى الله منه، ويستبدله بالعمل الصالح، فإن باب التوبة مفتوح دائماً وأبدا إلى أن تخرج الشمس من مغربها.
الشيخ صالح آل فوزان

فالمحاسبة مفاعلة من الحساب، ومعنى ذلك: أن الإنسان يعيش مع نفسه في كل لحظة من لحظاته، إن خيراً حمد الله واهب الخير، وإن شراً استغفر الله عز وجل غافر الشر، فيعيش الإنسان مع نفسه في كل حركة وفي كل سكون، وهذه غاية في مراقبة الله عز وجل، ولذلك ما وفق الله عز وجل العبد لمحاسبة النفس إلا وفقه لطريق السلامة، وإذا أردت أن ترى العبد الناجي من عقوبة الله عز وجل -بإذن الله- فانظر إلى ذلك الرجل الذي لا يفتر لحظة إلا وهو يحاسب نفسه، تسره حسنته فيحمد الله، وتسوءه سيئته فيدمع من خشية الله.
والله ما وفق الإنسان لشيءٍ بعد الإيمان مثل محاسبة النفس، وتأديبها بعد الحساب لها، مرحلتان: مرحلة المحاسبة ومرحلة التأديب، لا يحاسب ويسكت، بعض الناس يقول: أنا مقصر، وكذا وكذا، ادع لي ادع لي، ما ينفع!! مقصر وبعيد عن الله، لكن العمل النجاة، محاسبة النفس هي سبيل النجاة، وكما ورد في الآية أن الله تعالى أقسم بالنفس اللوامة: { لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } [القيامة:1-2]، هذا إثبات للقسم، ولذلك قيل: إن (لا) زائدة أي: وأقسم بالنفس اللوامة، قال بعض العلماء: أقسم الله بها؛ لكي يدل على عظيم مكانها وجليل منزلتها، فهو الذي يهب هذه النفس.
والنفس اللوامة يهيئوها الله عز وجل أولاً بالإيمان، فما تأتي الملامة إلا بالإيمان، إذا قوي اعتقاد الإنسان بالله، وقوي إيمانه بالله، وعرف الله بأسمائه وصفاته هاب الله، فلما هاب الله إذا بنفسه تناديه: ما الذي فعلته؟ من الذي عصيته؟ فتأتي ثمرة الإيمان؛ وهي محاسبة النفس.
ومحاسبة النفس تكون بالجليل والحقير، والصغير والكبير، تكون للإنسان وهو خالٍ فريد، فيجلس فيقول: يوم كامل -أربعة وعشرون ساعة- فيم قضيته؟ وما الذي كان عليَّ من نعم الله فيها؟ فيعقد موازنة بين أمرين: بين نعم الله عليه وإحسانه عليه، وإساءته في جنب الله، وفي طرفة عين تأتي الآثار المترتبة، دمعة من خشية الله، أو عبرة في جنب الله، هذا بسبب ماذا؟ بسبب المحاسبة الصادقة،

محاسبة النفس نعمة من الله عز وجل، يحاسب الإنسان نفسه خالياً فريداً على ما ضيع من حقوق الله وحقوق العباد، ويحاسب نفسه وهو بين أهله، ويحاسب نفسه وهو بين أصدقائه، ويحاسب نفسه في كل حركاته وسكناته وهذا أكمل ما تكون عليه المحاسبة، يحاسب نفسه في جوارحه؛ في اللسان، كان بعض السلف يعد الكلمات التي يتكلم فيها من الجمعة إلى الجمعة، كما روى ذلك أبو نعيم في الحلية.
أُثر عن ابن دقيق العيد رحمة الله عليه، الإمام الجليل صاحب الإحكام، أنه قضى في قضية، فلما انتهى من القضية اتهمه أحد الخصمين بأنه جار في حكمه، وأنه لم يحسن القضاء، فقال له: أتتهمني؟! والله الذي لا إله إلا هو ما تكلمت بكلمة منذ أربعين عاماً إلا وأعددت لها جواباً بين يدي الله عز وجل.
فكان السلف رحمهم الله يراقبون الله في أقوالهم، يراقبون الله في أسماعهم وأبصارهم وفي قلوبهم، محاسبة النفس تكون في القلوب، فلا يدخل في قلبه غل على مسلم، ويكون قلبه صافياً نقياً يحب لإخوانه ما يحب لنفسه، يحاسب نفسه في سمعه، ويخشى أنه في يوم من الأيام ينظر الله إليه وقد أصغى إلى حرام، بمجرد إحساسه بالحرام إذا به ينفر عنه، فالحقيقة إذا أراد الله بالعبد خيراً هيأه لمحاسبة نفسه، وشرح صدره لها.

من الكتاب : دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي
هنا
عمرو بن العاص في سياقة الموت

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيد ولد آدم


نعيش لحظات مؤثرة وعبر جمة مع عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو في سياقة الموت

ثبتنا الله وإياكم على الحق
قال الإمام مسلم في صحيحه

حَدَّثَنَا ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ ‏ ‏وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ ‏ ‏وَإِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ ‏ ‏كُلُّهُمْ ‏، ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي عَاصِمٍ ‏ -‏وَاللَّفْظُ ‏ ‏لِابْنِ الْمُثَنَّى ‏- قال: ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏الضَّحَّاكُ- يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ -‏ ‏قَالَ: أَخْبَرَنَا ‏ ‏حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ ‏، ‏قَالَ :حَدَّثَنِي ‏ ‏يَزِيدُ
ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ ‏، ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ ‏، ‏قَالَ :‏

حَضَرْنَا ‏ ‏عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ‏ ‏وَهُوَ ‏ ‏فِي سِيَاقَةِ ‏ ‏الْمَوْتِ فَبَكَى طَوِيلًا وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ :يَا أَبَتَاهُ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏بِكَذَا أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏بِكَذَا . قَالَ :فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ ‏ ‏مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ،‏ ‏إِنِّي كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مِنِّي وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدْ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ قَالَ فَقَبَضْتُ يَدِي قَالَ:
" مَا لَكَ يَا ‏ ‏عَمْرُو "‏ ‏قَالَ قُلْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ
قَالَ:" تَشْتَرِطُ بِمَاذَا"؟. قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ ‏:
" ‏أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ"
وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِي مَا حَالِي فِيهَا
فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي ‏ ‏فَشُنُّوا ‏ ‏عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ ‏ ‏جَزُورٌ ‏ ‏وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي"


صحيح مسلم / 1-كتاب الإيمان /54- باب ‏كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج‏ /
حديث رقم :192-(121) / ص: 39


شرح الحديث
من
صحيح مسلم بشرح النووي


فَأَمَّا حَدِيث عَمْرو فَنَتَكَلَّم فِي إِسْنَاده وَمَتْنه ثُمَّ نَعُود إِلَى حَدِيث اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . ‏
‏أَمَّا إِسْنَاده فَفِيهِ
‏( مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى الْعَنَزِيّ ) ‏
‏بِفَتْحِ الْعَيْن وَالنُّون , ‏
‏وَ ( أَبُو مَعْن الرَّقَاشِيّ ) ‏
‏بِفَتْحِ الرَّاء وَتَخْفِيف الْقَاف اِسْمه زَيْد بْن يَزِيد , ‏
‏وَ ( أَبُو عَاصِم ) ‏
‏هُوَ النَّبِيل وَاسْمه الضَّحَّاك بْن مُخَلَّد , و ‏
‏( اِبْن شَمَاسَة الْمَهْرِيّ ) ‏
‏وَشَمَاسَة بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة فِي أَوَّله بِفَتْحِهَا وَضَمّهَا ذَكَرهمَا صَاحِب الْمَطَالِع وَالْمِيم مُخَفَّفَة وَآخِره سِين مُهْمَلَة ثُمَّ هَاء وَاسْمه عَبْد الرَّحْمَن بْن شَمَاسَة بْن ذِئْب أَبُو عَمْرو , وَقِيلَ : عَبْد اللَّه وَ ( الْمَهْرِيّ ) بِفَتْحِ الْمِيم وَإِسْكَان الْهَاء وَبِالرَّاءِ . ‏هنا

*‏وَأَمَّا أَلْفَاظ مَتْنه فَقَوْله : ‏


‏( فِي سِيَاقَة الْمَوْت ) ‏

‏هُوَ بِكَسْرِ السِّين أَيْ حَال حُضُور الْمَوْت .

‏قَوْله : ( أَفْضَل مَا نُعِدُّ ) ‏


‏هُوَ بِضَمِّ النُّون . ‏
‏قَوْله : ( كُنْت عَلَى أَطْبَاق ثَلَاث ) ‏

‏أَيْ عَلَى أَحْوَال . قَالَ اللَّه تَعَالَى : { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ }
فَلِهَذَا أَنَّثَ ثَلَاثًا إِرَادَة لِمَعْنَى أَطْبَاق . ‏
‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَشْتَرِط بِمَاذَا ) ‏
‏هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِمَا بِإِثْبَاتِ الْبَاء فَيَجُوز أَنْ تَكُون زَائِدَة لِلتَّوْكِيدِ كَمَا فِي نَظَائِرهَا , وَيَجُوز أَنْ تَكُون دَخَلَتْ عَلَى مَعْنَى تَشْتَرِط وَهُوَ تَحْتَاط أَيْ تَحْتَاط بِمَاذَا . ‏
‏وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( الْإِسْلَام يَهْدِم مَا كَانَ قَبْله ) ‏
‏أَيْ يُسْقِطهُ وَيَمْحُو أَثَره . ‏
‏قَوْله : ( وَمَا كُنْت أُطِيق أَنْ أَمْلَأ عَيْنَيَّ ) ‏
‏هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاء مِنْ عَيْنَيَّ عَلَى التَّثْنِيَة . ‏
‏وَفِي قَوْله : ‏
‏( فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَة وَلَا نَار ) ‏
‏اِمْتِثَال لِنَهْيِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ . وَقَدْ كَرِهَ الْعُلَمَاء ذَلِكَ . فَأَمَّا النِّيَاحَة فَحَرَام . وَأَمَّا اِتِّبَاع الْمَيِّت بِالنَّارِ فَمَكْرُوهٌ لِلْحَدِيثِ . ثُمَّ قِيلَ : سَبَب الْكَرَاهَة كَوْنه مِنْ شِعَار الْجَاهِلِيَّة . وَقَالَ اِبْن حَبِيب الْمَالِكِيّ : كَرِهَ تَفَاؤُلًا بِالنَّارِ . ‏
‏قَوْله : ( فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَسُنُّوا عَلَيَّ التُّرَاب سَنًّا ) ‏

ضَبَطْنَاهُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَة وَبِالْمُعْجَمَةِ , وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي : إِنَّهُ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَة . قَالَ : وَهُوَ الصَّبّ , وَقِيلَ : بِالْمُهْمَلَةِ الصَّبّ فِي سُهُولَة , وَبِالْمُعْجَمَةِ التَّفْرِيق . وَفِي قَوْله ( فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَاب ) اِسْتِحْبَاب صَبّ التُّرَاب فِي الْقَبْر , وَأَنَّهُ لَا يُقْعَد عَلَى الْقَبْر بِخِلَافِ مَا يُعْمَل فِي بَعْض الْبِلَاد . ‏

‏وَقَوْله : ( قَدْر مَا يُنْحَر جَزُور ) ‏
‏هِيَ بِفَتْحِ الْجِيم وَهِيَ مِنْ الْإِبِل . ‏
‏أَمَّا أَحْكَامه فَفِيهِ عِظَمُ مَوْقِع الْإِسْلَام وَالْهِجْرَة وَالْحَجّ ,
وَأَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهَا يَهْدِم مَا كَانَ قَبْله مِنْ الْمَعَاصِي , وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب تَنْبِيه الْمُحْتَضَر عَلَى إِحْسَان ظَنّه بِاَللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى , وَذِكْر آيَات الرَّجَاء وَأَحَادِيث الْعَفْو عِنْده , وَتَبْشِيره بِمَا أَعَدَّهُ اللَّه تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ وَذِكْر حُسْن أَعْمَاله عِنْده لِيَحْسُنَ ظَنُّهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيَمُوت عَلَيْهِ .
وَهَذَا الْأَدَب مُسْتَحَبّ بِالِاتِّفَاقِ . وَمَوْضِع الدَّلَالَة لَهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيث قَوْل اِبْن عَمْرو لِأَبِيهِ :
أَمَا بَشَّرَك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا ؟
وَفِيهِ مَا كَانَتْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَلَيْهِ مِنْ
تَوْقِير رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجْلَاله . ‏
وَقَوْله : ( ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْل قَبْرِي قَدْر مَا يُنْحَر جَزُو
وَيُقْسَم لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِس بِكُمْ وَأَنْظُر مَاذَا أُرَاجِع بِهِ رُسُل رَبِّي ) ‏

فِيهِ فَوَائِد مِنْهَا إِثْبَات فِتْنَة الْقَبْر وَسُؤَال الْمَلَكَيْنِ

وَهُوَ مَذْهَب أَهْل الْحَقّ 

وَمِنْهَا اِسْتِحْبَاب الْمُكْث عِنْد الْقَبْر بَعْد الدَّفْن لَحْظَ

نَحْو مَا ذَكَر لِمَا ذَكَر .
وَفِيهِ أَنَّ الْمَيِّت يَسْمَع حِينَئِذٍ مَنْ حَوْلَ الْقَبْر , وَقَدْ يُسْتَدَلّ بِهِ لِجَوَازِ قِسْمَة اللَّحْم الْمُشْتَرَك وَنَحْوه مِنْ الْأَشْيَاء الرَّطْبَة كَالْعِنَبِ 

وَفِي هَذَا خِلَاف لِأَصْحَابِنَا مَعْرُوف . قَالُوا : إِنْ قُلْنَا بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْقِسْمَة تَمْيِيز حَقٍّ لَيْسَتْ بِبَيْعٍ جَازَ , وَإِنْ قُلْنَا : بَيْعٌ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجُوز لِلْجَهْلِ بِتَمَاثُلِهِ فِي حَال الْكَمَال فَيُؤَدِّي إِلَى الرِّبَا 
وَالثَّانِي يَجُوز لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْحَال , فَإِذَا قُلْنَا لَا يَجُوز فَطَرِيقهَا أَنْ يُجْعَل اللَّحْم وَشِبْهه قِسْمَيْنِ ثُمَّ يَبِيع أَحَدهمَا صَاحِبه نَصِيبه مِنْ أَحَد الْقِسْمَيْنِ بِدِرْهَمٍ مِثْلًا , ثُمَّ يَبِيع الْآخَر نَصِيبه مِنْ الْقِسْم الْآخَر لِصَاحِبِهِ بِذَلِكَ الدِّرْهَم الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ فَيَحْصُل لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِسْمٌ بِكَمَالِهِ . وَلَهَا طُرُق غَيْر هَذَا لَا حَاجَة إِلَى الْإِطَالَة بِهَا هُنَا . وَاَللَّه أَعْلَم . ‏

ما صِحة قِصة زينب بنت رسول الله وحُبّها لزوجها أبي العاص منذ تزوجته حتى توفيت ؟

 زينب بنت رسول الله
وهي زينب بنت سيد ولد آدم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم القرشية الهاشمية، وأمها خديجة بنت خويلد، وكانت أكبر بناته صلى الله عليه وسلم وأول من تزوج منهن رضي الله عنهن، وقد ولدت قبل البعثة بمدة قيل إنها عشر سنين وتزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع العبشمي، وأمه هاله بنت خويلد خالة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولدت زينب لأبي العاص علياً وأمامة فتوفي علي وهو صغير، وبقيت أمامة فتزوجها علي بن أبي طالب بعد موت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت زينب رضي الله عنها من المهاجرات السيدات
 



عن أبي قتادةَ قال بينا نحنُ في المسجدِ جلوسٌ خرجَ علينا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يحملُ أمامةَ بنتَ أبي العاصِ بنِ الرَّبيعِ وأمُّها زينبُ بنتُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وَهيَ صبيَّةٌ يحملُها على عاتقِهِ فصلَّى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وَهيَ على عاتقِهِ يضعُها إذا رَكعَ ويعيدُها إذا قامَ حتَّى قضى صلاتَهُ يفعلُ ذلِكَ بِها
الراوي: أبو قتادة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 918
خلاصة حكم المحدث: صحيح  



15 - أنَّ زينبَ بنتَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حين خرج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مُهاجرًا استأذنتْ أبا العاصِ بنَ الربيعِ زوجَها أن تذهبَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فأَذِنَ لها ، فقدمتْ عليه ، ثم إنَّ أبا العاصِ لحق بالمدينةِ ، فأرسل إليها : أن خُذي لي أمانًا من أبيكِ ، فخرجتْ فأطلَّتْ برأسِها من بابِ حُجرتِها ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في الصُّبحِ يُصلِّي بالناسِ ، فقالتْ : يا أيها الناسُ أنا زينبُ بنتُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، وإني قد أَجَرْتُ أبا العاصِ ، فلما فرغ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من الصلاةِ قال : يا أيها الناسُ إني لم أعلمْ بهذا حتى سمعتُموه ، ألا وإنه يُجيرُ على المسلمينَ أدْناهم
الراوي: أم سلمة هند بنت أبي أمية المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 6/770
خلاصة حكم المحدث: صحيح

(ففي هذا الحديث منقبة ظاهرة لزينب رضي الله عنها حيث قبل جوارها لزوجها وصار ذلك سنة للمسلمين إلى يوم القيامة، وهو أنه يجير على المسلمين أدناهم ولو كان امرأة
______________________________

17 - لمَّا بعثَ أَهْلُ مَكَّةَ في فداءِ أَسراهم بعثَتْ زينبُ ، بنتُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ في فداءِ أبي العاصِ بنِ الرَّبيعِ بمالٍ ، وبعثَتْ فيهِ بقلادةٍ لَها كانت لِخديجةَ ، أدخَلَتْها بِها على أبي العاصِ حينَ بنى بها ، قالت: فلمَّا رآها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ ، رَقَّ لَها رقَّةً شديدةً ، وقالَ : إن رأيتُمْ أن تطلقوا لَها أسيرَها ، وتردُّوا علَيها الَّذي لَها ، فافعَلوا ، فقالوا : نعَم يا رسولَ اللَّهِ ، فأطلقوهُ ، وردُّوا عليها الَّذي لَها .
الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: الوادعي - المصدر: الصحيح المسند - الصفحة أو الرقم: 1651
خلاصة حكم المحدث: حسن

_____________________
9 - أنَّ هبَّارَ بنَ الأسودِ نخَسَ زينبَ بنتَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَّا أرسلَها زوجُها أبو العاصِ بنِ الرَّبيعِ إلى المدينةِ فأسقطَتْ
الراوي: - المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: الإصابة - الصفحة أو الرقم: 3/597
خلاصة حكم المحدث: القصة بذلك مشهورة


____________________________
يا معشرَ قريشٍ هل بقَيَ لأحدٍ منْكم عندي مالٌ لم أردَّهُ عليهِ ؟ قالوا: لا فَجزاكَ اللَّهَ خيرًا قد وجدناكَ وفيًّا كريمًا قال: واللهِ ما منَعني أن أُسلِمَ قبلَ أن أقدَمَ عليكُم إلَّا أن تظنُّوا أني أسلَمتُ لأذهبَ بأموالِكُم، فإنِّي أشْهدُ أنَّ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ . وعادَ إلى المدينةِ فردَّ عليهِ رسولُ اللهِ امرأتَهُ زينبَ .
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الألباني - المصدر: فقه السيرة - الصفحة أو الرقم: 338
خلاصة حكم المحدث: صحيح
 الدرر

 ما صِحة قِصة زينب بنت رسول الله وحُبّها لزوجها أبي العاص منذ تزوجته حتى توفيت؟
هي قصة زواج زينب بنت محمد وأبو العاص بن ربيع

زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم وابن خالتها وزوجها

فأبو العاص هو ابن أخت السيدة خديجة

وهو رجل من أشراف قريش و كان النبي يحبه

ذهب أبو العاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة

وقال له: أريد أن أتزوج زينب إبنتك الكبرى

فيقول له النبي: لا أفعل حتى أستأذنها

ويدخل النبي صلى الله عليه وسلم على زينب

ويقول لها: ابن خالتك جاءني وقد ذكر اسمك فهل ترضينه زوجاً لك ؟

فاحمرّ وجهها وابتسمت

فخرج النبي صلوات الله و سلامه عليه

وتزوجت زينب أبا العاص بن الربيع، لكي تبدأ قصة حب قوية

وأنجبت منه 'علي' و 'أمامة'. ثم بدأت مشكلة كبيرة حيث بعث النبي

وأصبح نبياً بينما كان أبو العاص مسافراً وحين عاد وجد زوجته أسلمت

فدخل عليها من سفره، فقالت له: عندي لك خبر عظيم

فقام وتركها. فاندهشت زينب وتبعته

وهي تقول: لقد بُعث أبي نبياً وأنا أسلمت

فقال: هلا أخبرتني أولاً ؟

وتطل في الأفق مشكلة خطيرة بينهما مشكلة عقيدة

قالت له: ما كنت لأُكذِّب أبي. وما كان أبي كذاباً

إنّه الصادق الأمين. ولست وحدي

فلقد أسلمت أمي وأسلم إخوتي

-(وأسلم ابن عمي -(علي بن أبي طالب

-(وأسلم ابن عمتك (عثمان بن عفان

-( وأسلم صديقك ( أبو بكر الصديق

فقال: أما أنا لا أحب الناس أن يقولوا خذّل قومه

وكفر بآبائه إرضاءً لزوجته

وما أباك بمتهم. ثم قال لها: فهلا عذرت وقدّرت؟

فقالت: ومن يعذر إنْ لم أعذر أنا؟

ولكن أنا زوجتك أعينك على الحق حتى تقدر عليه

ووفت بكلمتها له 20 سنة

وظل أبو العاص على كفره. ثم جاءت الهجرة

فذهبت زينب إلى النبي صلى الله عليه وسلم

وقالت: يا رسول الله..أتأذن لي أنْ أبقى مع زوجي

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبق مع زوجك وأولادك



وظلت بمكة إلى أنْ حدثت غزوة بدر

وقرّر أبو العاص أن يخرج للحرب

في صفوف جيش قريش زوجها يحارب أباها

وكانت زينب تخاف هذه اللحظة

-:فتبكي وتقول

اللهم إنّي أخشى من يوم تشرق شمسه فيتم ولدي أو أفقد أبي

ويخرج أبو العاص بن الربيع ويشارك في غزوة بدر، وتنتهي المعركة

فيُؤْسَر أبو العاص بن الربيع، وتذهب أخباره لمكة

فتسأل زينب: وماذا فعل أبي؟

فقيل لها: انتصر المسلمون. فتسجد شكراً لله

ثم سألت: وماذا فعل زوجي؟

فقالوا: أسره حموه

فقالت: أرسل في فداء زوجي

ولم يكن لديها شيئاً ثميناً تفتدي به زوجها

فخلعت عقد أمها الذي كانت تُزيِّن به صدرها

وأرسلت العقد مع شقيق أبي العاص بن الربيع

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

وكان النبي جالساً يتلقى الفدية ويطلق الأسرى

وحين رأى عقد السيدة خديجة

سأل: هذا فداء من ؟

قالوا: هذا فداء أبو العاص بن الربيع

فبكى النبي وقال: هذا عقد خديجة

-:ثم نهض وقال

أيها الناس..إنّ هذا الرجل ما ذممناه صهراً فهلا فككت أسره؟

وهلا قبلتم أنْ تردوا إليها عقدها؟

فقالوا نعم يا رسول الله

فأعطاه النبي العقد، ثم قال له

قل لزينب لا تفرطي في عقد خديجة

ثم قال له: يا أبا العاص هل لك أن أساررك؟

-:ثم تنحى به جانباً وقال له

يا أبا العاص إنّ الله أمرني أنْ أُفرِّقَ بين مسلمة وكافر

فهلا رددت إلىّ ابنتي؟

فقال: نعم

وخرجت زينب تستقبل أبا العاص على أبواب مكة

فقال لها حين رآها: إنّي راحل

فقالت: إلى أين؟

قال: لست أنا الذي سيرتحل، ولكن أنت سترحلين إلى أبيك

فقالت: لم؟

قال: للتفريق بيني وبينك. فارجعي إلى أبيك

فقالت: فهل لك أن ترافقني وتُسْلِم؟

فقال: لا

فأخذت ولدها وابنتها وذهبت إلى المدينة

وبدأ الخطاب يتقدمون لخطبتها على مدى 6 سنوات

وكانت ترفض على أمل أنْ يعود إليها زوجها

وبعد 6 سنوات كان أبو العاص قد خرج بقافلة

من مكة إلى الشام

وأثناء سيره يلتقي مجموعة من الصحابة

فسأل على بيت زينب وطرق بابها قبيل آذان الفجر

فسألته حين رأته: أجئت مسلماً؟

قال: بل جئت هارباً

فقالت: فهل لك إلى أنْ تُسلم؟

فقال: لا

قالت: فلا تخف. مرحباً بابن الخالة. مرحباً بأبي علي وأمامة

وبعد أن أمّ النبي المسلمين في صلاة الفجر

إذا بصوت يأتي من آخر المسجد: قد أجرت أبو العاص بن الربيع

فقال النبي: هل سمعتم ما سمعت؟

قالوا: نعم يا رسول الله

قالت زينب: يا رسول الله إنّ أبا العاص إن بعُد فابن الخالة

وإنْ قرب فأبو الولد وقد أجرته يا رسول الله

فوقف النبي صلى الله عليه وسلم

-: وقال صل الله عليه و على آله و صحبه وسلم

يا أيها الناس إنّ هذا الرجل ما ذممته صهراً. وإنّ هذا الرجل

حدثني فصدقني ووعدني فوفّى لي

فإن قبلتم أن تردوا إليه ماله وأن تتركوه يعود إلى بلده

فهذا أحب إليّ

وإنُ أبيتم فالأمر إليكم والحق لكم ولا ألومكم عليه

فقال الناس: بل نعطِه ماله يا رسول الله

فقال النبي: قد أجرنا من أجرت يا زينب

ثم ذهب إليها عند بيتها

وقال لها: يا زينب أكرمي مثواه فإنّه ابن خالتك وإنّه أبو العيال

ولكن لا يقربنك، فإنّه لا يحل لك

فقالت نعم يا رسول الله

-:فدخلت وقالت لأبي العاص بن الربيع

يا أبا العاص أهان عليك فراقنا

هل لك إلى أنْ تُسْلم وتبقى معنا

قال: لا. وأخذ ماله وعاد إلى مكة

-:وعند وصوله إلى مكة وقف وقال

أيها الناس هذه أموالكم هل بقى لكم شيء؟

فقالوا: جزاك الله خيراً وفيت أحسن الوفاء

قال: فإنّي

أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله

ثم دخل المدينة فجراً وتوجه إلى النبي

وقال: يا رسول الله أجرتني بالأمس

واليوم جئت أقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله

-:وقال أبو العاص بن الربيع

يا رسول الله هل تأذن لي أنْ أراجع زينب؟

فأخذه النبي وقال: تعال معي

ووقف على بيت زينب وطرق الباب

وقال: يا زينب إنّ ابن خالتك جاء لي اليوم يستأذنني أنْ يراجعك

فهل تقبلين؟

فأحمرّ وجهها وابتسمت

والغريب أنّ بعد سنه من هذه الواقعة ماتت زينب

فبكاها بكاء شديداً حتى رأى الناس رسول الله يمسح عليه ويهون عليه

-:فيقول له

والله يا رسول الله ما عدت أطيق الدنيا بغير زينب

ومات بعد سنه من موت زينب 

الشيخ السحيم :
الجواب :

بعض ألفاظ هذه القصة صِيغت بِلغة عصرية !

وبعضها غير صحيح .

أبو العاص بن الربيع هو ابن خالة زينب ، فأمه هي هالَة بنت خويلد أخت خديجة رضي الله عنها .

وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على أبي العاص ، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم خَطَب فقال : أَمَّا بَعْدُ أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ فَحَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي .

قال ابن كثير في تفسيره : كان جائزًا في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة ؛ ولهذا كان أبو العاص بن الربيع زوج ابنة النبي صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها ، وقد كانت مُسْلِمة وهو على دِين قومه ، فلما وقع في الأسارى يوم بدر بعثت امرأته زينب في فدائه بِقلادة لها كانت لأمها خديجة ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رَقّ لها رقَّةً شَديدَةً ، وقال للمسلمين : "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا" . ففعلوا ، فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يبعث ابنته إليه ، فَوفى له بذلك وصَدقه فيما وعده ، وبعثها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زيد بن حارثة رضي الله عنه ، فأقامت بالمدينة من بعد وقعة بدر ، وكانت سنة اثنتين إلى أن أسلم زوجها العاص بن الربيع سنة ثمان فَرَدّها عليه بالنكاح الأول ، ولم يُحْدِث لها صداقًا ، كما قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، حدثنا بن إسحاق ، حدثنا داود بن الحصين، عن عكرمة عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّ ابنته زينب على أبي العاص ابن الربيع ، وكانت هجرتها قبل إسلامه بِسِتّ سنين على النكاح الأول ، ولم يُحْدِث شهادة ولا صَدَاقًا .
ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجة . ومنهم من يقول : " بعد سنتين " ، وهو صحيح ؛ لأن إسلامه كان بعد تحريم المسلمات على المشركين بسنتين . اهـ .

روى الإمام أحمد من حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : لَمَّا بَعَث أهل مكة في فداء أسراهم بَعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم في فِداء أبى العاص بن الربيع بِمَال وبَعثت فيه بقلادة لها ، كانت لخديجة أدخلتها بها على أبى العاص حين بَنَى عليها ، قالت : فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم رقّ لها رِقّـة شديدة ، وقال : إن رأيتم أن تُطْلِقُوا لها أسيرها وتَرُدّوا عليها الذي لها فافعلوا ، فقالوا : نعم يا رسول الله ، فأطلقوه ورَدّوا عليها الذي لها . قال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن من أجل ابن إسحاق .

قال ابن حجر في " الإصابة " : أخرج ابن سعد بسند صحيح عن الشعبي قال : هاجَرت زينب مع أبيها وأبى زوجها أبو العاص أن يُسْلِم فلم يُفَرِّق النبي صلى الله عليه و سلم بينهما .

وقال في ترجمة أبي العاص : هذا مع صحة سنده إلى الشعبي مُرْسَل ، وهو شاذ خالفه ما هو أثبت منه .
وقال ابن حجر :
وعن الواقدي بِسند له عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة أن أبا العاص شَهِد مع المشركين بدرا فأُسِر ، فَقَدِم أخوه عَمرو في فدائه وأرسلت معه زينب قلادة مِن جزع كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفها ورَقّ لها ، وذَكَر خديجة فَتَرَحّم عليها ، وكَلّم الناس فأطلقوه ، ورَدّ عليها القلادة ، وأخذ على أبي العاص أن يُخْلِي سبيلها ففعل .
قال الواقدي : هذا أثبت عندنا ، ويتأيد هذا بما ذَكَر ابن إسحاق عن يزيد بن رومان قال : صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فنادت زينب : إني أجَرْت أبا العاص بن الربيع ، فقال بعد أن انصرف : هل سمعتم ما سَمِعْت ؟ قالوا : نعم . قال : والذي نفس محمد بيده ما علمت شيئا مما كان حتى سَمِعت ، وإنه يُجِير على المسلمين أدناهم .
وذَكر الواقدي من طريق محمد بن إبراهيم التيمي قال : خرج أبو العاص في عير لقريش ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في سبعين ومائة راكب ، فلقوا العِير بناحية العِيص في جمادي الأولى سنة ست ، فأخذوا ما فيها وأسَروا ناسا منهم أبو العاص ، فدخل على زينب فأجارته ، فَذَكَر نحو هذه القصة ، وزاد : وقد أجَرنا مَن أجَارَت ، فسألته زينب أن يَرُدّ عليه ما أخذ عنه ففعل ، وأمرها ألاَّ يَقربها ، ومضى أبو العاص إلى مكة فأدى الحقوق لأهلها ورجع فأسلم في المحرم سنة سبع ، فَرَدّ عليه زينب بالنكاح الأول . اهـ .

وروى الطبراني والحاكم والبيهقي عن أم سلمة رضي الله عنها أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَ إِلَيْهَا زَوْجُهَا أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ أَنْ خُذِى لِى أَمَانًا مِنْ أَبِيكِ ، فَخَرَجَتْ فَأَطْلَعَتْ رَأْسَهَا مِنْ بَابِ حُجْرَتِهَا وَالنَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فِى صَلاَةِ الصُّبْحِ يُصَلِّى بِالنَّاسِ فَقَالَتْ : أَيُّهَا النَّاسُ أَنَا زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنِّى قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ . فَلَمَّا فَرَغَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الصَّلاَةِ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى لَمْ أَعْلَمْ بِهَذَا حَتَّى سَمِعْتُمُوهُ أَلاَ وَإِنَّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ .

وصحح الجزء المرفوع منه الألباني في " الصحيحة " .

ولم تبق زينب بعيدة عن أبي العاص إلاّ سِتّ سنوات .
قال الذهبي في السير عن أبي العاص رضي الله عنه : أَسْلَمَ قَبْلَ الحُدَيْبِيَةِ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ.
وقال : وَلَمَّا هَاجَرَ رَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوْجَتَهُ زَيْنَبَ بَعْدَ سِتَّةِ أَعْوَامٍ عَلَى النِّكَاحِ الأَوَّلِ . اهـ .

وأما وفاة أبي العاص رضي الله عنه ، فقد تأخّرت عن وفاة زينب رضي الله عنها .
قال الإمام الذهبي : زَيْنَبُ كَانَتْ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَكْبَرَ بَنَاتِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتُوُفِّيَتْ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الهِجْرَةِ .
وقال : وَمَاتَ أَبُو العَاصِ فِي شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ، فِي خِلاَفَةِ الصِّدِّيْقِ .
وقال ابن حجر : مات أبو العاص بن الربيع في خلافة أبي بكر ، في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة من الهجرة ، وفيها أرَّخَـه ابن سعد وابن إسحاق .

والله تعالى أعلم .هنا

السبت، 10 يناير 2015

تفسير الكهف آية 60 /61

 «وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا *».الكهف 60

قال البخاري في صحيحه :
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ :حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ خَضِرٌ فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ شَأْنَهُ قَالَ نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ "بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ قَالَ لَا فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَيْهِ فَجُعِلَ لَهُ الْحُوتُ آيَةً وَقِيلَ لَهُ إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ فَكَانَ يَتْبَعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ لِمُوسَى فَتَاهُ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ فَقَالَ مُوسَى ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا فَوَجَدَا خَضِرًا فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ"
صحيح البخاري / كتاب أحاديث الأنبياء/بَاب حَدِيثِ الْخَضِرِ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام/ حديث رقم : 3219هنا
قال البخاري في صحيحه :
حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ [ ص: 57 ] إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ فَقَالَ كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "قَامَ مُوسَى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُ فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ بِهِ فَقِيلَ لَهُ احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ* وَحَمَلَا حُوتًا فِي مِكْتَلٍ حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا وَنَامَا فَانْسَلَّ الْحُوتُ مِنْ الْمِكْتَلِ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى مَسًّا مِنْ النَّصَبِ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ قَالَ مُوسَى ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ إِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ أَوْ قَالَ تَسَجَّى بِثَوْبِهِ فَسَلَّمَ مُوسَى فَقَالَ الْخَضِرُ وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ فَقَالَ أَنَا مُوسَى فَقَالَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ نَعَمْ قَالَ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ لَا أَعْلَمُهُ قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا فَعُرِفَ الْخَضِرُ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ الْخَضِرُ يَا مُوسَى مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ فِي الْبَحْرِ فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ فَقَالَ مُوسَى قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا فَكَانَتْ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا فَانْطَلَقَا فَإِذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ مِنْ أَعْلَاهُ [ ص: 58 ] فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ فَقَالَ مُوسَى أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَهَذَا أَوْكَدُ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ فَقَالَ لَهُ مُوسَى لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا"
صحيح البخاري / كتاب بدء الوحي/ بَاب مَا يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ إِذَا سُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَيَكِلُ الْعِلْمَ إِلَى اللَّهِ/ حديث رقم : 122 / هنا

المُسَجًّى : المغطى
تَسَجَّى : تغطى
يَنْقَضَّ : يسقط
المِكْتَلٍ : القفة الكبيرة
نَوْلٍ : العطاء والأجر
*يُوشَعَ بْنِ نُونٍ* :
هو يوشع بن نون بن أفرانيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام، وقد ذكره الله تعالى في القرآن بدون ذكر اسمه في قصة موسى والخضر، قال تعالى:وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ [الكهف:60].
وقد جاء تعيينه في صحيح البخاري من رواية أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يوشع بن نون. قال ابن كثير: وقد اتفق أهل الكتاب على نبوته عليه السلام.
وقد ذكر المؤرخون أن الله تعالى فتح على يديه بيت المقدس، وقد خصه الله بكرامة لم ينلها غيره، وهي حبس الشمس له، روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس.*
قال ابن كثير في البداية والنهاية: ولما استقرت يد بني إسرائيل على القدس استمروا فيه وبين أظهرهم نبي الله يوشع يحكم بينهم بكتاب الله التوراة حتى قبضه الله إليه وهو ابن مائة وسبع وعشرين سنة، فكان مدة حياته بعد موسى سبعا وعشرين سنة.
هنا
انظر هنا للمزيد
غزا نبي من الأنبياءِ فقال لقومهِ : لا يتبعنِي رجلٌ ملكَ بضعَ امرأةٍ ، وهو يريدُ أن يبني بِها ، ولمّا يبنِ . ولا آخرَ قد بنَى بُنيانا ، ولما يرفَع سقفها . ولا آخر قد اشترَى غنمًا أو خلفاتٍ ، وهو منتظرٌ ولادِها . قال : فغزَا . فأدنَى للقريةِ حينَ صلاةِ العصرِ . أو قريبا من ذلكَ . فقال للشمسِ : أنتِ مأمورةٌ وأنا مأمورٌ . اللهم ! احبسْها علىّ شيئا . فحبستْ عليهِ حتى فتحَ اللهُ عليهِ . قال : فجمعُوا ما غنمِوا . فأقبلتِ النارُ لتأكلهُ . فأبتْ أن تطعمهُ . فقال : فيكُم غلولٌ . فليبايعنِي من كل قبيلةٍ رجلٌ . فبايعوهُ . فلصقتْ يدُ رجلٍ بيدهِ . فقال : فيكُم الغلولُ . فلتبايعنِي قبيلتكَ . فبايعتهُ . قال : فلصقتْ بيدِ رجلينِ أو ثلاثةٍ . فقال : فيكُم الغلولُ . أنتُم غللتُم . قال : فأخرجوا له مثلَ رأسِ بقرةٍ من ذهبٍ . قال : فوضعُوهُ في المالِ وهو بالصعيدِ . فأقبلتِ النارُ فأكلتهُ . فلم تُحلّ الغنائمُ لأحدٍ من قبلنا . ذلكَ بأن اللهَ تباركَ وتعالى رأى ضعفَنا وعجزَنا ، فطَيّبها لنا الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1747
خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية

- أن الشمسَ لم تُحبَس لبشرٍ إلا ليوشعَ بنِ نونٍ لياليَ سار إلى بيتِ المقدسِ. الراوي: أبو هريرة المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: فتح الباري لابن حجر - الصفحة أو الرقم: 255/6 - خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

فكأن هذه القصة لقاء عظيم رائع ، بين قطب عظيم من أقطاب الشريعة ، وقطب عظيم آخر من أقطاب الحقيقة ، فنحن مع سيدنا موسى مع قطب من أقطاب الشريعة ، ونحن مع سيدنا الخضر قطب من أقطاب الحقيقة .
والشريعة والحقيقة التقتا ، ومن خلال هذا اللقاء العظيم تتضح بعض الحقائق المهمة التي نحن جميعاً في أمس الحاجة إليها ، ومن لقاء قطبي الشريعة بالحقيقة تتضح بعض أسرار القضاء والقدر ، ومنها نعرف معنى قوله تعالى" :
وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ "
(سورة البقرة : 216)
كأن ملخص هذه القصة تلك الآية" : وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ "
(سورة البقرة : 216)
يجب أن تضبط أفعال العباد بالشريعة ، لكن أفعال الله عز وجل تفسر بالحقيقة .
ويجب أن تكون أفعال العباد وفق الحلال ، والمباح ، والمندوب ، والأمر ، ويجب أن تبتعد عن المكروه ، والمحرم ، هناك شريعة دقيقة جداً ، فيها حكم كل شيء ، كل حركة ، وكل سكنة ، وكل تصرف ، وأية علاقة تضبطها الشريعة ، لكن أفعال الله عز وجل علم التصرفات الإلهية ، وسر القضاء والقدر ، فعلم الحقيقة يكشف لنا جانباً منه .
" وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً "
سأسير حقباً طويلة ، سنوات وسنوات ، إلى أن ألتقي بهذا العبد الصالح
انظروا أيها الإخوة ، كم هو ثمين هذا العلم في نظر هذا النبي العظيم ، أحدنا يصرف نفسه عن حضور مجالس العلم لسبب تافه جداً ، يقول : عندي موسم ، أو زارني ضيف ، فهو لسبب تافه يصرف نفسه عن حضور مجالس العلم التي هي مجالس الذكر .

"ما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ تعالى يتلونَ كتابَ اللَّهِ ويتدارسونَه بينَهم إلَّا نزلت عليهمُ السَّكينةُ وغشيتهمُ الرَّحمةُ وحفَّتهمُ الملائِكةُ وذَكرَهمُ اللَّهُ فيمن عندَه"
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 1455-خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية


- " ما اجتمع قومٌ ، ثم تفرَّقوا عن غيرِ ذكرِ اللهِ ، وصلاةٍ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه و سلَّمَ إلا قاموا عن أَنْتَنِ من جِيفةٍ"
الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 5506- خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية

هنا بتصرف

تفسير الشيخ العثيمين:
قوله تعالى: "وَإِذْ " مفعول لفعل محذوف والتقدير «اذكر إذ قال»، يعني واذكر إذ قال موسى لفتاه؛ أي: غلامه يوشع بن نون، وكان موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ ابن عمران قام يخطب يوماً في بني إسرائيل فقام أحدهم وقال: هل على وجه الأرض أعلم منك؟ قال موسى: «لا»، وذلك بناء على ظنه أنه لا أحد أعلم منه، فعتب الله عليه في ذلك، لماذا لم يكل العلم إلى الله، فقال الله ـ عزّ وجل ـ إنَّ لي عبداً أعلم منك وإنَّه في مجمع البحرين، وذكر له علامة وهي أن تفقد الحوت، فاصطحب حوتاً معه في مِكْتَل[
المكتل: شبه الزِّنبيل الذي يحمل فيه التمر أو العنب، يسع خمسة عشر صاعاً (انظر مختار الصحاح، 328، ولسان العرب، ج11 كتل).] وسار هو وفتاه يوشع بن نون، جاء ذلك في البخاري[متفق عليه. البخاري: كتاب: العلم، باب: ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم أن يكل العلم إلى الله، (122). مسلم: كتاب الفضائل، باب: من فضائل الخضر عليه السلام، (2380)، (170).]، لينظر من هذا الذي هو أعلم منه ثم ليتعلم منه أيضاً، كان الحوت في المكتل، فلما استيقظا مع السرعة لم يفتشا في المكتل، وخرج الحوت بأمر الله من المكتل ودخل في البحر.
{ {لاَ أَبْرَحُ} } أي لا أزال، والخبر محذوف والتقدير «لا أزال أسير».
{ {مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} } قيل: إنه مكان الله أعلم به، لكن موسى يعلم، وقيل: إنه ملتقى البحر الأحمر مع البحر الأبيض، وكان فيما سبق بينهما أرض، حتى فتحت القناة وهذا ليس ببعيد، وسبب ذلك أن الله أوحى إليه أن عبداً في مجمع البحرين أعلم منك.
{ {أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} }، أو هنا للتنويع، يعني إما أن أبلغ مجمع البحرين أو أمضي في السير حقباً أي: دهوراً طويلة، وقيل: { {أَوْ} } بمعنى «إلاَّ» أي حتى أبلغ مجمع البحرين إلاَّ أن { {أَمْضِيَ حُقُبًا} } أي: دهوراً طويلة قبل أن أبلغه، لكن الوجه الأول أسد، فتهيئَا لذلك وسارا، وسبب قوله هذا أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن عبداً لنا هو أعلم منك عند مجمع البحرين، فسار موسى إليه طلباً للعلم.

تفسير العثيمين

{{فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا *}}.61
قوله تعالى: { {فَلَمَّا بَلَغَا} } أي: موسى وفتاه.
{ {مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} } أي: بين البحرين.
{ {نَسِيَا حُوتَهُمَا} } أضاف الفعل إليهما مع أن الناسي هو الفتى وليس موسى، ولكن القوم إذا كانوا في شأن واحد وفي عمل واحد، نسب فعل الواحد منهم أو القائل منهم إلى الجميع، ولهذا يخاطب الله ـ عزّ وجل ـ بني إسرائيل في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيقول: } [البقرة: 50: 55]هنا من آية 47-، مع أنهم ما قالوا هذا؛ لكن قاله أجدادهم.
{ {نَسِيَا حُوتَهُمَا} } نسيان ذهول وليس نسيان ترك*، وهذا من حكمة الله ـ عزّ وجل ـ، أن الله أنساهما ذلك لحكمة، وهذا الحوت قد جعله الله ـ سبحانه وتعالى ـ علامة لموسى، أنك متى فقدت الحوت فثَم الخضر، وهذا الحوت كان في مِكْتَل وكانا يقتاتان منه، ولما وصلا إلى مكان ما ناما فيه عند صخرة، فلما استيقظا وإذا الحوت ليس موجوداً، لكنه أي: الفتى لم يتفقد المكتل ونسي شأنه وأمره، هذا الحوت ـ سبحان الله ـ خرج من المكتل، ودخل في البحر وجعل يسير في البحر، والبحر ينحاز عنه.
{ {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} } أي اتخذ الحوت طريقه في البحر.
{ }{سَرَبًا} أي مثل السرب، والسرب هو السرداب يعني أنه يشق الماء ولا يتلاءم الماء، وهذا من آيات الله، وإلا فقد جرت العادة أن الحوت إذا انغمر في البحر يتلاءم البحر عليه، لكن هذا الحوت من آيات الله، أولاً: أنه قد مات، وأنهما يقتاتان منه، ثم صار حياً ودخل البحر ثانياً: أنه صار طريقه على هذا الوجه، وهذا من آيات الله تبارك وتعالى.

تفسير العثيمين
~ * * * ~
*نسيان ذهول وليس نسيان ترك*
نسيان ترك:
الترك عن علم وعمد
{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهََ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }التوبة67
قَوْلُهُ:"نَسُوا اللَّهَ" أي:"تَرَكُوا طَاعَةَ اللَّهِ".فَنَسِيَهُمْ ،أي فتركهم الله من توفيقه وهدايته ورحمته.
وتركه سبحانه للشىء صفة من صفاته الفعلية الواقعة بمشيئته التابعة لحكمته
فمعناه أنهم تركوا أمره حتى صار بمنزلة المنسي، فجازاهم بأن صيرهم بمنزلة المنسي من ثوابه ورحمته هنا
نسيان ذهول هو:
الذهول عن شىء معلوم
مثل قوله تعالى (....رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا...)البقرة286
(
رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا) بالعقاب (إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) تركنا الصواب لا عن عمد . تفسير الجلالين
ومثل قوله تعالى {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }طه115
(
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ) ووصيناه أن لا يأكل من الشجرة (مِن قَبْلُ) أي قبل أكله منها (فَنَسِيَ) ترك عهدنا (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) حزما وصبرا عما منعناه عنه
تفسير الجلالين
ومثاله
صلى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فزادَ أو نَقَصَ ( قال إبراهيمُ : والوهمُ مني ) فقيل : يا رسولَ اللهِ ، أزيدُ في الصلاةِ شيءٌ ؟ فقال : إنما أنا بَشَرٌ مثلُكم . أنسى كما تنسَوْن . فإذا نَسِىَ أحُدكم فليسجدْ سجدتين وهو جالسٌ ، ثم تحوَّلَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فسجَدَ سجدتين
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 572
- خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

وهذا المعنى من النسيان منتف عن الله عز وجل بالدليلين السمعى والعقلى
وهذا المعنى من النسيان منتف عن الله عز وجل بالدليلين السمعي والعقلي
فمن السمعي:
قوله تعالى {قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى }طه52
قال موسى لفرعون: عِلْمُ تلك القرون فيما فَعَلَت من ذلك عند ربي في اللوح المحفوظ, ولا عِلْمَ لي به, لا يضل ربي في أفعاله وأحكامه, ولا ينسى شيئًا ممَّا علمه منها.
التفسير الميسر

ومثل قوله صلى الله عليه وسلم :" - يؤتى بالعبدِ يومَ القيامةِ فيقولُ اللَّهُ لَهُ ألَم أجعل لَكَ سمعًا وبصرًا ومالًا وولدًا وسخَّرتُ لَكَ الأنعامَ والحرثَ وترَكتُكَ ترأسُ وتربعُ فَكنتَ تظنُّ أنَّكَ ملاقي يومَكَ هذا فيقولُ لا فيقولُ لَهُ اليومَ أنساكَ كما نسيتَني"
الراوي: أبو سعيد الخدري و أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2428
خلاصة حكم المحدث:صحيح
الدرر السنية

وأما الدليل العقلي
فإن النسيان نقص والله تعالى منزه عن النقص موصوف بالكمال كما قال تعالى "وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }النحل60
وعلى هذا فلايجوز وصف الله بالنسيان بهذا المعنى على كل حال
مقتبس من كلام الشيخ العثيمين
هنا
~ * * * ~
{{فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا *}}.62
قوله تعالى: { {فَلَمَّا جَاوَزَا} } الفاعل موسى وفتاه { {جَاوَزَا} } يعني تعديا ذلك المكان، قال موسى لفتاه: { {آتِنَا غَدَاءَنَا} } وكان ذلك؛ لأن الغداء هو الطعام الذي يؤكل في الغداة.
{ {لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} } أي تعباً.
وقوله: { {مِنْ سَفَرِنَا هَذَا} } ليس المراد من حين ابتداء السفر ولكن من حين ما فارقا الصخرة، ولذلك طلب الغداء، قال أهل العلم وهذا من آيات الله عزّ وجل فقد سارا قبل ذلك مسافة طويلة ولم يتعبا، ولما جاوزا المكان الذي فيه الخضر، تعبا سريعاً من أجل ألا يتماديا في البعد عن المكان.

تفسير العثيمين
* * *

~ * * * ~
{{قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا *}}.63
قوله تعالى: { {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا *} } أي: قال الفتى لموسى: { {أَرَأَيْتَ} } أي ما حصل حين لجأنا إلى الصخرة، والمراد بالاستفهام التعجب أو تعجيب موسى.
{ {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} } يعني نسيت أن أتفقده أو أسعى في شأنه أو أذكره لك، وإلا فالحوت معروف كان في المكتل.
{ {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} } قوله: { {أَنْ أَذْكُرَهُ} } هذه بدل من الهاء في «أنسانيه»، يعني ما أنساني ذكره إلا الشيطان.
{ {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} }، أي اتخذ الفتى أو موسى سبيل الحوت في البحر.
{ {عَجَبًا} } يعني محل عجب، وهو محل عجب، ماء سيال يمر به هذا الحوت، ويكون طريقه سرباً، فكان هذا الطريق للحوت سرباً، ولموسى وفتاه عجباً، ولنا أيضاً عجب؛ لأن الماء عادة يتلاءم على ما يمر به لكن هذا الحوت ـ بإذن الله ـ لم يتلاءم الماء عليه.
* * *
"قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا *".64
قوله تعالى: { {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} } أي قال موسى عليه الصلاة والسلام: { {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} } أي: ما كنا نطلب؛ لأن الله أخبره بأنه إذا فقد الحوت، فذاك محل اتفاقه مع الخضر.
{ {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} } يعني رجعا بعد أن أخذا مسافة تعبا فيها، ارتدا على آثارهما، يعني يقصان أثرهما؛ لئلا يضيع عنهما المحل الذي كانا قد أويا إليه.
* * *
{{فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا *}}.65
قوله تعالى: { {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا} } وهو الخضر كما صحَّ ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم[(39)].
وقوله: { {عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا} } هل هو عبدٌ من عباد الله الصالحين أو من الأولياء الذين لهم كرامات أم من الأنبياء الموحى إليهم؟ كل ذلك ممكن، لكن النصوص تدل على أنه ليس برسول ولا نبي، إنما هو عبد صالح أعطاه الله تعالى كرامات؛ ليبين الله بذلك أن موسى لا يحيط بكل شيء علماً وأنه يفوته من العلم شيء كثير.
{ {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} } أي: أن الله جلَّ وعلا جعله من أوليائه برحمته إياه.
{ {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} } يعني علماً لا يطَّلِع عليه الناس، وهو علم الغيب في هذه القصة المعينة وليس علم نبوة ولكنه علم خاص؛ لأن هذا العلم الذي اطَّلع عليه الخضر لا يمكن إدراكه وليس شيئاً مبنياً على المحسوس، فيبنى المستقبل على الحاضر، بل شيء من الغائب، فأطلعه الله تعالى على معلومات لا يطَّلع عليها البشر.
* * *
تفسير العثيمين